الجمعة، 28 يناير 2011

محاضرة دائرة روض الرياحين

بمناسبة الاحتفال بذكرى نفي الشيخ أحمد بمب مؤسس الطريقة المريدية "مغال طوبى" نظمت دائرة روض الرياحين محاضرة عامة بقصر الضيافة في طوبى بحضور ممثلي الأسر الدينية والمنظمات الإسلامية وجمهور غفير من الزوار،
كان عنوان المحاضرة "المدينة الفاضلة عند الشيخ الخديم (رضي الله عنه)"
ويمكن تحميل نص المحاضرة بالضغط على العنوان

الأربعاء، 12 مايو 2010

سؤال وجواب عن الطريقة المريدية

وردني من أحد الإخوة النجباء سؤال بهذه الصيغة:
فضيلة الأستاذ،
من محبكم الصافي الوداد إلى شخصيتكم النبيلة أجمل التهاني وأسمى التقدير وأجل الاحترام
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
(…) فقد لاحظنا أن في السنغال طوائف صوفية سنية يُطلق على كل منها اسم خاص ومنها الطريقة المريدية، فنسأل عن مبادئها وشروط التعلق فيها واعتمادها على القرآن والسنة.
تقبل الله أعمالكم وأحسن مسعاكم وأطال عمركم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد، فاعلم أيها الأخ المجتهد النجيب – وفقكم الله وبارك في علمكم – أن منهج الشيخ الخديم رضي الله عنه الذي سار وربى أتباعه عليه واشتهر، فيما بعد، باسم الطريقة المريدية منهج تربوي تجديدي، كان يهدف إلى تجديد المنهاج النبوي الشريف بجميع أبعاده؛ وقد عبر الشيخ عن هذا الهدف السامي في مواضع عدة من كتاباته، يقول رضي الله عنه:
بالمصطفى نويت ما يجــــدد ❊❊ سنتَه الغرآ وإني أحــمـــــد
نظافتُه كلي من اللغو طهَّرت ❊❊ وسنتَه، إن شاء ربي، أبين
وكان يدعو الله كثيرا أن يحقق له هذا الهدف كما في قصيدته "جذب القلوب"
وَبِيَ جَدِّدِ السَّبِيلْ ❊❊ بِلاَ عِــــدًى أَوْ أَلَمِ
وفي قصيدة "تيسير العسير"
صل وسلم ولتبارك سرمدا ❊❊ على الذي سمَّيْتَهُ مُحمَّــدَا
واله وصحبه وبـ"الضُّحى" ❊❊ بي جدِّدَنْ منهجَه مُتضحا
وقد كانت الظروف التي تجلت فيها دعوة الشيخ بحاجة ملحة إلى التجديد، حيث كان المجتمع يعاني فيها معاناة شديدة في جميع جوانب حياته، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من جرَّاء بُعده عن تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم وتفشى حالة الجهل والضلال، وفي تشخيص لهذه الأوضاع يقول الشيخ في "تزود الشبان"
تَنَبَّهُوا يَا أَيُّهَا الــــــــــــشُّبَّــــانُ ❊❊ قَادَكُمُ إِلَى الهُدَى المَــــــنـــانُ
فِي أَنَّ سُنَّةَ نَبِيِّنَــــــــــــا الأَمِـينْ ❊❊ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ كُلَّ حِـــينْ
كَادَتْ تُرَى كَرَسْمِ دَارٍ قَدْ عَفَـا ❊❊ فِي ذَا الزَّمَانِ لِمُضِيِّ الحُنَفَــــا
إِذْ تُرِكَ اقْتِفَاءُ آثَارِ السَّــــلَــــفْ ❊❊ لِبِدَعٍ قَدْ زُيِّنَتْ بَيْنَ الـــخَلَـــفْ
ويقول في "كتابه مغالق النيران"
هَذَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ المـــقْتَــفَى ❊❊ لِكَثْرَةِ الجَهْلِ عَلَى النَّاسِ اخْتَفَى
وَتَبِعَتْهَا سِيرَةُ الصَّحَابَــــهْ ❊❊ ذَوِي الهُدَى وَالنُّورِ والإِجَابـــــهْ
وبغرض إنقاذ الناس من براثن الجهل والضلال ووضْعِ أسسٍ لمجتمع إسلامي حقيقي يعيش دينه بشكل تتكامل وتتناغم فيه الجوانب الروحية والمادية، بحيث تكون المادة مسخرة لخدمة الروح، رفع الشيخ الخديم دعوته التجديدية معتمدا في ذلك على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم. وبعد ما جرَّب مختلف الطرق الصوفية السائدة في عصره ومنطقته، واستفاد من تجاربها وخبراتها، ترقت همته للتمسك مباشرة بالعروة الوثقى والقيادة العليا، النبي صلى الله عليه وسلم لبلوغ غاياته؛ فصرح دون مواربة بتعلقه به واستغائه به عن غيره فقال:
أبايع اليوم الرسول المصطفى ❊❊ بخدمة وأسأل الله الوفآ
بان لكـــــل من له مــعـقـــــول ❊❊ أن وسيلتي هو الرسول


وقد تميزت دعوته بشموليته لأبعاد الدين الإسلامي المختلفة، فأعاد التوحيد والفقه والتصوف إلى التماسك والتكامل والانسجام، فأحيت وجددت روح الإيمان والإسلام والإحسان في القلوب والجوارح، وبزر أتباعه في قوة الإرادة وصدق التوجه إلى الله، فانفردوا باسم المريدين، فصار علما لهم في منطقتهم، واشتهر منهجه التربوي، فيما بعد، بـ" المريدية" نسبة إلى كلمة "المريد" التي تعني : العبد الساعى لنيل رضى خالقه في جميع حركاته وسكناته، كما وصفه الشيخ رضي الله عنه:
إذ المريد لا يريد أبدا ❊❊ غير رضى الرحمن حيث قصدا


مبادئ المريدية
ومن يُمعن النظرَ في تعاليم الشيخ الخديم رضي الله عنه، عبر كتاباته وأساليب تربيته، يدرك مدى تطابقها مع المنهج النبوي الشريف، فقد كان يهتم بتصحيح عقائد أتباعه وعباداتهم وأخلاقهم؛ عن طريق التوحيد والفقه والتصوف، ففي جوابه عن أسئلة واردة من الحاكم الفرنسي حول المريدية والمريدين يعلن بأن المريدية هي "الإيمان بالتوحيد والإسلام بالفقه، والإحسان بالتصوف" وأن المريدين هم المؤمنون المسلمون المحسنون"؛ و يقول رضي الله عنه:
والحق بدءُ العبد بالتوحيد ❊❊والفقه عن تصوف مجيد


فكان رضي الله يُعنى عناية خاصة، في منهجه التربوي، بتزكية النفوس وتطهير القلوب عن طريق المجاهدة والخدمة والعمل مع مراعاة الآداب، ويتم ذلك تحت إشراف شيخ مرشد يهدى المريد إلي الصراط المستقيم ويريه مواطن العثرات . كما يقول الشيخ رضي الله عنه
مَنْ طَـلَبَ الْوُصُولَ لِلْجَلِيــلِ ❊❊ فَلْيَعْتَصِمْ بِسُنَّةِ الرَّسُــــــــولِ
بِأَنْ يُـلازِمَ مُطِيعاً لا يَمِيــلْ ❊❊ فِي ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ عَنِ السَّبِيلْ
يَقُودُهُ بِالْعِلْمِ وَالْعِبَــــــــادَهْ ❊❊ كَمَا يُرَبِّيهِ بِتَرْكِ الْعَــــــــادَهْ
ومن هنا يمكن أن نقول بأن أهم مبادئ المريدية هي : العلم والعمل به وتزكية النفس والخدمة والعمل ومراعاة الأداب.


شروط التعلق
لقد عبر الشيخ عن تعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم بالمبايعة في قوله:
أبايعُ اليومَ الرسولَ المصطفى ❊❊ بخدمةٍ وأسأل اللهَ الوفــــــــــــآ
وقوله:
بايعتُ خير الورى باللوح والقلم ❊❊ لوجه رب الورى ذي اللوح والقلم
وكان مريدوه يبايعونه على امتثال أوامره واجتناب نواهيه فيربيهم ويوجههم، كما أنه أمر كل من يريد السلوك على طريق القوم أن يتخذ شيخا مرشدا يلازمه ويقف عند أمره ونهيه، يقول رضي الله عنه:
ومن أراد القرب من رب الورى ❊❊ فليطلبن شيخا ويتلو الســورا
دوموا على امتثال أمر الـــرب ❊❊ بأمر شيخ واصل مـــــــــــرب
فاسلك على يدي مرب ناصح ❊❊ يقود للإله بالنـــــــــواصــــح
وعلى هذا، يصح التعلق إذا توفرت الشروط التالية
١ - مبايعة شيخ مرشد يربي المريد على منهج الشيخ الخديم
٢- امتثال أوامر هذا الشيخ واجتناب نواهيه
٣- وفي حالة تلقي الورد المأخوذ، احترام شروط الورد
ويلاحظ هنا أن أخذ "الورد المأخوذ" ليس شرطا ضروريا في التعلق، فالشيخ هو الذي يختار للمريد ما يراه مناسبا لحاله.


اعتماد المريدية على الكتاب والسنة.
لا أكون مبالغا إذا قلت إن الكتاب والسنة هما المنهج الخديمي ذاته، كما وصفه العلامة الموريتاني الشيخ سيدي بابَ
أَنْتَ المُرَبِّي بِمَا رَبَّى الأَمِينُ بِهِ ❊❊ حَرْفاً بِحَرْفٍ فَمَا فِي الجِيلِ شَرْوَاكَا
فلم يحِد الشيخ عن الكتاب والسنة قيدَ أنملة، فقد كان متمسكا بهما في حياته الخاصة وفي كتاباته وفي تربيته للأتباع وفي معاملاته كلها، يقول رضي الله عنه
ظهر لي أن اعتصاما بالكتاب ❊❊وبحديث المصطفي هو الصواب
ويقول
بنيتُ طـــاعتي باتبـــــــــــاع ❊❊ بالذكر والحديث والإجمــــــــاع
ويقول أيضا
إلى الله بالقرآن والسنة التي هدتني ❊❊ صرفتُ الكلَّ والقلبُ خاشع

وأقواله، رضي الله عنه، في هذا المعنى لا تعد ولا تحصى، وتأسُّسٌ مبادئ تربيته التي ذكرتها آنفا على الكتاب والسنة غني عن التوضيح والتدليل لظهوره الجلي.
فهذا، باختصار شديد ما يحضرني من جواب عن سؤلك، ولعل همتك العالية توصلك إلى فارس من فرسان هذا الميدان فيأتيك بما يشفي غليلك.


نسأل أن ينفعنا وإياكم ويهدينا وإياكم إلى صراطه المستقيم. والسلام عليكم
سام بوسو عبد الرحمن
يوم الأحد ٢٤ جمادي الأولى ١٤٣١هـ الموافق ٩ مايو ٢٠١٠م

مقالات ذات صلة


الأربعاء، 17 مارس 2010

تحليل قصيدة "ياجملة" للشيخ الخديم رضي الله عنه

بقلم / أبو مدين شعيب تياو الأزهري

جوّ القصيدة:
اتهم الشيخَ أحمد بمبا المستعمِرُون الفرنسيُّون بحيازة أسلحة فتاكة، واختلقوا أنه يستعدُّ لمهاجمتهم واستئصال شأفتهم، مما دعاهم إلى بعث جواسيس شطر منازل الشيخ- رضي الله عنه- للتأكد من صحة الخبر، لكن ذلك لم يجرّ إليهم إلا خيبةً ووبالاً، حيث عادوا بخفَّيْ حُنينٍ، ولم يكتشفوا فيها شيئا من هذا القبيل. وهذا - بكل تأكيد - ما دفع أديبنا – رضي الله عنه- إلى كتابة هذه القصيدة، تبكيتًا لهم على تقوّلهم وسوء ظنهم، ونقضاً للافتراءات التي أُلْصِقتْ بجنابه الطاهر.
* * * * * * * * * * * * * *
التحليل:
استهلّ الشّاعرُ المفلقُ قصيدته الدالية من بحر الكامل بالتشنيع على المستعمِرين وتوبيخهمْ على الضلال المبين الذي أمسك بخِطَامِهم وأوْلجهمْ في جُبّ الكُفر والتّثليث، فدفعهم العِنادُ والجبروتُ وتسويلُ الشيطان لهمْ إلى الإشراك بالواحد الفريد الذي تنزَّهَ عن والدٍ وعنْ ولدٍ. ولا جَرَمَ أنَّ ذلكَ ما أهاجَ مشاعرَ العبد الخديم، ودفعه إلى الاستهلال بهذا المطلع الذي هُو أشدّ عليهم مِنْ وقْعِ السِّنانِ على النُّحُور.
وأول ما يلفت انتباهنا في هذه القصيدة الرائعة هو ما تبلْوَرَ في مطلعها من جُرأة الشاعر وشجاعته وأَنَفَته وعدم اكتراثِهِ للمُستعمِر الفرنسيّ الطاغي، وكذلك صِدقُهُ وإخلاصُهُ، فالكلماتُ تصدُرُ بحقٍّ عن قلبٍ مُفْعَمٍ بالإيمان، مَليءٍ بالتوحيد، مُوقِنٍ بأن لا سبيل إلى استرجاع المجد الإسلامي التليد العريق إلا باستئصال شأفة الاستعمار من جذورها ومَحْقِ آثارها من ديار الإسلام السنغالية والإفريقية.
ولا بُدّ من التنويه أيضًا بأنَّ النداء في قوله:(يا جملةً قد ثلثوا...) ليس على حقيقتِهِ، وإنما الغرضُ منهُ التَّأْنيبُ والتَّثْريبُ، وكذلك الاستهزاءِ والسُّخْرية، إذ لو تفكّروا في خلق السموات والأرض لعلمُوا علماً لا يشوبُهُ أدنى شكٍّ أنَّ الإلهَ واحدٌ، وأنْ لوْ كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفَسدَتَا. كما أنَّ فيهِ لفتاً وشدّاً لانتباههم إلى أن يتفطّنُوا للكلمة التي سيقولُهَا لهم، وإلى أنْ يتيقّظُوا للمنهج السلميّ في الجهاد الذي سيُميطُ عنه اللثام لاحقاً.
وبعد هذا التقريع والتفهيم اللذَّين استهلّ بهما الشَّاعرُ داليته هذه، ابتَدَرَ دون تسْويفٍ إلى كشف القناع عن السببِ الخَلِق الملفَّقِ وراء تغريبه ونفيه إلى موريتانيا، والذي يتجسد في أشياء ثلاثةٍ: الأول كينونته (عبد الإله) والذي يعني - عندهم - التّمرد والشُّرود وعدم الانضباط بالقوانين الوضْعيَّة، والثاني: أنه (مجاهد) أي سَاعٍ إلى زعزعة الأمنِ وهِراقةِ الدماء ومحاولة السطوِ بهم والتسلّط على الشعب، بدليل توافدهم عليه والتفافهم من حولِهِ وتعظيمِهِمْ إياه؛ « فلا يتَنَخّمُ نُخَامَةً إلّا وَقَعَتْ فِي كَفّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلّكَ بِهَا جِلْدَهُ وَوَجْهَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدّونَ إلَيْهِ النّظَرَ تَعْظِيمًا » . والثالث: أن في حوزته (المدافع) مما يُوَكّد مصداقية التهمتين الأولى والثانية - أي التمرد والجهاد - حيث احتاز الأسلحة الفتاكةَ من غير استئذانٍ، مما يدل على التشمّر والاستعداد للجهاد والقتال.
ولا شكَ أنّ كُل ّذلك لم يكن، فما هو إلا وسائل يحاولون التذرّع بها من أجل إشلال حركته والقضاء عليه، ممّا بَعَثَهم في نهاية المطافِ على إخراجه من وطنه ونفيه إلى الجزر النائية حتى يكونوا في مأمنٍ منه ويذهبَ ما بهمْ من فَرَقٍ وقَلقٍ. وذلك بكلّ تأكيدٍ ما تفطّن له الشاعر المُجيد فعبّرَ بـ(ظنَنْتُم) إِيماءً إلى عدم اتضاح البراهين والحجج التي اعتمدتها السلطة النصرانية في إيقافِهِ وإلى الضّبابِية الهائلة التي تتراكم عليها. كما أنّ فيه إيماءً آخرَ إلى تفَطُّنِهِ للخُطط التي ينصبُهَا العُلُوج من أجل طمس هوية الإسلام والقضاء على الزعماء الدينيين والإصلاحيين. فضلا عن ذلك ففي قوله:(والكُلُّ منكُمْ ذُو قلًى ويُحاسدُ) تلميحٌ جليٌّ إلى السبب الحقيقيّ لأسرِهِ وتغريبهِ، فلا ينْأَى عن البُغض الشديد الذي كان يُكنُّهُ له وُكلاءُ المستعمِر المرتزقون، وعن الحسدِ المُفرط الذي كان يسْتكنّ في قُلُوبِ شُيُوخِ السُّوء؛ أولئك الذين كانوا يُزلقونه بأبصارهمْ ويعضّون عليه الأنامل من الغيظ، ويضيقون ذرعاً بالجماعات الغفيرة التي كانت تحُجُّه رجالاً وركباناً، وتضرب إليه آباط الإبل من أقاصي البلاد، فهمْ - دون أدنى شك - من قال الشاعر في شأنهم:[من الرجز]
إذ بان جهرا أنما شيوخُ هذا الزمان جلهم فخوخُ
وبعضهمْ يركن للتصدر إلى رياسة بلا تستر
ولم يميزْ بين فرض وسننْ ويجذب الورى لموجب الفتنْ
ويدَّعي الكمال والولايهْ يدهَى الورى بكثرة الروايهْ
وإن مدحت عنده شيخا سواهْ أغاظَه لحسدٍ وحبّ جاهْ
وحيثما تذكرْ بهجوٍ غيرَهُ يفرحْ وَلَوْ دَرَى الجميع خيرَهُ
ولا يسُرُّهُ سوَى انفرادِ بالذكر والمدح لدى العباد
وحيثما يملْ لغيره أحدْ مُسترشِداً يهُجْ غرامَه الحسدْ

* * * * * * * * * * * * * *
وبعدما أنهى - رضي الله عنه - تَشنيعَهُ على المستعمِر، وبعدما سردَ التهم والافتراءات التي كيلت له طَفَر إلى نقضها نقضاً عنيفاً وإبطالها أيَّما إبطالٍ، فأقرّ لهمْ دون خوفٍ ولا تردّدٍ بأنّه عبد الله وخديم رسوله - صلى الله عليه وسلم - لذلك فلا يخضعُ لغيره ولا يعترف بملكٍ غير ملكهِ سبحانه وتعالى، ولا يصرفه صارفٌ عن خدمة محبوبه - صلى الله عليه وسلم - بتعليمه الخلقَ وتربيتهمْ وتوعيتهمْ وتبيين معالم الحقّ لهم حتى يكونوا في الْمُنْتَهَى مُؤمنينَ مسلمينَ محسنينَ. كما أقرّ بأنه مجاهدٌ لكن لا يجاهدُ لعصبيةٍ ولا لاسترداد ملكٍ زائلٍ ولا لابتغاء مغانمَ كثيرةٍ - كما كان ذلك ديدن جل سالفيه - بلْ يجاهِد لتكون كلمة الله هيَ العُليا، ولينصر الدين الحنيف، ولينفيَ عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
وبعدَ ذلك انثنى الشاعر إلى بيان الطريقة التي سيتبناها في المقاومة والنضال، وإلى الأسلحة التي سيستخدمها في مناهضةِ الكتائب الاستعمارية، ناحياً في ذاك كله منحىً آخر مخالفاً نهجَ مَن سلفوه جملةً وتفصيلاً؛ فهو لا يجاهدُ العدوّ الاستعماريّ اللدودَ بالسيوف المَشْرفِيّة وبالأرماح السمهريّة، بل يجاهدهُمْ بالسلاح المعنويّ أي بالعلوم وبالتقى، وينبُذُ العنفَ بالعراءِ، ويجعل اللاعنف1 الوسيلة الأنجع والأسلوب الجهاديّ الأمثل، لأنّهُ أبْعدُ مدًى وأكثرُ فعاليةً وأبلغُ تأثيرًا، وهذا بكل تأكيد ما يعبر عنهُ في بيت آخر بقوله:[من الرجز]
أُجاهدُ الكُفار بالآياتِ وَبالأحاديثِ بلا التفاتِ

هذا، ولقد احترس الشاعر بقوله:(إني لوجه الله...) احتراساً2 حسناً حتى لا يُتَوهَّم أنه يجاهد من أجل الحصول على متعةٍ دنيوية أو شيءٍ من هذا القبيل، وبقوله:(إني أجاهد بالعلوم...) حتى لا يُتوهَّم أيضا أنه يستخدم العُنف في هذا المشروع الدّعَويّ الجهاديّ.
ثم شرعَ الشاعرُ الفَحْلُ يُبْرِزُ حقيقةِ جِهادِهِ وعن حقيقةِ أسلحتِهِ المعنويةِ التي قصم بها ظهر كُل مُتكبرٍ جبّارٍ، وقصّ بها عُنقَ كُل كرّارٍ وفرّارٍ؛ فبالتوحيد بَتر عُنق كل مشركٍ ومُثَلِّثٍ، وبالذكر الحكيم استأصل شأفة كل جحفلٍ عرمرمٍ، وبالحديث الشريف أصاب كبد كل مُبتدعٍ وأعمله في إزاحة البدع التي يُحدثها أعداء السُّنة البيضاء، كما فَقَأَ بالفقه عُيُون أصحاب الشُّبهات والدّعاوَى، أمّا التصوفُ السنّيُّ المنقَّى من كُلّ الشوائب فهُو الذي يُطلعُهُ على خبايا النُّفوس ويلْهمُهُ ما يسْتكنُّ فيها من الأمراض الوبيئة كالكبر والحسد، وذلك بحقٍّ ما يُمَكِّنه من وضع البلسم الشافي والدواء الأنجع للأمراض والأدواء التي يعاني منها المريدُون السالكُون.
ثمّ أنهى الشاعر - رضي الله عنه - ملحمته الجيدة السبك المحكمة الحبك بالثناء على الأسلاف الذين حموْا بيضةَ الإسلام، وحافظُوا على العقيدة الإسلامية نقيّةً وصافيةً، واصطانُوها عن أعلاق الشرك والوثنية، ونصح بعضهم لبعضٍ، فكانوا مُتواصّين بالحقّ مُتواصّين بالصبر. كما أعرب في غضون ذلك عن ثقته بربه وتوكله عليه واكتفائه به وليًّا وحفيظاً ونصيراً، فكان ذلك حِماءً له عن كل عدوٍّ لدودٍ، ووِقاءً عن كل قالٍ وحسودٍ.
ويلحظ القارئ كيفَ اسْطَاعَ الشاعِرُ ببراعته وألمعيته أن يغترف معجم قصيدته من تَرسانة أعدائه، ويوظف الكلمات التي تدل على السطو والقهر والقُوّة مثل:(سيفي، مدافعي، رماحي، السهام، يتجسس الأسرار لي، يدمدم، يفري، أزحزح .....) وغيرها مما جعل القصيدة فريدة من نوعها، وأكسبها روعةً وجمالاً. كما يَلمس في ثناياها عاطفة الشاعر الجيّاشة، ورغبته الجامحة في الإصلاح والتجديد، والمحبة الصادقة والمودّة الخالصة اللتين كان يكنهما لمولاهُ سبحانه وتعالى، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم- وغير ذلك مما يدعوهُ بين الفينة والأخرى إلى وصفهما بالنعوت الجميلة والأوصاف المحمودة، نحو:( رب إله واحد، أكرم بربٍّ، وهو الصبور الماجد، وهو الكريم الواجد - وهو الحامد، وهو المقدم الشفيع الشاهد، نعم المقدم في الكرام جميعهم... إلخ).
ثمّ إن المطّلع على القصيدةِ قد يشتمُ فيها بغْض الشاعر الشديد للمستعمرينَ، ومُعاداتهُ لهم، وازدراءَهُ بهم، علماً أنه لم يُناصبْهمْ العَداءَ إلاّ في الله3، ولم يَقْلِهِمْ إلاَّ لإشراكهم بهِ واتخاذهم أنداداً من دونه، مما هيّج شعورَه الدينيّ وغَيْرَته الإيمانية ودفعه إلى وسْمهم بالنُّعوتِ الدالّةِ على الدُّونية والوَضاعة والصّغار، مثل:(قد ثلثوا بضلالهم، تباًّ لقومٍ ثلَّثُوا، أفٍّ لقومٍ أشركوا، أهل كتْب قد طغَوا، شِرارٌ، تنازعوا ، حاسد، جُبّأ، وذكورهم غُلْفٌ....إلخ) وهذا الأخيرُ كفاهمْ وصمةً لا تزول عن جبينهمْ إلى يوم القيامة.
هذا ويُلحظُ في الأبيات كيف حاول شاعرنا أنْ يقلّلَ من الصور البيانية ومن المحسّناتِ البديعية، ويصدفَ عن التصريع الذي تعوّده في قصائده، وذلك لأنه يخاطب العقل ويهدف إلى الإقناع، ولأنه يريد أن يقتلع التقولات من جُذورها، وينتزع التخمينات من بُذُورها وليُفَنِّدَ الدعاوَى المفتراةَ والمُوشَّاةَ، حتى يعلم المستعمِر وكذلك وكلاؤُهُ أنه لا يبتغي عرض الحياة الدنيا في جهادهِ، وأنْ ليس همُّه إلاّ رفع راية الإسلام خفّاقَةً عاليةً لا بالسيوف والمدافع، لكن بالسِّلمِ وبالعلم النافع. كما تُلحظَ فيها غلبة الأسلوب الخبريّ على الإنشائيّ لأنّ المقام مقام برهنةٍ وتدليلٍ، ودحضٍ وإبطالٍ للشبهات الملفقة والمزاعم المختلقة.
وختاماً بدأ الشاعر يتضرّع إلى ربه – سبحانه وتعالى – شاكرًا له ومُثنياً عليه، داعيًا أن يجود له بنعمٍ وافرةٍ تفوق مظنُونهُ، وأن يُغنيَهُ في الدارين حتى يكون في غُنْيَةٍ عمّن سواهُ، وأن يُؤَيّده وينصره نصراً عزيزاً حتى يُقيم الدينَ، وينْفيَ بالكلية الإلحاد منَ الأرض.

أبو مدين شعيب تياو الأزهري الطوبوي
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
شعبة اللغة العربية وآدابها
تطوان/المغرب
madyanaabo@gmail.com

الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

البعد السياسي والديني للموقف السويسري بمنع بناء المآذن

مداخلة في طاولة مستديرة حول
" القرار السويسري بمنع بناء المآذن "
نظمت بفندق لاتجور بمدينة تياس السنغالية بتاريخ ٢٩ ديسمبر ٢٠٠٩
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


تمهيد:
في ٢٩ من شهر نوفمبر الماضي فاجأ السويسريون العالم بالتصويت لصالح منع بناء المآذن في سوسرا وأصبحت هذه القضية، التي فرضت على الساحة مسألة الإسلام في الغرب، شغلا شاغلا لكثير من المفكرين ورجال الإعلام في العالمين الغربي والإسلامي على حد سواء على اختلاف زوايا النظرة إليها.
فلم يعد من الممكن تجاهل القضية وغض النظر عنها من قبل المثقفين المهتمين بمصير العلاقات بين الأمم وبشكل خاص الشباب المسلم، المهتم أساسا بمستقبل الحوار بين الأيان والثقافات. ومن هنا تأتي أهمية النظـر إلى أبعاد القضية الساسية والدينية.
وسنتعرض في هذه العجالة لتلك الأبعاد، بعد تحديد السياق الذي ظهرت فيه القضية وتقديم لمحة وجيزة عن الإسلام في سويسرا.

أولا : لمحة عن الإسلام في سويسرا

الإسلام هو أحد أبرز الديانات في سويسرا؛ وفق أحدث الإحصائيات يوجد ٤٠٠،٠٠٠ مسلم يعيشون في سويسرا مشكلين حوالى ٥ % من مجمل تعداد السكان، من بينهم ٤٨،٠٠٠ يحملون الجنسية السويسرية. ومن الجدير بالذكر أن الإسلام ليس ديناً معترف به رسمياً في البلاد. المسلمون منتشرون بشكل متساو في مناطق سويسرا وذلك على خلاف ما هو عليه الحال في العديد من الدول الأوروبية الأخرى، حيث يتركز المسلمون في مناطق بعينها.
ومعظم مسلمي سويسرا هم في الأصل من يوغوسلافيا السابقة (56.4%، جاء معظمهم من البوسنة والهرسك وكوسوفو وجمهورية مقدونيا) في حين جاء 20.2% منهم من تركيا.(١)

من الناحية التاريخية فقد استقر بعض المسلمين العرب والبربر في كانتون فاليز منذ القرن العاشر الميلادي. ويوجد في سويسرا نحو 120 مصلى في مختلف أرجاء البلاد، ونحو 100 مصلى غير رسمي. وقد رفض مجلس مدينة برن عام 2007 خطط بناء أحد أكبر المراكز الثقافية الإسلامية في المدينة. وتوجد بالفعل أربعة مساجد لها مآذن في البلاد، ويسري قانون حظر المآذن على المساجد الجديدة التي يتم بناؤها في البلاد.

ثانيا: سياق قضية حظر بناء الماذن في سويسرا

من الصعب أن نفصل قضية الاستفتاء عن السياق العام المتمثل في الحالة التي يعيشها المسلمون في الغرب والنظرة السائدة إلى الإسلام بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وصعود اليمين المتطرف في كثير من البلدان، الأمر الذي ساعدت على إثارة قضايا مشابهة في دول أوروبية أخرى كقضية الحجاب في فرنسا وبناء المساجد في ألمانيا.

فمنذ سقوط الشيوعية ينظر كثير من اليمينيين إلى الإسلام باعتباره الخطر المهدد لوجود الغرب كحضارة متميزة تسعى إلى الهيمنة على بقية شعوب العالم، بالإضافة إلى تزايد عدد المسلمين في أوروبا بشكل مستمر.
وقد لعبت وسائل الإعلام دورا خطيرا أيضا في تقديم صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين وخلق حالة من الذعر الدائم إزاءه وتأجيج مشاعر الكراهية ضد المسلمين، لدى عدد لا بأس به من شعوب الدول الغربية.
فهذه الظروف مجتمعة تضفى على قضية الحظر أبعادا سياسية ودينية نشير إلى بعضها فيما يلي

ثالثا : الأبعاد الدينية لقضية حظر بناء المآذن

إن البعد الديني لهذه القضية حاضر بشكل مكثف؛ فالمنع ينصب أساسا على رمز ديني وهو المنارة لارتباطها بالمسجد وبالتالي بعماد الدين: الصلاة، وإن لم تكن ضرورية أو فريضة بذاتها.

وإذا تأملنا نجد أن من الجهات التي قادت الحملة لصالح منع بناء المآذن الاتحاد الديمقراطي الفدرالي UDF وهو حزب مسيحي محافظ، صغير ولكنه نشط ومعروف بانتقاداته للإسلام وتأييده للإسرائيل والصهيونية بناء على تفسيرات لنصوص إنجيلية.

ومن جهة أخرى، تَعتبر الأوساط المعادية للإسلام أن انتشار هذا الدين في أوروبا بمثابة غزوة غير مسلحة وستتلوها هيمنة إسلامية تصل إلى فرض نظام شرعي إسلامي، فحظر المآذن بالنسبة لهذا التيار يشكل إشارة قوية لوقف هذا المد الإسلامي، وقد وصفه البعض بأنه محاولة لـ "قطع رقاب المساجد" بأن يتم طمس هويتها، وذلك للحد من انتشار الإسلام في سويسرا وللحفاظ على هوية البلاد من الغزو الثقافي الخارجي لتلك الدولة صغيرة الحجم قليلة السكان.
فمسألة الهوية الدينية لسويسرا كانت إذن مطروقة طيلة الحملة السابقة للاستفتاء، ولكن هذا البعد الديني يتضافر مع الأبعاد السياسية للقضية، ولذا نري منظمة العفو الدولي في إعلانه يضطر لوصف هذا المنع العام لمآذن منافية لحقوق الإنسان. وكيف نوضح البعد السياسي؟

رابعا : الأبعاد السياسية لقضية الحظر

إن إلقاء نظرة إلى الرموز المستخدمة في الحملة تؤكد الطابع السياسي أو الاستغلال السياسي للقضية، فقد استغلت الأحزاب اليمينية المتطرفة القضية لإشاعة مزيد من حالة الذعر والخوف تجاه الإسلام بين أفراد الشعب السويسري بهدف تكريس وجودها وصعودها، ومن اللافت للانتباه أن الملصق الذي روجته حملة مناصرة حظر المآذن يتضمن مجموعة من المآذن تظهر وتتنامى على العلم السويسري على شكل صواريخ، ويوجد ملصقا آخر تظهر فيها مستشارات وهن محجبات.

وقد كانت الظروف مواتية لهذا التوظيف السياسي لأسباب منها:

- القلق من الهجرة المتزايدة للمسلمين؛ فسويسرا دولة تحتضن عددا مهما من المهاجرين، ومثلما هو الحال في أي مكان آخر بالعالم، فإن التنامي السريع في أعداد سكان أجانب يثير ردود أفعال، خاصة فيما يتعلق بالمسلمين، الأمر الذي يرجع في معظمه إلى طابع الصراع المهيمن على تاريخ علاقات الإسلام بأوروبا الغربية.

- بعض الحوادث التي استغلت إعلاميا لتأجيج مشاعر الكراهية ضد الإسلام فعلى سبيل المثال حاول بعض وسائل الإعلام تصوير اعتقال رجلي الأعمال السويسريين في ليبيا على أنه عملية إذلال لسويسرا من قبل دولة مسلمة.

الخاتمة
فهذه بكل إيجاز إشارات إلى بعض الأبعاد الدينية والسياسية التي تكمن وراء حظر بناء المآذن في سويسرا. وإذا نظرنا إلى طبيعة المئذنة بذاتها من الناحية الشرعية البحتة قد نميل إلى التقليل من شأن القضية، ولكن إذا أمعنا النظر في هذه الأبعاد والنوايا المعلنة لمناصرى المنع ندرك خطورة الموقف. فهؤلاء المتطرفون يعتبرون هذا الفوز بداية لخطوات أخرى في سبيل محو الهوية الإسلامية لمسلمي أوروبا وغلق أي باب للحوار مع الحضارة الإسلامية التي لا حق لها في نظرهم في التعايش معهم بعد فشلهم في وقف انتشار الدين الإسلامي فيها.

في الوقت الذي بدأ بعض المتعقلين من الغرب ينتبهون من غفوتهم ويرفضون اطروحات هنتجتون العنصرية، وبدأ نجم المحافظين الجدد في الأفول بعد سقوط الجمهوريين في الولايات المتحدة، واتجهت دول إسلامية مهمة نحو توثيق روابط الحوار، في هذا الوقت بالذات، يجدد اليمينيون المتطرفون في الغرب نشاطهم في تأجيج أوار الكراهية ضد الإسلام والمسلمين.

ولكن ينبغي على المثقفين المسلمين بما لهم من مسؤولية جسيمة في توصيل رسالة الإسلام وحضارته إلي العالم السعي، بالمقابل، لإفشال مخططات اليمينيين المتطرفين، وذلك بالتعامل مع القضية تعاملا عقلانيا يُظهر لغالبية السويسرين المغترين خطأ موقفهم وقبحَ نوايا المتطرفين ويفسح الطريق لمواصلة الحوار بين الأديان والثقافات، وبهذا نقدم للإسلام خدمة جليلة، نسأل الله أن يوفقنا لذلك!.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
سام بوسو عبد الرحمن

(١) انظر موقع wikipedia.org
ولمزيد من التحليلات انظر في مرصد الأديان http://religion.info/french.shtml

الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

اللاعنف في تعاليم الشيخ الخديم *

اللاعنف في تعاليم الشيخ الخديم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في هذا اليوم ١١ نوفمبر يحتفل بعض المريدين بذكرى عودة الشيخ الخديم من منفاه سنة ١٩٠٢، ويتردد كثيرا في هذه المناسبة الحديث عن الدرس الذي قدمه الشيخ للبشرية عن العفو والدفع "بالتي هي أحسن"، وفيما يلي نص المحاضرة التي ألقيتها بتاريخ ١١ نوفمبر ٢٠٠٣ ضمن فعاليات الاحتفال بالذكرى المئوية لهذا الحدث في داكار بعنوان "اللاعنف في تعاليم الشيخ الخديم (ض)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته ومن ولاه
إن الله سبحانه وتعالى جعل حياة الإنسان ابتلاءا يقول تعالى : " الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا " [الملك ،٢)
وما زال هذا الإنسان، منذ هبوط أبيه آدم إلى ظهر هذه البسيطة، تتعرض لأزمات ومشكلات تكدر صفو حياته وتقطع عرى تماسكه وتهدد أمنه وسلامته، مثل مشكلات الفقر والنزاعات والصراعات العنيفة.
ومن فضل الله وحكمته أنه ما زال يبعث رسلا يهدون الناس وسط تلك الغابة من الظلمات بنور تعاليمهم الإلهية، إلى أن ختم هذه الرسالات برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومن مزايا هذه الأمة أن مَنَّ الله تعالى عليها بمجددين يجد الناس في حياتهم وتعاليمهم حلولا شافية لمشاكلهم ويسترشدون بهديهم إلى سبل النجاة عند اشتداد الأزمات .
ومن هؤلاء المجددُ الفذ خديم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نجد في تعاليمه أفضل الأجوبة لما يعانيه المجتمع بصفة خاصة والجنس البشري بصفة عامة .

وسنحاول في هذه العجالة أن نتعرف على موقفه تجاه واحدة من أكثر المشاكل تعقيدا وأكثرها تهديدا لحياة الإنسان ألا وهي: مشكلة العنف وما قدمه من حلول لاستئصال هذا الداء .
فقبل مارتين لوتر كنج ومهاتما غاندي المشهورين بترويج فكرة " اللاعنف " لدى الغرب، فقبلهما بقرون عديدة جاء الإسلام بمبادئه السامية في ترسيخ السلام والأمن في المجتمع الإنساني وجاء شيخنا الخديم ليقدم ترجمة حية وتطبيقا واقعيا لهذه المبادئ وهذا ما نريد توضيحه.

وسنحاول استعراض مفهوم اللاعنف في الفكر الغربي ثم في الفكر الإسلامي قبل أن نبين كيف جسد الشيخ هذا المبدأ في أجمل صوره وأسمى معانيه، سائلين الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ويبارك خطواتنا إنه سميع قريب مجيب الدعوات .

  • اللاعنف في الفكر الغربي:
في الثقافة الغربية عندما تذكر فكرة اللاعنف (non-violence ) يراد بها الموقف المتمثل في مكافحة الظلم بدون اللجوء إلى القوة (l'attitude qui consiste à combattre l'injustice sans avoir recours à la force) ويعرفونها بالمذهب الذي يوصى بتجنب استعمال العنف في العمل السياسي مهما كانت الظروف (doctrine qui recommende d'éviter la violence dans l'action politique en toute circonstance) .
و عند مفكرى الغرب، يعتبر الهندي" مهاتما غاندي " (1868 – 1948) أكبر مُنظر وممثل لهذه الفكرة كخطاب سياسي وكخطة استراتيجية للمقاومة؛ وبالنسبة لغاندي فاللاعنف هو القدرة على قطع سلسلة " العنف ضد العنف " وقد استعمله في مقاومته للاحتلال البريطاني للهند .
ويعتبر مارتين لوتر كينج ( 1929 – 1968 ) من منظري فكرة اللاعنف ، وقد كان مناضلا من أجل حماية ورعاية حقوق الأمريكان السود واندماجهم في المجتمع الأمريكي المتعصب في عنصريته للبيض آنذاك.
وكلا الشخصين استعملا "اللاعنف" كاستراتيجية فعالة لتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية. ومهما كان نجاحهما السياسي والاجتماعي، فقد ماتا مقتولين ووقعت بعد وفاتهما أعمال عنف جسيمة راحت ضحيتها عديد من الأرواح.

ففكرة اللاعنف إذن دخيلة في الثقافة الغربية فهي معزوة إلى رجل شرقي وآخر من أصل إفريقي ، أما المعروف لدى الغرب فهو استعمال العنف والاضطهاد والغزو متى دعت إلى ذلك مصالحهم . والشواهد على ما ذكرنا لا تحصى ابتداء من الحروب الصليبية إلى السياسية الاستعمارية والتوسعية مرورا بالحربين العالميتين إلى جانب ما ينفق الآن من مبالغ مذهلة وخيالية لإنتاج أسلحة فتاكة ، فالعلاقات عندهم مبنية فقط على موازين القوى (rapport de force ) لا غير .
وحين يرى الفكر الغربي اللاعنف كمجرد خطاب سياسي وإستراتيجية للمقاومة فالإسلام ينظر إليه بعيون مختلفة .

  • اللاعنف في الفكر الإسلامي.
إن رسالة الإسلام من أساسها رسالة سلام ورحمة للبشرية جمعاء يقول تعالى مخاطبا لرسوله: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " [ الأنبياء 107].
ومن أهم مقاصده المحافظة على الأمن والاستقرار على ظهر البسيطة لكي يتمكن الإنسان من القيام بمهمته الأساسية. والعلاقات الإنسانية في المنظور الإسلامي مبنية على مبادئ السلم والسماحة والاحترام المتبادل لا على منطق القوة والسيطرة والعنف ، سواء كانت بين المسلمين أنفسهم أو بينهم وبين غيرهم .


العلاقة بين المسلمين :
فقد رفع الإسلام الأخوة الإيمانية إلى منزلة أعلى من أخوة النسب يقول تعالى " واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا [ آل عمران 103] ويقول تعالى " إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم [ الحجرات 10 ].
وجعل من شروط كمال الإسلام لدى المرء سلامة المسلمين من شره، ووصل إلى حد النهي عن الإشارة إلى المسلم بالسلاح ولو على سبيل المزاح.


العلاقة بين المسلمين وغيرهم:
وفي تنظيم علاقة المسلمين بغيرهم وضع الإسلام قاعدة أصيلة وهي السلم والاحترام والبر وعدم الاعتداء، يقول تعالى " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم [ الممتحنة ] ويقول جل وعز " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله . [الأنفال 6 ]" فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم من سبيل [ النساء 90].

والإسلام أعطى للإنسان حقا شرعيا في رد المعاملة بالمثل كما قال تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم "[ البقرة 194]. لكنه فضل العفو والإحسان إلى المسيء يقول تعالى في محكم تنزيله " ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن "[ فصلت 34] "ادفع بالتي هي السيئة " [ المؤمنون 96] فاصفح عنهم وقل سلام " [ الزخرف 89] إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفو عن سوء فإن الله كان غفورا قديرا " [ النساء 149].

ومن أهم المبادئ التي أرسخها الإسلام ويدل على سماحته مبدأ حرية العقيدة وحق الإنسان في الاختلاف دون أن يمس بأي أذى أو يحاسبه أحد غير خالقه، يقول تعالى " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [ الكهف 29 ] لا إكراه في الدين " [البقرة ]وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون [ الحج 68 ].

ولم يكتف الإسلام بذلك بل وضع قيما تحقق السلام وتضمن الأمن وتبعد خطر العنف ومن أهم هذه القيم :
  1. العدالة وعدم حرمان ذوى الحقوق من حقوقهم يقول تعالى " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " [ النساء 85 ].
  2. التعارف والتعاون وإزالة الحواجز المصطنعة بين الطبقات وبين والشعوب ، يقول تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم "[ الحجرات 13] " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا " [ البقرة 29 ] لكي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم " [ الحشر 7].
  3. الاحترام المتبادل وعدم احتقار أحذ بسبب جنسه أو لونه أو نسبه يقول تعالى " ولقد كرمنا بني آدم " [ الإسراء 70 ] وقال سبحانه " يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم ولا نساء من نساء عسى أن يكونوا خيرا منهم " [ الحجرات 11].

فهذا هذا هو الإسلام بمبادئه السمحة ، وإن كان واقع المسلمين في بعض الأحيان وفي بعض المناطق، يعكس صورة مخالفة لأسباب متعددة، والشيخ الخديم رضي الله عنه قد جسد هذه المبادئ في أروع صورها فكرا وعملا وبشكل لم يشهد التاريخ مثله .

  • الشيخ الخديم رضي الله عنه واللاعنف
فالشيخ الخديم رضي الله عنه، تجسيدا لروح الإسلام وتعاليمه السامية، تبنى في جميع مراحل حياته مبادئ السلم واللاعنف بصورة إيجابية ناجعة، وقد تجلى ذلك في كتاباته ومواقفه العملية، كما سنوضحه على الأوجه التالية .

أولا : بين أن الهدف الأساسي لمهمته ورسالته يكمن في تجديد الدين وإنقاذ الناس من براثن الجهل وحماية قومه وتحريرهم من جور الملوك الطغاة وسيطرة المستعمرين الغزاة، يقول رضي الله عنه :
دين سوى إسلامه لا يحمد ** عند الإله وبه نجدد
ولكن الشيخ أراد واختار أن يكون جهاده لتجديد الدين وإنقاذ قومه جهادا سلميا لا يرافقه عنف ولا ألم ولذا يقول في ابتهالاته ومناجاته في قصيدة "جذب القلوب" :
بعد صلاة لا تزول ** بالآل والصحب العدول
وبي جدد السبيل ** بــــلا عـــــــدى أو ألـم
وفي [ مواهب النافع ]
أصلحت حالي ** بلا ارتحــــــالي ** بي اهد عيالي ** بــــلا بكــــــاء

ثانيا: استعمل الشيخ في جهاده الوسائل الأكثر فعالية وانسجاما مع روح الإسلام ومنها إعداد الأجيال وتزويدهم بسلاح العلم والإيمان ومكارم الأخلاق، ويقول في رده البليغ على اتهامات السلطات الاستعمارية في قصيدة "يا جملة"

أخرجتموني ناطقين بأنني ** عبد الله وإني لمجــــــــــاهد
ومقالكم إني أجاهد صادق ** إني لوجه الله وإنني لمجاهد
إني أجاهد بالعلوم وبالتقى ** عبدا خديما والمهمين شاهد

وقد أكد التاريخ أن هذه الوسائل هي أنفع وأنجع للإسلام والمسلمين لأنه ظهر جليا أن الأمم تتسابق ويتفوق بعضها على بعض بالعلم والسلوك، ولذا تركز اهتمامها على سياساتها التربوية، وقد اعترف الآن منظرو الحركة الإسلامية الإصلاحية بأولوية الجهاد الأكبر على الجهاد الأصغر : أولية التربية على الجهاد بالأسلحة. ( راجع فقه الأولويات للعلامة الدكتور يوسف القرضاوي)

وهكذا أوضح الشيخ منذ البداية أن استعمال العنف لا يدخل بأي حال من الأحوال ضمن مشروعه التجديدي.

ثالثا: جاوز الشيخ نبذ العنف في مقاومته وجهاده، وقدم درسا أو نموذجا فريدا في مقابلة العدوان بالعفو، والعداوة بنية الخير؛ فبعد كل ما تعرض له من أنواع الظلم والتعذيب والتغريب كان رده:
"عفوت عن الأعداء طرا لوجه من نفاهم لغيري سرمدا لست أدفع
عفوت لوجه الله مع صفو كلكلي ......

وقال في " المجموعة”:" السلامة في نية الخير وقوله وفعله، ومن وجَّه الخير إلى مسيء فإن الخير يرجع إليه "

وقد ذهب الشيخ إلى أبعد من ذلك، ففي الوقت الذي يضع أعدائه الخطط لتفتيش منزله في دار المنان واعتقاله من جديد – حوالي 1902 - كان الشيخ يكتب قصيدة ابتهال عجيبة، مقيدة بحروف "رحمن رحيم" يقول فيها داعيا لجميع الخلق :
رحمن هب لجميع الخلق رحمة من ** يغني عن الشر من قرآنه قـــرءا
يا مالك الملك يا من جل عن قود ** ارحم جميع الورى يا هاديا ردءا

رابعا : لم يفرق الشيخ، في نيته للخير، بين أتباعه وأعدائه نراه يدعو كثيرا أن ينفع الله به جميع الورى ، يقول :
اجْعل حياتي نفعَ أهل زمَني ** وغيرِهم ولي كن بأمَـــــــــــــن
وفي قصيدة أخرى [ وكان حقا]
لي أوْصِل الذي أريدُ وانفَعِ ** بِيَ الورى يا مُغنيا عن مِدفع .
وفي قصيدة أخرى [ مطلب الفوزين ]
ولتكفني أذى جميع العالمين ** ولتكفهم أذايَ يا ربِّ أمين
وقد استجاب الله دعوته، فعبَّر عن ذلك بقوله
الله ينصرني والخلق تتبعني ** في البر والبحر ذا نفع بلا ضرر

ومن الجدير بالملاحظة أن الشيخ كان يربي أتباعه على هذا المنوال، يقول في إحدى رسائله :
"... وأمرت كل من يدَّعي أنني رئيسه بطاعة الله وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام وأن يترك ما يكسر خواطر أهل الأرض وغيرهم فإن السلامة والعافية خير من عكسهما " [ المجموعة ].
وقد وصف الشاعر الأديب القاضي مجخت كلا السلوك المهذب المنقطع النظير لهؤلاء الأتباع وشجاعتهم وقوتهم في قصيدة رائعة منها :
مربَّون قد غضوا من أصواتهم غضا ** وأبصارهم حتى يُظنوا معا مرضـــــــى
إلى أن قال :
وتاللــــه لو أن الــمربيَّ قـــــــــــادهم ** لينفوا عن الأرض العدى زلزلوا الأرضا

خامسا: إذا دققنا النظر سنجد أن موقف الشيخ في نبذ العنف وعدم اللجوء ولو مرة إلى استعمال السلاح مبني على أساسين :
إيمانه الراسخ وثقته الكاملة بمعية الله ودفاعه وحمايته قال الله تعالى " إن الله يدافع عن الذين ءامنوا " [ الحج 38 ] وقال "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " [النساء 141] وكان حقا علينا نصر المؤمنين" [ الروم 47].
ولذلك قال الشيخ
بِرازُ من بارزَني برازُ من ** يُبارز المنتقمَ الباري الزمن
وقال أيضا
علمتُ يقينا أن مولاي كان لي ** وأن المقفي من قلاني يردع.

تجرده الكامل من حب الدنيا واعتلاؤه على اهتمامات أعدائه الدنيوية؛ فقدكان من دعواته قوله:
وأن أكونَ على الأعداء معتليا ** حتى لي انقادت أشرارٌ واخيار

فالشيخ كان بعيدا كل البعد عن سفاسف الأمور التي كانت تهم السلطات المستعمرة وعملاءها، بل كانت غايته أن يسود الاستقرار والسلام حتى يتسنى للإنسان أن يعبد ربه بحرية وأمان .

  • الخاتمة: اللاعنف في حياتنا المعاصرة
بعد مرور أكثر من مائة سنة من ترسيخ الشيخ مبادئ السلم واللاعنف في مجتمعنا السنغالي ما زلنا نلمس آثار هذه المبادئ في حياتنا السياسية والاجتماعية.
وإذا كان المجتمع السنغالي يتمتع بنسبة من الاستقرار فإن ذلك يرجع إلى حد كبير إلى تعاليم شيخنا الخديم رضي الله عنه.
فكثيرا ما نسمع سياسيا كبيرا أو نقابيا، بعد تعرضه لعملية اعتقال أو حبس، يصرح بأنه يعفو عمن ظلمه ولا يسعى إلى الانتقام إقتداء بالشيخ الخديم .
ومع ذلك لا ننكر أنه في بعض الأحيان يهيج الغضب بعض الأتباع نحو استعمال العنف ولكن هنالك دائما من يسكن سورة الغضب ويعيد الناس إلى رشدهم ويذكرهم بمبادئ الشيخ.

وفي هذه الظروف التي ثبت فيها أن العنف لا يُولد سوى العنف المضاد ، وأن الحل في النزاعات لا يأتي عن طريقه ، ينبغي أن نتمسك بهذه التعاليم ونحافظ على الاستقرار في مجتمعنا ثم نسعى لنشرها في العالم .
ففي الوقت الذي ينادي فيها مفكرون كبار بفكرة " صدام الحضارات " فلنحاول نحن أن نثبت للعالم إمكانية أن يسود السلام والأمن إذا نوى كل إنسان خيرا لأخيه الإنسان مهما اختلفا في العقيدة أو في الجنس أو في الحضارة .

وختاما نؤكد بأن مبدأ اللاعنف – عند الشيخ – لا يعني الانهزامية أو التخاذل والسلبية بل يعني فيما يعنيه :
  1. العمل على إزالة دواعي العنف في المجتمع .
  2. تربية النفوس وضبطها .
  3. القدرة على تجاوز الأزمات الطارئة وحلها بالحكمة

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

البصوبي سام عبد الرحمن
دكار في 11 نوفمبر 2003 .

* محاضرة ألقيت ضمن فعاليات الذكرى المئوية لرجوع الشيخ الخديم (ض) الله عنه من منفاه بغابون في المركز العالمي للتجارة بداكار

الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

مع الشاعر الكبير الشيخ إبراهيم جوب المشعري في مطلع قصيدته*


بقلم / سام بوسو عبد الرحمن

***
يقول الشيخ إبراهيم جوب في مطلع قصيدة يمدح بها الشيخ أحمد بامبا:

مَا لِي لِبَغْدَادَ شوقٌ لَا وَلَا "فَــــاسِ"
إِنِّي برُؤْيَا "جُلُفْ" قدْ بعْتُ أنفاسي



في هذا البيت المفعم بالمعاني، يرمز الشاعر إلى تحوُّل عاطفي وروحي عميق هزَّ كيانه هزًّا قويا، بسبب انتقاله من الانتماءات التقليدية وانضمامه إلى دعوة جديدة قريبة منه، دعوة الشيخ أحمد بامبا التجديدية. فأكد في البيت قناعته واكتفاءه بهذا الارتباط الروحي الجديد بالشيخ الخديم ـ رضي الله عنه ـ وعدم حنينه أو تطلُّعه إلى ارتباطات أخرى.

وقد وظَّف الشاعرُ براعتَه الأدبيةَ في تصوير هذا المعنى بشكل رمزي لطيف ووجيز، حيث نفى اشتياقَه إلى "بغداد" موطن الشيخ عبد القادر الجيلاني أو إلى "فاس" مزار الشيخ أحمد التيجاني ـ رضي الله عنهما ـ ، ولا غرو في ذلك! فقد أصبح بقلبه وقالبه مبايعا ومنقادا لنزيل "جُلُفْ2" الشيخ أحمد بامبا مؤسس الطريقة المريدية.

وفي الحقيقة، تمكَّن شاعرُنا بدقة تعبيره من إبراز معانيه بقوةٍ وحزمٍ، ولم تَطْغَ هذه القوةُ ولا هذا الحزمُ على رقة المشاعر وجمالها: فتكرارُ أداةِ النفي (ما، لا ولا) يعكسُ حرصَه على توكيد النفي وعدم تردده في الموقف، كما يتجلى صدقُ مبايعته في استعماله أداة التحقيق ( قد). وفي مقابلته بين نفي "شوقه" لبغداد أو لفاس، من جهة، وبين بيع "أنفاسه"، من جهة أخرى، إيحاءٌ إلى عدم معاناته لأي صراع نفسي أو عاطفي: فإنه بكل كيانه ووجدانه غارق في لج بحر الأنوار... فكيف يتشوق إلى ضوء النجوم بعد بزوغ الشمس!!

فبيت الشاعر، مع قلة ألفاظه، يُوحي إلى معانيَ أخرى عميقةٍ: ففي تعبيره ببيع الأنفاس إشارةٌ إلى حقيقة المبايعة الصوفية التي تقتضي الاستسلام والانقياد بين يدي الشيخ المربي؛ كما أنَّ في ذكر الأماكن، بغداد، فاس، جُلُفْ على هذا الترتيب، وإسنادَ الشوق إلى الأولين والرؤيا إلى الأخير تلميحاً إلى بُعدهما مكانا وزمانا وقربِ الأخير في المسافتين، لأن الشوق للبعيد والرؤيا للقريب؛ فكأنَّ صاحبَنا يريدُ إعطاءَ تبرير منطقي ملموسٍ لانتمائه الجديد: فما صدر عن مشاهدة "رؤيا" أقوى بكثير مما صدر عن مجرد الـ"شوق".

إن البيت يرمز ـ في التحليل الأخير ـ إلى حقيقة الجدلية والأزمة الروحيتين المتمخضتين عن تزعزع المسلمات واهتزاز المرتكزات الدينية والفكرية السائدة في ذلك العصر بسبب ولادة الحركة الإصلاحية المعروفة بالمريدية، في الوقت الذي كانت المدرستان القادرية والتيجانية تتقاسمان فيه السواد الأعظم من العلماء والمتدينين في أفريقيا الغربية.

وكأنَّ شاعرنا يمثُّل الفرقة المثقفة التي تخلت عن انتمائها القديم وانضمت إلى الدعوة الخديمية قلبا وقالبا، دون مواربة، وخدمتها خدمة جليلة.

وأخيرا، وضع الشيخ إبراهيم المشعري، بهذا البيت الرائع البليغ، حلا حاسما ونهائيا لذلك الصراع الداخلي الذي كان يساور العديد من النخبة المثقفة وعلماء الدين في تلك الفترة المضطربة دينيا واجتماعيا وسياسيا.

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2009

مناهجنا التربوية ... دراسة نقدية

ورقةٌ قدمت في
الدورة الشرعية السادسة بـ"مباكي - طوبي"
من ٨ إلي ١٨ أغسطس ٢٠٠٨


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
تقديم
تحتل التربية مكانة مركزية في حياة المجتمعات البشرية، باعتبارها الوسيلة الأساسية لنقل قيمها وثراثها ولتكوين نشئها وإعداده ليكون قادرا على التكيف والتكييف والمساهمة في تنمية المجتمع تنمية شاملة.
ويُعد المنهج التربوي المحور الرئيس في العمل التربوي والعنصر الأساس من بين عناصره الأخري كالمعلم والتلميذ والمرافق؛ وهنا تكمن أهمية دراسة المناهج التربوية ونقدها بشكل مستمر لتظل دينامكيا وقادرا عل مواكبة التغيرات الثقافية والاجتماعية والتقنية المتلاحقة لهذا العصر.
وفي هذه الورقة حول موضوع " مناهجنا التربوية.. دراسة نقدية " سنكتفي بمؤسسات التعليم العربي الأسلامي، وسنحاول استعراض مناهجها بهدف إعطاء فكرة عن مميزات هذه المناهج وبعض جوانب النقص فيها واقتراح خطوات لتحسينها، حسب الخطة التالية:
ـ تمهيد لتوضيح المفاهيم،
ـ نبذة تاريخية وجيزة عن المناهج التربوية،
ـ استعراض المناهج التربوية المطبقة في مدارسنا العربية الإسلامية،
ـ ملاحظات نقدية حول تلك المناهج،
ـ اقتراحات لتحسين المناهج،

تمهيد
توضيح المفاهيم
يجدر بنا قبل الخوض في الموضوع أن نوضح مفاهيم بعض المصطلحات التي استعملناها في هذه الورقة.
- المناهج :
اصطلح المربون على أن للمنهج مفهومين تقليدي وحديث:
أ) المنهج حسب المفهوم التقليدي عبارة عن مقرر دراسي موضوع بشكل مواد دراسية تتوزع محتوياتها بالتفصيل علي الصفوف المختلفة، ويدرسها التلاميذ داخل الصف استعدادا للامتحان [ علم التربية التطبيقي]
ب) المنهج حسب المفهوم الحديث تخطيط للعمل البيداغوجي أكثر اتساعا من المقرر التعليمي، فهو لا يتضمن فقط مقررات المواد بل أيضا غايات التربية وأنشطة التعليم والتعلم وكذلك الكيفية التي سيتم بها تقويم التعليم والتعلم [ معجم علوم التربية]
ومصطلح المنهاج curriculum في استعماله الفرنسي " خطة عمل تتضمن الغايات والمقاصد والأهداف المقصودة والمضامين والأنشطة التعليمية، وكذا الأدوات الديدكتيكية، ثم طرق التعليم وأساليب التقويم."
والمناهج التربوية في السنغال غابة واسعة، وهي متعددة ومتنوعة حسب تعدد المؤسسات التعليمية وتنوع وضعياتها وتوجهاتها، ما بين تقليدية وحديثة، نظامية وغير نظامية حكومية وأهلية، وما بين علمانية ودينية . فمن باب المستحيلات التعرض لها جمعاء في إطار هذه الدراسة، ولذا نقتصر بمناهج مؤسسات التعليم العربي الإسلامي.
- دراسة نقدية:
سنكون طموحين أكثر من اللازم إن أرادنا إجراء درسة نقدية حقيقية في هذه الورقة، لأن ما تتطلبه هذه العملية من البحث والإجراءات المنهجية، وما تستلزمه لكي تتسم بالمصداقية من التخصص والخبرة، لا تتوفر لدينا، ومن هنا نكتفي باستعراض مناهج مؤسسات التعليم العربي الإسلامي ، لاكتشاف مميزاتها وتقديم ملاحظات نقدية حولها، حسب معايير المنهاج بمفهومه الحديث، بهدف فتح باب للإصلاح والتحسين في إطار امكانياتناالمتاحة وظروفنا الواقعية.

I)نبذة تاريخية عن مناهج مؤسسات التربية الإسلامية في السنغال

ا) التعليم العربي الإسلامي التقليدي " المجالس "
إن عملية التربية لا تخلو من منهج يسلكه الفرد أو المجتمع فيها، سواء أكان صريحا موصوفا ومخططا أم متبعا بدون تصريح. وقد عرف السنغال منذ دخول التعليم العربي الإسلامي مع دخول الإسلام فيه مناهج أوبرامج تعليمية في مؤسسات تطلق عليها " المجالس "أو "دار"
وكانت لهذا التعليم العربي الإسلامي برامج ومناهج تعليمية خاضعة لشروط ومعايير خاصة حسب المواد والكتب المدرسية.
ومنهج الفقه يبدأ من كتاب الأخضري لمؤلفه عبد الرحمن الأخضري (تـ 983هـ) وينتهي في الغالب إلى الكتاب الموطأ لإمام مالك ابن أنس صاحب المذهب المالكي (تـ 1142هـ)، ويكمل الطالب دراسته الفقهية بكتاب أصول الفقه الذي ألفه تاج الدين السبكي (تـ 1370 هـ).
وأما منهج النحو فيبدأ من كتاب أجرومية المنسوب إلى مؤلفه محمد بن محمد الصنهاجي الأجرومي المشهور بأبي عبد الله (تـ 1323 هـ) وينتهي إلى كتاب ألفية بن مالك وهو منظوم شعري يصل إلى ألف بيت لمؤلفه محمد جمال الدين المكني بأبي عبد الله والمشهور بابن مالك (تـ 1273 هـ).
وتنطلق دراسة الأدب ابتداء من كتاب مقصورة ابن دريد لمؤلفه محمد بن حسن المشهور بابن دريد الذي ولد في بصرة بعراق و توفي فيها، وكانت هذه المدينة مشهورة بعلم النحو في تاريخ الأدب العربي وينتهي المنهج الأدبي إلى كتاب مقامات الحريري لمؤلفه القاسم بن علي الحريري المكنى بأبي محمد (تـ 516هـ).1 "
وقد اجتهد علماؤنا في إصلاح هذا البرامج التعليمية علي مر السنين بإعادة تأليف المضامين لبعض كتبها التعليمية شعرا ونثرا لتكييفها مع بيئتهم، ومن هؤلاء :
1. محمد جوب « مور خج كمب » صاحب المقدمة الككية في النحو ومعونة البليد في العروض.
2.القاضي مجخت كالا صاحب مبين الإشكال في العروض
3.الشيخ الحاج مالك سي صاحب الميمية الشهيرة في السيرة النبوية
4.الشيخ الخديم صاحب المولفات العديدة في التوحيد والفقه والتصوف والنحو
وما زالت هذه المجالس ببرامجها التقليدية، إلي جانب المعاهد التعليمية الحديثة، تستقبل الطلبة الذين يتخرجون من المدارس القرآنية .

