الثلاثاء، 5 يوليو 2022

زيارة وفد من مجلس حكماء المسلمين لطوبى


في الثالث من يوليو ٢٠٢٢، زار وفد رفيع المستوى من مجلس حكماء المسلمين لطوبى برئاسة أمينه العام المستشار القاضي محمد عبد السلام، يتكون من معالي السيد آدم جينغ المستشار الخاص للجنة العليا للأخوة الإنسانية ولمجلس حكماء المسلمين، والدكتور سمير بو دينار المدير التنفيذي لمركز البحوث التابع لمجلس حكماء المسلمين، والسيد أحمد حمدي مدير مكتب الأمين العام لمجلس الحكماء، والدكتور أحمد بركات المدير الإعلامي في مكتب الإمام الأكبر شيخ الازهر والسيدة خديجة كابلي مدير مشروع في اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، وكان الوفد برفقة معالي السفير بابكر با مستشار رئيس البرلمان السنغالي للشؤون الدبلوماسية، والنائب السابق في البرلمان السيد أحمد بمب صال المستشار الخاص لرئيس البرلمان.

وقد استقبل الشيخ أحمد البدوي امباكي رئيس مجمع الشيخ أحمد الخديم للتربية والتكوين الوفدَ باسم سماحة الخليفة الشيخ محمد المنتقى – حفظه الله تعالى – في دار الضيافة، ثم رافقه في زيارته للمسجد الجامع، وروضة الشيخ أحمد بمب رضي لله تعالى عنه، ومكتبة الشيخ الخديم قبل توجهه إلى زيارة الشيخ الخليفة.

وأثناء اجتماع الوفد بالخليفة، ألقى الشيخُ أحمد البدوي كلمةً رحّب فيها بالوفد، باسم سماحة الشيخ محمد المنتقى، وشكرهم على "هذه الزيارة الكريمة لمدينة طوبى التي تُعْتبرُ رمزاً للسَّلامِ والمحبةِ والتلاقِي بين البشر بِـمُخْتَلفِ شرائحِهِم ومَشارِبِهِمْ وانتماءَاتهم"، وبيَّن فيها أن الأهداف التي يسعى المجلس لتحقيقها تتماشى مع دعوة الشيخ أحمد الخديمِ رضي الله تعالى عنه وَمَنْهَجِه السِّلْمِيِّ" وأشار إلى أن الشيخ جعل العلوم والتقوى وسائلَ لجهادِه، كما يقول: "كتابتي نابت عن السلاح". ومن هنا أكّد للوفد أن الشيخ الخليفة يُرحِّب بكل مبادرةٍ من شأنها الإسهام في تحقيق السلام والعدالة للبشرية جمعاء.

وبعد هذا الترحيب، تناول الأمين العام الكلمة ليبلغَ الشيخَ الخليفة تحيات رئيس المجلس الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وشكر في كلمته الشيخ الخليفة منوِّها بمواقفه الإيجابية تجاه قضايا الأمة، وبجهوده المستمرة في ترسيخ السلام في المجتمع السنغالي المسلم، تماشياً مع تعاليم مؤسسة الطريقة المريدية الشيخ أحمد الخديم رضي الله تعالى عنه المعروفة باتجاهه السلمي، ثم عبّر عن ارتياحه وشعوره بالطمأنينة في زيارته لمدينة طوبى، وأخيراً، قام بتعريف المجلس وبيان أهم أهدافه للشيخ، "فهو هيئةٌ دوليَّة مستقلَّة تأسَّست في 21 رمضان من عام 1435 هـ، الموافق 19 يوليو عام 2014 م، تهدف إلى تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة، وتجمع ثلَّة من علماء الأمَّة الإسلاميَّة وخبرائها ووجهائها ممَّن يتَّسمون بالحكمة والعدالة والاستقلال والوسطيَّة، بهدف المساهمة في تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة، وكسر حدَّة الاضطرابات والحروب التي سادت مجتمعات كثيرة في الآونة الأخيرة، وتجنيبها عوامل الصراع والانقسام والتَّشرذم ".

وقبل المغادرة طلب رئيس الوفد من الشيخ محمد المنتقى أن يدعو الله تعالى له ولرئيس المجلس، كما قدم إليه هدايا رمزية من كتب ووثائق تتعلق بالمجلس، وأعطاه الشيخ الخليفة من جانبه بعضا من مؤلفات من تراث الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه، أصدرته دائرة روض الرياحين، بالإضافة إلى كبش جميل. وبعد صلاة العصر غادر الوفد مدينة طوبى متوجها إلى دكار.

