الأربعاء، 31 يناير 2024

الشيخ عبد الله بن بيه يرسم طريقة للنهوض بالتعليم العتيق في إفريقيا

بمناسبة افتتاح الملتقى الرابع للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم، المنعقد في العاصمة الموريتانية نواكشوط، في يناير 2024م، تحت عنوان "التعليم العتيق في إفريقيا العلم والسلم"، ألقى العلامة الشيخُ عبدُ الله بن بيَّه – حفظه الله – كلمةً وجيزة ومهمَّة انطوت على رؤيةٍ استراتيجيةٍ واضحةِ المعالم للنهوض بالتعليم العتيق، ويمكن اعتمادا عليها وضع برنامج متكامل لتنميته واستعادة دوره التاريخي في التربية والتزكية، وفي بناء مجتمعات يسودها الوئام والانسجام والسلام.

فقد استهلَّ الشيخ كلمته بتحديد السياق التاريخي لانتشار التعليم العتيق في القارة الإفريقية مع إماطة اللثام عن مزايا مؤسساتها مثل الحرية، والمجانية، والمساواة، والشمولية، واستيعاب القبائل والأعراق المختلفة، والتربية على الأخلاق والفضائل.

وبعد هذه اللفتة التاريخية تناول العلامةُ الشيخ عبد الله السياقَ الراهن للتعليم العتيق بتشخيص أوضاعه تشخيصا دقيقا بيَّن انحساره في ظل تغييرٍ بيئته الحاضنة، واختلالٍ في موارده الاقتصادية وعزوف نسبة من الطلبة عنه تجاوبا مع سوق العمل الذي يتطلب تكوينا متوجا بشهادات عصرية للانخراط فيه.

وعلى هذا التشخيص الدقيق، بنى الشيخ نظرته المستقبلية للتعليم العتيق من خلال مقترحات عملية حول المورد البشري والمورد المالي والمأسسة والتوظيف؛ وهي دعائم ثلاثة يجب أن ترتكز علها أي سياسة ترمي إلى النهوض بالتعليم العتيق.

ففي المورد البشري أبرز الشيخ ضرورة التأهيل التربوي الحديث المبني على دراسة استقصائية تحدد الاحتياجات التطويرية والتدريبية للأساتذة في إطار التعاون مع الجامعات والجهات المختصة.

وفيما يخص المورد المالي، أشار الشيخ إلى موردين مهمين: الأوقاف التي تعتبر أهم دعامة للجامعات العريقة في العالم، والزكوات، باعتبار المؤسسات التعليمية داخلةً في سهم "في سبيل الله".

وفيما يتعلق بالإطار المؤسساتي وعملية التوظيف نبَّه الشيخُ إلى ضرورة التوصل إلى صيغ قانونية موائمة تؤطر عملَ مؤسسات التعليم العتيق، وتحفظ خصوصيتها، وتفتح لها فرص الاستفادة من تمويل الدولة، كما تيسر لخريجيه عملية الانخراط في سوق العمل.

فهذه بعض اللمحات البارزة من كلمة الشيخ عبد الله القيمة التي ترسم خارطة مهمة لوضع سياسة إصلاحية للتعليم العتيق، تستحق أن تدرسها بعمق الدوائرُ المعنية بالشؤون التربوية في العالم الإسلامي عموما وفي إفريقيا خصوصا.





الثلاثاء، 30 يناير 2024

الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه ...وكتاب السنن الكبرى

إن علاقة الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه بالكتب والمراجع العلمية واهتمامَه بها، تعلما وتعليما وقراءة وتأليفا، وتسخيرَها لإمكاناتٍ ضخمة في جمعها واقتنائها، بالشراء والاستنساخ، أصبحت حديثَ الركبان، ويشهد لذلك ما خلَّفه رضي الله عنه من كتب نفيسةٍ ونادرةٍ في فنون معرفية مختلفة.

ولكن القصة التي سمعتها البارحة (29 يناير 2024م) من سرين شيخ أست فاي Cheikh Astou Faye Mbacké ابن الشيخ محمد الحبيب بن الشيخ إبراهيم فاط، تثير الدهشة والإعجاب، وتَكشف مدى اعتناء الشيخ الخديم باقتناء الكتب، وبشكل خاص كتب الحديث النبوي الشريف، كما تُظهر مدى حرص الشيخ محمد الفاضل ابن الشيخ الخديم ومريده الصادق على تحقيق كل ما كان الشيخ الوالد يرغب في تحقيقه، كما تجلى في رحلته الحج وتكملته لبناء المسجد الجامع في طوبى، وتأسيسه المجلس التعليمي العريق "دار المعارف" بداخله.

فقد حكى سرين شيخ أست فاي Cheikh Astou Faye Mbacké أن الشيخ محمد الفاضل رضي الله عنه أرسله إلى مكة المكرمة سنة 1966م وتحمل تكاليف سفره، وقال له، لما تهيأ للسفر : "لا أُرسلكَ هذه المرة لأداء فريضة الحج، بل أرسلك خصيصا لكي تشتري لي كتاب "السنن الكبرى"[1] ، ودافعي في هذه المهمة أن الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه كان قد جهّز أحد مريديه الموريتانيين إلى مكة ليشتري له هذا الكتاب، ولكنه لم ينجح في العثور عليه، وعاد دون شرائه، وكنتُ على علم بذلك، فأردت تحقيق تلك الرغبة للشيخ الوالد !

ما استوقفني في هذه القصة هو أنها تدل على علو همة الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه المنقطع النظير في تحصيل المراجع العلمية وبشكل خاص كتب الأحاديث ، كما تشهد للعهد الذي قطعه على نفسه بتجديد السنة النبوية الشريفة ، وإحيائها، وبيانها ،كما في قوله رضي الله عنه:
للمصطفى نويت ما يجدد       -        سنته الغراء وإني أحمد
وفي قوله
نظافته كلي من اللغو طهَّرت    -     وسنتَه إن شاء ربي أُبين

وهذه القصة تؤيِّد أيضا قولَ مريد الشيخ العلامة محمد عبد الله العلوي الشنقيطي (ت 1954م): " ومن علو همته وفتوَّته أنه جمع كتب الأئمة الأربعة - عليهم رضوان الله تعالى - عنده، وهذه ما فعلها أحد قبله من علماء المغرب ولا من ملوكه، وما انتبه واحد منهم لهذه الخصلة الحميدة" (النفحات المسكية، ص 152). وقد أرسله الشيخ رضي الله تعالى عنه إلى مصر فرحل إليها وجلب له هذه الكتب، كما حكاه في كتابه النفحات.

وأخيراً يتجلى هذا الاهتمام بالكتب أن أول مبنى شيد بالإسمنت في طوبى كان مُعَدَّا ليكون مكتبة، بناه أحد مريدي الشيخ بأمر منه، وهو الشيخ محمد اندومبي امباكي Cheikh Mouhammdou Ndoumbé Mbacké . وما زال المبنى قائما في دار القدوس، يأوي مدرسة عريقة تخرج فيها العديد من العلماء الكبار.

وهكذا، لا غرو أن يوجد في الآن إحدى أهم المكتبات الإسلامية في إفريقية الغربية، وهي "مكتبة الشيخ الخديم"، ومكتبة فريدة من نوعها مخصصة لكتابات الشيخ الخديم (كَرْ قصيدي Keur Khassida yi) ومشروع لإحدى أكبر المكتبات الجامعية في إفريقية بجامعة الشيخ أحمد الخديم إلى جانب مكتبات خاصة أخرى.

وخلاصة القول أن هذا الاعتناء بالكتب والمراجع من قبل الشيخ الخديم رضي الله عنه يدعونا إلى مزيد من الاهتمام بالقراءة والدراسة والبحث والتأليف، وبالجملة، الاهتمام  بإحياء العلوم. 
                                                                 د. سام بوسو عبد الرحمن

[1] ظهر من كلام الشيخ أست فاي أن الكتاب هو السنن الكبرى للنساء، لأنه قال أثناء الكلام أن البائع وضعه في كيس وبلغ عدد مجلداته اثني عشر مجلدا.

إشكاليات في بعض المفاهيم المريدية… إصدارٌ جديد للدكتور خادم سِيلا

تمثِّل المفاهيمُ أدواتٍ ضروريةً لبناء المعارف وتوجيهِ التفكير، ولذلك تؤثر تأثيراً بالغا في مواقف الناس وسلوكياتهم. وهي تتشكَّل ضمن سياقات مع...