الجمعة، 31 مايو 2013

خدعة "المجتمع المدني" في السنغال !

يُصنف المواطنون عادة، في الدولة الحديثة، حسب موقفهم من الحياة العامة، بين سياسيين يزاولون السلطة السياسية ومدنيين ينتمون إلى ما يُسمى بالمجتمع المدني.
فالمجتمع المدني، في علم الاجتماع السياسي، يتمثل في الجماعات الأهلية المنظمة التي لا تنتمي إلى عالم السياسة ولا إلى عالم الاقتصاد، بل تقف في طرف مقابل للدولة، ويتميز أفراده بعدم ممارسة السياسة وعدم السعي للربح في أنشطتهم داخل هيئاتهم. وأهم مميزات المجتمع المدني ـ على هذا الأساس ـ هو الاستقلالية تجاه الدولة والطواعية في العمل.
ويَضم المجتمع المدني مثلا المنظمات النقابية والمنظمات غير الحكومية والجمعيات المهنية والمؤسسات الخيرية والجماعات الدينية؛ وأبرز اهتمام أعضائه هو الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم ومصالحهم والسهر على ضمان الحكم الرشيد، وتحقيق العدالة لصالح المواطنين.
وإذا تجاوزنا المناقشات والقضايا التي يثيرها مفهوم المجتمع المدني، للتركيز على ممارساته في الساحة السنغالية، نجد أنفسنا، في الواقع، أمام وضع يسوده الغموضُ والضبابية. فالذي يتابع رموز المجتمع المدني الأكثر ظهورا في الأوساط الإعلامية والتي تتظاهر بالتحدث باسم المواطنين لا يتسنى له أن يحدد بدقة الجهةَ التي يمثلها هؤلاء ولا وظيفةَ هذا المجتمع المدني ولاأهدافَه.

فقبل الانتخبات الرئاسية الأخيرة – على سبيل المثال - كان أفراد يُحسَبون على "المجتمع المدني " السنغالي يغزون البرامج التلفيزيونية والإذاعية وأعمدة الجرائد والمجلات بحجة الدفاع عن حقوق الشعب ومصالحه والوقوف بجانبه في الظروف الصعبة ويمطرون المستمعين والمشاهدين بوابل من التحليلات " الموضوعية " في تشخيص الأوضاع والتحذير من السياسيات التي لا تصبُّ في صالح المواطنين. وكان يُخيَّل لمتابع البرامج الحوارية آنذاك أن للمواطنين ممثلين حقيقيين يدافعون عن مصالحهم بكل تفانٍ وإخلاصٍ وأن بإمكانهم أن يخلدوا إلي الراحة مطمئني البال! 
وبعد انجلاء غبار الانتخبات واستتباب الأمور للنظام الجديد، اختفت عن الشاشات فجأة تلك الوجوه ذات "الخطاب الموضوعي" وكأن مشكلات الدنيا قد تبددت وأن ظروف المواطنين قد تحسنت. وبمضي الأيام نكتشف شيئا فشيئا أن تلك الأبطال تم تعيينهم واحدا تلو أخرى في مناصب إدارية أو سياسية مهمة وتغيرت لهجة ممثلي المجتمع المدني هؤلاء من تحذير المواطنين وتعبئتهم إلي تبشيرهم وتهدئتهم!
وهكذا، ساد الانطباع لدى بعض المتابعين ـ أمثالي ـ بأن كثيرا ممن كانوا يتكلمون باسم المجتمع المدني إنما كانوا يتوسلون بذلك لتحقيق أغراض ذاتية بل كانوا يتخذونه قناعا للانتهازية واختزالا لطريق الاستفادة من الغنيمة السياسة دون تجشم مشقات الممارسة الميدانية، ولهذا أظن أن الانتساب إلى المجتمع المدني لم يكن سوى وهم أو خدعة لدى سياسيين مقنعين، ولم يكن له وجود حقيقي.
                                                               سام بوسو عبد الرحمن

هناك 6 تعليقات:

  1. نطاق ما يسمى بالمجتمع المدني واسع لكن هؤلاء المتحدثين باسمه ضيقوه بل يكادون حصره في يعض المنظمات غير الحكومية،ويحاولون إقصاء الكم الهائل من الجمعيات، والمنظمات الأخرى ذات الدور الفعال الذي لا يقف عند حد الكلام الذي يخفي وراءه الكثير من المنافع الشخصية الضيقة، بل ينصب نشاطهم في خدمة هذا المجتمع و الوقوف إلى جانبه في أوقات الشدة.
    فكما هوواضح من المقال الرائع هناك صمت رهيب من هذه الشريحة بعد أن حصد البعض منهم بعض المنافع. والواجب بعد اليوم هو مزيد من الانخراط في الشأن العام و المشاركة الفعالة يالرأي في كل القضايا ذات العلاقة بمصائر الشعوب من زوايا مختلفة أكثر ارتباطا بثقافتها و تاريخها. يارك الله في جهودكم الجبارة في طرق مثل هذه القضايا الهامة.....ز

    ردحذف


  2. شكرا حضرة المفتّش..وصلتِ الفكرة
    ___________
    لقد عاش ذاك المجتمع "المجتمع المدني" بين مواطنين عاديين بريئين لم يعرفوا الخادع من البريء, لذالك مع الاسف تمّ تحطيم مشاعرهم لأنهم وثقوا بقوم لم يكن لهم وجود حقيقي ولم تكن لهم أهدافا معينة إلاّ شراء البريئين بالمظاهر ولحن القول لنأخذ مثلا:raddho وأعتذر أبي العزيز على ذكري أسماء لكن لابدّ لأني كنتُ من ضحاياهم في خدعهم....إنهم قوم كانوا يدّعون بأنهم يدافععون عن حقوق المواطنين وليس لهم أية علاقة أو اشتراكة مع أي حزب سياسي ,وفي الاوان الاخيرة..قلتَ(وبعد انجلاء غبار الانتخبات واستتباب الأمور للنظام الجديد،) لكني أقول: قبل انجلاء غبار الانتخابات ظهرت حقيقتهم,-لأسباب- اولئك القوم الذين كانوا يدعمون
    m 23 قبل الانتخابات في الاوان الاخيرة اختفت آثارهم فجأة, أينهم في قضية (محمد جوب الطالب) وأمثاله ؟؟؟ أم ظهر الحق وبطل ماكانوا يعملون!

    ردحذف
  3. لاأطول في التعليق لأني أشاطر رأيك بشأن تلك المنظمات الضبابية التي تسمي نفسها بالمجتمع المدني، وأركز بوجه خاص على تلك التي توصف بالمدافعة عن حقوق الإنسان

    ردحذف
  4. لاأطول في التعليق لأني أشاطر رأيك بشأن تلك المنظمات الضبابية التي تسمي نفسها بالمجتمع المدني، وأركز بوجه خاص على تلك التي توصف بالمدافعة عن حقوق الإنسان

    ردحذف
  5. السيد المفتش هارون انيانغ4 يونيو 2013 في 2:20 م

    هذه الصورة من الخُدعة -على بشاعتها- أخف ضررا من لون آخر من الخدعة شائع في أوساط المجتمع المدني. نقول إنها أخف ضررا لأنها خدعة تتيح على الأقل للمواطنين الذين لهم قسط من الفطنة أن يقفوا على حقيقة هؤلاء الخَدَعة بعد انجلاء شأنهم، وأن يأخذوا حذرهم من أمثالهم الانتهازيين الذين لم يقطفوا بعد ثمار عوائهم و نباحهم و زئيرهم "الإنساني".
    أما صورة الخُدعة الأشد خطورة فهي المرتبطة بالمدنيين الذين لن تراهم أبد الدهر يلتحقون بركب السياسيين ولن يقبلوا أبدا العمل في أية مؤسسة حكومية، "بدافع" أن ذلك يخلع عنهم ثوب الحيدة وينئيهم عن المجتمع المدني. فهؤلاء - كما ترى- مظنة الإخلاص وحب الوطن والتفاني في خدمة الصالح العام. ولكن الحقيقة في هذه الشريحة من المجتمع المدني شيء غير ذلك. فهم يعملون لمنظمات غير حكومية أجنبية ذات نوايا خفية تتصادم مع مصالحنا القومية. (وقد يكون بعض خَدَمها على غير علم بتلك النوايا). هذه المنظمات هي التي تدافع - مثلا- عن الزواج المثلي (بين الرجل والرجل وبين المرأة و الأخرى)، وعن إلغاء حكم الإعدام؛ وهي التي أقامت الدنيا لمواجهة مشروع الأحوال الشخصية لمسلمي سنغال، و... و... و...
    ولهذه المنظمات غير الحكومية الأجنبية من الوسائل المادية والسياسية ما يجعل خَدَمتها في غنى عن كل مطامع سياسية أو أخرى مادية. ومن خَدَمهم أفراد يُحسبون من أبطال الوطنية، ومنهم كذلك منظمات "سنغالية" غير حكومية تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان.
    رعى الله سنغال وحفظه من كيد الكائدين.

    ردحذف
  6. جميل جدا.
    لكن المشكلة أكثر تعقيدا مما يُتصور؛ إنها أزمة أخلاقية راح ضحيتها الإنسان السنغالي بالذات، بمعنى: أنه لو أن أي شخص آخر كان في مكانهم؛ لما حدا عن مسلكهم قيدَ أنملة!

    ردحذف

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...