منذ
بداية شهر مارس الجاري، يعيش السنغال على غرار عديد من الدول أوضاعاً استثنائية بسبب ظهور
حالات من مرض الفيروس التاجي الفتاك في أراضيه. ونظرًا لخطورة هذا الوباء، ولما تسبب فيه
من الوفيات المتضاعفة بشكل مرعب، في دول متقدمة
تتمتع بقدرات واسعة في مجال الصحة مثل الصين وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وغيرها، بادرت
الحكومة السنغالية باتخاذ إجراءات احترازية
مهمة فور ظهور الحالات الأولى في البلاد.
كانت
الحالات الأولى لأجانب دخلوا السنغال من أوروبا،
وكان أول مواطن مصاب دخل البلاد من سكان مدينة
طوبى عاصمة الطريقة المريدية، وانتقلت العدوى منه إلى بعض أفراد من أسرته. وعلى
الفور بذل الأطباء جهودا جبارة في احتواء الموقف، فتم نقل بعض المصابين إلى دكار ووضع
الآخرين في الحجر الصحي في دار المنان.
وقبل
إعلان الحكومة السنغالية عن إجراءاتها الوقائية
التي شملت منع التجمعات وإغلاق المداس والجامعات ودعم الطواقم الطبية، أصدر الشيخ محمد
المنتقى بيانا هاما على لسان ناطقه الرسمي الشيخ محمد البشير عبد القادر، تضمَّن دعوةً إلى التضرع إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء
والتوبة مع الالتزام بجميع الأوامر التي سوف تصدرها السلطات الرسمية بناء على توصية
الأطباء لمكافحة الوباء، كما قدم إلى الحكومة مبلغا قدره مائتا مليون فرنك ( ٢٠٠,٠٠٠,٠٠٠) دعماً لجهودها في هذه المهمة،
كما دعا جميع المواطنين إلى أن يحذوا حذوه في التضامن مع الحكومة لدحر الوباء. وقد كان
لتوجيهات الشيخ أثرٌ كبيرٌ في وضع حد للتجمعات في مناسبات دينية كبيرة كانت تُنظم داخل الطريقة المريدية.
وكان
في هذا الموقف الإنساني المشرّف دعمٌ مادي
ومعنوي قوي وحاسم للدولة في مواجهتها للفيروس، ولكن الخليفة لم يكتف بذلك بل قدم مثالا
في ضرورة الأخذ بالاحتياطات اللازمة التي يوصي بها الأطباء مثل غسل الأيدي بالماء والصابون
واستعمال مواد التطهير أمام عدسات الكاميرا على سبيل التوعية. وبالإضافة إلى ما قدم
للحكومة من دعم، التفت إلى الأسر الموضوعة
في الحجر الصحي في طوبى وأرسل إليها مساعدات
مالية وغذائية.
وفِيما
يتعلق بقرار إغلاق المساجد، وهو قرار اتخذته السلطاتُ بإيعاز من جمعيات الأئمة، وأدى إلى بلبلة شديدة بين
المسلمين، أبدى الشيخ محمد المنتقى حكمة بالغة وفهما عميقا لمقاصد الشريعة وإحساساً
بالمسؤلية، حيث أمر الأتباع المريدين بأداء الصلوات في بيوتهم حفاظا على حياة المواطنين
وصحتهم، وأمر القائمين بمسجد طوبى الجامع بتنظيم صلاة الجمعة بحضور عدد محدود من العاملين
فيه على غرار ما تم في المسجد النبوي الشرف حفاظا على شعيرة الجمعة.
وبهذه
التصرفات الحكيمة وهذا الدور الريادي في مكافحة الفيروس، قدَّم الشيخ محمد المنتقى
نموذجا رائعا في الشجاعة والإحساس بالمسؤولية
والوعي بمقتضيات الواقع والإلمام بالرهانات المحلية والدولية الكامنة وراء هذه الحملة
العالمية ضد الوباء. وبهذا الموقف المشرف أيضا قطع الطريق أمام المغرضين الانتهازيين ومتطرفي
العلمانية الذين لا يُفوّتون اَي فرصة سانحة لتشويه سمعة السلطات الدينية في البلاد
واتهامها بعرقلة الدولة في سياساتها، وذلك من أجل تأليب الحكومة والمواطنين ضدها.
ولكن
الامر اللافت للنظر والذي لا نجد له تفسيرا مقنعا حتى الان هو التعتيم الإعلامي لهذا الدور
الحاسم، وقد كان من الممكن استغلاله إلى أقصى حدٍّ في عملية توعية المواطنين السنغاليين وتعبئتهم للوصول
إلى الغاية المشتركة وهي التغلب على الوباء.
ومهما يكن من أمر، فالظروف
الراهنة ليست مجالا لتصفية الحسابات أو لاستعراض العضلات، إنما تستدعي التكاتف وتجاوز
الحساسيات لمواجهة هذا العدو الخفي الذي لا
يُميز بين البر والفاجر ولا بين الغني والفقير؛ ومن الغباوة محاولة استغلالها
لأغراض في نفس يعقوب.
نسأل الله تعالى أن يقيَ بلادنا وسائر بلاد العالم من هذا الوباء!
مقالات ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق