حينما
أُسرِّح جوادَ فكري في أجواء عام ومسش
(١٣٤٦هـ
/ ١٩٢٧
م) بُعيد
انتقال الشيخ الخديم – رضي الله عنه -
إلى جوار
ربه، وأتخيَّل أحوالَ المريدين، وما
اعتراهم من ذهول وأصابهم من اضطراب،
وواجَههم من تحدّيات، لا أستطيع أن أصفَ
إعجابي بالخليفة الأول الشيخ محمد المصطفى
رضي الله عنه وعن جميع إخوته.
فقد
أدار الشيخُ محمد المصطفى بعبقرية فائقة
شؤونَ الطريقة المريدية في ظروف حرجة،
وحافظ على وحدتها، وتعامل مع تحدياتها
الصعبة بحنكة منقطعة النظير.
فأعاد
الطمأنينةَ إلى قلوب المريدين، وواجه
مكائد الأعداء، وتجاوز عراقيل السلطات
الاستعمارية، ونجح في حشد طاقات الأتباع
المريدين لتنفيذ مشروع الشيخ الخديم رضي
الله عنه، على الرغم من الأزمات السياسية
والاقتصادية التي شهدها العالم في ذلك
الوقت العصيب.
وبقدرة
فائقة على التدبير نظم الطريقة نظماً
محكماً ما زالت تسير عليه إلى الان.
فقد
وجد فيه المريدون السالكون مربّياً
ومرقّياً وعارفاً بالله تعالى ودالا
ًّإليه، وريثاً كاملاً لخديم خير الخلق
صلى الله عليه وسلم، ورأى فيه المسلمون
قائداً مرشداً شجاعاً حامياً لحمى الاسلام،
ومحافظاً على وحدتهم، وألِفه المستعمرُ
سياسياً مُحنّكا خبيراً بدقائق السياسة
وخفاياها.
ولقي
فيه أهلُ الشيخ الخديم راعياً حنوناً
وأباً رحيماً يسهر على تربيتهم وعلى توفير
جميع احتياجاتهم المادية والمعنوية.
إنه
شخصية فذةٌ، تتمتع بعزيمة قوية، فقد
كان يؤمُّ المصلين في المسجد، ويلقى
دروساً على طلاب العلم، ويُشرف على تحضير
الموائد لإطعام الجائعين، ولا يَشغله
ذلك كله عن تدبير شؤون المريدين ،واستقبال
زواره من رجال الدين والسلطات، ولا
يُلهيه عن مناجاة خالقه سبحانه وتعالى.
فقد
وصفه العلامة الشيخ امباكي بوسو بأنه"
مُشمّر
عن ساعد الجدّ للخدمة في المستقبل مقبل
عليها بهمة تامة، نشط لها، لما علم من
أنَّ من جوزي بعمل غيره فبعمل نفسه
أولى"
كان
رضي الله عنه بعيدَ الرؤية، ملمّاً بواقع
عصره، خبيراً بطبائع الناس؛ كان الشيخ
عبد القادر رضي الله عنه يقول عنه ما
معناه "
خبأ
الشيخ محمد المصطفى ولايته واعتمد على
عقله وعلى الشريعة "
cheikh moutapha da diñci
ak wilayâm jëfendi ko chari'a akum xelam
نعم، فقد تلقَّى
تربيتَه الروحيةَ من شيخه ووالده، ونهلَ
مِن منابعه الصافية، حتى صار شيخاً مربياً
ومُرقّياً، كان يبثُّ العلومَ، ويُنوّر
العقولَ والقلوبَ بحِكَمه الربانية
وفيوضه العرفانية التي كانت تفوح من خطبه
المؤثرة.
ولله درُّ العلامة
الموريتاني الحاج محمدعبد الله بن عبيد
الرحمن العلوي القائل في وصفه :
وَهْوَ
الْهُمَامُ الْمُسْتَمَاحُ الْمُصْطَفَى
***
سِرَاجُ
هدْيٍ قَدْ أَضَا وَمَا طَفَا
يَا
لَكَ مِنْ فَضْلٍ وَمِنْ عَقْلٍ رَزِينْ
*** زِينَتْ
بِهِ الدُّنْيَا وَمِثْلُهُ يَزِينْ
بَحْرُ
السَّمَاحَةِ وَبَدْرُ الــــدِّينِ
*** لَيْسَ
لَهُ فِي الخَلْقِ مِنْ خَدِينِ
مَا
فَازَ شَيْخٌ بِالذِي قَدْ فـــازا
*** بِهِ
وَما حاز الذي قَـدْ حازا
فحلَّ
في دار أبيه المرتضــى ***
وما
ارتضى غيرَ الذي كان ارتضى
قَفَاهُ
قَوْلًا مُرْتَضًى وَفِعْــــلَا
***
كَـأَنْ
وَضَعْتَ فَوْقَ نَعْلٍ نَعْلَا
ما
حـــال حالٌ لَا ولا تغيّرا
***
فَسُرَّتِ
الدَّارُ بِـمَـا تَدَيّـرََا
مَا
أَنْكَرَتْ مِنْ أَمْرِ مَنْ أَتَــاهَا
*** إِذْ
قَدْ أَتَى الأُمُورَ مِنْ مَأْتَاهَـا
أَسْخَى
الْبَرَايَا كُلَّهَا فَتَـاهَـــا
***
فَعَصْرُهُ
بِهِ ازْدَهَى وَتَـاهَـا
قَدْ
كان في كُلِّ الْوَرَى مُحَبَّبَــا
***
وَبُرْدَةَ
النَّصْرِ بِهَا تَجَلْبَـبَـا
قَدْ
أَشْرَبَ اللهُ الْقُلُـوبَ
حُــبَّهْ ***
فـَمَنْ
رَأَى طَلْـعَتَـهُ أحـبَّهْ
قَضَى
لَهْ ربُّ الْوَرَى بِالنَّصْــرِ
*** فَمَا
حَوَاهُ لَمْ يَحُـزْهُ عَصرِي
ولا
يتعجَّب المرء مما كان الشيخ محمد المصطفى
يتمتع به من صفات ومؤهلات، ويحظى به من
محبة واحترام وتقدير من قبل مريدي والده
وأهله، إذا علم المسيرة التعليمية
والتربوية المتميزة التي خاضها بعناية
الله تعالى وتوفيقه.
فقد
كان يتحلَّى بجميع مواصفات القائد المرشد
ومؤهلاته، مِن علمٍ واسع وأخلاق كريمة
وصفاء روحي، وشجاعة وخبرة وحنكة...
إلى آخر
ما هنالك من مؤهّلات القيادة الرشيدة.
ومن
الدروس التي يمكن للجيل الحاضر أن يستخلصها
من حياته الحافلة ضرورةُ تأهيل قادة
المستقبل، وإعدادهم لتحمّل المسئوليات
ومواجهةِ التحدِّيات.
فالشيخُ
الخديم رضي الله عنه، وإن دعا لأبنائه
وبناته، رضوان الله عليهم، فإنه أخذ
بالأسباب، وذلك بالاهتمام بتعليمهم
وتربيتهم وإعدادهم، فكانوا كلهم قادة
ًيحُتذى بهم.
وقد صدق
فيهم قول مادحهم:
فاقوا
هُدًى هَذَا الْوَرَى وَكَرَمَا ***
فَإِنَّهُمْ
هُمُ الْهُداةُ الكُرَما
رضي
الله تعالى عن الخليفة الأول وعن إخوته
وأخواته أجمعين.
بقلم
سام بوسو عبد الرحمن