السبت، 25 فبراير 2012

بيان الجمعة في المسجد الجامع بمدينة طوبى المحروسة

بيان الجمعة غرة ربيع الثاني 1433 الموافق 24 فبراير 2012
حول الانتخابات الرئاسية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد نهنئكم في هذا اليوم المبارك ونسأل الله تعالى أن يحفظنا ويحفظ أئمتنا وبلادنا وسائر بلاد المسلمين.
وبعد؛
نوجه حديثنا اليوم إلى قضية الانتخابات التي يقبل إليها المواطنون السنغاليون بعد يومين فقط لاختيار رئيس للبلاد، فهذه الانتخابات حدث يشغل كثيرا من الناس ويمثل وضعا خاصا يتطلب من الجميع التعقل والتصرف بوعي لكي تمر العملية بهدوء وسلام فيكون البلاد هو الفائز في نهاية المطاف.
إن السعي للفوز برئاسة الدولة أمر مشروع ولكنه ينبغي أن يتم برفق وهدوء، فلنتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح :
" إن الله رفيق يحب الرفق، وإن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف "
والرفيق اسم مشتق من الرفق الذي هو التأني في الأمور والتدرج فيها وضده العنف الذي هو الأخذ فيها بشدة واستعجال ..
والرفق مطلوب أيضا من أصحاب السلطة، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " اللهم من ولي من أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه "
وهذا الرفق منشود أيضا في كل شيء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه "
وفي حديث آخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ».
ويقول أيضا «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيَرْضَى بِهِ وَيُعِينُ عَلَيْهِ مَا لَا يُعِينُ عَلَى الْعُنْفِ
أيها الإخوة
في هذه الظروف من الحياة السياسية يكون من حق كل مترشح لتولي السلطة أن يسعي لكسب ثقة المواطنين عن طريق عرض قدراته وكفاءاته وخبراته، فقد حكى علينا القرآن الكريم قولَ سيدنا يوسف "قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" وحكي عن ترشيح امرأة لسيدنا موسى بقولها "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين"
ومن حق أهل السياسة أن يتفقوا على قواعد وقوانين ومؤسسات يحتكمون إليها، ولكنه من واجبهم الموافقة على قرارات هذه المؤسسات لضمان الاستقرار؛ فإذا كان كل من يشعر بأن الحكم الصادر ليس لصالحه يقوم برفضه فلا يوجد انتظام ولا انضباط أبدا. فقد ثبت أنه إن لم يكن ما قضى به القاضي حقا فالله يتولى عقاب من قضي له بغير حقه. ففي حديث عن أم سلمة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما أنا بشرٌ ، وإنكم تختصمون إلىّ ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمعُ، فمن قضيت له بحقِّ أخيه فإنما أقطعُ لهُ قطعة من النارِ" متفق عليه
ومن حق المواطنين الأبرياء أن يتمتعوا بعيش هادئ وآمن يطمئنون فيه على أنفسهم وأموالهم ويتمكنون من الاشتغال بالعمل والعبادة
وهكذا لجميع الأطراف حقوق ولكنه ليس من حق أحد بث فتنة بين الناس من أجل الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها. وإذا وجد من يستعد لبث الفتنة والفساد والاضطراب بين الناس يتعين على المواطنين الوقوف بحزم لعدم الانجراف وراء تيار لا يعرفون مصيره ومغزاه.
فيجب على المومن أن لا يخطو خطوة دون حسابها وإدراك مصلحته الدنيوية والأخروية في تلك الخطوة.
ومفتاح الاستقرار والأمن في هذا البلاد ـ في رأيي ـ هو امتثال أوامر قادتنا الذين رفعوا صوتهم للدعوة إلى الهدوء والسلام وإلى تجنب الفتنة بسبب الصراع على السلطة فالبلاد ليس ملكا للساسة وبالعكس فهم خدم للأمة إذا فهمنا المعنى الصحيح وهو "تدبير شؤون الرعية"
وقد كان واضحا وجليا أمرُ شيخنا الشيخ سيدي المختار حفظه الله بإجراء العمليات الانتخابية بسلام وهدوء، فيتوجب على كل مسلم منتم إلي الطريقة أن يلتزم بهذا الأمر ووضعه فوق جميع الاعتبارت وعدم المساهمة في ما يثير الفتنة، والشيخ الخديم يقول "إن السلامة والعافية خير من عكسهما" ويقول أيضا في إحدى وصاياه " من كاتب هذه الحروف إلى كل من سيقف عليها نصيحة وهي: ترك كل مؤد إلى التزلزل والفساد والاجتهاد في الخيرات والتوبة من جميع الهفوات، فمن امتثل فهو مريد بالضم ومن لم يمتثل فهو مريد بالفتح"؛ ومن آمارت الإرادة الصادقة مخالفة هوى النفس وحظوظها لاتباع الأوامر.
والذين يتجاهرون بمخالفة هذا التوجيه لا يجنون من ذلك سوى إعراض المريدين والخيبة في مسعاهم.
ومن ناحية أخرى، علينا أن ننتبه إلى أن هناك من يسعى عن طريق وسائل الإعلام لتضعيف كلمة القيادة الدينية في السنغال وصرف الناس عنها لكي يصغوا إلى من لا دين لهم ولا أخلاق.
فلا ينبغي الحياد والاكتفاء بالتفرج في هذا الوقت بل لا بد من اتخاذ موقف إيجابي والسعي لضمان الاستقرار والأمر للبلاد كل حسب مستواه وقدراته.
وعلى الأحزاب وأنصارهم والإدارة المنظمة والمراقبين للانتخابات السهرُ على نزاهة العملية والالتزام بنتائجها وبخلاف ذلك قد نفتح الباب لمشكلات يصعب حلها.
وأخيرا نذكر المريدين بأن غاية المريد في حركاته وسكناته وفي جميع تصرفاته تحري رضي المولى عز وجل.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحمنا ويحمي بلادنا وسائر بلاد المؤمنين من الفتن والمصائب وينشر الأمن والسلام علينا وعلى جميع المسلمين
والسلام عليكم ورحمة الله
سام بوسو عبد الرحمن
الجمعة 1 من ربيع الثاني ١٤٣٣
الموافق ٢٤ فبرائر ٢٠١٢

السبت، 31 ديسمبر 2011

البيان الختامي للملتقى الصوفي العالمي الأول بمناسبة "مغال طوبى"



جمهورية السنغال / الخلافة العامة للطريقة المريدية / اللجنة المنظمة للمغال

دكار، ميريديان

الملتقى الصوفي الأول

27-29 محرم 1433هـ (23-25 ديسمبر 2011مـ)

البيان الختامي

انعقد في دكار بفندق ميريديان في الفترة من 27 إلى 29 محرم 1433هـ (23-25 ديسمبر 2011مـ) الملتقى الصوفي العالمي الأول تحت عنوان "التصوف وأزمة العالم المعاصر".

وقد افتتح الملتقى مساء يوم الجمعة 27 محرم 1433هـ (23 ديسمبر 2011مـ)، وألقيت الكلمات الآتية في الافتتاح:

- خطاب الخليفة العام للطريقة المريدية. وقد قرأه الشيخ محمد البشير عبد القادر رئيس اللجنة المنظمة للمغال.

- خطاب رئيس الجمهورية.

- كلمة ترحيب باسم اللجنة المنظمة للملتقى قرأها الأستاذ خادم مصطفى لوه.

- كلمة تعريف بالملتقى قدمها رئيس اللجنة المنظمة الشيخ عبد الأحد امباكّي غايندي فاتما.

- كلمة ممثلي الطرق الصوفية السنغالية قدمها الشيخ الحاج مالك سي بن الشيخ عبد العزيز.

- كلمة المشاركين القادمين من خارج السنغال قدمها الأستاذ مختار ولد أباه.

وقد عبر جميع من تناولوا الكلمة في الجلسة الافتتاحية عن استحسانهم للمبادرة.

وبعد كلمات الافتتاح قدم الأستاذ خادم امباكّي شيخو المحاضرة الافتتاحية نحت عنوان "المريدية فكرا ومنهجا".

وقد امتدت أعمال المؤتمر على مدار اليومين التاليين في ست جلسات تم خلالها تقديم 19 عرضا حول ستة محاور من قبل أساتذة جامعيين وباحثين من غامبيا، وموريتانيا، والمغرب، وتونس، ومصر، وسوريا، وتركيا، وفرنسا، وبلجيكا، والولايات المتحدة الأمريكية، والسنغال.وقد أعقبت العروض بمناقشات مثرية.

والمحاور هي الآتية:

1- التصوف: الحقيقة والمبادئ.

2- التصوف والقيم الإنسانية.

3- التصوف والسياسة.

4- الأزمة الاقتصادية: التصوف باعتباره مقاربة للإنقاذ (أ).

5- الأزمة الاقتصادية: التصوف باعتباره مقاربة للإنقاذ (بـ).

6- التصوف والقضايا الاجتماعية والثقافية.

وفي صباح يوم الاثنين غرة صفر 1433هـ (26 ديسمبر 2011مـ) انتقل المشاركون إلى طوبى حيث أقيمت الحفلة الختامية بحضور الخليفة العام للطريقة المريدية.

وقد تمخضت النتائج الآتية عن أعمال الملتقى:

- اتفق المؤتمرون على وجود أزمة متعددة الجوانب في عالمنا المعاصر.

- اتفق المؤتمرون على أن السبب الرئيسي لهذه الأزمة راجع إلى طغيان المادة وإهمال البعد الروحي والأخلاقي للإنسان.

- اتفق المؤتمرون على أن التصوف قادر على إنقاذ العالم من هذه الأزمات بسبب اهتمامه في المقام الأول بالبعد الروحي والأخلاقي في الإنسان.

- اتفق المؤتمرون على التوصيات الآتية:

1-الاهتمام بتربية النفس وتزكيتها.

2-إنشاء معهد لدراسة فكر الشيخ الخديم بصفة خاصة والفكر الصوفي بصفة عامة. وهذه التوصية اقترحها رئيس الجمهورية في خطابه الافتتاحي وأكدها من خلال اتصال هاتفي أثناء أعمال الملتقى.

3- دراسة التصوف في الجامعات دراسة منهجية.

4- نشر أعمال الملتقى باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية.

5- تجسيد القيم الصوفية مثل الوسطية، والخدمة، وكسب الحلال، والتسامح، والإحسان، ونشرها بين الناس.

6- إنشاء قاعدة بيانات لأعلام التصوف المتأخرين.

7- إصدار منشورات متخصصة في التصوف لتصحيح الأخطاء المرتبطة بالتصوف.

8- إجراء مناظرات وحوارات علمية مع منكري التصوف.

9- تنظيم لقاءات دورية للمتصوفين تعقد في دول مختلفة بالتداول.