 د. سام بوسو عبد الرحمن 

الجمعة، 17 يونيو 2022

الضيافة التاريخية للشيخ الخديم (رضي الله تعالى عنه)في دار السلام... نظرة تأملية

في العشرين من شهر ذي القعدة يُحيي المريدون ذكرى حدثٍ تاريخيٍّ جرى في دار السلام، الواقعة في جنوب مدينة طوبى على بعد سبع كيلومترات، وهو الضيافة الاسطورية التي قدَّمها الشيخ سيدي المختار لأخيه وشيخه، حينما رجع من غيبته البحرية في غابون، ترحيبا واحتفاء به. وهذا الحدث لهُ دلالات عميقة تستحق الدراسة والتحليل، وذلك بالعودة إلى سياقه التاريخي. 

إن الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه قضى سبع سنوات وبضعة أشهر في جزر الغابون، بعد أن حكمت عليه سلطات الاحتلال الفرنسية بالنفي ظلماً وزوراً، وكان الشيخ رضي الله تعالى قد بايع الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بخدمته وبالجهاد في إحياء سنته، وعانى محنا لا يتصورها العقل؛ فقد خلت قصوره، وتفرق أهله، وتشتت شمله وتعرض مريدوه للاضطهاد والمضايقة، كما وصف هذا الوضع الأليم بنفسه: 

         قصوري خلت والأهل عني تقرقت     لمدح الذي عنه المديح قصير[1] 

وكان هذا التغريب شديدَ الوقْع على أهله ومريديه وعميقَ الأثر في نفوسهم، يقول الشيخ امباكي بوسو في وصف ذلك الخطب:

        إنا دُهمنا بخطْبٍ ما تهدُّ له         صمُّ الجبال الرواسي أيما هدد[2]


وكان الشيخ من جانبه يتحمّل محنته بالصبر والرضى والشكر، وكان يبتهل إلى الله أن يعجِّل الله أوبته ويجعلها سببا لسعادة لقومه، يقول رضي الله تعالى عنه:

         اجعل رجوعي إلى قومي سعادتنا   ولتكفنا يوم جمع الخلق نيرانا[3]


وبعد أكثر من سبع سنوات من المحن والمعاناة، يسر الله تعالى رجوع الشيخ إلى وطنه بين أهليه ومريديه الذين كانوا قد استوحشوا بغيبته، وتشتتوا، ولزموا بيوتهم.

نزل الشيخ في الحادي عشر من شهر نوفمبر ١٩٠٢م (شعبان ١٣٢٠هـ) في ميناء دكار وسط أمواج عارمة من الفرح والسرور، ثم غادرها متوجها إلى سانت لويس، ومنها إلى دار السلام، مرورا بعدد من قرى مريديه ومنازلهم، إلى أن وصل إليها في شهر شوال، وهي القرية الأولي التي كان قد أسسها، وأبقى  فيها أخاه الشيخ سيدي مختار مع عدد من أتباعه الأوائل، ونزل فيها في ضيافة مريده وأخيه الشيخ سيدي المختار. 

وكانت عودة الشيخ إلى دار السلام مناسبة مهمة في تاريخ المريدية، احتفى بها جميع المريدين، وتولَّى أخوه الشيخ سيدى المختار شأن ضيافته، وأنفق فيها أموالا طائلة؛ فخلال أسبوع، نحر وذبح من الإبل، والبقر، والغنم، والدجاج وغيرها ما عجزت الألسنُ عن وصفها، واجتمع في دار السلام طيلةَ هذا الأسبوع عددٌ كبير من الشيوخ، والمريدين، والأهل، والاقارب، من أجل زيارة الشيخ والاحتفاء به. 

وقد خلَّد الشعراء والقصاصون هذا الحدث التاريخي ووصفوه بأجمل الأساليب وبأدق التفاصيل. وأبدع المؤرخ الشيخ موسى كاه في مرثيته لمام شيخ أنت في وصف ما قام به من أنواع والإكرام والقرى. وعلى الرغم من هذا الاهتمام بالمناسبة لم يتم التطرق – فيما نعلم - إلى ما يكمن وراءها من دلالات يمكن الوقوف عليها إذا أمْعَنَّا النظر في سياقها التاريخي وفي الظروف التي وقع فيها.


إن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو ما في هذه الضيافة من التعبير عن الشكر، والامتنان، وعن مشاعر الفرحة، والابتهاج بقدوم الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه بعد غيبته الطويلة، حيث كان أهلُه ومريدوه يشتاقون إلى رؤيته أشدَّ الاشتياق، وطال انتظارهم لعودته، كما نفد صبرهم. وإلى جانب هذا المعنى، كان لقاء الشيخ بمريديه وأهله في دار السلام في تلك الأجواء الروحية والاحتفالية يحمل، في نظري، دلالة واضحة على انتصار المشروع الخديمي وفشل المشروع الاستعماري.


إن مشروع الاحتلال الفرنسي من نفي الشيخ إلى جزر نائية مثل الغابون ومن تفريق مريده كان، في حقيقة الأمر، يتمثل في وأد دعوته وإيقاف مشروعه التربوي الذي بدأ مفعولها يظهر في سلوك مريديه، وكانت الضيافة في دار السلام بمثابة إعلان فشل مخططات هؤلاء المحتلين؛ فها هو الشيخ يلتقي من جديد بمريده وأهله في أجواء إيمانية عارمة، وكان ذلك تعبيراً عن الاحتفال بانتصار الإيمان على الكفر، والحق على الباطل، والحرية على الاستبداد.


ومن ناحية الأخرى كان اللقاء في دار السلام مناسبةً للمِّ شمل المريدين وإعادة الثقة والطمأنينة في نفوسهم، وفرصةً للتواصل بين شيوخ الطريقة، بعد أن تعرضوا للتفريق من قبل سلطات الاحتلال، وعانوا من اضطهاد الأمراء المحليين. فقد اضطر كثير منهم إلى العزلة في منطقته تجنبا لمضايقات المحتلين. وقد وصف العلامة الشيخ امباكي أحد كبار المريدين هذه الظروف الصعبة، وما عانى فيها المريدون العُزَّل الذين لم يكونوا يعرفوا سوى الاشتغال بالعلم، والعبادة، والعمل في حقولهم، يقول رضي الله تعالى عنه:


تخريـب دور وإجلآ معشـر كشف     ميـل معا زيل لا يرجون غـير غد  

لا يعرفون سـوى غشيان مسجدهم      أو درس ألواحهم والحرث بالجرد 

قـد عاجلوهم بتنكيل على تهـم         لم تـرو إلا عن أعداء لهـم حسد

كم صبية وذوات الخدر ضائعة         بنفي شخـص ولم يفعل ولم يـرد[4]


وأخيرا، عاشت الطريقة المريدية أياماً عصيبةً في تلك السنوات السبعة، شلَّت نوعاً ما حركتها وكادت تؤدي بحياتها لولا عون الله تعالى وعزيمةُ شيوخها أمثال الشيخ إبراهيم فاط، والشيخ أحمد دومبي، والشيخ أنت امباكي، والشيخ محمد جارة، والشيخ إبراهيم فال، والشيخ امباكي بوسو، والشيخ عبد الرحمن لوح، وغيرهم من الشيوخ الذين بذلوا النفس والنفيس في حماية أسرة الشيخ وفي التمسك بمنهجه والتشبث بتعاليمه. وكان الاجتماع والتلاقي في دار السلام بمثابة ولادة جديدة للطريقة عززت المعنويات وقربت المتباعدين وأذكت حماسة الأتباع وهيأتهم لتحمُّل غيبة الشيخ رضي الله تعالى عنه في موريتانيا.


فهذه جوانب مغيبة في الحديث عن هذه المناسبة أثيرها هنا لتحفيز الباحثين على إعادة النظر فيها، وتخصيص دراسات واسعة حولها وحول آثارها في حياة الطريقة فيما بعدها. 

                                                                د. سام سوسو عبد الرحمن



[1] من قصيدة للشيخ أحمد الخديم رضي الله تعالى عنه، ومطلعها

أسير مع الأبرار حين أسير       وطن العدى أني هناك أسير

[2]  من قصيدة للشيخ امباكي بوسو موجهة إلى الحاكم العام ومطلعها 

قل للأمير ولا ترهبك هيبته      إن المهابة خدن العدل والسدد

[3] [3] من قصيدة للشيخ أحمد الخديم مقيدة بحروف قوله تعالى " ولقد كرمنا بني آدم إلى آخر الأية

[4]  من قصيدة للشيخ امباكي بوسو موجهة إلى الحاكم العام ومطلعها 

قل للأمير ولا ترهبك هيبته      إن المهابة خدن العدل والسدد

 

الخميس، 5 مايو 2022

"الخدمة في فكر الشيخ أحمد بمبا ..." مؤلف جديد للدكتور خادم سيلا

حينما تكتبُ قامةٌ فكرية مثلُ الدكتور خادم سيلا عن المريدية وعن موضوع محوري مثل الخدمة، فإن ذلك يُعتبر حدثاً فكرياً يستحق الاهتمامَ والاحتفاء. فالدكتور خادم من العلماء والمفكرين الذين كرّسوا حياتهم لدراسة الإسلام عموماً والمريدية خصوصاً، بعدما نشأوا وترعرعوا في أحضانها. 

إنه مفكر إسلامي، وعالم اجتماعي، وباحث ميداني يتعايش بعقله ووجدانه، مع القضايا الفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية للمجتمع السنغالي وللطريقة المريدية بصفة خاصة،  ويتفاعل مع أحداثها ويراقب تطوراتها، وحينما يدلي بدلوه في موضوع مركزي استحوذ على اهتمام العديد من الكتاب والباحثين، فلا شك أن إسهامه سيشكِّل طفرةً مهمةً في هذا الحقل.

فقد عرفتُ الدكتور خادم سيلا قبل أكثر من ثلاثين سنة، وأنا طالب في الأزهر الشريف بجمهورية مصر العربية، عرفتُه محاضراً بليغاً، وباحثاً حصيفاً، وكاتباً بارعاً، مهتما بقضايا مجتمعه، مدافعا بلسانه وقلمه عن القيم والمبادئ التي يقتنع بها حريصاً على نشر تعاليم الشيخ أحمد بمبا ومنهجه، وعلى تصحيح المفاهيم الخاطئة والسلوكيات المعوجَّة في طريقته، دائما يتصدَّى للتهم والإساءات التي تتعرّض لها المريديةُ بالحجج الدامغةِ والبراهينِ الساطعةِ، وبأسلوب تتسم بالرزانة.

إن الإسهامات الفكرية للدكتور خادم تمتاز بتعدُّد أبعادها، لأنها تستند إلى ذوقٍ صوفي وخلفية فقهية، وأدبية، وفلسفية، وتاريخية واسعة، بفضل ما يتمتع به من إلمام عميق بهذه الحقول المعرفية.

يأتي الكتابُ الجديدُ للدكتور خادم "الخدمة في فكر الشيخ أحمد بمبا كمنهج للتجديد والإصلاح" في ظرف يُعنَى فيه كثيرٌ من الباحثين بنظرية الخدمة في دراساتهم وتحليلاتهم؛ فمنهم من نحا منحى فلسفيا، ومن نحا منحا اقتصاديا أو سياسيا في تجلية مفهوم الخدمة ومضامينها. أما الدكتور فينظر إلى الخدمة نظرة أقرب إلى الشمول، ويتجلى ذلك من خلال تعريفه لها، حيث يقول: " أما نحن فنرى أنَّ الخدمة في المنظور المريدي تتمثل في المشروع التجديدي والإصلاحي الذي عاهد الشيخ أحمد بمبا مولاه سبحانه على القيام به خدمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتلبية لمطالب مجتمعه"، ولذلك كان البُعد التجديدي والإصلاحي لدعوة الشيخ الخديم بارزاً في دراسته.

في التمهيد تعرَّض المؤلِّف للتعريف بالشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه، وبنشأته العلمية، وبجانب من ميوله الفكرية، كما صوَّر البيئةَ التي نشأ فيها، وما كان يسود فيها من مظاهر الفساد والانحلال، قبل أن يتناولَ مفهومَ الخدمة بالدراسة والتأصيل على ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية، وقسّم مراحلَ الخدمة إلى عدة مراحل؛ خصّص الفصلَ الأول للمرحلة الأولى التي تبدأ من عام ١٨٨٤م إلى ١٨٩٥م، ولأساليب الخدمة وآلياتها فيها، والفصلَ الثاني لمرحلة الغيبة البحرية، ولصوَرِ الخدمة فيها، والفصلَ الثالث لوقائع وأحداث الغيبة البرية في موريتانيا. 

وأما الفصل الرابع فقد تناول فيه مرحلةَ الإقامة الجبرية في تيين Ceyeen، ووقف فيها على ركائز خدمة الشيخ وأصحابه، وكرَّس الفصلَ الخامسَ لمرحلة الإقامة الجبرية في جربل، وما تميزت به من أساليب الخدمة وآلياتها، والفصلَ السادس لبعض مجالات الخدمة وصورها. وفي الفصل السابع والأخير، تعرض المؤلفُ للخدمة بعد رحيل الشيخ رضي الله تعالى عنه، وكيفَ تطورت آلياتُها ومؤسساتُها المتمثلة في الدوائر المريدية.

وخلال هذه الفصول السبعة لم يبخل المؤلف على قُرَّائه بالتفاصيل الدقيقة والتحليلات العميقة الطريفة، والنظرات الثاقبة، والآراء النيرة التي تنم عن هاجس إصلاحي، وإحساس بالمسؤولية، ووعي عميقٍ بضرورة الاستفادة من منهج الشيخ التجديدي للرقي بالمجتمع من جميع النواحي، ولخدمة البشرية جمعاء. ومن ناحية أخرى، يُظهر الكتاب سعةَ َأفق المؤلف وتعمقه في تراث المريدية وتاريخها وخاصة في كتابات الشيخ رضي الله تعالى عنه. 

وأخيرا، يُعدُّ هذا الكتاب في نظري مرجعاً أساسيا في فكر الشيخ رضي الله تعالى عنه ومنهجه؛ فهو مصدر ثريٌّ للباحثين وزادٌ مهمٌّ للمربّين ومنهلٌ صافٍ للطلبة والدارسين، وإضافة قيمة في المكتبة الإسلامية.

الثلاثاء، 3 مايو 2022

إنه سراج منير !

كانت إشكالية بناء نظام تعليمي أصيل تطرح نفسها أم السلطات السنغالية منذ عهد الاستقلال إلى الآن. فعلى الرغم من الإصلاحات المتعددة التي أجريت في النظام التربوي السنغالي، لم يحدث فيه التغيير الجذري المأمول، وما زالت المحتويات التعليمية منسوخة من مناهج المدرسة الفرنسية الموروثة من عهد الاحتلال الفرنسي، بشيء من الترقيع.

في أعقاب الأزمة الاجتماعية التي اندلعت في شهر مايو ١٩٦٨، جرت محاولات لإصلاح النظام التربوي بحيث يتأسس على هوية المجتمع وقيمه الثقافية من خلال القانون التوجيهي الصادر سنة ١٠٧١م، ولكنها لم تؤد إلى نتائج ملموسة، وفي ١٩٨١، نظمت الحكومة ما تعرف بالجلسات العامة États Généraux حول التربية والتكوين بهدف تغيير النظام التربوي وإصلاحه ، ومن آثار هذه الإصلاح تطوير مناهج التاريخ لإدراج بعض الشخصيات التاريخية الوطنية.

وبالمقابل، كانت المدرسة العربية الإسلامية الحديثة شبه مستوردة، فلا يوجد للتراث الثقافي الإسلامي المحلي مكانة فيها، ويكاد الدارس فيها لا يعرف شيئا عن ثقافة مجتمعه ولا تاريخ وطنه. 

وكانت مؤسسة الأزهر الإسلامية سباقة في إجراء إصلاحات في هذا المجال بإدراج تدريس الشخصيات الدينية الوطنية البارزة في مناهجها، وإعداد مذكرة لهذه المحتويات.

ولا يخفى أن للكتاب المدرسي دورا كبيراً في تحقيق الأهداف التربوي، باعتباره وسيلة مهمة في العملية التعليمية التعلمية، ومرجعا أساسيا للمتعلم. فمن خلال الكتاب المدرسي تتحول المادة العلمية إلى مادة تعليمية تراعى فيها المستويات العمرية والعقلية للمتعلمين، وتُبنى على أسس نفسية وبيداغوجية وعلمية، لتكون مرشدا فعالا للمعلمين، ومرجعا قيما للمتعلمين.

وعلى هذا الأساس يكتسي كتاب أخينا الفاضل الباحث القدير الشيخ أحمد بمبا الخديم "السراج المنير في سيرة خديم البشير" أهميةً كبيرة من نواح عدة: فهو في الحقيقة كتاب مدرسي بكل ما يحمله هذا المصلح من معنى؛ فقد رُوعيت في تأليفه المعايير المنهجية المطلوبة، وهو بذلك يسد ثغرة في مناهجنا التعليمية.
 ومن ناحية أخرى يتناول سيرة واحدٍ من أبرز الشخصيات التاريخية والدينية التي أنجبها العالم الإسلامي بل البشرية جمعاء، ألا وهو العارف بالله المجدد الشيخ أحمد بمبا (رضي الله تعالى عنه) مؤسس الطريقة المريدية.
وأخيراُ يستهدف فئة الدارسين في المرحلة الأساسية من المدارس الإسلامية العربية، وهم في أمس الحاجة إلى دراسة سيرة الشيخ واستيعاب طرف من تعاليمه وتربيته، وجهاده، ومواقفه الباسلة تجاه الاحتلال الفرنسي. 

وعلى العموم، يُعد هذا المؤلَّف خدمةً جليلة للمدارس الإسلامية العربية بصفة خاصة، وللنظام التربوي بصفة عامة، لأن هذا النظام يفتقر إلى إصلاح جذري من حيث الغايات والمحتويات ليكون قادراً على تربية الأجيال وبناء هويتها وقفا لقيمنا الثقافية والروحية الأصيلة.

وأملنا كبير في أن تتبنى هذا الكتاب مدراسنا الإسلامية العربية على غرار إدارة "المجالس" التابعة لمجمع الشيخ أحمد الخديم التي قامت بنشره، وأن يتم ترجمته إلى اللغة الفرنسية لتتسع دائرة الانتفاع به.

الثلاثاء، 19 أبريل 2022

ديوان سعادات المريدين في أمداح خير المرسلين، إصدار جديد للرابطة الخديمية

 

أطلت علينا الرابطة الخديمية للدارسين والباحثين في هذا الشهر المبارك بإصدار جديد، وهو العاشر من تلكم الإصدارات الرائعة التي عوَّدتنا عليها في السنوات الأخيرة، ألا وهو "سعادات المريدين في أمداح خير المرسلين" لشيخنا أحمد الخديم رضي الله تعالى عنه. وتمتاز هذه الإصدارات بحسن إخراجها ووضوح خطها وجودة طباعتها وتجليدها. فقد تشمَّرت الرابطةُ لتزويد المكتبة الإسلامية بكتابات للشيخ رضي الله تعالى عنه وبذخائر من التراث المريدي الأصيل. وبهذه الخدمة العلمية الجليلة فتح هؤلاء النخبة من المريدين الباحثين نافذةً مهمَّة على كنوز من التُّراث الإسلامي السنغالي.


في واقع الأمر، تُعتبر مؤلفاتُ الشيخ أحمدَ الخديم من أروع ما كُتب باللغة العربية وأثراه شكلاً ومضمونا، أسلوبا ومعنى، في مجالات مختلفة شرعية وأدبية، ويُعد الشيخ ضمن أكثر المؤلفين إنتاجاً في القرن الرابع عشر الهجري. يقول الفيلسوف الألماني مراد هوفمان، في معرض حديثه عن "بوارق العبقرية الإسلامية" إن ذاكرة التاريخ حفظت أسماء شخصيات لها وزنُها مثل الهندي العلامة الشيخ ولي الله والشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، والشيخ أحمد بمب في السنغال[1].  

 

ولكن هذه الكتابات البالغة الروعة ظلت إلى حدٍّ ما محصورة بين أيدي مريديه وقلةٍ من باحثي العالم الإسلامي، على الرغم من الجهود التي بذلها أبناؤه وكبار أتباعه في طباعتها ونشرها؛ لأن مؤلفات الشيخ وقصائده كانت وما زالت تنسخ باليد، وتطبع بالخط المغربي الإفريقي الذي لا يتداول إلا نادرا في خارج منطقة شمال إفريقية وغربها.

 

فقد أحدثت الرابطة نقلة نوعية، على غرار دائرة روض الرياحين، بعنايتها بكتابات الشيخ وبطباعتها طبعات دولية؛ فبعد صدور "ديوان العلوم الدينية"، جاء ديوان "سعادات المريدين في أمداح خير المرسلين" ليؤكد هذا التحول النوعي في طريقة نشر التراث المريدي بصفة عامة وكتابات شيخنا أحمد الخديم بصفة خاصة على مستوى العالم، وهو تحول يتمُّ بتشجيع ومباركة ودعم من سماحة الخليفة الشيخ محمد المنتقى حفظه الله تعالى وأيده ونصره، وسدد خطى هذه الرابطة وبارك في جهودها.



[1]  مراد هوفمان، الإسلام كبديل، الرياض، مكتبة عبيكان، ط٢ ١٣١٨هـ/١٩٩٧م  ص ٧٠

الخميس، 24 مارس 2022

زيارة وفد رفيع المستوى من الطريقة النقشبندية لمدينة طوبى

في يوم الاثنين  ٢١ مارس ٢٠٢٢م زار وفد رفيع المستوى من الطريقة النقشبندية برئاسة الشيخ عمر محمد رجب ديب، وبرقته عدد من الشيوخ أتوا إلى السنغال من بلدان مختلفة. والنقشبندية من الطرق الصوفية الواسعة الانتشار في آسيا، وهي تنسب إلى الشيخ محمد بهاء الدين النقشبدي المتوفى سنة 791 هـ/1388م.
وكان الوفد يتكون من: الشيخ عمر رجب ديب السوري ابن شيخ الطريقة النقشبندية في العالم، والشيخ كمال الدين من غانا، والشيخ فاروق الكيساوي من السودان، والشيخ سليمان شيخ الطريقة الرجبية في أوروبا، والشيخ أحمد بدر الدين وَتَرا من ساحل العاج، والشيخ الدكتور إدريس ربوح الجزائري المقيم في تركيا ممثل رواد العالمي، والشيخ منير النقشبندي من فرنسا. 

وقد زار الوفد سماحةَ الخليفةِ الشيخ محمد المنتقى حفظه الله تعالى، وقدّموا إلى سماحته مجموعة من مؤلفات الشيخ رجب ديب الخليفة العام للنقشبندية في آسيا والشرق الأوسط، كما أبلغ رئيس الوفد الشيخ محمدا المنتقى رغبة والده في زيارته مع عدد من مريديه. وأعطاهم سماحة الخليفة بدوره هدايا ثمينة من مؤلفات الشيخ أحمد الخديم رضي الله تعالى عنه.

وبعد هذا اللقاء المبارك توجه أعضاء الوفد لزيارة مقام شيخنا أحمد الخديم رضي الله عنه، والمسجد الجامع حيث أدوا صلاة المغرب، كما قاموا بجولة تفقدية في مجمع الشيخ أحمد الخديم للتربية والتكوين.

و بعد صلاة المغرب عُقدت جلسة علمية مع الضيوف في منزل الشيخ الخديم بحضور أفراد من دائرة روض الرياحين ومن دائرة مقدمة الخدمة. وفي هذه الجلسة التي كان السيد القاضي محمد المرتضى بوسو يديرها قدّم الاستاذ سرين امباكي عبد الرحمن عرضا قيما ووجيزا عن الطريقة المريدية وعن حياة مؤسسها رضي الله تعالى عنه، كما قدم سام بوسو عبد الرحمن عرضا آخر حول جامعة الشيخ أحمد الخديم ومكوناتها. وعقب العرضين تناول الضيوف الكلمة فعبروا عن سعادتهم بالزيارة واستفادتهم مما شاهدوه وتعلّموه أثناءها. وفي ختام الجلسة تم تقديم عدد من إصدارات روض الرياحين لأعضاء الوفد. وقبيل مغادرة البلاد قام الوفد  أخيرا بزيارة مسجد مسالك الجنان بدكار.

 








فيديوهات الزيارة عن الزيارة






مقالات ذات صلة 

الحركة الدبلوماسية المكثفة في طوبى ودلالاتها


الاثنين، 7 مارس 2022

الحركة الدبلوماسية المكثفة في طوبى ودلالاتها

شهدت مدينة طوبى حركة دبلوماسية مكثفة خلال ثلاثة أيام متتالية؛ ففي يوم الخميس الثالث من مارس ٢٠٢٢م، زار المدينة نائب رئيس السيراليون مع وفد رفيع المستوى يتكون من ثلاثة وزراء ومستشارين فنيين، وفي يوم الجمعة، جاء سعادة السفير الجديد للمملكة المغربية في السنغال، السيد حسن ناصري، وفي يوم السبت وصل سعادة سفير المملكة العربية السعودية السيد سعد بن عبدالله النفيعي إلى طوبى في زيارة ودية لسماحة الخليفة العام للطريقة المريدية الشيخ محمد المنتقى حفظه الله تعالى. و هذه الحركة المكثّفة مع ما تخلَّلها من التصريحات تنطوي على دلالات مهمة، تحتاج إلى تأمل.

فقد حظيت هذه الوفودُ الثلاثة بترحيب حارّ، وحفاوة بالغة بأمر من الشيخ محمد المنتقى، كما قامت على التوالي بزيارة المسجد الكبير، ومكتبة الشيخ الخديم، ومجمع الشيخ أحمد الخديم للتربية والتكوين قبل استقبال الشيخ الخليفة كل واحد منها في منزله بحي دار التنزيل. 

وقد عبر هؤلاء الزوار جميعهم عن مشاعرهم الطيبة تجاه مدينة طوبى وتجاه الشيخ محمد المنتقى، وصرّح كل واحد منهم بأنه شعر كأنه في بيته ووسط أهله.

وإذا كانت زيارة نائب الرئيس السيراليوني السيد محمد جولدي جالو تفقديةً واستكشافيةً، فإن زيارة السفيرين تأتي في سياق مختلف، لأن لكل من المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية علاقات تاريخية وروحية وثقافية مع السنغال عموما ومع طوبى على وجه الخصوص. ومن هنا يحرص دبلوماسيوهما كل الحرص على مدّ جسور التواصل مع الأسر الدينة السنغالية٬ لتمتين هذه العلاقات. ويدخل هذا السلوك فيما يصطلح عليه بالدبلوماسية الدينية.

ومما يمكن استخلاصه من هذه الزيارات أهمية الثقل الديني والسياسي والاقتصادي لمدينة طوبي ومحوريةُ دور الخليفة العامة للطريقة في الساحتين الدينية والسياسية للبلاد.

فقد عبَّر نائب الرئيس السيراليوني عن اهتمامه بالجهود التنموي للمجتمع المريدي وبدراسة كيفية الاستفادة من هذا النموذج في تحقيق التنمية في البلدان الإفريقي. وأما سعادة السفير المغربي فقد أبرز في كلامه رمزيَّة مدينة طوبى بقوله: "أعتقد أن هذا المكان يختزن الكثير من المعاني لأنه يرمز لوحدة المسلمين، ويرمز للأخوة الإسلامية بدون حدود، ويرمز للعمل المصاحب للعبادة؛؛ وهذا ما ينص عليه ديننا الحنيف، وهو من قيمنا المطلقة"، كما نوّه بدور الشيخ محمد المنتقى "في خدمة السنة النبوية وخدمة الدين والدنيا من خلال كل الإنجازات الكريمة التي قد تحقَّقت". وقال بأنه انبهر بـ"الا هتمام البالغ لأهل طوبى بالعلم والدين،وبمشروع المجمع الذي بمثابة ثورة علمية في غرب إفريقيا".


وسعادة السفير السعودي من جانبه ركَّز على ما رآه في طوبى من طريقة الإسلام الصحيح القائم على تحفيظ كتاب الله واتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وخاصة ما لاحظه من اهتمام بالعلم، خلال زيارته للمسجد الكبير ولمشروع الجامعة التي سوف تعتمد على تحفيظ القرآن الكريم، والعليم الديني والتكوين المهني.

ومن ناحية أخرى أبدى سعادة السفير إعجابه بمؤلفات الشيخ الخديم وقصائده التي قرأها، حيث قال أثناء زيارته للمكتبة: "أستخلص من خلال ما اطلعت عليه أن قصائد الشيخ لو كانت في العصور القديمة لاستحقت أن تكتب بماء الذهب وتعلق باستار الكعبة".

وأثناء اللقاء مع الشيخ محمد المنتقى أكد سعادته أيضا اتفاق مذاهب السنة في خدمة الإسلام الصحيح قائلا " نحن جميعا، مذاهب السنة التي هي المالكية، والشافعية، والحنابلة، والأحناف، نسعى دائما إلى طريق واحد، ودائما نكون متعاونين لحفظ الإسلام الصحيح"، وقد حرص سعادته على إبراز عوامل الوحدة الإسلامية التي لاحظها في مدينة طوبى أثناء زيارته.

لا شك أن لهذه الاتصالات الدبلوماسية أثراً بالغاً في توسيع آفاق التواصل، والتفاهم، والتعاون بين المجتمعات، وأنها تؤكد أهمية دور المؤسسات الدينية في البلدان المسلمة مثل السنغال. و ينبغي في نظري استثمار مكانة طوبى لتوظيفها أكثر في سبيل تعزيز الأخوة الإسلامية وتوحيد صفوف المسلمين، وخدمة المجتمع الإنساني بصفة عامة.

إن مدينة طوبى في واقع الأمر تعد ملتقى لمختلف المشارب والانتماءات الإسلامية المختلفة، وهي مفتوحة لكل الحريصين على مصير البشرية من كل مكان ومن جميع الأعراق. وتعاليم الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه الداعية إلى توحيد الصفوف، وقبول الاختلاف، والتعاون على خدمة الانسان، إلى جانب مواقف خليفته الشيخ محمد المنتقى – حفظه الله تعالى- تشكِّل رافدًا مهِمّا من الروافد التي يمكن أن تغذي روح الانسجام والتماسك في النسيج الاجتماعي والديني في البلاد، وأن تسهم في توطيد العلاقات بين السنغال وغيره من البلدان، والعالم أجمع في حاجة إلى تقوية هذه الروح وتعزيزها لما يعانيه من الأزمات وعوامل التفرق والتشتت.
                                                                د. سام بوسو عبد الرحمن

من كرامات الشيخ أحمد بمب رضي الله عنه ... إصدار جديد لدائرة روض الرياحين

"عُرف  الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه بكراماته الكثيرة التي تناقلتها الركبان، ورواها ثقات عن ثقات في سياقات مختلفة من حياته، ولكن أبرز...