الأحد، 29 سبتمبر 2024

الندوة العلمية حول "جهود علماء الغرب الإسلامي في خدمة التراث الإسلامي": الفعاليات والتوصيات

نظمت جامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى بالتعاون مع كلية الدعوة الإسلامية بطرابلس ندوة علمية دولية تحت عنوان "جهود علماء الغرب الإسلامي في خدمة التراث الإسلامي" بالعاصمة السنغالية دكار، يومي ٢٥و ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٤م، وجاء هذا التنظيم في إطار العلاقات التعاونية التي تربط بين المؤسستين.
وعلى مدار اليومين أتحفنا ثلة من الباحثين بورقات علمية قيمة في محاور الندوة الثلاثة، وهي:
‌أ. جهود العلماء في خدمة علوم الشريعة الإسلامية؛
‌ب. جهودهم في خدمة علوم اللغة العربية وآدابها
‌ج. جهودهم في خدمة الحضارة الإسلامية

وقد شارك في الندوة باحثون كبار من السنغال، وليبيا، والمغرب، وغينيا، وغامبيا، وموريتانيا، وبنين، ونيجيريا، ، وطافوا بنا، خلال الجلسات العلمية الست، في أجواء الغرب الإسلامي من فوت جالو، وكاسمانس، وجامبور، وباوول، بالإضافة إلى نيجيريا والمغرب وليبيا، واستخرجوا منها كنوزا ثمينة كانت خفية خلَّفها العلماء في مجال اللغة العربية وعلومها والعلوم الإسلامية والتطبيقية، وقدموا أمثلة حية لإسهاماتهم المتميزة في هذه المجالات.
وكانت المناقشات في أعقاب المحاضرات ثريةً وعميقةً أماطت اللثام عن تمكن هؤلاء الباحثين وسيطرتهم على الموضوعات التي عالجوها في ورقاتهم البحثية، وأبرزت أيضا الحاجة الماسة إلى توسيع الأبحاث في التراث الإسلامي في الغرب الإسلامي وضرورة العناية بالمخطوطات الثمينة المتناثرة في مكتباته الأهلية ووضعها في متناول الباحثين.
وأخيرا، تمخَّضت الندوة عن توصيات مهمة، وهي:
1. إزجاء الشكر لجميع المشاركين في الندوة بأبحاثهم وتجاربهم واقتراحاتهم، وللمحاضرين الذين أثروا جلسات الندوة بحواراتهم الجادة.
2. إسداء الشكر إلى كل المسؤولين والجهات الرسمية في دولتي السنغال وليبيا على تعاونهم وتيسيرهم سبل انعقاد الندوة
3. الإشادة بمن أسهموا في إقامة الندوة وإنجاح أعمالها: إعداداً وتجهيزاً وتنظيما وتنفيذاً.
4. محاولة إيجاد مشروع بحث بين المؤسسات العلمية والأكاديمية حول مراحل انتشار الإسلام في الغرب الإسلامي وخصائصه.
5. إتباع هذه الندوة بسلسلة من الندوات المشتركة بين المؤسستين المنظمتين لها مرة كل سنة.
6. دعوة المؤسسات والمنظمات المعنية بخدمة التراث الإسلامي إلى المشاركة في هذه الندوات، والتوسع في أمكنة انعقادها لتشمل عددا من أقطار الغرب الإسلامي، على أرض الواقع أو عبر وسائل التواصل التقنية بحسب الظروف المتاحة..
7. توسيع مجالات التعاون وآفاقه بين المؤسستين من خلال تبادل الأساتذة وإقامة المحاضرات والبرامج العلمية المشتركة، وتبادل الرحلات العلمية بين الطلاب وتبادل الكتب والمطبوعات.
8. دعوة الباحثين إلى محاولة الوقوف على الدواوين الشعرية والمؤلفات العلمية المخطوطة لتحقيقها ودراستها ونشرها لتكون في متناول الباحثين.
9. إنشاء مجمع أو مركز لغوي يعني بدراسة الجهود المبذولة وتحقيق الكتب المؤلفة في خدمة اللغة العربية وعلومها داخل السنغال: تعليما وتأليفا بالتعاون مع إحدى الدول العربية الرائدة في هذا المجال.
10. تنظيم ندوة علمية حول جهود الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه في خدمة العلوم الشرعية واللغوية.
11. اعداد مشروع لجمع التراث الإسلامي لدول الغرب الإسلامي وتوجيه الفاعلين والأكاديميين إلى تبني سياسات تستهدف العناية بهذا التراث وترجمته ونشره
12. الدفاع عن العقيدة الإسلامية ضد التيارات الاستشرافية والمذاهب الإلحادية
13. إيلاء عناية أكاديمية بحركة التأليف في التراث الإسلامي المدون باللغات الأفريقية المحلية بوصفه من أهم الوسائل المثالية لنشر القيم الإسلامية والتمكين لها في المجتمعات الافريقية.
14. الاستفادة من الدراسات الأكاديمية، وهي مجموعة من رسائل الماجستير والدكتوراه التي تعلق كثير منها بالبحث في التراث الإفريقي وأعلامه، وكذلك من تجاربها في إقامة عدة ندوات للتواصل الثقافي بين أقطار الغرب الإفريقي.
15. العمل على نشر أعمال الندوة باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية وطباعتها، في نس خة خاصة بمجلة كلية الدعوة الإسلامية.
 
هذه هي التوصيات المنبثقة من الندوة والتي تعكس اهتمام المشاركين واعتقادهم بضرورة العناية بالتراث الإسلامي الثري الذي يزخر به الغرب الإسلامي. وقد انتهت الندوة بحمد الله وتوفيقه مساء يوم الخميس السادس والعشرين من شهر سبتمبر سنة 2024م.
روابط الندوة
كلمة افتتاحية د. سام بوسو عبد الرحمن 
كلمة البرفوسور مور في منسق الجامعة باللغة الفرنسية 
كلمة الدكتور عبد الأحد لوح عمد الكلية ورئيس اللجنة العلمية للندوة
كلمة الأستاذ الدكتور أبو بكر بو سوير عميد كلية الدعوة الإسلامية 
كلمة الوفد الليبي في الجلسة الافتتاحية
























الجمعة، 30 أغسطس 2024

وقفة مع الأنشطة العلمية للمغال

من المعروف أن الاحتفال بذكرى غيبة الشيخ أحمد الخديم البحرية أصبح مناسبة دولية يشارك فيها نخبة من العلماء والمفكرين والشيوخ من مختلف مناطق العالم، ويُنظم خلاها عدد من اللقاءات والجلسات العلمية على شرف هؤلاء الضيوف.

وفي هذه السنة (١٤٤٦ه/ ٢٠٢٤م) تم تنظيم خمس جلسات خلال اليومين ١٧ و١٨ من شهر صفر. ففي صباح الخميس السابع عشر من صفر نُظم لقاء علمي في مقر السادة الضيوف الشناقطة بعنوان "المريدية وتراثها العلمي بعد مائة سنة من رحيل مؤسسها" ألقى فيه محاضرةً قيمة كلٌّ من الأستاذ الدكتور يحيى ولد البراء الأستاذ بجامعة نواكشوط، والدكتور عبد الاحد لوح عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى.

وفي مساء هذا اليوم أيضا، نَظمت دائرةُ روض الرياحين محاضرتَها العامة تحت عنوان "الشيخ الخديم ورجال السلطة قراءةٌ في رسالته إلى صمب لوب امير جولوف"، قدمها الشيخ أبو امباكي بشير بحضور جمع من ممثلي الطرق الصوفية والمنظمات الإسلامية في السنغال.

وفي الليل، استضافت الوفودَ القادمة من خارج السنغال في حفلة عشاء فاخرة دائرةُ حزب الترقية في معهدها فتح الفتاح (بيت القصائد) داخل مجمع الشيخ أحمد الخديم، وقُدمت خلالها مداخلاتٌ من قبل رؤساء الوفود بعد عرض موجز عن المجمع من كل هذه السطور، وكلمة افتتاحية من المرشد الروحي للدائرة السيد يوسف جوب وكلمة رئيس اللجنة الإعلامية والثقافية الشيخ عبد الاحد امباكي.

وفي صباح يوم الجمعة ١٨ صفر ١٤٤٦ نُظمت ندوةٌ علمية على شرف الضيوف الأجانب في دار الضيافة بدار المنان تحت عنوان " السلم والتسامح في الفكر الصوفي، المريدية نموذجا". شهدت هذه الندوة مداخلات قيمةً من كل من الشيخ الدكتور أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر سابقا، والدكتور عبد الفتاح بن صالح بن محمد اليافعي من اليمن، والدكتور خالد التوزاني من المملكة المغربية، وكاتب هذه السطور وغيرهم، بإدارة الدكتور عبد الفتاح الردادي من تونس.

وفي مساء هذا اليوم نظمت أخيراً جلسة علمية أخرى حول موضوع "دور علماء السنغال في خدمة السنة النبوية الشريفة، في دار الضيافة غربي المسجد الجامع، شارك فيها ممثل للطريقة المريدية وممثل للطريقة التجانية وممثل للطريقة القادرية.

وهكذا كانت فعاليات هذه السنة - كالعادة- ثرية بأنشطة علمية ذات قيمة عالية، وقد مكنت المشاركين الأجانب من الاطلاع أكثر على منهج الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه، وفكره والقيم التي كان يجسدها في حياته وسيرته.
                                                            سام بوسو عبد الرحمن 

الاثنين، 8 يوليو 2024

مقومات النهضة، دراسة في مشروع عملية النهوض الحضاري للأمة الإسلامية .. كتابٌ قرأتُه

أثناء زيارتي لبروكسيل في بداية شهر يوليو الجاري
(2024) أهدى إليَّ الإمام البروفسور محمد غلاي انجاي  نسخة من كتابه الجديد القيم " مقومات النهضة، دراسة في مشروع عملية النهوض الحضاري للأمة الإسلامية (إصدار 2024)" فقمتُ بقراءته بشغف في جلسة واحدة، وودتُّ أن أشارك قُرائي الأعزاء خلاصةَ ما اطلعتُ عليه في السطور الآتية.

فقد جال المؤلِّف في معالجة هذه القضية المهمة على محطات أربعة أردفها بكلمة أخيرة حول التنظيمات المتطرفة. كانت المحطة الأولى للكاتب في دراسته هي تقييمُ خطابات النهضة، ويرى أنه عمليةٌ ضرورية في هذه "اللحظة التاريخية التي نعيشها" باعتباره إحدى مقوماتِ النهضة المأمولة، وقد خلُص إلى أن الأنساق الفكرية والقوالب المنهجية المعهودة في عالمنا الإسلامي "لم تعد صالحةً للتطبيق في أغلبها لكونها غير ملائمة"؛ لأنها قد صيغت في "سياقات زمنية وتاريخية محدودة"، وهنا تكمنُ حتميةُ صياغةِ مشروع النهضة في إطار العولمة.

وفي هذه المحطة الثانية، يَعتبر المؤلف أن الخروجَ من النظرة الانغلاقيةِ والاستلهامَ من الآخر أمر ضروري لا مفرَّ منه في عملية النهوض الحضاري، وأن قضية الاستلهام تنتمي بحق إلى التراث الإسلامي العريق، وتندرج ضمن "مواعيد الأخذ والعطاء"؛ فالإسلام ينظر إلى العلم باعتباره إرثا إنسانياً، ولذلك أظهر المسلمون منذ فجر الإسلام "نوعاً نادراً من السخاء العلمي" أسهم في نهضة الغرب العلمية. ولكن الغرب بأنانيته المفرطة وإرادته للهيمنة يرفض اليوم، من جهته، ردَّ البضاعة، ويحُول دون " نجاح عملية النهوض الحضاري عند المسلمين في مجالات العلم والتكنولوجيا".

ويرى الكاتبُ أن الأمة بحاجة إلى "إحداث ثورة جذرية حقيقية مبنية على الفكر"، ويراهن في هذه الثورة اللاعنفية الذكية المنتظرة على الشعوب والمجتمعات المدنية، بشرط توفير ما يسميه بالعلم الجمعي، والوعي الجمعي، والالتزام الجمعي، بالإضافة إلى "بلورة نظرية متكاملة في عملية النقل الحضاري".

وفي المحطة الثالثة، وقف الكاتب بين تيارين متقابلين تجاه ركيزة النهوض الحضاري: تيار يعتقد "أن إرثنا الثقافي كله أو جله ظلام وعتمة ولا أمل في نهضة إلا بالتنصل منه والاتكاء بالكلية على الآخر"، وتيار آخر يرى أن النهضة المنشودة لا تتأتى للأمة إلا بالتشبث والعناية الفائقة بالثوابت، وأهمها الوحي. وإلى هذا التيار الأخير ينحاز الكاتب لأنَّ العدول عن الثوابت، في نظره، يؤدي حتماً إلى نتيجتين: الاغتراب في الذات (إحساس الفرد بعجزه عن تغيير واقعه) والاغتراب في الآخر (انبهار بالآخر يؤدي إلى الذوبان في هويته).

وفي المحطة الرابعة عرَّج الكاتبُ على منطق الثنائيات الهدامة الذي يرى ضرورة التحرر منه. فعملية النهضة في نظره تستوجب الخروج من براثن ثنائية الخطأ والصواب في نطاق الاجتهاد والفكر الإسلاميين، لما تؤدي إليه من إقصاء وتفريق وتبديع وتكفير في مسيرة النهوض.

وقد خصص الكاتب كلمته الأخيرة للتنظيمات الإسلامية الإرهابية التي يرى أنها "داءٌ عضالٌ أرهق الأمةَ في وقتنا الراهن، وفتنةٌ حاكها أعداء الإسلام بعناية فائقة" تحت قناع السلفية.

ويرصد الكاتب تطوُّراً في فهمه لظاهرة الحركات المتطرفة، فلم يكن في حسبانه من قبل أن وراء بعضها "عقولا مفكرة، أو نخبةً حاقدةً مثقفةً ثقافة دينية واسعةً تُنَظِّرُ لها ما ترتكب من أعمال وخراب". وقد أشار إلى ركائز هذه الجماعات وأصولها. وعلى أساس هذه النظرة يدعو إلى "محاربة هذه الجرثومة بوسائل علمية وبشكل منهجي تُفند مستندَ معتقدِهم وتُزيح اللثامَ عن منهجهم الحركي". وقد اختتم المؤلف هذه الكلمة برسم خارطة طريق نحو "استئصال شأفة هذا الورم الخبيث". وتتمثل الخارطة في تفكيك خطاباتها وإعادة بنائها، والتعامل مع النصوص التراثية على أنها غير معصومةٍ في ذاتها، لا سيما إذا وُجد فيها ما يتناقض مع أصول الدين ومقاصد الشريعة النبيلة.

وفي الختام تعرَّض الكاتب لقضية الهُويَّة التي يعتبرها خارج موضوع الدراسة في حقل النهوض الحضاري، لأن القضية الأساسية التي طرحها القرآن الكريم هي قضية الوحدة لأمة التوحيد، وليست قضية هوية وإن كانت تتضمنها.

وهذه هي خلاصة ما خرجنا به من قراءة هذا الكتاب للأستاذ محمد غلاي انجاي، وهو كتاب صغير في حجمه، ولكنه قيم في محتواه، ومهم في موضوعه، وسياقه، ومقاربته النقدية، وخاصة في مراجعته لأدبيات الفكر الإصلاحي في العالم الإسلامي؛ وإن كان الكاتب في بعض الأحيان يقع في ما ينتقده، وخاصة منطق ثنائية الصواب والخطاء في الفكر حينما يقول عن أمر يعتبره حقيقةً "لا ينكره إلا مكابر أو عديم الإنصاف أو مفرط في الجهل"، وقوله : " وهذه حقائق دامغةٌ لا يجادل اليوم حول صحتها إلا مكابر متآمر آثر الأولى على الآخرة"، أو حينما يسوق فكرةً لا يبرهن عليها أو لا يورد أدلة كافية لتقريرها، كقوله عن الحركات المتطرفة "وإن تمَّت فبركتها وهندسة قوالبها من الخارج"، فهو لم يأت بأدلة علمية أو دراسات تثبت هذه الحقيقة.

وعلى العموم، ينم الكتاب، بعمق تحليلاته، وجمال أسلوبه، ووضوح طرحه، عن سعة اطلاع مؤلفه، وتمكُّنه من لغة الضاد، وحسه المرهَف تجاه قضايا أمته.

                                                                                 د. سام بوسو عبد الرحمن

                                                                                   بروكسيل 6 يوليو 2024

السبت، 8 يونيو 2024

تحفيظ القرآن الكريم للصم البكم: تجربة فريدة في طوبى

شهد العالم على مر التايخ اكتشافات مهمةً وحاسمة أسهمت في تغيير نمط الحياة على ظهر البسيطة، وتركت أثراً لا يمحى في حياة البشر، وتظهر تلك الاكتشافات أحيانا بمثابة إلهام إلهي.
وما تشهده مدينة طوبى في مجال التعليم القرآني للصم البكم يمكن إدراجه في هذا الإطار باعتباره اكتشافا لم يسبق له مثيل على حد علمنا . إنه اكتشاف لا يقل قيمة عن ابتكار طريقة البراي التي تسمح للمكفوفين بالكتابة والقراءة.
فقد توصل أحد مدرسي القرآن في طوبى إلى ابتكار طريقة لتدريس الصم البكم القرآن الكريم حتى يحفظوه حفظا جيداً ويكتبوه عن ظهر القلب. فالمدرس هو الشيخ حمدي مصطفى جوب الذي أُصيب ولده حبيب جوب بهذا الإعاقة ولما بلغ سن التعلم 2003 بذل جهداً كبيراً في البحث عن طريقة تمكنه من تعلم القرآن وحفظه، حتى نجح في تحفيظه القرآن، وفي تدريبه على تدريس الاطفال الآخرين المصابين بالاعاقة نفسها.

وهكذا شرع الولد الحافظ للقرآن في تنفيذ الطريقة نفسها بشكل ناجح، وبدأ الاولياء يرسلون أطفالهم الذين أصيبو بالصمم والبكم إلى المدرسة، ليدرسوا القرآن الكريم ويحفظوها. وبحمد الله حفظ عدد منهم القرآن، ويبلغ عدد الاطفال المعاقين في المدرسة حاليا 43 منهم 10 من الذكور و33 من الإناث.

ويمكن القول إن هذا الاكتشاف إنجاز تاريخي في مجال البيداغوجيا والتربية الخاصة يستحق الدراسة والتوسيع على مستوى العالم الاسلامي. فإذا كان القسيس الفرنسي الاب دي لوبي Abée de l'Epee المتوفى سنة 1789م - صاحب الفضل في انتشار منهج تدريس الصم بلغة الإشارة- مشهوراً عالميا بطريقته، فإن نجاحه يعود إلى عدة عوامل من بينها اعتراف الدولة بطريقته وتمكينه من نشر مؤسساته في بعض المدن الفرنسية، ثم اعتماد منهجه من قبل دول أخرى. ولا شك أن طريقة الشيخ حمدي في تحفيظ القرآن للصم البكم ليست أقل قيمة بالنسبة للمسلمين من طريقة دي لوبي.

وفي نظري، يجب على السلطات التربوية لمدينة طوبى وللسنغال عموما (من خلال إدارة المدارس القرآنية) أن تعتني بهذه التجربة الفريدة وتحميها وترعاها لتكون تجربة سنغالية تُصدر إلى العالم أجمع ليستفيد منها المسلمون في كل مكان. وفي هذا الصدد، يتعين دارسة التجربة وتوثيقها حتى تكون طريقة بيداغوحية ديداكتيكية معترفا بها دوليا، من خلال دراستها دراسة علمية، ووضع إطار تنظيمي وقانوني لها، وإعداد دليل مفصل لها حتى يتسنى تكْوِينُ مدرسين آخرين عليها.

ومن المهم في هذه المرحلة الأولى مدُّ يد العون إلى صاحب التجربة ببناء معهد خاص لهؤلاء الأطفال وتزويده بكل ما يحتاجون إليه من أجهزة المراقبة والأدوات الصحية والوسائل البيدغوجية المعينة، مع بناء سكن مناسب لهم .

فهذه مسؤولية الدولة في المقام الأول ومسؤولية المسلمين أجمعين، فليس هناك ما هو أكثر أهمية من رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير فرص التعلم والاندماج في المجتمع، ودراسة كتاب الله تعالى للمسلم هي الأساس في تكوين شخصيته وجعله مواطنا صالحا.
                                        د. سام بوسو عبد الرحمن
تقرير تليفيزوني عن مدرسة الشيخ حبيب جوب


الجمعة، 10 مايو 2024

جامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى توقع اتفاقية الشراكة مع جامعة شيخ أنت جوب بدكار.

في يوم الاربعاء 24 ابريل 2024 استقبلت جامعة الشيخ أنت جوب وفدا رفيع المستوى من جامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى في حفلة كبيرة نظمت لتوقيع اتفاقية الشراكة بين الجامعتين بهدف توطيد العلاقات التعاونية ببنهما في مجالات البحث والتكوين وخدمة المجتمع.

وقد ترأس الجلسة الشيخ أحمد البدوي رئيس مجمع الشيخ أحمد الخديم للتربية والتكوين والبرفسور آمد آل امباي رئيس جامعة شيخ أنت جوب والبرفسور مور فاي منسق جامعة الشيخ أحمد الخديم

حضر الحفلة عدد كبير من المسؤولين وعمداء الكليات في الجامعتين، ومن الشخصيات الأكاديمية البارزة مثل الرئيس السابق لجامعة شيخ أنت جوب البروفسور ابراهيم تيوب وجمهور من أعضاء الدوائر المريدية في دكار العاصمة.

وقبل مباشرة التوقيع تناول الكلمة كل من رئيس الجامعة المضيفة ومنسق جامعة الشيخ أحمد الخديم والشيخ أحمد البدوي وعبر كل واحد منهم عن أهمية هذه الشراكة بين المؤسستين، كما تم التنويه بدور الأساتذة في حامعة شيخ أنت جوب وإسهامهم الفعال في بناء المشروع البيداغوي لجامعة الشيخ أحمد الخديم، وتم التطرق أيضا إلى الآفاق المستقبلية لهذه الشراكة، ولما يمكن أن يعود إلى المؤسستين من الثمرات من الناحية العلمية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية. وخاصة فيما يخص التبادل على مستوى الطلبة.

وتُعد هذه الشراكة إطارا فعالا للتعاون البناء، ويمكن أن تُسهم في تسهيل حركية الأساتذة والباحثين بين المؤسستين المعنيتين، وتفتح باب التأطير المشترك للطلبة في مرحلة الماجستير والدكتوراه.

وتغطي مثل هذه الاتفاقيات الكثير من المجالات: التكوين والبحث، والتنشيط العلمي، وتبادل الأساتذة والطلبة، والوثائق والتقنيات وغيرها. وهذه الاتفاقيات في نهاية الأمر مبادرات استراتيجية بالنسبة للمؤسسات الفتية للاستفادة من المؤسسات ذات الخبرات الطويلة.