10- إقامة أثرياء المتصوفة مشروعات اقتصادية ينتفع بها الجماهير.

11- الاهتمام بتقنيات الإعلام والاتصال.

12- ترجمة مؤلفات قادة التصوف في العالم أجمع وفي السنغال بصفة خاصة.

13- تكوين لجنة لمتابعة تنفيذ توصيات الملتقى

هذا، ويعبر المؤتمرون عن خالص شكرهم للشيخ سيدي المختار امباكّي الخليفة العام للطريقة المريدية وللجنة المنظمة للمغال واللجنة المنظمة للملتقى، ويدعون الله أن يكلل جميع مساعي الطريقة بالنجاح.

طوبى، في أول صفر 1433هـ (26 ديسمبر 2011)

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

الاستعداد لذكرى الغيبة البحرية في كندا


نظمت اللجالية المريدية في كندا تحت إشراف اللجنة المنظمة لمغال طوبى يوما ثقافيا ضمن فعاليات الاستعداد للذكري السنوية لغيبة الشيخ الخديم البحرية "مغال طوبى" بحضور وفد قادم من طوبى تراسه الشيخ محمد البشير ابن الشيخ عبد القادر. وقد شاركنا في هذا اللقاء بمحاضرة حول عنوان المريدية في الوقت الراهن بين الأرتودكسية والتجديد . ويمكن تحميل النص الفرنسي للمحاضرة بالضغط هنا

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

بين الشيخين : الشيخ أحمد بمبا والشيخ سيدي رضي الله عنهما

تعليق على بحث قيم لفضيلة الشيخ باب بن هارون بن الشيخ سيدي

بقلم / سام بوسو عبد الرحمن


يعتبر البحث الذي قدمه فضيلة الشيخ باب بن هارون بن الشيخ سيدي بمناسبة الملتقى الأول للمريدية في موريتانيا ذا أهمية قصوي في تاريخ العلاقات الروحية بين الشيخ أحمد بمب والشيخ سيدي باب الحفيد. فالبحث يعكس، عبر الوثائق التي أزاح اللثام عنها، تطور العلاقات بين الشيخين، وتظهر من خلال المراسلات المعروضة المرحلتان اللتان تحدث عنهما الشيخ أحمد بمب في مسيرته الروحية إلي الله سبحانه وتعالى وهما مرحلة ما قبل أيسش ١٣١١هـ ١٨٩٣م ومرحلة ما بعد "أيسش"

فالمرحلة الأولى هي فترة جولانه لزيارة الشيوخ وتلٍقي الأوراد " وفي هذه المدّة ـ كما يقول كاتب سيرته الشيخ محمد الأمين جوب الدغاني ـ جال في البلاد الوُلُفِية من سُالم إلى وَال برَكْ و زار كبارها الأحياء والأموات واستجاز أشياخها، وتلّقن الأوراد من أهاليها. ومن جملة من زار آل شَيْخْ سِيدِيَ ، زار ضريحته في " تِنْدَوْجَ " و زار " الشَّيْخْ بَابَ " ابن ابنه في اَلميْمُورْ ومدحهم وأخذ منه، ونظم السّلسلة القادريّة من عند الشَّيْخْ بَا بَ إلى انتهائه "1

ويتحدث الشيخ محمد البشير ابن الشيخ أحمد بمب في كتابه "منن الباقي القديم" عن هذه المرحلة وعن تحقيق الشيخ للورد القادري فيقول:" فقام في تحقيق الورد القادري إذ قد تنبه عليه من انتظام أهل بيته في سلكه وأول ذلك أنه كان شيخ من أقارب الشيخ الوالد يسمى {صنْبَ تُكْلُورْ} وكان ابن خالته ويقاربه في السن سبقت له رحلة في طلب العلم إلي أن حصل علي حظ وافر منه ثم بلغه ذكر آل {الشيخ سيدي} تلميذي آل {الشيخ سيد المختار الكنتي} فكتب الله في قلبه زيارتهم والأخذ عنهم فذهب إلي {الشيخ سيدي} و {بَابَهْ} ثم مكث معه زمانا ثم رجع إلي أهله بالورد المذكور ".

وهذا السبب في أخذ القادرية أولا ثم بعد التحقيق لم يكفه ما تحصل عليه منهم فذهب إلي {الحاج كمر} وكان ممن تخرج علي يد الشيخ سيدي وتردد إليه مرارا ثم لم يحصل عنده علي مراده مما يرقي همته إلي الحقائق الشرعية ودقائق التصوف فأبقى له الأدب وذهب إلي آل {الشيخ سيدي} والشيخ قد توفي فخلفه ابنه {سيد محمد} وتوفي قريبا منه ثم خلفه ابنه {باب الشيخ سيدي الأخير} فلبث معهم بُرَيْهَةً فحصل علي ما عندهم وأكثر أسرار كتبهم فلم يشف غليله لأنه لو كان يريد شيخا لكفاه من لقي شيخَنا ولكنه كان يريد دليل حق علي الله ورسوله بالأقوال والأحوال والإشارات والأعمال ليصل إلي الله بلا إشراك علي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم. فانقلب من عندهم راضيا بسيرتهم بلا ري من سقيهم2 وكان شأنه مع الطريقتين التيجانية والشاذلية كشأنه مع القادرية يقول صاحب المنن "فبحث عن التيجانية والشاذلية فزار {آل حمد} ورؤساء الطريقتين فلم يكن نصيبهم من ترقيته أكثر من نصيب الطائفة الولي.

المرحلة الثانية مرحلة التخلي عن الشيوخ والإقبال إلى الله ومبايعة رسوله صلى الله عليه وسلم بالخدمة مع بقاء المواصلة والتحابب في الله مع شيوخ عصره. كما قال صاحب الإرواء "سأله بعض كبار مشايخ البياضين من شيخك قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ما بالك تذكر آل شَيْخْ سِيدِيَ وتخاطبهم بالشّيوخية وتمدحهم ؟ قال : كنت حينئذ كأعمى يلتمس الهداية ممّن علم ومن لا يعلم فلمّا ظهرلي صاحب الطريق إمام الفريق الإ سلامي وجذبني إليه عناية من الله ومنه سقط منّي أمر الوسائط غيره مع بقاء المواصلة في الله والتحابب فيه والتنافع فيه"3.

ويتحدث الشيخ الخديم بنفسه عن مرحلة الجولان بين الأشياخ وأخذ الأوراد وعن انصرافه إلى مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم عام 1311هـ/1893-1894م في أماكن عدة منها قوله في "بداية السلوك لمجاورة ملك الملوك"

ولـــــم أزل مـــنــذ عــقــلـت طـالــبا❊❊❊ مـــعـــرفـــــة بــاللّــه جـــلّ تــائبـــــا

فـجُــلـت بـيــن العــلـمــا والأولـيــــا❊❊❊ بــنـــيّــتـــي وعــــمـــلــي وقــولــيــــا

كــي لا يــضــيــع عــمــري أتــعـابـا❊❊❊ لحـسـن ظـنّ قــاد لي احـتـســابـــــا

حـتَّـى انــصرفــت عـام أَيْـسَـشٍ4 إلى❊❊❊ خــدمـة خـيـر العـالـمـيـن ذي الإلـى

وعن مبايعته يقول

أبايع اليوم الرسـول المصطفى❊❊❊ بـخـدمة وأسـأل الله الــــوفـــــا

وعن استغنائه عن الوسائط وتمسكه بالمصطفى صلى الله عليه وسلم

غنيتُ بالله عن الأربــاب ❊❊❊ وبمحمد عن الأسـبـــــــاب

ويقول

بان لكل من له معقــول !❊❊❊ أن ووسيلـتـي هـو الرسول

والوثائق التي بين أيدينا منها ما تعكس المرحلة الأولى حيث يذكر الشيخ أحمد بمب الشيخ سيدي واله بالمدح والتوسل والاسترشاد ونحوها، وفي إحداها دون التاريخ والمكان : يوم الأربعاء الاثنين عشرين خلت من رمضان في بوتلميت عام تسع وثلاثمائة وألف هـ

ومنها أيضا ما تعكس المرحلة الثانية في أسلوب يتسم بالصراحة وبروح الاحترام معا كقوله في رسالة مكتوبة بعد غيبة الشيخ البحرية " وليكن فيها ( في كرائم علومكم) أيضا زادكم الله تعالى فيضا من أني ولله الحمد النعمة فارقت فتن الدنيا والآخرة قبل رجوعي من البحر فكل من توجه إلي بالسوء وجهه الله تعالى الباقي الحي الذي لا يموت إليه قبل توجهه إلي ولا يصرفه عنه أبدا وليكن فيها أيضا زادكم الله تعالى فيضا إني ولله الحمد والشكر والنعمة منذ خرجت من فتن سورة العنكبوت لا أمسك شيئا بغير إذن ممن له الملك والملكوت وبغير إذن من عبده ورسوله عليه بآله وصحبه وعلى من ولاهم سلاماه ".

وفي التحليل الأخير، تكشف هذه الوثائق عن شخصية الشيخ سيدي وعن بعض أبعاده العلمية والإنسانية والروحية؛ فقد وقف موقف المرشد أولا يوضح المسائل ثم موقف الحليف المدافع أثناء المرحلة الانتقالية ثم أخيرا موقف الصديق في الله المراعي لعهده، حيث أنصف الشيخ أحمد بمب ومدحه ومدح أهله بعبارات صادقة تشهد على ثباته في الله ورسوخ قدمه في الحق.

فجزى الله عن الشيخين خير الجزاء ورضي عنهما ونفعنا ببركاتهما.


1إرواء النديم من عذب حب الخديم للشيخ محمد الأمين جوب بتحقيق د. محمد شقرون ط ٢٠٠١، ص ٧٤ـ٧٥

2انظر منن الباقي القديم للشيخ محمد البشير ج١ ص ١٥٧،١٥٨

3انظر إرواء النديم ص ٧٥

4عام أيسش أي عام 1311هـ/الموافق سنة 1893/1894م

الخميس، 23 يونيو 2011

مشروع القانون... ودلالات كامنة !

بقلم/ سام بوسو عبد الرحمن

في صباح اليوم (٢٣ يونيو ٢٠١١) استيقظ الشعب السنغالي منقسما بين موقفين متعارضين أمام مشروع قانون يُعرض على مجلس الشعب ليُصوت عليه، ويقتضي تعديلَ الدستور فيما يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية ونائبه في وقت واحد وفوزَ المترشح الحائز على أغلبية الأصوات إذا كان عدد أصواته يصل إلى ٢٥٪ من مجموع أصوات المسجلين في اللوائح الانتخابية.

