الثلاثاء، 29 ديسمبر 2020

قضية إدخال التربية الجنسية في مناهجنا .. وجهة نظر!

كنت أشعر بحزن عميق، وأنا استمع إلى تقرير أحد المسؤولين النقابيين عن ورشة نظمتها المنظمة الدولية يونيسكو في سالي في شهر ديسمبر الجاري حول إدخال التربية الجنسية والإنجابية في المناهج التربوية السنغالية.

ركّز المسؤول في تقريره على خطورة هذا المشروع على مستقبل أبنائنا ومجتمعنا بشكل عام؛ ففيه هدف خبيث يتمثل في تغيير نمط التفكير والميول والسلوك لدى أبناءنا. وهذا التغيير يفتح المجال لتقبُّل جميع السلوكيات الجنسية المنحرفة التي أصبحت في الثقافة الغربية مقبولة أخلافيا ومشجعة اجتماعيا.
بصرف النظر عما ينطوي عليه هذا البرنامج من خطورة على مستقبل النشء، ومن مصادمة مع بعض الثوابت الدينية والثقافية، فإن ما يُقلقني أكثر هو سهولة الاختراق التي تتسم بها مناهجنا التربوية فيما يبدو. فهذه المناهج ليست محاطةً بسياج أمني مُحكمٍ يكفي لحمايتها من الخروقات الفكرية والثقافية المرغوبة عنها.
فنادراً ما تمرُّ سنة كاملة دون أن تسمع عن برنامج أو مشروع جديد يُنفذ في مدارسنا بمبادرة من منظمة دولية، أومنظمة غير حكومية محلية، بتمويل من جهات أجنبية، سواء تعلق الأمر بالمجال الصحي، أو الحقوقي، أو الاجتماعي، أو اللغوي، أو العلمي.
فهذه القابلية للاختراق شيء مقلق للغاية، فلديَّ انطباع قوي بأنه يكفي لصاحب أي مبادرة أن يصوغ مشروعا براقا ويضع على الطاولة مبالغ طائلة لتنفتح أمامه جميع الأبواب ويُرحب به، دون تعميق البحث والتحرّي عما وراءه من الأغراض الخفية والمنظمات المشبوهة.
وهذه الحقيقة تضع استقلاليتَنا موضع تساؤل، وتكشف عن عقدة الشعور بالنقص لدى كثير من حكامنا المنوطة على عواتقهم مسؤولية حماية المجتمع وأبنائه. فهل نتصور أن تقترح دول الجنوب على دول الشمال تغييرَ أو إدراجَ فاصلة في مناهجها تحت أي مسوغ من المسوغات؟!
فلست، في الواقع،  من دعاة التزمُّت أوالتقوقع على الذات دون محاولة الاستفادة من الخبرات العالمية والعلوم النافعة ولكن، ينبغي أن يصدر ذلك عن إرادة حرة واختيار واع من غير إكراه ولا فرض.
إن قضية المناهج قضية استراتيجية، لا يمكن التساهل فيها، ولا ينبغي أن تكون مسرحا لكل من هبَّ ودبَّ، فما نسمعه عن دولة الهند من أنها لا تقبل التمويل الأجنبي في بعض القطاعات الاستراتيجية لنظامها التربوي نموذج رائع للوعي الكامل بالمسؤولية وبخطور الاختراق في الحقل التربوي لبعد آثاره وعمقها.
على العموم، يجب أن نعيد النظر في كيفية التعامل مع الجهات الأجنبية والمنظمات الدولية، فيما يتعلق بنظامنا التربوي، فهو رمز استقلالنا وسيادتنا ومفتاح نجاحنا ومنارة مستقبل أبناءنا. فلننظر إلى المسألة بمنظار إستراتيجي أوسع، لتصحيح هذا المسار الخاطئ في التعامل مع مناهجنا، بدل التسارع إلى تنظيم مظاهرات أومسيرات لا تغير من الواقع شئيا كثيرا.
فلنكن استراتيجيين في مقاومتنا، وفي سعينا لحماية هويتنا وثقافتنا ومعتقداتنا وعاداتنا الإيجابية. فأمامنا أناس يخططون لعقود من السنين ويتابعون مخططاتهم بمثابرة وطول نفس، ويتوارثونها جيلا عن جيل، حتى يحققوا أهدافهم. فمهمة التصدي لهذه المخططات غير سهلة ولكنها ليست مستحيلة، تحتاج فقط إلى استراتيجية مدروسة وإرادة صلبة.

مقالات ذات صلة 

إشكاليات في بعض المفاهيم المريدية… إصدارٌ جديد للدكتور خادم سِيلا

تمثِّل المفاهيمُ أدواتٍ ضروريةً لبناء المعارف وتوجيهِ التفكير، ولذلك تؤثر تأثيراً بالغا في مواقف الناس وسلوكياتهم. وهي تتشكَّل ضمن سياقات مع...