الخميس، 25 يوليو 2013

خواطر : الشيخ الخديم (ض) بين العبقرية البشرية والعناية الإلهية!


إني لأشعر في أعماقي، حين أسرح تفكيري في حياة الشيخ أحمد بمب ـ رضي الله عنه ـ بجوانبها المختلفة، أنها ليست حياة عادية، وأن ما أنجزه في مجالات مختلفة ليس من وحي ذهنية عبقرية صرفة ولا وليد ظروف تاريخية مواتية فقط، بل إنه ثمرة عناية إلهية ربانية.
فسيرة الشيخ المتميزة ونظرته الثاقبة لأمور الحياة وتعامله مع الأحداث وتصرفه في الأمور ومواقفه في القضايا المعرفية توحي بوجود عناية إلهية مؤثرة وموجهة لاختياراته.
و هذه العناية تجلت منذ بداياته في منشئه وبيئته الاجتماعية وما فيها من صفاء، وهي بيئة أسرية موغلة في التدين ألِف فيها الشيخ منذ نعومة أظفاره النسكَ والعباة ونهل من مناهلها العلمية والثقافية؛ وتبرز هذه العناية أيضاً في عواملَ عدةٍ وفَّرتها له في حياته: طفولةٌ صقلتها أحداث الجهاد وتقلبات الأوضاع السياسية، شبابٌ أنضجه التفكير في تردي أوضاع المجتمع (وقد شخَّص هذه الأوضاع في كتابه "مسالك الجنان " وهو في الثلاثينات من عمره)، روحُ تغيير لم تعبها عجلةُ فُتوَّةٍ ولا فرطُ حماسة، همةٌ عالية تندحر أمامها شمُّ الجبال الشاهقات من الصعوبات والعراقيل النفسية والثقافية والاجتماعية جعلته يرنو إلى أسمى الغايات وأشرفها، علاقاتٌ اجتماعية متوازنة فرضت احترامه وتوقيره على الضعفاء والأقوياء ورجالِ الدين والطغاة على حدّ سواء.
أضف إلى هذه العوامل بيئةً سياسية غنية بالأحداث والمليئة بالدروس قد انعكست على مرآة بصيرةٍ مُهيَّئةٍ صافيةٍ وقدرةً فائقة على التحليل والتشخيص وعلى التحرر من قيود العادات والأعراف المكبلة.

وهذا التحرر من العادات الراسخة والثقيلة والعقليات المتزمتة المنافية لدينامكية التجديد كوَّن لدى الشيخ، إلى جانب العوامل الأخرى، شخصيةً  قادرةً على تشكيل رؤيةٍ روحانية تجديدية تحريرية صبغت جميعَ تصرفاته، وساعدته على إعادة صياغة الحياة العقلية لمجتمعه تمهيدا لتأسيس نظرة جديدة إلى الكون والحياة تتفق مع روح الاسلام وغاياته، وقد نجح بشكل باهر في:
  • تغيير المفاهيم السلبية لمصطلحات شائعةِ التداول في الحياة العادية أو في الحقل الصوفي وشحْنها بمعانٍ إيجابية تختلف مع مفاهيمها العادية ( فُلَّ، فَيْدَ، فُويُو، مَوُ … زهد، توكل، شكر...) فنجد في روايات كثيرة له على شكل حوارات مع أتباعه يبدأ كل حوار بـ"ما معنى كذا عندكم ؟ ثم يأتي هو بتفسيره أو تعريفه الخاص .
  • إضفاء طابع رمزي جديد على البيئة المادية من خلال تسميات غير مالوفة ذات دلالات موحية تربط الوعي الاجتماعي للأفراد بفضاء إسلامي روحاني أوسع دون استنساخ معطيات الثقافة العربية كما هي (أسماء القرى: دار السلام طوبى دار المنن دار القدوس دار الرحمن دار العليم الخبير روض الرياحين - أسماء الحقول : بستان العارفين ... )
  • إعادة بناء التركيبة الاجتماعية من خلال استبدال نسق القيم الإسلامية بمنظومة القيم المجتمع الطبقي التقليدي وتشكيل علاقات اجتماعيات جديدة مبنية على التضامن والتعاون والخدمة ومن خلال استئصال التصورات الخاطئة المترسبة حول العمل والاحتراف والزواج.
  • تجديد الفكر الإسلامي وتخليصه من رواسب المذهبية الضيقة والعصبية البالية ومن القراءات الجزئية التي تخضع للمحددات البيئية والثقافية للمجتمعات الإسلامية مع تقديم ما يحتاج إليه مسلموا عصره في حياتهم على شكل خلاصات رائقة تهديهم إلى الصراط المستقيم وتنجيهم من متاهات النظريات والتأويلات والافتراضات والخلافات العقيمة.
  • وضع أسس كفيلة بإزالة الحواجز العقدية والمذهبية والطائفية بين المسلمين لتمهيد الطريق نحو تكوين مجتمع إسلامي متسامح ومتماسك يتخلص من أدواء العداوة والعصبية والتقوقع على الذات.

فهذ الإنجازات وغيرها لا يمكن تحقيقها بدون تجاوز العقبات المترسبة فكريا وثقافيا واجتماعيا في ميدان الاجتهاد عبر تاريخ الإسلام للاستمداد بشكل مباشر من المورد الأساسي والاتصال بالمصدر الأول، منبع الهداية الإلهية خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، بعناية ربانية ضمانا من الله لتجدُّد دينه واستمرارية رسالته وتمام نوره، وفي هذا المنظور أفهم - بعقلي المحدود - قول الشيخ الخديم رضي الله عنه:
                                      "بان لكل من له ولايه *** كوني لخالق البرايا آيه"


                                  سام بوسو عبد الرحمن 

هناك 6 تعليقات:

  1. ماشاء الله مقالة رائعة جدا بارك الله فيكم وأطال عمركم وجعلها فى ميزان حسناتكم

    ردحذف
  2. جزيتم خيرا وكفيتم شرا أستاذي العزيز بما أصتدفتنا من هذه الخواطر المفعلة.
    لا أزال أقول إن التراث الخديمي أو الخديميات تحتاج مفكرين بأمثالكم الذين يستعلون جمرة العقل لتنوير طريق الوصول إلى هذه الخواطر العالية ليستفيد منها العموم والخصواص

    ردحذف
  3. خواطرُ نيِّرة صائبة في تقديري!
    إن "العناية الربانية" التي هي ثانية الاثنين لأمر جلي في حياة الشيخ أحمد بمب كلها. حيث لزمته تلك العناية في صغره وهو إذ ذاك لم يقو عودُه، ثم لازمته وهو يبلغ أشده وفي حجر والده متعلما، حيث لم يكن يعادَل -كما حكى صاحب المنن- في جده واجتهاده إلا شخص واحد يدعى بل مام تر. أما في صلاح حاله وصفاء سجيته فحدث ولا حرج. فمِن أدل ذلك أن ائتمنه والده كذا مدربه في الشعر القاضي مجخت إماما لهما في الحل والترحال.
    وعلى كل هذا كان من أكبر المزايا شدًّا لانتباهي "العناية الربانية" التي نوَّه به صاحب المنن وبرهنتها حياة الشبخ عموما، والتي تأكيدُها مدار هذه المقالة.
    فالخواطر صائبة، والمقالة جميلة. ولكل ما أشرت إليه من مزايا الشيخ أحمد بمب أمثلة كثيرة.
    نسأل الله لكم السداد وأن لا يحرمكم عنايته.  آمين

    ردحذف
  4. Serigne bdou Ahad Mbacké Abdoul Baqi23 أغسطس 2013 في 5:35 م

    وعليكم السلام ورحمة الله الأستاذ المفتش السيد الفاضل سام عبد الرحمان وبعد فقد قرأت المقالين معا وأعجبت بهما كثيرا لأهمية الموضوعين وواقعيتهما وبراعة التحليل التي عالجتهما بها فوددت لووجدت فسحة من الوقت ـ مع قلة بضاعتي وقصرباعي في كثرة الشواغل ـ أن أوفق وأمكن من تتبع كلياته وجزيئاته في التعليق عليهما ؛ عسى الله أن ينفعني وإياكم

    إلى ذلكم الحين أقول لحضرتكم موافقا ومعقبا على قولك في المقال الأول الشيخ الخديم رضي الله عنه بين العبقرية والعناية الإلهية :
    "
    فهذ الإنجازات وغيرها لا يمكن تحقيقها بدون تجاوز العقبات المترسبة فكريا وثقافيا واجتماعيا في ميدان الاجتهاد عبر تاريخ الإسلام للاستمداد بشكل مباشر من المورد الأساسي والاتصال بالمصدر الأول، منبع الهداية الإلهية خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، بعناية ربانية ضمانا من الله لتجدُّد دينه واستمرارية رسالته وتمام نوره، وفي هذا المنظور أفهم - بعقلي المحدود - قول الشيخ الخديم رضي الله عنه:
    "بان لكل من له ولايه *** كوني لخالق البرايا آيه"
    إن هذه الشخصية الفذة لرمز الإسلام وفخره الوارث الكامل للحقيقة المحمدية شيخنا عبد الله وخديم رسوله عليه الصلاة والسلام رضي الله تعالى عنه بكل هذه البراهين الساطعة التي أوردتم والحجج القاطعة التي جادت بذكرها قريحتكم شخصية بشرية عبقرية ليست ككل عبافر البشر كلا ولا عادية كثيرة الوجود بل إنها ربانية حظيت بالمواهب الصمدانية والعنايات الرحمانية واللطائف الإلهية على وجه ناصع يبهرالعقول السوية وتسبي القلوب المنورة ؛ فاللهم إياها ارزقني وأخي الأستاذ سام وجميع أحبتي وأقاربي وجميع المومنين آمين يارب العالمين
    ثم إني أرى أن تراث الشيخ الخديم وفكره ونوره وخيره ـ لقصر الهمم ولتقا عس كثير من مدعي الانتساب إليه عن العلم والعمل به وبعد هم عن التصوف الصافي الذي هو مربط الفرس في كل ذلك ـ لم يزل ترا ثا مغمورا مقصَرا في خدمته ونشره للعالمين أجمعين
    وإخالك أخي العزيز موفقا في عدكم الدقيق وعرضكم المنهجي الرصين للنقاط الخمس : 1 تصحيح المفاهيم والمصطلحات .2 وصبغة البيئة المادية بالمقامات الصوفية الربانية الخالصة (غيرالمألوفة الموروثة المقلدة ) طوبى ودار السلام ودار السلام والبقعة المباركة ...3 واستبدال القيم الإسلامية السامية بالمجتمع الطبقي التقليدي الموروث 4 وتجديد الفكر الديني وتصفيته من الدخيل والراسب 5 والعودة به إلى المنابع الصافية الأصيلة ، 6 وتقريب المسلمين بعضهم بعضا متسالمين متعايشين بسلم متحابين ومتآلفين ومتآخين
    فهذه النقاط الخمس لجديرأن تخصص فضيلتكم كل واحدة منها ببحث وصفي تحليلي تستقصى فيه الأدلة المختلفة
    وقبل الانتقال إلى المقال الثاني أشير إلى أمرين أولهما أني أنوه ـ على إنصاف وتجرد ـ بما يتضمن المقالان معا من دلائل المحبة الصادقة للقطب الجليل والغيرة الكاملة على تراثه النفيس والحرص الكبير في خدمته ونفع الناس به فأهنئكم على هذه النعمة العظيمة من سويداء القلب سائلا المولى تعالى المنان اللطيف الخبير أن يسبغ علينا وعليكم النعم ظاهرة وباطنة
    وثانيهما فائدة لغوية خلاصتها أن الباء يدخل على المبدل منه أى المتروك لاعلى البدل أي المأخوذ كما شاع في لغة الصحافة وبعض الكتاب الكرا م ومن أدلته الكثيرة قوله تعالى أتستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خيرونحو ه في القرآن وغيره من كلام العرب كثير .
    أما المقال الثاني فأستسمحكم في تأجيل التعليق عليه إلى فرصة سانحة قريبا بإذن الله تعالى
    لاتنس أخيك الفقيرإلى ربه في دعواتكم الصالحة
    والسلام عليكم ورحمة الله
    عبدالأحد عبدالباقي امبكي

    ردحذف
  5. نِعْم الفهم الثاقب و"المتوازن" لبيت الشيخ الخديم:
    "بان لكل من له ولايه *** كوني لخالق البرايا آيه"

    ردحذف
  6. ما شاء الله
    دراسة عميقة تدفع القارئ إلى معرفة أن الشيخ الخديم هو القرآن الكريم

    ردحذف

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...