إلى جانب أفراد الحكومة ومؤيديها المادحين للقانون باعتباره خطوة إلى الأمام، يرى المعارضون وكثير من أفراد الشعب المتابعون للحياة السياسية أن هذا القانون يُعتبر انتكاسا كبيرا للديموقراطية في السنغال ويرون فيه دليلا على محاولة الرئيس الحالي الفوزَ في الانتخابات الرئاسية القادمة منذ الجولة الأولى، تجنبا لخوض جولة ثانية لشعوره بتدني شعبيته وبعجزه على الحصول على أكثر من ٥٠٪ من أصوات الناخبين.

ومهما يكن من أمر، فإني أنظر إلى القضية بقلق شديد لما أتلمس فيها من أمارات الحرص على البقاء في السلطة على حساب المبادئ الديموقراطية وعدم الاكتراث بعامة المواطنين وبمستقبل البلاد.

إن التحايل لتجنب خوض الجولة الثانية من قبل شخص وصل إلي سدة الحكم بفضل هذا الإجراء لأمرٌ مناف لروح الديموقراطية، فمن المؤكد أنه لولا وجود شرط الأغلبية المطلقة للفوز في الجولة الأولى لما فاز الرئيس الحالى في انتخابات سنة ٢٠٠٠ لأن الرئيس السابق كان قد حصل على حوالى ٤١٪ في الدور الأول. والسوال الذي يطرح نفسه هو : كيف يصل الإنسان إلى القمة بواسطة سُلَّم مشترك ثم يسعى إلى كسره!

ومن ناحية أخرى، يقتضي تقديرُ رأي عامة المواطنين والاكتراثُ به استشارتَها في قضية جوهرية مثل هذه، فما المانعُ من طرح هذا التعديل على الاستفتاء الشعبي دون التعامل معها بهذه السرعة المختلسة عن طريق مجلس شعب فيه "أغلية مكانيكية" تابعة لصاحب مشروع القرار، الأمر الذي يُشعر كثيرا من من أفراد الشعب بأن رأيهم لا قيمة له لدى أهل الحل والعقد؟

وأخيرا، إن الاهتمام بمستقبل البلاد من خلال العناية بالجيل الناشئ يتنافى مع برمجة التصويت على مشروع القرار، بكل ما يمكن أن يثيره من اضطراب في العاصمة داكار وفي العواصم الإقليمية الأخرى، في يوم يروح فيه أكثر من ٢٠٠،٠٠٠ من أطفالنا الصغار لخوض امتحان أساسي في حياتهم الدراسية (امتحان نهاية المرحلة الابتدائي CFEE). فالمشكلات النفسية الناتجة عن اختلال محتمل في هذا الامتحان قد تكون لها آثار خطيرة في المستقبل الدراسي لهؤلاء الأطفال وفي موقفهم من السلطات السياسية.

وبصرف النظر عن البلبلة والفتنة التي قد يثيرها هذا القانون – وبلادنا في غنى عنها في هذه الظروف العصيبة – إنني أخاف على مستقبل البلاد إذا ما استمر المحترفون بالسياسة في هذه الألاعيب السافرة، لأنه لا يمكن السكوت على تصرفات فئة معينة تحتكر السلطة ولا يعير اهتماما للقوى المدنية، ولا يلجأ إليها إلا لمصلحتها الخاصة، ومن هنا يتعين على هذه القوى المدنية ، ومنها القوى الدينية في البلاد، أن تدرس الموقف والظروف بدقة كي لا تكون قراراتها وتصريحاتها ردة فعل تزيد الطين بلة؛ فالسنغال ليس بحاجة إلى مجرد تصريحات تُرضي طرفا وتسخط آخر ولا تؤثر في مجريات الأمور لكنه بحاجة إلى مواقف مدروسة وواعية تعيد جميع الأطراف إلى رشدها وتجذب أنظار الجميع إلى مصلحة الأمة، فإلى هذا الاتجاه أدعو المجتمع المدني في البلاد.


الثلاثاء، 19 أبريل 2011

تيولوجيا التحرير في فكر الشيخ أحمد بمبا البكي1

بقلم الأستاذ/محمد غالاي انجاي (بروكسل )

المتتبع لعلم الكلام منذ نشوئه – لاسيما في وقت نضجه على يد المعتزلة في العصر العباسي الأول والثاني – يجد بكل وضوح أن الحجاج أو الذب عن العقيدة الإسلامية قد تطور على مدى العصور والأزمان، لذا اتخذ في أحايين كثيرة ألوانا متباينة وأساليب شتى، ويتجلى ذلك في تعدد المناهج التي تبناها كل فرقة من الفرق الإسلامية (المعتزلة، أهل السنة، الشيعة، الخوارج، المرجئة، الخ.) للدفاع عن الإسلام ومقارعة مخالفيه وخصومه. ويتجلى أكثر هذا التنوع في المناهج حين ننظر إلى اختلاف هذه الفرق فيما بينها في تعريف هذا العلم، وكذلك في تصورها للميادين والموضوعات التي تمس علم الكلام وتندرج في نطاقه. والشيخ أحمد بمبا، بصفته شخصية إسلامية كبرى متضلعة ومتبحرة في علوم الدين، لـمَّا وجد، من ناحية، أحوال بني شعبه متدهورة جدا لرزوحهم في تلك الآونة تحت وطأة قوة أجنبية استعمارية لها سياسة مُنظَّمة غاية التنظيم ومُدجَّجة بالسِّلاح وتحمل في جعبتها مشروعا تحضيريا على حدِّ زعمها، ومن ناحية أخرى ألفى أيضا بني شعبه مُفتتنين بعقلية هؤلاء الغزاة الاستعماريين ومُنبهرين كل الانبهار بـمظاهر صنائع وبدائع حضارة تكنولوجية جديدة وافدة، ومزدهرة متطورة، لجأ – أي الشيخ أحـمد بمبا – إلى توظيف علم العقيدة الإسلامية (علم الكلام الإسلامي) واستخدمه كآلية يعتمدها لتحرير أبناء شعبه من ربقة الاحتلال وبراثن الغزو الثقافي الاستلابي. فقد توسَّل به لمجاهدة الأيدلوجيا الاستعمارية ذات الصبغة النصرانية كما دحض به شبهاتها ومشاريعها التي ترمي – ضمن ما ترمي – إلى استئصال الـهوية الدينية والثقافية لدى الشعوب المستعمرة.