 مقالات ذات صلة 

الخميس، 11 أبريل 2024

إشكاليات في بعض المفاهيم المريدية… إصدارٌ جديد للدكتور خادم سِيلا

تمثِّل المفاهيمُ أدواتٍ ضروريةً لبناء المعارف وتوجيهِ التفكير، ولذلك تؤثر تأثيراً بالغا في مواقف الناس وسلوكياتهم. وهي تتشكَّل ضمن سياقات معينة تعطيها مضامينَها وشحناتِها الفكرية. فعلى سبيل المثل تختلف النظرةُ إلى مفهوم "الهدية" باعتبارها وسيلة لجلب المحبة بين المتهادين
[1] عن النظرة إليه بصفته رشوة لجلب المصلحة أو لدفع المضرة[2].

وهذه النظرة التي يحددها سياق المفهوم توجِّه موقف صاحبها إزاء ذلك المفهوم، وهنا تكمن خطورة تحريف المفاهيم وسوء توظيفها، كما تكمن هنا بالمقابل أهميةُ تحرير المفاهيم وضبطها، وتوضيحها وتصحيحها.

والفكر المريدي يزخر، في حقيقة الأمر، بمفاهيم لم تتحدد بشكل واضح لدى كثير من متداوليها ومستخدميها، مما يؤدي إلى سوء الفهم وانحراف التفكير وتكريس الاختلاف تجاهها. وقد أصبحت هذه المفاهيم المضطربة أو الملتبسة تمثل إشكاليات عويصة تحتاج إلى دراسة عميقة، وصياغة واضحة، وتأصيل راسخ.

وبحمد الله تعالى، تصدَّى لهذه المهمة الفكرية الشاقة والضرورية أخونا وأستاذنا العلامة الدكتور خادم سِيلا المعروف بجديته في البحث والدراسة، وعمقِه في التحليل والتأصيل، وسعةِ اطلاعه وإلمامه بالقضايا التي تُثار حول الطريقة المريدية، وتاريخها، وتراثها، وطول مزاولته لهذه القضايا، ونجح في إصدار هذا الكتاب الصغير في حجمه والقيم في محتواه ومنهجيته "إشكاليات في بعض المفاهيم المريدية".

وسيجد القارئ في هذا المؤلَّف عصارةً دسمة وماتعة من أفكار الدكتور خادم التي طالما عالجها في محاضراتِه ومقالاتِه وبحوثِه. فقد أصَّل وأوضح العديدَ من المفاهيم الشائكة لدى كثير من القراء وحتى الباحثين، معتمدا على مصادر المريدية الأصلية، ووفِّق، إلى حد بعيد، لحل إشكالات مفاهيمية مركزية في الفكر المريدي؛ وهي : موقع التعليم في منهج الشيخ الخديم التربوي، والاستسلام مفهوما ومضمونا، والحد الفاصل بين الهدية والرشوة، وتباين الأقوال والمرويات فيما يخُص مدَّعي التعلُّق بالشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه، وظاهرة التصدُّر والتشيّخ، ودلالة لفظ النصارى في الكتابات الخديمية، ومسألة تلقي الشيخ الخديم إذن التعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم. فقد وقف مع كل من هذه الإشكاليات وقفة تحليلية غاص خلالها في لج الكتاب والسنة وكتابات الشيخ الخديم رضي الله عنه، وكتابات بعض العلماء المريدين واستفاد وأفاد من لآلئها المكنونة.

وهذا الإصدار سوف يُحدث  - في نظرنا - تحوّلا إبستمولوجيا حقيقيا في الفكر المريدي، ومنعطفا منهجيا في دراسة المريدية. ولا غرو أن يصدر مثل هذه التحفة العلمية من باحث متمرس يُعدّ قامة من القامات الفكرية التي أسهمت في إحداث نقلة نوعية في دراسة التراث الفكري الخديمي.

وفي الختام، نأمل أن يكون هذا الإصدار الجديد إلهاما للأجيال الصاعدة من الباحثين المهتمين بالفكر المريدي بصفة خاصة وبالفكر الإسلامي في أفريقيا جنوب الصحراء بصفة عامة.