ب)المدرس والمعاهد العربية الإسلامية الحديثة
وقد شهدت ساحة التعليم العربي الإسلامي تطورات هامة في القرن ٢٠ حيث ظهرت المدارس العربية الإسلامية الحديثة. وقد سعي أصحابها إلي إجراء إصلاحات في البرامج التعليمية وإدخال مواد تعليمية جديدة وتعديل الفضاء المدرسي ببناء الفصول وتجهيزها على غرار المدارس النظامية.
ومن أشهر تلك المدارس
1.مدارس حركة الفلاح التي أسسها الحاج محمود باه 2
2.معاهد الأزهر التي أسسهاالشيخ محمد المرتضى امباكي
3.معهد الدروس الإسلامية للشيخ أحمد امباكي
4.معهد الشيخ إبراهيم نياس
5.معاهد جماعة عباد الرحمن
وهذه المؤسسات - وهي التي تعنينا في هذه الدراسة - تتبنى مناهج تربوية وأساليب تدريسية تعتبر حديثة بالمقارنة مع المناهج والأساليب التقليدية.
ومناهجها متقاربة من حيث البنية والمحتوي وإن اختلفت من الحيث المصدر والمرجعية؛ ولها قواسم، أو مميزات مشتركة نتناولها في الآتي بشكل وجيز. 

II) استعراض المناهج التربوية المطبقة في مدارسنا العربية الإسلامية
أولا: الأرضية الفلسفية
تنطلق هذه المناهج، وإن بشكل ضمني، من مبدأ نقل التراث الثقافي الإسلامي، بما فيه من عقيدة وقيم سلوكية وأحكام ومعاملات إلى الأجيال الناشئة، وتزويدها بمبادئ العلوم الاجتماعية والطبيعية، بغاية تحقيق الجمع بين عبادة الخالق سبحانه وتعالي وعمارة الأرض.
ثانيا: الأهداف العامة
تتمحور الأهداف المعلنة لهذه المناهج حول:
تربية أبناء المسلمين تربية إسلامية
غرس العقيدة الإسلامية الصحيحة
محاربة الجهل ومحو الأمية
محاربة البطالة
ثالثا المحتويات
المحتويات في هذه المناهج عبارة عن مواد مقررة وموضوعات موزعة علي المراحل وعلى مستويات كل مرحلة، وأحيانا على شكل كتب تعليمية أو أجزاء من كتب معتمدة من قبل مؤسسات تابعة لدول عربية كالمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر والمملكة المغربية ودولة الكويت.
وتتفرع المضامين إلي الوحدات التالية في الغالب
1.وحدة اللغة العربية
2.وحدة المواد الدينية
3.وحدة المواد الاجتماعية
4.وحدة المواد العلمية
5.وحدة اللغة الأجنية بدرجات متفاوتة
رابعا: التصميم أو البنية
تقدم هذه المناهج على شكل وحدات تعليمية تتضمن المواد والموضوعات المقررة، ومدد الحصص المخصصة لكل مادة.
ولم يخرج عن هذا النمط البرنامج الذي وضعته اللجنة الوطنية لإعادة تنظيم التعليم العربي الحر في السنغال غير أنه تضمن بعض توجيهات منهجية حول تدريس المواد وإشارات إلى الأهداف في بعض الأحيان.

III) ملاحظات نقدية حول المناهج:
حول الأرضية الفلسفية:
إن النوايا المعلنة لهذه المناهج نوايا حسنة ومقبولة ولكنها لا تصاغ بشكل متماسك ومنسجم، ونادرا ما تأخذواقع المجتمع بعين الاعتبار.
حول الأهداف العامة:
قلما تصرح بالأهداف في هذه المناهج وإن ذكرت فإنها تقتصر على مستوى الغايات والمرامي ولا تصف القدرات والمهارات والاتجاهات المتوقعة والنتائج المنتظرة على المدى المتوسط بالنسبة للمواد المقررة.
ولا تعير المناهج، في تحديد أهدافها، اهتماما كبيرا لتوقعات شرائح مهمة في المجتمع واهتماماته ( أصحاب الحرف والمهن الحرة ......)
حول المحتويات:
يلاحظ ما يلى حول المحتويات
التركيز الشديد على المعارف والموضوعات المدروسة باعتبارها غاية في حد ذاتها، مما يؤدي إلي تضخم في المقرر وصعوبة فهمه واستيعابه.
عدم ملاءمة الكتب المدرسية المقرر لبيئة التلاميذ في بعض الأحيان؛
غياب التماسك الداخلي لعدم تكامل المواد فيما بينها؛
قدم بعض المعلومات الوادرة في الكتب المقررة وخاصة في المواد الاجتماعية والعلمية
حول الطرائق البيداغوجية
من أهم ما يمكن أن تنتقد به هذه المناهج عدم وجود أي إشارة إلي طرق وأساليب تنفيذها في كثير منها، مع العلم بأن ذلك يعتبر جزءا لا يتجزأ من المنهح بمفهومه الحديث.
وفي الحقيقة، يرينا الواقع أن طابع التلقين والتحفيظ هو الغالب في هذه الطرائق كما أنها تغفل إلى حد كبير عن النواحي الفنية والجسمية والاجتماعية.
حول أساليب التقويم
أساليب التقويم غير محددة في هذه المناهج ولكن الممارسة تسفر عن ضعف عملية التقويم، فهي عبارة عن اختبارات وامتحانات قلما تكون موضوعا للتحليل والدراسة وسببا في اتخاذ قرارات تصحيحية.
وعلي الرغم من الانتقادات التي توجه إلى مثل هذه المناهج فإنها ما زالت حاضرة في المؤسسات التعليمية على مستوى العالم وتخرج فيها علماء كبار، إلا أن التغيرات السريعة التي تطرأ علي المجتمعات هي التي تفرض إجراء تعديلات وتحسينات على المناهج التربوية لـتكون قادرة على تلبية الاحتياحات المختلفة للمجتمع.

IV) اقتراحات للتحسين
تواجه مؤسساتنا التربوية تحديات عديدة من الناحية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية؛ وهذه التحديات تفرض على هذه المؤسسات اتخاذ إجراءات إصلاحية على جميع المستويات :المستوي الإداري والتنظيمي، المستوى البيداغوجي...
وفي هذا الصدد نقدم الاقتراحات التالية فيما يخص المناهج:

ـ إعادة النظر في الأهداف التربوية من حيث المحتوى والصياغة، للأخذ في الاعتبار هموم المجتمع وتوقعاته ومشاكله ولمراعاة البيئة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، على المستويين المحلي والعالمي.
ـ تكييف المحتويات لتوائم بيئة التلاميذ وترتبط بمحيطهم، وتراعي مستوياتهم العقلية والجسمية؛
ـ الاهتمام بطرق التدريس وبالوسائل التعليمية وبالأنشطة التعلمية التي تنمي قدرات التلاميذ العقلية والجسمية؛
ـ إعادة النظر في أساليب التقويم لكي يساهم في تحسين العملية التربوية.

ومن أجل تنفيذ هذه المقترحات يتعين :
ـ تشكيل لجان متخصصة تعنى بمراجعة المناهج وتحسينها بشكل مستمر،
ـ وضع برامج تكوينية لتعزير قدرات المعلمين والإداريين في المؤسسات التعليمية.


خاتمة
هذه نظرات حول مناهجنا لم تصل إلى مستوى دراسة نقدية ولكنها قد يفتح شهية من يريد إجراء دراسة حقيقية في هذا المجال. وقد ركزنا- كما لاحظتم- على مناهج التعليم العربي الإسلامي، ولم نتطرق إلى المناهج الأخري كالمناهج المزدوجة التي تسعى إلي إدراج مناهج التعليم الفرنسي الرسمي لتمكين تلاميذها من المشاركة في امتحانات الحكومية، وذلك لضيق حدود هذه الورقة.


وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
والسلام عليكم


سام بوسو عبد الرحمن 
مفتش التعليم العربي بأكاديمية تياس
تياس ١٢ أغسطس ٢٠٠٨

من كرامات الشيخ أحمد بمب رضي الله عنه ... إصدار جديد لدائرة روض الرياحين

"عُرف  الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه بكراماته الكثيرة التي تناقلتها الركبان، ورواها ثقات عن ثقات في سياقات مختلفة من حياته، ولكن أبرز...