في البداية، تعرض معالي الشيخ لأصل كلمة "المواطنة" في اللغة العربية ومقابلها اللاتيني" بوصفها المنتظم السياسي للوجود الإنساني في المجتمع"، مبينا أن المواطنة من جهة مضمونها الحقوقي تحمل بعداً فصليا " يميّز بين المستأهل لحقوقها وغير المستأهل"، وأنها تقوم في المفهوم التاريخي على " العرق، أو الدين، أو الذاكرة المشتركة، أو عنصر نقاء النسب".
وقد شهدت بعض البيئات ذات الطبيعة التعددية تطوُّر صيغةٍ تنحو منحى تعاقدياً في شكل دستور وقوانين تحدد الواجبات والحقوق، وأصبحت المواطنة "رابطة اختيارية معقودة في أفق وطنيّ يحكمُه الدستور" وتتسامى عن القومية والقبلية، وإن كانت لا تلغيها بالضرورة.
ومن ناحية أخرى، ألمح الشيخ إلى تطور آخر في مفهوم المواطنة، حيث اكتسبت إلى جانب بُعدها السياسي بُعداً اقتصاديا وثقافيا، ثم توسَّعت، في ظل العولمة، لتتخذ صبغةً عالميَّة، وتعني بهذا المفهوم الواسع" الشعور بالانتماء للبشرية كعائلة كبرى وللأرض كوطن أشمل"، وتتحقق هذه المواطنة من خلال "تجسيد روح ركّاب السفينة الذين يؤمنون بالمسؤولية المشتركة وبالحرية المسؤولة وبواجب التضامن والتعاون". وهنا يُبرز الشيخ أهميةَ المضامين القيمية للتضامن وضرورة إعادة ربطه بها، وهي "قيمُ الرحمة والغوث ومعاني التعاون والإحسان"، وهذه القيم تمثل سنداً للحقوق وأرضيةً مشتركة تقوم عليها، كما تضمن لها الفاعلية والنجاعة.
وأخيراً، بيَّن العلامة عبد الله دور التقنيات الجديدة في تعزيز الشعور بالانتماء إلى الوطن، والمشاركة الإيجابية، ومكافحة التمييز والإقصاء، وبالتالي دورها في توسيع دائرة المواطنة " لتشمل البُعد الرقمي بوصفه حقوقاً أو وسائل لنيل الحقوق". ولكنه لم يغفل عن التحديات التي تثيرها هذه التقنيات، لأنها "يمكن أن تسلب الإنسانَ ذاتَه وتنتزعه من شؤونه وشجونه المحلية، لترمي به في أتون الهموم المصطنعة والوجود المستعار"، وهذا واقعٌ يقتضي من الدُّول والمنظَّمات الدوليّة سنَّ قوانينَ تُنظم هذه المواطنة الجديدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق