الثلاثاء، 28 ديسمبر 2021

مفهوم المواطنة الشاملة عند معالى العلامة الشيخ عبد الله بن بيه، حفظه الله تعالى

بمناسبة انطلاق فعاليات الملتقى الثامن عالج معالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيَّه – حفظه الله تعالى - في كلمته التأطيرية قضايا محورية تتعلق بمفهوم المواطنة الشاملة، وقد تجلت من خلال معالجته العميقة رؤيته الأصيلة حول ضرورة تحقيق السلم والعيش المشترك والتنمية المستدامة من خلال نقلةٍ تتجاوز بها "المواطنة الشاملة من الوجود المشترك إلى الوجدان المتشارك"[1]. وكان للشيخ وقفة تحليلية مهمة حول مفهوم المواطنة الشاملة. 


في البداية، تعرض معالي الشيخ لأصل كلمة "المواطنة" في اللغة العربية ومقابلها اللاتيني" بوصفها المنتظم السياسي للوجود الإنساني في المجتمع"، مبينا أن المواطنة من جهة مضمونها الحقوقي تحمل بعداً فصليا " يميّز بين المستأهل لحقوقها وغير المستأهل"، وأنها تقوم في المفهوم التاريخي على " العرق، أو الدين، أو الذاكرة المشتركة، أو عنصر نقاء النسب".


وقد شهدت بعض البيئات ذات الطبيعة التعددية تطوُّر صيغةٍ تنحو منحى تعاقدياً في شكل دستور وقوانين تحدد الواجبات والحقوق، وأصبحت المواطنة "رابطة اختيارية معقودة في أفق وطنيّ يحكمُه الدستور" وتتسامى عن القومية والقبلية، وإن كانت لا تلغيها بالضرورة.


ومن ناحية أخرى، ألمح الشيخ إلى تطور آخر في مفهوم المواطنة، حيث اكتسبت إلى جانب بُعدها السياسي بُعداً اقتصاديا وثقافيا، ثم توسَّعت، في ظل العولمة، لتتخذ صبغةً عالميَّة، وتعني بهذا المفهوم الواسع" الشعور بالانتماء للبشرية كعائلة كبرى وللأرض كوطن أشمل"، وتتحقق هذه المواطنة من خلال "تجسيد روح ركّاب السفينة الذين يؤمنون بالمسؤولية المشتركة وبالحرية المسؤولة وبواجب التضامن والتعاون". وهنا يُبرز الشيخ أهميةَ المضامين القيمية للتضامن وضرورة إعادة ربطه بها، وهي "قيمُ الرحمة والغوث ومعاني التعاون والإحسان"، وهذه القيم تمثل سنداً للحقوق وأرضيةً مشتركة تقوم عليها، كما تضمن لها الفاعلية والنجاعة.


وأخيراً، بيَّن العلامة عبد الله دور التقنيات الجديدة في تعزيز الشعور بالانتماء إلى الوطن، والمشاركة الإيجابية، ومكافحة التمييز والإقصاء، وبالتالي دورها في توسيع دائرة المواطنة " لتشمل البُعد الرقمي بوصفه حقوقاً أو وسائل لنيل الحقوق". ولكنه لم يغفل عن التحديات التي تثيرها هذه التقنيات، لأنها "يمكن أن تسلب الإنسانَ ذاتَه وتنتزعه من شؤونه وشجونه المحلية، لترمي به في أتون الهموم المصطنعة والوجود المستعار"، وهذا واقعٌ يقتضي من الدُّول والمنظَّمات الدوليّة سنَّ قوانينَ تُنظم هذه المواطنة الجديدة.



هكذا، كان لتأصيل مفهوم المواطنة الشاملة وبيان تطوره وأبعاده مساحة واسعة في الكلمة التأطيرية لمعالي لشيخ عبد الله بين بيّه – حفظه الله تعالى ونفع به البلاد والعباد - في افتتاح الدورة الثامنة لملتقى أبو ظبي للسلام، تحت عنوان " المواطنة الشاملة من الوجود المشترك إلى الوجدان المتشارك"، وفي الكلمة جوانب أخرى مهمة قد نعود إليها في مقالات أخرى.

 

 



[1]  جميع الاقتباسات في هذه المقالة مأخوذة من الكلمة التأطيرية للعلامة الشيخ عبد الله بن بيه

إشكاليات في بعض المفاهيم المريدية… إصدارٌ جديد للدكتور خادم سِيلا

تمثِّل المفاهيمُ أدواتٍ ضروريةً لبناء المعارف وتوجيهِ التفكير، ولذلك تؤثر تأثيراً بالغا في مواقف الناس وسلوكياتهم. وهي تتشكَّل ضمن سياقات مع...