السؤال
السلام عليكم
وبعد، فما رأي سيادتكم في قضية تأسس الطريقة المريدية، فإن كان لكل طريقة ورد خاص، فكيف يعقل أن يقال: إن المريدية تأسست في امباكي كجور، مع أن الشيخ – رضي الله عنه – لم يتلق الورد إلا في صرصار، وشكرااا
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله
أشكرك أخي العزيز وأهنئك على هذا الحرص على المعرفة، بارك الله فيك وكثر من أمثالك!
رأيي في القضية التي ذكرتها أن الإشكالية تكمن في المفهوم الذي نعطيه للمريدية؛
هل هي طريقة صوفية حسب الاصطلاح الصوفي الذي يختزل الطريقة في الورد الذي يلازمه المريد بإذن من الشيخ وما ترافق ذلك من الشروط والالتزامات، أم المريدية عنوان لدعوة الشيخ الخديم رضي الله عنه التي أعلنها بقوله
للهِ أدعو بالتَّفقهِ بـــــــلا ــ ــ ــ ميلٍ لغيره وكُلي قبـــــلا
للهِ أدعو بالتصوف معـا ــ ــ ــ مكارمِ الأخلاق وهو سَمعا
وهي دعوة محركها الأساسي تجديد الدين الإسلامي بجميع أبعاده وإحياء السنة النبوية الغراء
كما قال
للمصطفى نويتُ ما يُجدِّدُ ــ ـــ ـــ سنتَه الغرَّا وإني أحمدُ
وهي دعوة مدعومة بمنهج تربوي فعال له تأثير سريع في أتباع الشيخ من حيث الإقبال إلى الله وقوة الإرادة وسداد السلوك ، حتى شعر معاصروه بأن أتباع الشيخ هؤلاء تنطبق عليهم الصورة التي كان القدماء يرسمونها للمريد السالك فأطلقوا عليهم اسم المريدين، كما يذهب إليه صاحب "منن الباقي القديم". وقد اتبع الشيخ منهجه التربوي في التعامل مع الرعيل الأول الذي لبى دعوته في امباكي كجور حتى صدر العديد وعهد إليهم تربية أتباع آخرين قبل خروجه إلى منفاه بغابون ثم إلى موريتانيا، حيث تلقى الورد المأخوذ من الله بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم في منطقة صرصار الشهيرة.
فالمريدية بهذا المنظور لا يمكن اختزالها ـ في رأيي ـ على الورد المأخوذ فهي منهج أوسع من استعمال الورد بل يُعتبر الورد بالأذكار وسيلة من بين وسائل عدة كان الشيخ يستخدمها في تربية المريد وتصفيته وترقيته.
فالمريدية، إن قبلنا المفهوم الأول الذي يختزله في الورد وشروطه، يمكن القول بأنها تأسست في صرصار، ولكن لا نجد في أدبيات الشيخ وأدبيات أتباعه ولا في تطبيقاته ما يرجح هذا المفهوم بل على العكس من ذلك نلفي ما يؤكد المفهوم الثاني.
نجد أن تعريف الشيخ للمريد لا يحصره على من يستعمل الورد المأخوذ، وتعريفه للصوفي شامل لكل صاحب إرادة تعلَّم وعمِل بعلمه بإخلاص حتى صفت سريرته يقول في المسالك:
فصــارَ صافيـا من الأكـــدار ـ ـ ـ ممتلئَ القـلـب من الأنوار
وقد تصدَّر كبارُ المريدين قبل ظهور الورد المأخوذ ولم يزل بعض الأسر المعروفة في المريدية تستعمل الورد القادري أو الورد التيجاني بإذن من الشيخ أحمد الخديم رضي الله عنه.
وفي الوقت الراهن لو قمنا بتعداد من يستعمل الورد المأخوذ لن يكونوا الأغلبية من بين المنتمين إلى الطريقة المريدية.
ومن ناحية أخرى لو تعمقنا في مفهوم الورد ربما لا نحصره في الأذكار بل قد يكون ذكرا باللسان وقد يتخذ أشكالا أخرى من العبادة.
ومن هنا أرى أن المفهوم الثاني أصدق على المريدية وهو ليس مضادا للأول ولكنه يستوعبه.
ولعل من حكمة الله في تلقى الشيخ أحمد بمب لورده في موريتانيا، وهي أرض لها تقاليد عريقة مع المفهوم الأول للطريقة، أن الورد بالأذكار أبلغ في التأثير على سكانها وفي ترغيبهم في السلوك على يدي الشيخ والارتشاف من معين أنواره. وليس هذا ببعيد إذا عرفنا بأن أول من تلقى "الورد المأخوذ" هو من أهل موريتانيا وما زال أتباعه منتشرين هناك.
والله تعالى أعلم .
ونسأل الله تعالى أن يتيح لنا فرصة أوسع للعودة إلى الموضوع بدراسة مفصلة.
والله الموفق
والسلام
تعليق الأخ على الجواب
جزاكم الله خيرا ووقاكم ضيرا، فالأمر كما ذكرت سيادتكم، فإن الأجدر والأولى إطلاق المريدية على دعوته – رضي الله عنه -، ومما يعضد ذلك قوله:
أُرِي لوجه مالكي السبيلَا ــ ــ ــ كلَّ مريد صادق نبيلا
أُرشدُ لله العلي العبادَا ــ ــ ــ إن شاءَ باقٍ ملكُه ما بَادا
أقود بالإيمان والإسلام ــ ــ وخير إحسان ذوي استسلام