الدكتور سام بوسو عبد الرحمن 
طوبى غرة شوال 1445هـ/ 10 أبريل 2024م



[1] كما نص على ذلك الحديث النبوي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: تَهَادُوا تَحَابُّوا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الأَدَبِ الْمُفْرَدِ"، وأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
[2] كما ورد قوله صلى الله عليه وسلم: هدايا العمال غلول

مقالات ذات صلة 

الخميس، 4 أبريل 2024

وفد رفيع من الأزهر الشريف يزور جامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى

في إطار علاقات الشراكة بين الأزهر الشريف وجامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى، استقبل الشيخ أحمد البدوي رئيس مجمع الشيخ أحمد الخديم للتربية والتكوين وفداً رفيعا من البعثة الأزهرية في السنغال، صباح يوم الأحد 31 مارس 2024م، وجاءت هذه الزيارة في أعقاب زيارة سابقة لسعادة السفير السيد خالد عارف سفير جمهورية مصر العربية لطوبى، جرى خلالها التباحث حول جوانب الشراكة بين المؤسستين، وكان الوفد يتكون من الدكتور عبد الحميد محمد إبراهيم السنهوري، أستاذ البلاغة والنقد، والدكتور عصام مسعود عبد العظيم مبروك المتخصص في الحديث وعلومه، والدكتور محمد فراج طه علي المتخصص في التفسير وعلوم القرآن.

قام الوفد، فور وصوله بجولة تفقدية في المجمع للتعرف على وحداته، وزار كلية الدراسات الإسلامية والعربية، وقسم المجالس التعليمية، وكلية الطب، ثم عقد جلسة عمل مع هيئة التدريس بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بحضور الشيخ أحمد البدوي رئيس المجمع، من أجل التباحث حول سبل التعاون الأكاديمي بين الطرفين.

وفي بداية الجلسة رحَّب رئيس المجمع بأعضاء الوفد الأزهري مُنوِّها بالشراكة بين الأزهر الشريف وجامعة الشيخ الخديم، وبالدور الذي نهض به سعادة سفير جمهورية مصر في توطيد هذه العلاقات المتميزة، ومعبرا عن شكره لفضيلة شيخ الأزهر ومعالي وزير الأوقاف.

وتمهيدا للنقاش تمَّ تقديم عرض عن المجمع وعن كلية الدراسات الإسلامية والعربية، من حيث الرؤية، والأهداف، والمحتويات، والنظام، والتقويم الأكاديمي، الخ. وقد أبدى أعضاء الوفد إعجابهم برؤية للشيخ محمد المنتقى التربوية التي وراء إقامة هذا الصرح العلمي وبناء منظومته التعليمية، كما أعربوا عن استعدادهم للتعاون مع الجامعة بإلقاء محاضرات أسبوعية في كلية الدراسات الإسلامية والعربية، ابتداء من شهر شوال المقبل، في إطار تفعيل الشراكة العلمية بين الأزهر الشريف وجامعة الشيخ أحمد الخديم، وشكروا أخيرا، سماحة الشيخ محمد المنتقى الخليفة العام للطريقة المريدية وفضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف على اهتمامه بالبعثات الأزهرية وبالتعاون العلمي مع المؤسسات التربوية في جميع مناطق العالم.

وبعد جلسة عمل مثمرة تبادل فيها الضيوف مع أعضاء مجلس الكلية حول المناهج والمستجدات في ميدان الدراسات الإسلامية والأدبية، رجع الوفد إلى دكار على أمل العودة بعد شهر رمضان المبارك.

من كرامات الشيخ أحمد بمب رضي الله عنه ... إصدار جديد لدائرة روض الرياحين

"عُرف  الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه بكراماته الكثيرة التي تناقلتها الركبان، ورواها ثقات عن ثقات في سياقات مختلفة من حياته، ولكن أبرز...