وتأسيسا على ذلك، فإن الإنتاج الأدبي الغزير الذي يتسم بالحدة والثورية الذي نشأ عن هذه المواجهة الثقافية والفكرية بين الحضارة الغربية المادية (الايدلوجيا الاستعمارية ) والحضارة الأفريقية الإسلامية (المتجسدة في الحركة المريدية) هو ما اصطلحنا عليه – ولا مُشاحة في الاصطلاح – بــ "علم الكلام التحريري" أو "تيوولوجيا التحرير" (La théologie de la libération).

فقد صنَّف الشيخ أحمد بمبا أثناء هذه المواجهة الفكرية والايدلوجية مؤلفات وقصائد عديدة في الفترة التي وسمها بأنها مرحلة "غربة وجهاد" وهي تمتد فيما بين (1895-1904م [وتضم مرحلة النفي الأول إلى "الغابون" (1895-1902م)، وجزءا من النفي الثاني إلى "موريتانيا" الذي وقع فيما بين (1903-1907م)].

وتمتاز هذه التصانيف بأنها تجأر بصيحة أليمة وفجيعة في محاولتها أو في دعوتها، من خلال أساليبها السَّلسة والأخاذة، إلى إيقاظ ضمير الإنسان الأسود المسلم المستذل وتـثـويـر عقليته ضد السِّياسية الاندماجية، والاستلاب الثقافي والفكري وضد سائر مظاهر عمليات التّغريب التي كانت وقتذاك قد تغلغلت بعمق في أوصال القاعدة العريضة من هذا الشعب المتمزق الكيان، وإلى تفنيد أيضا العقيدة النَّصرانية – عقيدة المستعمر – فيما ادعتها من تجاديف تتعلق بعقيدة التثليث وما إلى ذلك من إنكار الوحي القرآني وعدم التصديق بشريعة محمد عليه الصَّلاة والسَّلام ... الخ.

واللافت للنظر هنا – وهو ما نريد إبرازه – هو كيف استحال علم العقيدة في الفكر الـخديـمي إلى "أيدلوجيا عقدية تحررية" مستعملة ومُوظفة "كسلاح معنوي" للصمود في وجه هيمنة السُّلطات الاستعمارية الفرنسية بـهدف معارضة مشروعها التّغريبي التّوسّعي الـمُعادي والـمُمقت للدّين. حين نتصفح كتاباته نجد بوضوح كيف انتقل المشروع الخديمي من فكر صوفي مجرد (أدعية ومناجاة وتوسلات ... الخ) إلى علم كلام ليصهر في بوتقته إشكاليته، أي معارضة الحملة الثقافية التغريبية الاستلابية الاستعمارية.

يتبيَّن – إذن – من هذا السَّرد السَّريع أن الشيخ أحمد بمبا لـم يدّخر جهدا، طوال وجوده في أرض الواقع، في التذكير بأن أولويات تـحدي سياقه التاريـخي الـمزدوج (النزعة التسلطية الأرستقراطية الـمحلية من ناحية، والـهيمنة الاستعمارية الـمتزايدة على الـمستوى العسكري والتكنولوجي من ناحية أخرى) هي التي فرضت عليه تبني منهج تربوي يـحتل فيه حفظ العقيدة وغرس بذورها في القلوب والأفئدة مـحلَّ الصَّدارة. وفي هذا الـمضمار يقـول: «أعلى الـمقامات عند الله تعالى في هذا الزَّمن إسكانُ التَّوحيد في القلب».

والقمين بالإشارة هنا أن الفكر الـخديـمي يتأسس من مبدإ حضاري تقدُّمي مفاده الاستغناء بالغزوات التي غزاها رسول الإسلام مـحمد عليه الصلاة والسلام مع أصحابه رضوان الله عليهم ضد كفار الـجزيرة العربية ومُشركيها عن استخدام العنف بـجميع أشكاله، ولأيّ غرض كان:

بِـغَـزوات المُصطفى غَـنِـيتُ عَنْ * غَــزْوَةِ مَنْ قَصَدَنِي ولم يُعَنْ

وقوله:

نابت كتابتي لدى أهل الكتابْ عن غَــزوَات ذي المزايا لا عتابْ

وهذه النظرة التقدمية الـمستوعبة إلى حد بعيدٍ لـحركة التاريخ وتطور الأديان هي بدون ريب الطابع الغالب على الإنتاج الفكري والروحي لدى الشيخ الـخديـم بعد عام "شَهِدْنَا بِكَرَم" أي 1322هـ/1904م. فانقضاء هذا العام يُعد بكل تأكيد بداية طور جديد في تطور حياة الشيخ الـخديـم من الناحية الروحية والفكرية، فهو عبارة عن نـهاية "فترة الغربة" – الآنفة الذكر – التي كان الشيخ يـجاهد فيها النصارى الـمستعمرين جهادا سلميا بالقلم والفكر بعيدا عن كل مظاهر العنف وما يـمت إليها بصلة. وفترة الـجهاد هذه تبدأ من «الغيبة البحرية2» [التي وقعت فيما بين 1313-1320هــ، الـموافق 1895-1902م] إلى حين مكوث الشيخ واستقراره النسبي في حيّ الصَّرصارة بـموريتانيا3 عام (1322هـ، الـموافق 1904م). وهي – على حدّ قول الشيخ – كانت فترة "غربة وجهاد". لذلك نـجد كتاباته في تلك الـمرحلة من حياته تأخذ طابعا جديدا يُغاير في مضمونه ما تـمت كتابته في الـمراحل التي قبلها وبعدها. وقد استغرقت فترة الغُربة الجهادية هذه عشر سنين، نـجد ذلك عنده مثبتا نثرًا في قوله:

«اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا مـحمد وآله وصحبه كما جعلت هذه القصيدة نُـزُلا من غفور رحيم إلى عبده وخديـم رسوله صلى تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبارك بعد جهاده فيك وفيه عليه الصلاة والسلام عشر سنين من عام جيسش [أي عام 1313هـ/ الـموافق 1895م] إلى انقضاء عام بَكْسَشِ [1322هـ/ الـموافق 1904م] جهادا قبلته بقدر عظمة ذاتك (...).»

نـجد كذلك الشيخ الـخديـم يلمح إلى هذه الفترة الـجهادية (الغربة) في معرض تـحدثه بتلك الكرامات السَّبع التي منّ الله بـها عليه والتي هي بـمثابة سبع معجزات ظهرت للرسول صلى الله عليه وسلم:

بــاهـى رسـول الله كُـــلَّ الأنـبــيــا * عـلـيــهــم أبـــقـى سَـلامـــــــــــي ربِّــيـا

بِـغُـرْبَـتِـي عَـشْـرَ سِـنِينَ بِخِــــــــدَم * خــالـصـة لـذي الـوجـود والــقــــــــدم

والـخاصّيّة الـمميِّزة لـهذه الفترة هي أنّ الشيخ أحـمد بـمبا كان يعتبر نفسه أو على وجه التحديد كان يتصرف بصفته "عَالِمًا كَلامِيًّا"4 بالـمعنى الإسكولائي الإسلامي: «الـحجاج عن العقائد الإيـمانية بالأدلة العقلية والنقلية»، وذلك لـما انتصب نفسه آنئذ – (لوجوده في تلك الأثناء بين أيدي قوى التثليث وجبابرة الكفر والعناد) - للذبِّ عن الدين الإسلامي، ودحض ما ادّعته النّصارى في دينهم من هرطقيات وتـجاديف، خصيصا فيما يتعلق بـمبدإ التثليث، وعدم التصديق بالرسالة الـمحمدية الـخاتـمة وما ينجم عنه من رفض أو إنكار شرعية القرآن الكريـم بوصفه وحيًا مُنزلا من الله تبارك وتعالى إلى رسوله مـحمد صلى الله عليه وسلم. فكتابات الشيخ البحرية تصب غالبيتها في هذا الاتـجاه وحتى بعض كتاباته بعد عودته إلى وطنه. وكتابته طافحة بالأمثلة الدالة على موقفه الذابِّ عن الإسلام، منها على سبيل المثال قوله:

رددت مــا وجَّــهــه أهـــــــــل الــكـتــاب * الكــافــــــــــرون لك مــــن غـيــر مــتــاب

حــمــيـت ذاتـــــــــك عــن الـتــثــلـيــــث * يا واحـدا قـد جـلَّ عـــــن الـتـــثـلـيـث

وسنوات الغُربة هذه – على حد قول الشيخ أحـمد بـمبا – هي من جـملة الكرامات السَّبع التي منَّ الله بـها عليه، وفي ذلك يقول:

«ومن أسرار غيبتي أنّ الله منّ عليّ بسبع كرامات معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي: غلب لي الله أعدائي قبل ظهوري، ووهب لي علما لـم يكن من التعلم، وباهى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الأنبياء بغربتي عشر سنين وخدمتي له فيها الـخدمة الـخالصة، وحببني الله تعالى إلى كل سعيد، وأيّس إبليس وكلّ لعين معه مـنّي، وحببني تعالى إلى الـملائكة الكرام، وحببني إلى مؤمني الـجن».

ويـجب التنبيه، في هذا الـمقام، إلى أن استغناء العبد الـخديـم بغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم عن القيام بالـجهاد الـمسلح (قتال الكفار والـمشركين بـحد السيف أو بالـمدافع، الخ.) – الـسالف الذكر – لا يـجب فهمه على أنه أراد بذلك الـحط من قدر مشروعية الـجهاد بالسلاح أو إلغائه تـماما إلى أن تقوم السَّاعة، بل لأن الـجهاد السِّلمي الذي دعا إليه ومارسه في عالـم الواقع، أي الـجهاد بالعلم وبالتقى يدخل في عموم دلالة قول الرَّسول (ص) ببقاء الـجهاد ومُضيه إلى يوم القيامة:

«والـجهاد ماض مذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل».

ذلك لأن الـجهاد لا ينحصر معناه في حـمل السِّلاح فحسب، بل معناه أوسع من ذلك، فيعني بوجه عام بذل الـجهد واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو عمل.

