من طبيعة الحياة السياسة اختلاف الرؤى والمصالح والمطامح فيها. كما أن من أدوار الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية أن يبذل كل طرف جهودا لاكتساب أصوات مؤيدة له من أي جهة كانت، خاصة في ظل النظم الديموقراطية، حيث تكتسي أصوات المواطنين أهمية كبيرة وتتمتع بوزن ثقيل في زمن الانتخابات والاستفتاءات. وبالتالي تصبح القوى الحية في المجتمع محلا لاهتمام الساسة وهدفا لمراوغاتهم وحيلهم بغرض كسب ودها سواء كانت هذه القوى دينية أو اقتصادية أو شعبية أو عرقية أو كانت شبابية أو نسوية. وكثيرا ما تكون لهذه المساعي السياسية آثار سلبية في تلك القوى المستهدفة إذا لم تتعامل معها هذه الأخيرة بنضج ووعي وحنكة ولم تقابلها باستراتجية مدروسة.
وفي هذا المنظور
يمكن قراءة ما تتعرض لها الطريقة المريدية
وزعاماتها من مُراودات واغراءات وإلحاحات
ونحوها من وسائل الجذب والاستمالة، وما
نري فيها أثناء الحملات الانتخابية من
الاختلاف في المواقف وخاصة في العقدين
الأخيرين، الأمر الذي يفتح المجال للساسة
لممارسة ألاعيبهم المفضلة في المراوغات
والحيل والإغراءات؛ فيقع بعض المشايخ فريسة سائغة لهم بسبب سذاجتهم
في الشأن السياسي أو ضعفهم أمام الإغراء
المادي أو حسن نيتهم. وفي
أغلب الاحيان لا تكون لهؤلاء "الضحايا"
من المشايخ ثقل
كبير في تركيبة الطريقة بل قد يكون بعضهم
من صنع الوسائل الإعلامية، ولكن
مواقفهم وتصرفاتهم تصبح مادة خامة يستخدمها
القوى السياسية لتضليل الرأي العام المريدي
ولتمرير ما يريدون. فكم
مرة نسمع وسائل الإعلام تتداول تصريحات
لشيخ فلاني أو علاني وتصفُه بأوصاف ضخمة
وهو لا يمثل، في حقيقة الأمر، شيئا يذكر
في الأوساط المريدية من حيث النفوذ .
ويُلاحظ أَن كثيرا
من الغيورين على المريدية وعلى الدور
الذي ينبغي أن تلعبه في نشر الإسلام وفي
ضمان مستقبل مشرق للبلاد يُبدون قلقَهم
من النتائج والآثار السلبية المحتملة من
احتكاك السلطات المريدية بالسلطات
السياسية ومن أساليب التعامل الجاري
بينهما وهو تعاملٌ لا يتأسس في الوقت
الحالي على رؤية استراتجية ولا ينضبط بأي
ضابط أو معيار معروف ولا يحظى بأي سند شرعي من الخلافة العامة.
وفي نظري، إن القضية
لا ينبغي أن تُثار فقط في خِضمِّ الأحداث
السياسية ثم تختفي في طي النسيان إلى حملة
انتخابية أخرى بل يجب تناولها في إطار
رؤية شاملة لتوجُّهات الطريقة المريدية
وسيرها وضِمْنَ تخطيطٍ متكامل يُعيد
النظر في أولويات المجتمع المريدي على
ضوء تعاليم الشيخ الخديم رضي الله عنه
وفلسفته وفي ظل التحديات التي تواجه
البلاد.
فلستُ ممن يحرص على
تدخل الطريقة في الشأن السياسي في هذا
الوضع الراهن قبلَ بلورة رؤية سياسية
ناضجة وتوفُّر كوادرَ واعيةٍ تفهم الرهانات
على المستوى الوطني والعالمي وإيجاد
آليات فعالة في تربية المريدين وتوعيتهم
وتثقيفهم لتكون القوى المريدية فاعلة في
سبيل تنمية البلاد وتوجيهه الوجهة الصحيحة
ولا تظل عُرضةً للتلاعب من قبل الساسة.
مقالات ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق