الثلاثاء، 18 يوليو 2017

الشيخ عبد الأحد... خليفة القادة!

إن شيخنا عبد الأحد امباكي (١٩١٤م-١٩٨٩م) الخليفة الثالث للشيخ أحمد بمب رضي الله عنهما كان يتميز بصفته قائدا مُحنَّكا جريئا بعيدَ الرؤية، إلى جانب كونه شيخا مربيا عالما عاملا بعلمه زاهدا ورعا. فهو نموذج فذٌّ للقائد الديني الذي يقودُ قومَه على الصراط المستقيم ويضعُهم على طريق التقدم والازدهار. لقد سار على خُطى أخويه الكريمين الشيخين محمد المصطفى ومحمد الفاضل – رضوان الله عليهما - في قيادة المجتمع المريدي وتوجيهه وفقا للقيم الإسلامية السامية ومنهج المؤسس رضي الله عنه.

في واقع الأمر، تزامنت خلافةُ الشيخ عبد الأحد مع  مرحلة انتقاليةً حرجةً  شهدت إقبالا متزايدا على الطريقة وصعودا سريعا لطبقة برجوازية فتية بفضل نجاح عدد كبير من الجالية المريدية الوافدة إلى المدن والعواصم الاقليمية ثم إلى العواصم الأوروبية في قطاع الخدمات بالإضاف إلى نجاح البعض في قطاع الزراعة. هكذا بدأت عاصمة الطريقة طوبى تتحول شيئا فشيئا إلى مركز تجاري مهم بعد كانت قبل عقد أو عقدين من الزمن قريةً دينية صغيرة لا يعرف أهلها سوى غشيان مسجدهم ودرس ألواحهم و حراثة أراضيهم! ( حسب تعبير الشيخ امباكي بوسو)

وفي مثل هذه الظروف حيث ازداد إقبال الناس وتكثفت موجاتُ الهجرة وسياسات التغريب كان المجتمع المريدي يواجه عددا من التحديات من بينها :
  • تسرُّب سلوكيات غربية عن الطريقة ومنافية لتعاليم مؤسسها إلي الأوساط المريدية؛
  • محاولات انفلات البعض عن الآداب والضوابط التي التي تحكم نظامَ الطريقة  بسبب المصالح الضيقة؛
  • تعرض طبقة الفلاحين لأوضاع صعبة من جراء القحط والإهمال .
كان الشيخ عبد الأحد على مستوى هذه التحديات الجسيمة وغيرها - بعد عون الله تعالى - بفضل شخصيته الآسرة وإلمامه الواسع بتعاليم الشيخ الخديم رضي الله وخبرته الطويلة في أمور الحياة وجرأته الشديدة على الحق وفهمه الدقيق لظروف عصره ورؤيته الثاقبة.

لقد عُني رضي الله عنه – وقد نجح إلى حد كبير - بالمحافظة على أصالة المريدية فكرا ومنهجا وسلوكا وبتنميتها ثقافيا واجتماعا واقتصاديا. وقد ظَّف في سبيل هذه الغاية قدرات فائقة في التخطيط والتوجيه والتنظيم والتواصل، كما واجه في تلك المهمة مواقف صعبةً تعامل معها بحكمة وحزم؛ فنجد أنه وضع مشاريعه وأنجز أعماله كلها في إطار خطة مرسومة واضحة اشتق غاياتِها من رؤية الشيخ الخديم المعبر عنها من خلال كتاباته وخاصة قصيدته المشهورة "مطلب الفوزين".


وبالجملة، إذا تأملنا كيفَ عمل على حماية مدينة طوبى وعلى ضبط بعض المخالفات وعلى حفظ مصالح المستضعين وكيف طوَّر نظامَ الخلافة وعزز وحدة المريدين ندرك مدى بعد نظره ورسوخ قدمه في أمر قيادة الجماعة ورعاية شؤونها ومدى كونه نموذجا ينبغي دراسته ومحاولة استيعابه وتفعيله في عصرنا هذا. إنه ترك بصمة إيجابيةً في تاريخ الإسلام في السنغال. فجزاه الله عن المسلمين عامة والمريدين خاصة خير الجزاء.

هناك 5 تعليقات:

  1. هذا هو البطلُ الصِّنديد الباسلُ :

    كان الشيخُ عبد الأحد امبكي الخليفة الثالث للطائفة المريدية من سنام القوم سنيما، هائما في محبَّة شيخه وقدوته الشيخ الخديم - رضي الله عنه - حاذقا، بارعا في قَرض الشِّعر كل البراعة، كما كان طويل الأناة، يصغي إلى المستنجدين والبائسين بكامل الإصغاء ويسعفهم بأمواله، وكان خطيبا بليغا فصيحا يسهب في بيان سيرة شيخنا الخديم وفضائله في طيات خطابه، وكان يحفظ كثيرا من القصائد الخديمية وأشعار الشُّعراء المتفوقين كأمثال الشيخ إبراهيم جوب المشعري وسرين امبي جخَتي... يستدل بالقرآن الكريم ويفسر لنا غوامضه تفسيرًا مُدهشا الذي يشهد له بالبراقة والتضلع في هذا الفن، وكان يحث الناس على الائتلاف والتحابب والتكتُّل وينهاهم عن التشرذم والتشتت والتحزب الممقوت، و يسدي إليهم نصائح غالية وحكما بليغة، يستثمر أوقاته في خدمة شيخِه والمسلمين كافةً، ويُدافع عن الدِّين الإسلامي الحنيف من كيد الحاقدين المارقين المنافقين ويُفحِمهم بأقواله الحافلة بالأدلة المقنعة [1]، وكان يكره السَّماجة والفُحش والبَذاءة في القول والفعل، والعبث والدَّد والكسل. ولذلك كان يُسمِّيه أعيان القَوم بالبنَّاء لكثرة إنجازاته وأعماله.

