شهدت مدينة طوبى حركة دبلوماسية مكثفة خلال ثلاثة أيام متتالية؛ ففي يوم الخميس الثالث من مارس ٢٠٢٢م، زار المدينة نائب رئيس السيراليون مع وفد رفيع المستوى يتكون من ثلاثة وزراء ومستشارين فنيين، وفي يوم الجمعة، جاء سعادة السفير الجديد للمملكة المغربية في السنغال، السيد حسن ناصري، وفي يوم السبت وصل سعادة سفير المملكة العربية السعودية السيد سعد بن عبدالله النفيعي إلى طوبى في زيارة ودية لسماحة الخليفة العام للطريقة المريدية الشيخ محمد المنتقى حفظه الله تعالى. و هذه الحركة المكثّفة مع ما تخلَّلها من التصريحات تنطوي على دلالات مهمة، تحتاج إلى تأمل.
فقد حظيت هذه الوفودُ الثلاثة بترحيب حارّ، وحفاوة بالغة بأمر من الشيخ محمد المنتقى، كما قامت على التوالي بزيارة المسجد الكبير، ومكتبة الشيخ الخديم، ومجمع الشيخ أحمد الخديم للتربية والتكوين قبل استقبال الشيخ الخليفة كل واحد منها في منزله بحي دار التنزيل.
وقد عبر هؤلاء الزوار جميعهم عن مشاعرهم الطيبة تجاه مدينة طوبى وتجاه الشيخ محمد المنتقى، وصرّح كل واحد منهم بأنه شعر كأنه في بيته ووسط أهله.
وإذا كانت زيارة نائب الرئيس السيراليوني السيد محمد جولدي جالو تفقديةً واستكشافيةً، فإن زيارة السفيرين تأتي في سياق مختلف، لأن لكل من المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية علاقات تاريخية وروحية وثقافية مع السنغال عموما ومع طوبى على وجه الخصوص. ومن هنا يحرص دبلوماسيوهما كل الحرص على مدّ جسور التواصل مع الأسر الدينة السنغالية٬ لتمتين هذه العلاقات. ويدخل هذا السلوك فيما يصطلح عليه بالدبلوماسية الدينية.
ومما يمكن استخلاصه من هذه الزيارات أهمية الثقل الديني والسياسي والاقتصادي لمدينة طوبي ومحوريةُ دور الخليفة العامة للطريقة في الساحتين الدينية والسياسية للبلاد.
فقد عبَّر نائب الرئيس السيراليوني عن اهتمامه بالجهود التنموي للمجتمع المريدي وبدراسة كيفية الاستفادة من هذا النموذج في تحقيق التنمية في البلدان الإفريقي. وأما سعادة السفير المغربي فقد أبرز في كلامه رمزيَّة مدينة طوبى بقوله: "أعتقد أن هذا المكان يختزن الكثير من المعاني لأنه يرمز لوحدة المسلمين، ويرمز للأخوة الإسلامية بدون حدود، ويرمز للعمل المصاحب للعبادة؛؛ وهذا ما ينص عليه ديننا الحنيف، وهو من قيمنا المطلقة"، كما نوّه بدور الشيخ محمد المنتقى "في خدمة السنة النبوية وخدمة الدين والدنيا من خلال كل الإنجازات الكريمة التي قد تحقَّقت". وقال بأنه انبهر بـ"الا هتمام البالغ لأهل طوبى بالعلم والدين،وبمشروع المجمع الذي بمثابة ثورة علمية في غرب إفريقيا".
وسعادة السفير السعودي من جانبه ركَّز على ما رآه في طوبى من طريقة الإسلام الصحيح القائم على تحفيظ كتاب الله واتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وخاصة ما لاحظه من اهتمام بالعلم، خلال زيارته للمسجد الكبير ولمشروع الجامعة التي سوف تعتمد على تحفيظ القرآن الكريم، والعليم الديني والتكوين المهني.
ومن ناحية أخرى أبدى سعادة السفير إعجابه بمؤلفات الشيخ الخديم وقصائده التي قرأها، حيث قال أثناء زيارته للمكتبة: "أستخلص من خلال ما اطلعت عليه أن قصائد الشيخ لو كانت في العصور القديمة لاستحقت أن تكتب بماء الذهب وتعلق باستار الكعبة".
وأثناء اللقاء مع الشيخ محمد المنتقى أكد سعادته أيضا اتفاق مذاهب السنة في خدمة الإسلام الصحيح قائلا " نحن جميعا، مذاهب السنة التي هي المالكية، والشافعية، والحنابلة، والأحناف، نسعى دائما إلى طريق واحد، ودائما نكون متعاونين لحفظ الإسلام الصحيح"، وقد حرص سعادته على إبراز عوامل الوحدة الإسلامية التي لاحظها في مدينة طوبى أثناء زيارته.
لا شك أن لهذه الاتصالات الدبلوماسية أثراً بالغاً في توسيع آفاق التواصل، والتفاهم، والتعاون بين المجتمعات، وأنها تؤكد أهمية دور المؤسسات الدينية في البلدان المسلمة مثل السنغال. و ينبغي في نظري استثمار مكانة طوبى لتوظيفها أكثر في سبيل تعزيز الأخوة الإسلامية وتوحيد صفوف المسلمين، وخدمة المجتمع الإنساني بصفة عامة.
إن مدينة طوبى في واقع الأمر تعد ملتقى لمختلف المشارب والانتماءات الإسلامية المختلفة، وهي مفتوحة لكل الحريصين على مصير البشرية من كل مكان ومن جميع الأعراق. وتعاليم الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه الداعية إلى توحيد الصفوف، وقبول الاختلاف، والتعاون على خدمة الانسان، إلى جانب مواقف خليفته الشيخ محمد المنتقى – حفظه الله تعالى- تشكِّل رافدًا مهِمّا من الروافد التي يمكن أن تغذي روح الانسجام والتماسك في النسيج الاجتماعي والديني في البلاد، وأن تسهم في توطيد العلاقات بين السنغال وغيره من البلدان، والعالم أجمع في حاجة إلى تقوية هذه الروح وتعزيزها لما يعانيه من الأزمات وعوامل التفرق والتشتت.
د. سام بوسو عبد الرحمن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق