الأربعاء، 30 أبريل 2025

صفر الخروج، نعمة في طي نقمة ... عرض وتعليق

 

صدرت حديثا هذه الرواية الجميلة، وتفضل كاتبها أخي الباحث سرين امباكي لوح محمد، بإهدائي نسخة منها، وبحمد الله تعالى قرأتُها كاملة فوجدتها تستحق عناية كبيرة لأهميتها وقيمتها التاريخية والأدبية والروحية، فحاولتُ في هذه السطور عرضها بإيجاز قبل التعليق عليها لفتح شهية القراء والدارسين الذين لم يطلعوا عليها بعد.

العرض

استهل الكاتبُ روايته بوضع القارئ في مسرح أحداثها، وهو بلاد الولوف، فرسم لوحة فسيفساء تتناغم فيها الألوان والأصوات والحركات، وتنعكس فيها عادات البلاد وتقاليدها، وخاصة تلك التي كانت من رواسب الحقبة الجاهليةالسالفة قبل دخول الإسلام إلى المنطقة. ومن هذه المشاهد التي استحوذت فيها الأجواء الليلية على نصيب كبير، سيخرج القارئ بصورة تغمرها الرتابة والضبابية، كأنها  تتشوق إلى نور  بدأت أشعته تتوهج من ناحية طوبى.

دخل بنا الراوي طوبى حيث يتبلج النور وسط هذا الجو الماجن نوعا ما، وهنا يكتشف القاري مصدر اسم طوبى ويطلع على خارطة هذه البقعة الطاهرة وعلى طبيعة الحياة فيها. وعلى عكس صورة الحياة المتسيبة أو الفوضوية التي رسمها الكاتب عن البيئة السائدة في المنطقة المحيطة بطوبى كانت معاني الخدمة والعبادة والجدية هي التي تغزو ذهن القاري حين يجتاز حدودها ليتجول في أرجائها

ويا لها من مفارقة كبيرة بين تلك الليالي الساهرة بالرقص والغناء والخلاعة، وبين ليالي طوبى العامرة بالذكر والدعاء والتهجد، وكل ذلك في ظروف قاسية مما يضفى على انفجار ماء عين الرحمة حدثا له قيمة معنوية استثنائية.

وفي هذه الظروف كان النظام التربوي الذي وضعه الشيخ يمشي على قدم وساق. وقد أبدع الراوي أيما إبداع في وصف هذه التربية وبيئتها الحاضنة، فلم يغفل عن تصوير ما فيها من حيوانات وأشجار ونباتات وما يتعلق بها من معتقدات وممارسات. وينبهر القارئ هنا من تمكن الكاتب من التصوير الدقيق البليغ، ومن إلمامه بتقاليد سكان المنطقة وعاداتهم وسلوكياتهم تجاه تلك  الأشجار  والنباتات.

ولم تكن تلك الصور المخيفة جامدةً وصامتةً، بل كانت متحركة ومليئة بأصوات الحيوانات البرية وحركاتها. وكأن الكاتب يتسابق مع ذهن القارئ  فيجيب عن سؤال لا بد أنه سيطرحه على نفسه؛ وهو: لماذا اختار الشيخ هذا المكان بالذات دون غيره لإيواء دعوته وتربيته؟

وهنا يوضح بجلاء وبأسلوب أخَّاذ المغزى التربوي والروحي لهذا الاختيار. وكم كان الكاتب بارعا في توضيح ملامح التربية الخديمية وفي بيان سلوك الرعيل الأول من المريدين ومقاساتهم ومعاناتهم في بداية الدعوة، جراء المضايقات من قبل الحكام المحليين، وفي تشخيص أوضاعهم وتحديد السياق التاريخي الممهد لما سيجري بين الشيخ والسلطات الفرنسية المحتلة.

فيما سبق من المشاهد كان الراوي يركز على الوصف والتصوير الدقيق، ولكنه مع سرد إرهاصات الغيبة البحرية بدأت الأحداث تتوالى، من الخلوة التي رأى فيها الشيخ رضي الله تعالى عنه محبوبَه ومخدومَه صلى الله عليه وسلم إلى انتقاله إلى امباكي باري وما وراء ذلك من  الأسباب والملابسات والاستعدادات لزيارة بيت الله الحرام، وبشكل لطيف، تخللت سردَ هذه الأحداث قصةُ اكتشاف الشيخ للمنطقة التي أسس فيها طوبى، وكيف تم العثور عليه، بعد أن اكتشفه.

وتمهيدا لانتقال الشيخ إلى جلف قدم الكاتب للقارئ درسا مهما في تاريخ المنطقة وجغرافيتها البشرية والاقتصادية، مع تحليل دقيق لعوامل تدهور مكانتها التي كانت رفيعة قبل تفكك مملكتها.

مع وصول الشيخ إلى جلف، يُبحر بنا الكاتب لاكتشاف نظامه التربوي المحكم الذي وضعه للصغار والكبار والعلماء والمتعلمين، وآثار تلك التربية في سلوك المريدين، وإن كانت مدة المكث في جلف قصيرة. ويضعنا على الوضع السياسي المضطرب الذي كان  يُمثل أرضية خصبة لتنامي مشاعر الخوف والتوجس لدى سلطات الاحتلال الفرنسية.

ووسط هذه الأجواء المتوترة، يعرفنا الكاتب على بطل مغوار من أبطال البلد الذين أبلوا بلاء حسنا في الجهاد ضد المحتل الفرنسي وهو ألبوري انجاي أمير جلف الذي يصفه بـالمجاهد المجهول.

عاد الراوي ليضع الخيط  على يد القاري ليتتبع الأحداث التي سوغت للحاكم المحتل استدعاء الشيخ ومحاكمته في اندر، وافتتح هذه الأحداث والوقائع بحركة الزيارات المتتالية من الوجهاء للشيخ في امباكي باري مثل زيارة الأمير سمب لوب بندا والشيخ مامور فال انيانغ، وكذلك مكائد الجاسوس ما عبد لوح.

لم يكتف الكاتب بوصف الأجواء وسرد الأحداث، بل ضمّنها تاملاتٍ عميقةً حول خيار الشيخ خوض غمار الجهاد بنفسه على الرغم من استعداد مريديه التام للدفاع عنه وفدائه بأرواحهم ودمائهم. وكان المشهد حول تأهب الشيخ لتحمل أعباء هذا الجهاد وحده مفعما بمشاعر العطف والشفقة على هؤلاء الصغار الأبرياء، أبناء الشيخ وبناته ومحملا بروح التوكل على الله  والعزيمة.

وهنا تنتقل عدسة الراوي لتتابع تحركات مبعوث الشيخ أخيه ومريده الصادق، وما جرى بينه وبين الحاكم، ثم عودته إلى امباكي باري ومراوغات ما عبدُ لوح ليكتشف القاري حنكة تيرنو إبراهيم ويقظته وقدرته على الدفاع عن شيخه، ثم تتوقف العدسة أمام مشهد الوداع وفراق الأهل والأولاد.

وفي مشهد اللقاء المشهور بين الشيخ والقائد الفرنسي لكليرك في جيول  - إلى جانب وصف طبيعة المنطقة بدقة مذهلة - كان التركيز أيضا على تصوير الأجواء النفسية السائدة في هذا الموقف، كأنها تتجاوب مع الطقس المتقلب الخانق وخاصة للرجل الأبيض.

وفي مقابل الحالة النفسية المتردية في معسكر لكليرك، حالة الخوف والترقب لمفاجآت غير سارة، كانت الأجواء الروحانية من أذكار وأدعية وصلوات تغمر معسكر الشيخ وأصحابه. وفي كل الأحوال كان الشيخ سيدَ الموقف، فالحركة والسكون رهن إشارته هو، لا القائد لكليرك.


كشفت الرحلة من جيول إلى لوغا مرورا بكوكي للقائد الفرنسي عن طرف من شخصية الشيخ وصفاته، من صبر ومثابرة وهدوء وثقة بالله تعالى، كما كشفت عن مشاعر المحبة والتعلق والتعاطف التي أظهرها أهل كوكي المرتبطون بالشيخ ارتباطا تمتد جذوره في التاريخ عبر علاقات روحية وعلمية ودموية، وأهل بـلـلْ جوب أيضا. وقد حرص الكاتب في سرده لأحداث  هذه المرحلة على إبراز جوانب مهمة من أبعاد الشيخ الروحية والخلقية، جوانبَ تفسر سلوكه الهادئ والرزين وسكينته في تلك الظروف الحرجة.

 كان لتاريخ المنطقة وما فيها من بيوتات دينية  حظ وافر من البيان والتحليل مثل البيوتات الساكنة في المنطقة المحيطة بلوغا، وكذلك حروبها ضد الامراء المحليين، وقد خصص لفتةً لموقف الأسرة المبكية المتمسكة بالعلم والسلم فيما كان يجري، وهو موقف ورثه الشيخ وعززه.

وفي لوغا يحكي الراوي موقف وجهاء تلك البيوتات في محاولتهم لإقناع الشيخ بمواجهة الشيخ للمحتل بمساعدتهم ونصرتهم غير أنه أبى إلا أن يخوض هذا الجهاد بمفرده دون سفك خطرة دم، ومع ذلك أصرَّ عددٌ من المريدين  على مصاحبة الشيخ، فلجأت السلطات إلى حيلة ماكرة بفصل العربة التي دخلوها من القطار!

وخلال إقامة الشيخ في اندر انتظارا لمحاكمته الجائرة، يبرز الراوي مواقف وجهاء اندر النبيلة تجاه الشيخ من زيارتهم إياه، ومحاولاتهم لفكه من أسره، ولكن الشيخ قابلهم بتاكيد توكله على الله وتفويض أموره إليه، ولم يرض بأي وساطة أو طلب للعفو من السلطات.

وقد كان الكاتب مبدعا في التعبير عن المعاني والمراتب الإيمانية التي كانت تتجلى من أحوال الشيخ وكتاباته، ويعيد في ذاكرة القارئ أحوال الأنبياء والمرسلين في مواجهة المحن ونصرة الله عز وجل لهم، ويستخلص منها دروسا وعبرا.

وينجح الراوي أيضا في جعل القارئ يعيش فعاليات جلسة المحاكمة ويتابع تفاصيلها. ويعقب  مشهد المحاكمة حوارٌ مليء بالدلالات بين الشيخ وأحمد انجاي ما بيي، ثم يسدل الستار على هذه الحلقة بمشهد جميل لكنه يحمل مغزى خفيا : فمشهد المطر وما رافقه من جو ثقيل ورياح كثيفة  ورعد وبرق يعقبه هطول مياه غزير تروي البلاد فتراها "راضية أرضها عن سمائها ومؤمنوها عن رازقهم الرحيم" كأنه رمز لغيبة الشيخ البحرية، حيث عاشها المريدون في خوف وحزن وتوتر إلا انها في حقيقتها وباطنها خير ونعيم كلها للعباد والبلاد، أو (نعمة في طي نقمة)!

واصَلَ الراوي سيره مع الشيخ عند نزوله في دكار وكان وصفه لما عاناه الشيخ في تلك الليلة، وهو صائم، مما لا تكاد تتحمل قراءته، ويكاد القلب يذوب من أجله ..وهو المبيت الذي يشير إليه الشيخ بقوله إذا ذكرت ذلك المبيت

واختتم الكاتب روايته بمشهد السفينة الراسية في الميناء والتي ركبها الشيخ ليلة الجمعة  وتابع بعض اللحظات الأخيرة قبيل انطلاق السفينة ...

التعليق

إن رواية أخينا سرين امباكي ليست مجرد رواية خيالية، فهي رواية مبنية على أحداث تاريخية حقيقية نسج خيوطها فأحكم نسجها، وحولها إلى مشاهد حية وألواحٍ متحركة فاتنة بأسلوب بديع جمع بين السرد والوصف والتأمل، ونجح في ربط الأحداث بسياقاتها الثقافية والسياسية دون تجريدها من خلفياتها الربانية التي كانت تحيط بحياة الشيخ أحمد الخديم رضي الله تعالى، الشخصية المحورية للرواية.

وتجمع الرواية بين الشحنات الروحية والمعطيات التاريخية والملابسات السياسية، فلم تغب عبر تسلسل أحداثها وتشابكها ذلك الترابط الوثيق بين البعدين المادي والروحي، بين الظاهر والباطن  في حياة الشيخ،  ودائما كان الثاني يتحكم على الأول.

وتستوقف قارئَ الرواية عدةُ جوانب، ولن يدري أيها أولى باستدعاء انتباهه:  هل يتعجب من جمال أسلوب الكاتب وسلاسته وجمع لغته بين  الرقة والجزالة في آن واحد؟

أم ينبهر من ثقافته الواسعة وإلمامه الكبير بتاريخ المنطقة وجغرافيته الطبيعة والبشرية؟ أم من قدرته الفائقة على الوصف الدقيق والشيق للأشخاص، والأماكن، والمناظر الطبيعية، والأحوال النفسية، والأجواء الروحانية؟ وفوق ذلك كله تستوقف القارئ معرفة الكاتب بحياة المريدين الأوائل وسلوكياتهم وطريقة تفكيرهم وآدابهم...

ولا يمكن للقارئ أن يتمالك حينما يسرح به الرواي في وصف الشيخ الخديم خَلقا وخُلقا وسمة وسلوكا بأجمل العبارات وأدقها وأصدقها، ويمكن أن يستشف من خلال ذلك الوصف الرائع تلك المحبة الشديدة التي يكنها الكاتب للشيخ رضي الله عنه، وهي محبة تتجلى من خلال سطور هذه الرواية بشكل واضح.

إن هذه الرواية في نهاية المطاف تعد – في نظري-  من الروايات التاريخية التي سيكتب لها الخلود في مجال الأدب العربي عموما والأدب الصوفي خصوصا والأدب المريدي بصفة أخص، وستشكل معينا عذبا لمن يريد التعرف على منهج الشيخ  في تربيته وتجربته الروحية، وأسلوبه في جهاد الأعداء،  أو على آداب المريدين وتاريخ المريدية، أو على التاريخ الإسلامي في غرب إفريقيا، وكذلك من يريد التعرف على تاريخ منطقة جلوف وانحامبور وكجور وباول في القرن التاسع عشر الملادي، أو من يريد الوقوف على عادات المنطقة وتقاليديها وأعرافها في تلك الحقبة.

جزى الله تعالى خيرا المؤلف سرين امباكي لوح محمد

ورضي عن شيخنا أحمد الخديم  وعن مريديه الصادقين

الأربعاء، 29 يناير 2025

توصيات الملتقى الخامس للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم،

 

أسدلت الستار على فعاليات الملتقى الخامس للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم في الثالث والعشرين من شهر يناير 2025م بالعاصمة الموريتانية نواكشوط. وكانت هذه النسخة الخامسة تحت شعار "القارة الإفريقية.. واجب الحوار وراهنية المصالحات"، وقد شارك فيها عدد من الوزراء وممثلي الحكومات الإفريقية والعلماء والمفكرين والأكاديميين والخبراء، من كافة أنحاء القارة الإفريقية، والعالم.

وأسفرت جلسات الملتقى التي استمرت ثلاثة أيام عن توصيات مهمة تضمنها البيان الختامي وهي:

- إطلاق شبكة إفريقية للحوار والمصالحة، فتنشأ منصة رقمية متعددة اللغات، تضم العلماء والمفكرين والقيادات المجتمعية من مختلف دول القارة تهدف الشبكة إلى توفير مساحة تفاعلية لتبادل الخبرات والنماذج العملية للمصالحات، وإلى تقديم حلول مبتكرة وتسترشد بالمعرفة المحلية لحل النزاعات، وإلى دعم التواصل بين الأطراف المتنازعة باستخدام تقنيات الترجمة الفورية لتعزيز الفهم المتبادل.

- إطلاق برنامج تدريبي متكامل للشباب والنساء في الوساطة المجتمعية؛ يستهدف تمكين الشباب والنساء في المناطق المتضررة من الصراعات من اكتساب مهارات الحوار وحل النزاعات، والمشاركة الفاعلة في جهود المصالحة على المستويين المحلي والإقليمي، ودعمهم ليصبحوا وسطاء فاعلين في مجتمعاتهم بالتعاون مع المؤسسات الدينية والحكومية.

- إنشاء صندوق دعم المصالحات والتنمية المحلية تأسيس صندوق إفريقي مشترك بتمويل من الحكومات والشركاء الدوليين، يُخصص لدعم مبادرات المصالحات القبلية، والمجتمعية في القارة الافريقية، وتمويل برامج التعليم والتدريب في المناطق التي تشهد نزاعات.

- تطوير نظام ذكاء اصطناعي لتحليل النزاعات وإدارة المصالحات، والتعاون مع شركات تكنولوجيا دولية لتطوير تطبيق ذكي قادر على تحليل جذور النزاعات بناءً على بيانات تاريخية واجتماعية واقتصادية، لتمكين الجهات المعنية من اقتراح حلول مخصصة لكل نزاع بناءً على معايير علمية وإنسانية.

- إطلاق جوائز سنوية محلية للمصالحة والحوار في إفريقيا تمنح لأفضل المبادرات المجتمعية والفردية التي نجحت في حل نزاعات طويلة الأمد، أو تقليل حدة التوترات في مناطق النزاع، وفي تعزيز الحوار بين المكونات المجتمعية المختلفة، ودعم ثقافة السلم بوسائل إبداعية تجمع بين الإرث الحضاري الإفريقي والابتكار.

- استحداث لجنة للحوار والمصالحات والتنمية، تجمع بين الحكماء والوجهاء والعلماء في كل بلد، وتعنى بالوساطات والمصالحات لفض النزاعات سواء كان مردها إلى ضغائن تاريخية أو عصبيات عرقية وقبلية أو كان سببها الفكر المتطرف والإرهاب. ومن وظائف هذه الهيئة المقترحة التكوين

- تطوير مقرر دراسي بعنوان "ثقافة الحوار"، في المدارس والمعاهد الحكومية ومؤسسات التعليم الشرعي العتيق على مستوى القارة الافريقية.

- إنشاء مركز متخصص للحوار يتبع المؤتمر الافريقي لتعزيز السلم، وإصدار مجلة السلم الإفريقية وتكون خاصة بالقارة ويكتب فيها أبناء القارة الإفريقية.

- إعداد برنامج صيفي للمشاركين يتضمن دورات تدريبية وتكوينية على مفاهيم السلم وقيم التسامح ومصطلحات الحوار، لتزويدهم بعدة مفهومية وأدوات حجاجية، تساعد على قوة البراهين والقدرة على الإقناع، ليقوم المشاركون بالدور المرجو منهم في الحوار والصلح.

- كتابة ميثاق إفريقي للحوار، يتضمن مجموعة من الأسس والمبادئ الحاكمة، وتشكل أرضية للتوافق بين الساعين إلى الإصلاح والمصالحة في إفريقيا، ويكون هذا الميثاق دستورا ومرجعا للمتحاورين في القارة، ومائدة إفريقيا لميثاق دستورا ومرجعا للمتحاورين في القارة، ومائدة إفريقية عالمية يجلس إليها كل محتاج.


هذه هي التوصيات المنبثقة من جلسات هذه النسخة الخامسة لملتقى المؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم الذي يترأسه العلامة سماحة الشيخ عبد الله بن بيه حفظه الله تعالى.

وهي توصيات إذا وُجدت لدى أصحاب القرار في القارة إرادة تنفيذها وتوفرت آلياته ستنعكس بالضرورة على أوضاع القارة وعلى مستقبلها وستتحسن بالتالي حياة سكانها. 

الجمعة، 27 ديسمبر 2024

عرض وجيز لكتاب الشيخ صالح امباكي مرتضى "جوانب خفية في مسار حياتي"


هذا هو نص العرض الذي قدمته عن كتاب الشيخ صالح امباكي مرتضى "جوانب خفية في مسار حياتي" بمناسبة حفلة الإهداء التي نظمت يوم الأربعاء 25 ديسمبر 2024 بمدرج جامعة الشيخ أحمد بمب باندام


"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وءاله وصحبه ومن والاه وبعد
فضيلة الشيخ مام مور امباكي حفظه الله تعالى
أصحاب الفضيلة المشايخ الكرام
الأسرة الأزهرية
الضيوف الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
يشرفني في هذا المقام أن أحاول عرض هذا الكتاب المعنون بـ "جوانب خفية في مسار حياتي " للشيخ صالح امباكي الذي بتواضعه اختار هذا العنوان، ولكني أعتبر هذه الجوانب "جوانب مشرقة"

وسأحاول في هذا العرض الوجيز أن أقف على بعض الجوانب تاركا المجال للقراء ليكتشفزا بأنفسهم التفاصيل، ويتمحور العرض حول ثلاث، هي:
· طبيعة الكتاب
· محتويات الكتاب
· تحليل وتعليق

أولا طبيعة هذا الكتاب
يندرج هذا الكتاب في فن أدبي يسمى "أدب المذكرات" وهو نوع أدبي يُعنى بكتابة التجارب الشخصية والذكريات بأسلوب أدبي يجمع بين السرد الذاتي والتأمل العميق في الأحداث والشخصيات والمواقف.
ويهدف أدب المذكرات إلى نقل تجارب الكاتب بصدق وعفوية، وقد يشمل تفاصيل يومية أو لحظات محورية ومهمة في حياته.

ويهتم بهذا الفن الأدبي كبار الشخصيات التي لها تجارب متميزة في حياتها من علماء وشيوخ ومجاهدين وسياسيين وغيرهم، ومن أشهر المذكرات في الأدب العربي “الأيام لطه حسين"، و"حياتي" لمحمد أمين و"أنا" لعباس محمود العقاد.

ومن يقرأ كتابات الشيخ الخديم رضي الله عنه يجد حرصه على تدوين بعض التفاصيل من حياته لما فيها من الدروس والعبر، كما نرى في كتابه "جزاء الشكور العطوف".

والشيخ صالح امباكي مرتضى في كتابه استخدم هذا النوع من الأدب.

ثانيا: محتويات الكتاب
والكتاب يقع في 207 صفحة من الحجم المتوسط، وينقسم إلى قسمين: المذكرات والملحقات، ويتضمن 29 عنوانا فرعيا أو وقفة بعد المقدمة
تناول في المقدمة القصيرة النسب الشريف الذي شرفه الله بالانتماء إليه، ثم تحدث عن الشيخ الوالد بشيء من التوسع والشيخ الوالدة قبل الحديث المراحل التي مرَّ بها وبدأ بطفولته وما فيها من معاناة.
وفي هذه المرحلة تحدث عن المدارس القرآنية (توفيق/ سرين شيخ مي/ نياغل/ سرين شعيب / سرين جتر / كوكي / كر منياو/ غسان) والعلمية التي مرَّ بها واستفاد منها ( سرين مصطفى سي/ دار المعارف/ الازهر ) ثم انتقل إلى سفره إلى القاهرة لطلب العلم، ومسيرته الدراسية فيها والمعاناة التي عاشها فيها، وختم هذه الحلقات بالمهام التي كلف بها بعد عودته.
وأما الملحقات فعبارة عن مقالات قيمة دونها الكاتب في مناسبات مختلفة

ثالثا: تحليل وتعليق
إن هذه السطور في الواقع تميط اللثام ليس عن جوانب خفية من حياته فحسب، ولكنها:
- تقدم صورة عن البيئة الاجتماعية والثقافية والتربوية السائدة في مدينة طوبى المحروسة وفي محيطها من بداية الستينيات إلى الثمانينيات من القرن الماضي؛

- تعطينا معلومات مفيدة عن ظروف الحياة في هذه البيئة، سواء على المستوى الشخصي وما فيه من معاناة وآلام وأفراح، أو على المستوى الأسري وما فيه عادات وتقاليد وأخلاق.

- والكاتب إذ يكشف عن جوانب خفية من حياته إنما يكشف في الوقت نفسه عن مسيرة لم تكن مفروشة بالورود، كما قد يُتَصور، ولكنها مسيرة محفوفة بجهود مضنية ومثابرة شديدة في سبيل العلم تحصيلا وعطاء.

- وبأسلوب سلس وجميل ولغة راقية يرسم لنا الكاتبُ صورا متحركة وناطقة عن أماكنَ وشخصياتٍ تركت بصمات على حياته؛ من مدارس قرآنية وعلمية عريقة، نقرأ على سبيل المثال ما كتبه عن مدرسة الشيخ شعيب (ص 58)

"وكان نظام الدراسة في المدرسة سهلا ومبسطا، وفي الصباح يراجع التلميذ حزبه وبعد استظهاره يأخذ درسا جديدا ثم يراجع مما سبق، ويتوقف حجمه في الكثرة والقلة على مستواه، وباستطاعة التلميذ الذكي أن يفرغ من دراسته اليومية قبل أن ينتصف النهار، اللهم إلا إذا فعل ما يوجب العقاب فعقابه العودة إلى الكتاب، ولا يوجد في المدرسة في ذلك الوقت نظام الدراسة الليلية، بل كنا ننعزل عند العتمة في إحدى زوايا البيت ونذكر الله بأصوات عالية وإذا حان وقت العشاء نؤمر بالوضوء والذهاب إلى المسجد للآذان والصلاة جماعة".

- وكان يتخلل حديثه عن هذه الأماكن والشخصيات طرائف لطيفة اقرأ معي فقرة مما كتبه عن زيارته للشيخ محمد الفاضل (ص 60)

"وفي إحدى الإجازات رأيت الخليفة الأعظم الشيخ محمد الفاضل رضي الله عنه -وكان الوصول إليه لطفل في سني صعب المنال. فالبوابون لا يتسامحون فيه، ولجأت إلى رجل يحمل دجاجات إليه فحملتها عنه، وعندما دخلت جلست بين يديه دون أقدم إليه نفسي، أو يقدمني إليه أحد. وإذا بشيخ ممن حوله يلفت نظره إلي قائلا: يبدو أن هذا الغلام يريد شيئا فرفع رأسه إلي، ثم أعطاني ثلاث أوراق100 فرنك، وكان في ذلك الوقت مبلغا كبيرا بدليل أن سخن أنت كبي زوجة سرج مصطفى غاي – المريد المقرب من الشيخ صالح – أبلغت والدتي بأن الشيخ محمد الفاضل أهدى إلي مالا كثيرا أنفقته بمصاحبة أترابي في بيت عمي في غير ما فائدة، وكان هذا الإبلاغ سببا في أن تصب علي جام غضبها"

وقد حظيت الجوانب المتعلقة برحلة الكاتب الدراسية حيزا كبيرا في هذه السطور، بدأت بمدارس طوبى قبل التحاقه بمعهد الأزهر، وهي رحلة حطت به في القاهرة معقل العلم والثقافة، بعد مغامرات ومعاناة شديدة تلتها سنوات غربة لم تكن سهلة ولا ميسورة، وقد تحملها بصبر وهمة عالية حتى ظفر بنيل مناه وتحقيق مبتغاه.

- وقراءة أحداث هذه الفترة تفتح عيون الجيل الحاضر على الصعوبات الكبيرة التي كان طلبة العلم يعانونه في مسيرتهم الدراسية، لكي يقدروا الإنجازات التي تحققت في المجال التربوي والتعليمي، وقربت لهم ما كان بعيد المنال.

- وإلى جانب هذه الصور الساطعة والأحداث المتلاحقة ضمَّن الكاتبُ سطورَه تأملاتٍ وتحليلاتٍ عميقةٍ حول قضايا اجتماعية وتربوية وسياسية تنم عن وعي ناضج، ونظر بعيد، وحس مرهف بمشكلات مجتمعه وتحدياته.

- وسيَستشفُّ القارئ خلالَ هذه السطور أيضا شعورَ الكاتب بمسؤوليته الكبيرة في رفع تلك التحديات، باعتباره واحداً من قادة الطريقة المريدية التي أسَّسها جدُّه المجدد مولانا الشيخ أحمد الخديم رضي الله تعالى عنه.

- يجد القارئ في هذه الورقات التي بين يديه صفحاتٍ مضيئةً من تاريخ مؤسسة الأزهر الإسلامية التي نهض الكاتب بدور أساسي في تنظيمها وتطويرها بصفته مديرا عاما لها منذ أكثر من ثلاثين سنة،

- يجعل القارئَ يقف على طرف من رؤية الشيخ محمد المرتضى البعيدة، وجهوده الجبارة في تأسيس هذا الصرح العلمي العظيم، وعلى المراحل التي مرَّ بها وعلى بعض الشخصيات التي أسهمت في ترسيخ قواعده.

الخاتمة
ويمكن القول في النهاية إن هذه الجوانب من مسار حياة شيخنا صالح نافذةٌ على تاريخنا الفكري والاجتماعي المعاصر، ويمكن للجيل الحاضر أن يسترشد بها ويستمد منها طاقة لمضاعفة جهوده وحمل أمانته في سبيل النهوض بمجتمعه.

وفي الكتاب دعوة إلى الاهتمام بتاريخنا المعاصر وهو تاريخ مجيد من حق الأجيال القادمة معرفتها والاستفادة منها، ولا يتسنى ذلك إلا باهتمام الفاعلين بتدوين تجاربهم وخبراتهم وتفاصيل معاشرتهم لشيوخنا الكرام رضوان الله تعالى عليهم".

والسلام عليكم ورحمة الله
د. سام بوسو عبد الرحمن


السبت، 30 نوفمبر 2024

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024 حول موضوع "دمج المدارس القرآنية في النظام التربوي: العوائق والتحديات والآفاق المستقبلية، وكنتُ مكلفا بتناول التحديات. وفيما يلي خلاصة مداخلتي.

التمهيد
في  واقع الأمر، لم تعد هناك حاجةٌ إلى التذكير بكون المدرسة القرآنية جزءاً من تراث السنغال الثقافي ومكوِّناً أساسيا من هويته. وإدماج هذه المؤسسات التعليمية في النظام التربوي الرسمي يلبي حاجةً ملحة لشريحة واسعة في المجتمع السنغالي، تكرر التعبير عنها في مناسبات مختلفة، منها الجلسات الوطنية حول التربية والتكوين لسنة 1981 ولسنة 2014م. ويهدف هذا الإدمج إلى الحفاظ على القيم الأصيلة والتراث العريق للمجتمع السنغالي مع الاستجابة لمقتضيات التنمية الوطنية.
ومنذ حوالي عقدين من الزمن بدأت السلطات التربوية في السنغال تنتبه إلى ضرورة الاهتمام بالمدارس القرآنية، وتُرجم هذا الاهتمام بالعديد من المشاريع التي تخصها. وقد أبدى النظام السياسي الجديد بدوره اهتماما بالغا بالتعليم القرآني يتجلى من خلال رؤيته وسياسته التربوي.

المدرسة القرآنية في الرؤية التنموية والتربوية الجديدة للسلطات الجديدة
في الحقيقة، نلاحظ أن السلطات الجديدة تحمل رؤية تنموية شمولية تولي اهتماما بالغا للعدالة والإنصاف في المجتمع، لأن من بين المحاور الأربعة التي تقوم عليها رؤية "السنغال 2050" محور رأس المال البشري والإنصاف الاجتماعي، والمدرسة القرآنية من هذا المنظور تعدُّ فاعلا أساسيا في هذا المحور.

وتجسد السياسة التربوية الجديدة للوزارة هذه الرؤية التنموية، فهي سياسة ترمي "إلى ترسيخ مجتمع تربوي منفتح، من أجل تكوين مواطن متسلح بالقيم الإفريقية والروحية قادر على رفع تحديات التنمية المستدامة والعلوم والتكنولوجيات الرقمية والذكاء الاصطناعي".

ومن أجل ترجمة هذه الرؤية تؤكد السلطات الجديدة عزمها على إدماج الدارات في النظام التربوي الرسمي. وهذا السياق الجديد يبرر عقد مثل هذا اللقاء لمدارسة قضية الإدماج من جوانبها المختلفة، ومن بينها آفاقها المستقبلية.

الآفاق المستقبلية
إن إدماج التعليم القرآني في النظام الرسمي بصورة كاملة مدروسة ستفتح آفاقا مستقبلية مشرقة تمس جوانب مختلفة من التعليم القرآني: المدرسة القرآنية والعاملين فيها وخرجيها والنظام التربوي والمجتمع ككل. ويمكن الإشارة هنا إلى بعض تلك الآفاق، وهي:

1. الوصول إلى وضع نظام تربوي متكامل يتناغم مع الرؤية الجديدة للسلطات التربوية ومتوافقا مع طموحات أهل القرآن والمجتمع السنغالي عموما.

2. القضاء على الازدواجية التي من شأنها أن تولِّد حواجز ثقافية بين شرائح المجتمع (شريحة تتبنى التعليم الفرنسي وشريحة أخرى تعتمد على التعليم العربي الإسلامي)، وقد تشكل هذه الحواجز خطرا على تماسك المجتمع واستقراره على المدى البعيد.

3. تمكين شريحة واسعة في المجتمع تملك كفاءات مختلفة من الإسهام بصورة أكثر فعالية في بناء هذا الوطن ومن الانخراط في سوق العمل بسهولة ويسر.

4. تمتُّع المدرسة القرآنية بوضعية قانونية موائمة تؤطر عملَ مؤسسات التعليم القرآني، وتحفظ خصوصيتها وتضمن لها الاعتراف الوطني والدولي. وهذا الاعتراف مدخل لبعض الإجراءات المهمة مثل:

o تطوير المناهج في المدارس القرآنية حتى تتقلص المدة الزمنية المكرسة في حفظ القرآن الكريم وتتمكن المتعلمين من تملك كفاءات أخرى تسهل لهم مواصلة دراساتهم في تخصصات مختلفة.
o تحسين ظروف المعيشة والدراسة في المدرسة القرآنية بحيث تحترم معايير الجودة المطلوبة في المؤسسات التربوية.
o تسهيل عملية تمويل المدارس القرآنية من ميزانية الدولة، ومن مصادر تمويل أخرى مثل الأوقاف والاستثمارات والهبات ونحوهما.
o تمكين المدارس القرآنية من الاستفادة من اتفاقيات التعاون مع المؤسسات الدولية.
o تمكين المدارس القرآنية من الاستفادة من ثورة التكنولوجيات الجديدة وخاصة الذكاء الاصطناعي.
o الأخذ في الاعتبار للسنوات التي يمضيها الطفل في حفظ القرآن، حين يريد الانخراط في المؤسسات التربوية الأخرى، ولا يكون تقَدُّمه في السن عائقا أمام مواصلة دراسته، كما يحدث في الوقت الراهن.
o تحقيق السنغال للهدف الأممي في الوصول إلى التمدرس العالمي وفقا الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة ODD.
o تحسين وضعية السنغال فيما يخص مراعاة حقوق الطفل وفقاً للاتفاقية 182 لمنظمة العمل الدولية OIT بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال.

الخاتمة
إن إدماج المدرسة القرآنية في النظام التربوي الرسمي يفتح آفاقا لها وللعاملين فيها، ولخريجيها وللنظام التربوي، وللمجتمع بشكل عام، وهذا ما يدعو إلى التعاون البناء من جميع الأطراف لتحقيق هذا الهدف السامي؛ فلا يمكن للحكومة أن تنجح نجاحا كاملا وميسورا بدون هذا التكاتف والتعاون.

د. سام بوسو عبد الرحمن

الخميس، 31 أكتوبر 2024

الشيخ محمد المنتقى امباكي صاحب المواقف المثالية

مرة أخرى، كشفت الفضيانات التي ضربت مدينة طوبى عن ذلك البعد الإنساني الرائع المتجذر في مواقف سماحة الخليفة العام للطريقة المريدية شيخنا محمد المنتقى الذي ينظر بعين الشفقة والرحمة، والتضامن، وحب الخير للجنس البشري عموما؛ فتراه يهبُّ لإغاثة الملهوف وتنفيس المكروب، ولا يميز في عطائه بين القاصي والداني، ويقف دائما في جنب ضحايا الكوارث، مهما بعدت المسافة بينه وبينهم، سواء حلت في المغرب أو في المشرق، ويتعاطف مع المستضعفين والمضطهدين في كل مكان.

وتؤازر هذه النظرةَ الرحيمةَ الموروثة من المبعوث رحمة للعالمين، عليه صلوات الله وسلامه، ومن خديمه المقتفي لآثاره رضوان الله تعالى عليه أريحيةٌ نادرة لمدِّ يد العون إلى كل محتاج.

والأعجب في ذلك كله سدادُ رؤيته في خطوة يخطوها ومبادرة يتخذها في قضايا مجتمعه، حيث تكون دائما نموذجا يحتذى به، لما تتضمنه من دلالاتٍ ودروسٍ يمكن لأصحاب المسؤوليات والقرارات أن تستهدي بها في سياستها وإدارتها للأزمات؛ فمواقفه - حفظه الله - في أزمة الكورونا وفي الأزمات السياسية العنيفة بعدها ليست عنا ببعيدة.

وقراره – حفظه الله – ببناء مساكين للمتضررين من الفيضانات في طوبى بعد مساندتهم بشكل عاجل بمبالغ طائلة لتخفيف وطأتها، يحمل في طياته الكثير من الدلالات: الشعور بالمسؤولية، السعي إلى حلول جذرية للمشكلات، والنظر إلى المآلات دون الاكتفاء بالحلول الجزئية الآنية.

إن في هذا القرار الأخير، كغيرها من قرارات الشيخ، لدرساً بليغا لكل صاحب سلطة – ولو محدودة – على الناس في وقت الأزمات: الوعي بالمسؤولية، والوقوف إلى جانب المحتاجين، واتخاذ الإجراءات الفعالة اللازمة، وإشراك الأطراف المعنية في تسيير جماعي شفاف. 
يا ليت قومي يعلمون!
                                                        د. سام بوسو عبد الرحمن

الأحد، 29 سبتمبر 2024

الندوة العلمية حول "جهود علماء الغرب الإسلامي في خدمة التراث الإسلامي": الفعاليات والتوصيات

نظمت جامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى بالتعاون مع كلية الدعوة الإسلامية بطرابلس ندوة علمية دولية تحت عنوان "جهود علماء الغرب الإسلامي في خدمة التراث الإسلامي" بالعاصمة السنغالية دكار، يومي ٢٥و ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٤م، وجاء هذا التنظيم في إطار العلاقات التعاونية التي تربط بين المؤسستين.
وعلى مدار اليومين أتحفنا ثلة من الباحثين بورقات علمية قيمة في محاور الندوة الثلاثة، وهي:
‌أ. جهود العلماء في خدمة علوم الشريعة الإسلامية؛
‌ب. جهودهم في خدمة علوم اللغة العربية وآدابها
‌ج. جهودهم في خدمة الحضارة الإسلامية

وقد شارك في الندوة باحثون كبار من السنغال، وليبيا، والمغرب، وغينيا، وغامبيا، وموريتانيا، وبنين، ونيجيريا، ، وطافوا بنا، خلال الجلسات العلمية الست، في أجواء الغرب الإسلامي من فوت جالو، وكاسمانس، وجامبور، وباوول، بالإضافة إلى نيجيريا والمغرب وليبيا، واستخرجوا منها كنوزا ثمينة كانت خفية خلَّفها العلماء في مجال اللغة العربية وعلومها والعلوم الإسلامية والتطبيقية، وقدموا أمثلة حية لإسهاماتهم المتميزة في هذه المجالات.
وكانت المناقشات في أعقاب المحاضرات ثريةً وعميقةً أماطت اللثام عن تمكن هؤلاء الباحثين وسيطرتهم على الموضوعات التي عالجوها في ورقاتهم البحثية، وأبرزت أيضا الحاجة الماسة إلى توسيع الأبحاث في التراث الإسلامي في الغرب الإسلامي وضرورة العناية بالمخطوطات الثمينة المتناثرة في مكتباته الأهلية ووضعها في متناول الباحثين.
وأخيرا، تمخَّضت الندوة عن توصيات مهمة، وهي:
1. إزجاء الشكر لجميع المشاركين في الندوة بأبحاثهم وتجاربهم واقتراحاتهم، وللمحاضرين الذين أثروا جلسات الندوة بحواراتهم الجادة.
2. إسداء الشكر إلى كل المسؤولين والجهات الرسمية في دولتي السنغال وليبيا على تعاونهم وتيسيرهم سبل انعقاد الندوة
3. الإشادة بمن أسهموا في إقامة الندوة وإنجاح أعمالها: إعداداً وتجهيزاً وتنظيما وتنفيذاً.
4. محاولة إيجاد مشروع بحث بين المؤسسات العلمية والأكاديمية حول مراحل انتشار الإسلام في الغرب الإسلامي وخصائصه.
5. إتباع هذه الندوة بسلسلة من الندوات المشتركة بين المؤسستين المنظمتين لها مرة كل سنة.
6. دعوة المؤسسات والمنظمات المعنية بخدمة التراث الإسلامي إلى المشاركة في هذه الندوات، والتوسع في أمكنة انعقادها لتشمل عددا من أقطار الغرب الإسلامي، على أرض الواقع أو عبر وسائل التواصل التقنية بحسب الظروف المتاحة..
7. توسيع مجالات التعاون وآفاقه بين المؤسستين من خلال تبادل الأساتذة وإقامة المحاضرات والبرامج العلمية المشتركة، وتبادل الرحلات العلمية بين الطلاب وتبادل الكتب والمطبوعات.
8. دعوة الباحثين إلى محاولة الوقوف على الدواوين الشعرية والمؤلفات العلمية المخطوطة لتحقيقها ودراستها ونشرها لتكون في متناول الباحثين.
9. إنشاء مجمع أو مركز لغوي يعني بدراسة الجهود المبذولة وتحقيق الكتب المؤلفة في خدمة اللغة العربية وعلومها داخل السنغال: تعليما وتأليفا بالتعاون مع إحدى الدول العربية الرائدة في هذا المجال.
10. تنظيم ندوة علمية حول جهود الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه في خدمة العلوم الشرعية واللغوية.
11. اعداد مشروع لجمع التراث الإسلامي لدول الغرب الإسلامي وتوجيه الفاعلين والأكاديميين إلى تبني سياسات تستهدف العناية بهذا التراث وترجمته ونشره
12. الدفاع عن العقيدة الإسلامية ضد التيارات الاستشرافية والمذاهب الإلحادية
13. إيلاء عناية أكاديمية بحركة التأليف في التراث الإسلامي المدون باللغات الأفريقية المحلية بوصفه من أهم الوسائل المثالية لنشر القيم الإسلامية والتمكين لها في المجتمعات الافريقية.
14. الاستفادة من الدراسات الأكاديمية، وهي مجموعة من رسائل الماجستير والدكتوراه التي تعلق كثير منها بالبحث في التراث الإفريقي وأعلامه، وكذلك من تجاربها في إقامة عدة ندوات للتواصل الثقافي بين أقطار الغرب الإفريقي.
15. العمل على نشر أعمال الندوة باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية وطباعتها، في نس خة خاصة بمجلة كلية الدعوة الإسلامية.
 
هذه هي التوصيات المنبثقة من الندوة والتي تعكس اهتمام المشاركين واعتقادهم بضرورة العناية بالتراث الإسلامي الثري الذي يزخر به الغرب الإسلامي. وقد انتهت الندوة بحمد الله وتوفيقه مساء يوم الخميس السادس والعشرين من شهر سبتمبر سنة 2024م.
روابط الندوة
كلمة افتتاحية د. سام بوسو عبد الرحمن 
كلمة البرفوسور مور في منسق الجامعة باللغة الفرنسية 
كلمة الدكتور عبد الأحد لوح عمد الكلية ورئيس اللجنة العلمية للندوة
كلمة الأستاذ الدكتور أبو بكر بو سوير عميد كلية الدعوة الإسلامية 
كلمة الوفد الليبي في الجلسة الافتتاحية
























الجمعة، 30 أغسطس 2024

وقفة مع الأنشطة العلمية للمغال

من المعروف أن الاحتفال بذكرى غيبة الشيخ أحمد الخديم البحرية أصبح مناسبة دولية يشارك فيها نخبة من العلماء والمفكرين والشيوخ من مختلف مناطق العالم، ويُنظم خلاها عدد من اللقاءات والجلسات العلمية على شرف هؤلاء الضيوف.

وفي هذه السنة (١٤٤٦ه/ ٢٠٢٤م) تم تنظيم خمس جلسات خلال اليومين ١٧ و١٨ من شهر صفر. ففي صباح الخميس السابع عشر من صفر نُظم لقاء علمي في مقر السادة الضيوف الشناقطة بعنوان "المريدية وتراثها العلمي بعد مائة سنة من رحيل مؤسسها" ألقى فيه محاضرةً قيمة كلٌّ من الأستاذ الدكتور يحيى ولد البراء الأستاذ بجامعة نواكشوط، والدكتور عبد الاحد لوح عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى.

وفي مساء هذا اليوم أيضا، نَظمت دائرةُ روض الرياحين محاضرتَها العامة تحت عنوان "الشيخ الخديم ورجال السلطة قراءةٌ في رسالته إلى صمب لوب امير جولوف"، قدمها الشيخ أبو امباكي بشير بحضور جمع من ممثلي الطرق الصوفية والمنظمات الإسلامية في السنغال.

وفي الليل، استضافت الوفودَ القادمة من خارج السنغال في حفلة عشاء فاخرة دائرةُ حزب الترقية في معهدها فتح الفتاح (بيت القصائد) داخل مجمع الشيخ أحمد الخديم، وقُدمت خلالها مداخلاتٌ من قبل رؤساء الوفود بعد عرض موجز عن المجمع من كل هذه السطور، وكلمة افتتاحية من المرشد الروحي للدائرة السيد يوسف جوب وكلمة رئيس اللجنة الإعلامية والثقافية الشيخ عبد الاحد امباكي.

وفي صباح يوم الجمعة ١٨ صفر ١٤٤٦ نُظمت ندوةٌ علمية على شرف الضيوف الأجانب في دار الضيافة بدار المنان تحت عنوان " السلم والتسامح في الفكر الصوفي، المريدية نموذجا". شهدت هذه الندوة مداخلات قيمةً من كل من الشيخ الدكتور أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر سابقا، والدكتور عبد الفتاح بن صالح بن محمد اليافعي من اليمن، والدكتور خالد التوزاني من المملكة المغربية، وكاتب هذه السطور وغيرهم، بإدارة الدكتور عبد الفتاح الردادي من تونس.

وفي مساء هذا اليوم نظمت أخيراً جلسة علمية أخرى حول موضوع "دور علماء السنغال في خدمة السنة النبوية الشريفة، في دار الضيافة غربي المسجد الجامع، شارك فيها ممثل للطريقة المريدية وممثل للطريقة التجانية وممثل للطريقة القادرية.

وهكذا كانت فعاليات هذه السنة - كالعادة- ثرية بأنشطة علمية ذات قيمة عالية، وقد مكنت المشاركين الأجانب من الاطلاع أكثر على منهج الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه، وفكره والقيم التي كان يجسدها في حياته وسيرته.
                                                            سام بوسو عبد الرحمن 

من كرامات الشيخ أحمد بمب رضي الله عنه ... إصدار جديد لدائرة روض الرياحين

"عُرف  الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه بكراماته الكثيرة التي تناقلتها الركبان، ورواها ثقات عن ثقات في سياقات مختلفة من حياته، ولكن أبرز...