    وكان يحترم الشيخ عبد الأحد امباكي سائر الزُّعماء الدينين والسياسيين لحسن معاملته وحُسن سياسته معهم،فلما استَفحل النَّاس في المجون والتمرد في التصرفات الطائشة في مدينة طوبى المحروسة أبدَى رأيه معلنا بأنه يتأسَّف منها كل التأسُّف، بل شمَّر عن ساعد الجد والاجتهاد لمكافحتها بكل جوارحه فقام بتطهير أرض طوبى عن كل ما يعكِّر جوها، وحماها من الفجَّار الفُساق بتأمين أهلها والجِيران والضُّيوف، وشيَّد فيها مكتبةً عصريةً التي تضم آلاف من الكتب المتشتّتة ، ومنزلا خاصًا للشيخ الخديم كما شرع في بناء جامعة إسلامية...، وأخلصَ في عبادة ربِّه وكان يعمل لما بعد الموت. ويصفح عمن ظلمه ويمشي على الأرض هونًا تواضعًا وخشيةً من الله تعالى، فإذا خاطبه جاهل يقول سَلاما اقتداء بعباد الرحمان الذين وصفهم الله في القرآن الكريم. وكان يعضُّ تعاليم الإسلام بالنَّواجذ ويتمسَّك بتعاليم شيخ الخديم مسكَ الضَّرير بيد القائدِ البصير المعينِ، لا يُجادل ولا يتخاصم ولا يغضبُ إلا إذا انتهك حرمة الإسلام. فهو المجدِّد للطريقة المريدية وناصرها بالحكمة والموعظة الحسنة فجزاه الله عن الإسلام والمريدية خيرا.


    من ارتجالات الأخ سرين امباكي جوب خضر الطوباوي خريج معهد الدروس الإسلامية، حرر يوم الأحد 23، شوال، 1436 هجرية.


    الهوامش:

    1- قال الشيخ إبراهيم خليل امباكي نجل سرين مصطفى حبص في مدح الخليفة الباني الشيخ عبد الأحد امباكي- رضي الله عنه-:
    حَمى دينَ الإله وذبَّ عنهُ = ذوي الإضلالِ ثم ذوي الغَوايا

    وقال الشيخ محمد المحمود انيانغ في مدحه:
    حَمى المَدينة طوبَى زادها شَرفا = وأمَّن الأهل والجِيرانا والنزلاَ

    ردحذف
  2. الله يبارك فيكم ويجازيكم خيرا على هذه الإضافة القيمة الموفقة في وصف شيخنا عبد الأحد
    لا فض فوك!

    ردحذف
  3. اللهم آمين وشكرا يا فضيلة المفتس المحترم المحبوب
    يقول الشَّيخُ إبراهيم خليل امباكي نجل الشيخ مُصطفى حفصة امباكّي - رضي الله عنه - في مدح جدّه الشيخ عبد الأحد امباكي - رضي الله عنه-:
    أرَوضَةَ شَيخِنا جَمَّ المَزايا = خَليفةِ أحْمدٍ غَوثِ البَرايَا
    فَعنِّي بَلّغِي وعَن الجَميعِ = إلى حَضْرتِه أسمَى التَّحايَا
    عُبيدِ اللهِ نَجلِ خَديمِ طَه = فقَدْ رأبَ الثَّأى وَهَدى الرَّعايَا
    حَفاوتُه تَعُمُّ النَّاسَ طُرًّا = مَزيَّتُهُ علتْ كُلَّ المَزايَا
    لِوجهِ اللهِ يُنفقُ لارِياءَا = فلا مَنًّا يُكدِّرُ فِي الهَدايَا
    حَمى دِينَ الإلهَ وذَبَّ عنهُ = ذَوي الإضلالِ ثُمَّ ذَوي الغوايَا
    ففَيضًا زادهُ البَاقِي دَوامًا = بجاهِ شَفِيعِنا مَاحِي الخَطايَا


    [ ينظر: "كتاب " خَرق عَادةِ الغَوثِ المُلتَحد فِي حيَاة الشَّيخِ عبدِ الأحد" لِمؤلفه أبي مَدين شُعيب غي- فَجزى اللَّه المؤلف خَير ما يجزي لعَبد أحسنا، ص: (102)، وكتاب " خَرق عَادةِ الغَوثِ المُلتَحد فِي حيَاة الشَّيخِ عبدِ الأحد" لِمؤلفه أبي مَدين شُعيب غي- فَجزى اللَّه المؤلف خَير ما يجزي لعَبد أحسنا، ص: (101- 102)، وراجع أيضا: " مُختاراتٌ من أجمل المَراثي والمدائح في حقِّ البطل الصِّنديد الشَّيخ عبد الأحد امباكِي المُكافح" (الجُزء الأول) جَمعها ورتَّبها الأخ الكاتبُ الطوباويُّ والباحثُ فِي التُّراثِ المُريدي ]





    ردحذف
  4. ما شاء الله بارك الله فيكم وزادكم علما علما ومعرفة

    ردحذف

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...