كما لا يـجب أيضا فهم هذا اللون من الـجهاد السِّلمي (علم الكلام التحريري أو تِيوُولوجيا التحرير) الذي قام به الشيخ أحـمد بـمبا على أنه دعوة إلى السَّلبية والـخذلان أو أنه مـجرد تـحريض على "اللافِعْلِ" (Non-action) أمام قوى الاستبداد وجبابرة الشر، بل هو جهاد، ولكن غير مـمزوج بالعنف. وبـهذا تكون دعوته إلى اللاعنف – كما يقول الـمَهَاتْـمَا غاندي (1869-1948م) – «ليس مؤداها عدم مقاومة الشر، بل مؤداها مقاومة الشر بغير عنف».

ومن هنا تـهوي تلك الاتـهامات الظالـمة في حق بعض الصُّوفية من أمثال الشيخ أحـمد بـمبا، وذلك لـما عُرف ودرج عليه رهط من الباحثين لاسيما الـمنتسبين إلى التيار السَّلفي الوهابي على وضع رجال التصوف قاطبة في قفص الاتـهام بقولـهم: إن هؤلاء الصوفية كانوا عُملاء للـسلطات الاستعمارية الـجائرة والـمستبدة حيث وقفوا جنبا إلى جنب معها، كما جنَّدوا أنفسهم متآمرين معها للحيلولة دون قيام شعوبـهم الـمستذلة بالثورة والتمرد ضدها!!

وينجلي هنا أمامنا بكل وضوح أن عدول العبد الـخديـم عن استعمال العنف في مناهضة القوات الاستعمارية الفرنسية ليس فقط مرده إلى أنه كان مُوقنا بتفوق العدو الأجنبي عسكريا كما صرح للأمير الأرستقراطي "لاتـجور" حين أتى إليه لطلب الـمشورة، وإنـما أيضا لـما كان يرى– بصفته صوفيا وأحد ربانية الأمة الإسلامية – أنَّ قوة الرُّوح سلاحٌ لا يُقهر أبدا، لذا نـجده يؤكد بأنه استغنى بالسر الـمُحمَّدي (الإلـهي) عن استعمال الـمدافع:

دِيــنِـيَ حُــبُّ الله والمُــــشَـــفَّـــعِ * مُستغنيا بِــسِـرِّهِ عـــن مِــدْفـــع

دفعي وجلبي خِدْمَة الهادي الأمين * مع الأمين والأمـيـن لا أمـيــــــــنْ

وقوله في موطن آخر:

حمى الحفيظ المانع * يُغني عن المدافع* لكل عبد خاشع * يطلب خير الحرم

الأستاذ/محمد غالاي انجاي (بروكسل )

السبت، 19 مارس 2011

مظاهرات الطرشان

من العبارات السائرة عبارة "حوار الطرشان"، وهي ترجمة لموقف يتكلم فيه أشخاص ولا يُصغي أحد لصاحبه أو لا يفهم مقاصدَه أو لا يريد أن يفهم، ولا يتوخي فيه المتحاورون الوصولَ إلى التفاهم ولا إلى اتفاق أو بالجملة لا يتكلون عن موضوع أو شيء واحد.

في الواقع، تُذكرني مظاهرات هذا اليوم ١٩ مارس بهذه العبارة، الأمر الذي يجعلني أتساءل عن الأهداف الحقيقة لهذه المظاهرات: هل هي للتعبير عن اهتمامات الشعب السنغالي ومشاغله ومخاوفه من الأوضاع المعيشية، أم هي وسيلة لمحترفي السياسة للمحافظة على النفوذ أو لكسبه. نحن نجد الموالين للحاكم يتغنون بأمجاده وإنجازاته والمعارضين لحكمه يتباكون على إخفاقاته وعلى الأوضاع التي أوصل إليها البلاد، ولا نجد من الفريقين تشخيصا دقيقا ولا تحليلا موضوعيا ولا اقتراحا مقنعا للحلول.

وفي نظري، كان الأجدر على في هذه الظروف أن يتحلى الجميع بقدر أكبر من المسؤولية لتحويل هذه المناسبة إلى فرصة لتقويم موضوعي وشامل للأحوال ولمناظرات علنية هادئة تنير عقول الموطنين وتساعدهم على اتخاذ مواقف صائبة تجاه الانتخابات القادمة، وبهذه الطريقة تساهم كل الأطراف في خدمة الديمقراطية الحقيقية.

ولكن السلوكيات الملاحظة من الساسة وممن يطلق عليهم وصف "المجتمع المدني" تدفعني إلى الاعتقاد بأن الشعب لم يزل عرضة للتلاعب بمصيره لخدمة مصالح فئوية ضيقة؛ أما قضية بناء دولة وأمة بناء حقيقيا فلم توضع بعد في بؤرة الاهتمامات.

فالمعركة الجديرة بالخوض في هذه الآونة تتمثل – حسب رأيي المتواضع – في ترسيخ وعي ديموقراطي صحيح لدى أفراد الشعب بما يتطلب من كفاءات مختلفة ومستوى معين من النضج السياسي.

وللوصول إلى هذه الغاية فليتنافس المتنافسون الشرفاء!!


من كرامات الشيخ أحمد بمب رضي الله عنه ... إصدار جديد لدائرة روض الرياحين

"عُرف  الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه بكراماته الكثيرة التي تناقلتها الركبان، ورواها ثقات عن ثقات في سياقات مختلفة من حياته، ولكن أبرز...