الخميس، 11 أبريل 2024

إشكاليات في بعض المفاهيم المريدية… إصدارٌ جديد للدكتور خادم سِيلا

تمثِّل المفاهيمُ أدواتٍ ضروريةً لبناء المعارف وتوجيهِ التفكير، ولذلك تؤثر تأثيراً بالغا في مواقف الناس وسلوكياتهم. وهي تتشكَّل ضمن سياقات معينة تعطيها مضامينَها وشحناتِها الفكرية. فعلى سبيل المثل تختلف النظرةُ إلى مفهوم "الهدية" باعتبارها وسيلة لجلب المحبة بين المتهادين
[1] عن النظرة إليه بصفته رشوة لجلب المصلحة أو لدفع المضرة[2].

وهذه النظرة التي يحددها سياق المفهوم توجِّه موقف صاحبها إزاء ذلك المفهوم، وهنا تكمن خطورة تحريف المفاهيم وسوء توظيفها، كما تكمن هنا بالمقابل أهميةُ تحرير المفاهيم وضبطها، وتوضيحها وتصحيحها.

والفكر المريدي يزخر، في حقيقة الأمر، بمفاهيم لم تتحدد بشكل واضح لدى كثير من متداوليها ومستخدميها، مما يؤدي إلى سوء الفهم وانحراف التفكير وتكريس الاختلاف تجاهها. وقد أصبحت هذه المفاهيم المضطربة أو الملتبسة تمثل إشكاليات عويصة تحتاج إلى دراسة عميقة، وصياغة واضحة، وتأصيل راسخ.

وبحمد الله تعالى، تصدَّى لهذه المهمة الفكرية الشاقة والضرورية أخونا وأستاذنا العلامة الدكتور خادم سِيلا المعروف بجديته في البحث والدراسة، وعمقِه في التحليل والتأصيل، وسعةِ اطلاعه وإلمامه بالقضايا التي تُثار حول الطريقة المريدية، وتاريخها، وتراثها، وطول مزاولته لهذه القضايا، ونجح في إصدار هذا الكتاب الصغير في حجمه والقيم في محتواه ومنهجيته "إشكاليات في بعض المفاهيم المريدية".

وسيجد القارئ في هذا المؤلَّف عصارةً دسمة وماتعة من أفكار الدكتور خادم التي طالما عالجها في محاضراتِه ومقالاتِه وبحوثِه. فقد أصَّل وأوضح العديدَ من المفاهيم الشائكة لدى كثير من القراء وحتى الباحثين، معتمدا على مصادر المريدية الأصلية، ووفِّق، إلى حد بعيد، لحل إشكالات مفاهيمية مركزية في الفكر المريدي؛ وهي : موقع التعليم في منهج الشيخ الخديم التربوي، والاستسلام مفهوما ومضمونا، والحد الفاصل بين الهدية والرشوة، وتباين الأقوال والمرويات فيما يخُص مدَّعي التعلُّق بالشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه، وظاهرة التصدُّر والتشيّخ، ودلالة لفظ النصارى في الكتابات الخديمية، ومسألة تلقي الشيخ الخديم إذن التعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم. فقد وقف مع كل من هذه الإشكاليات وقفة تحليلية غاص خلالها في لج الكتاب والسنة وكتابات الشيخ الخديم رضي الله عنه، وكتابات بعض العلماء المريدين واستفاد وأفاد من لآلئها المكنونة.

وهذا الإصدار سوف يُحدث  - في نظرنا - تحوّلا إبستمولوجيا حقيقيا في الفكر المريدي، ومنعطفا منهجيا في دراسة المريدية. ولا غرو أن يصدر مثل هذه التحفة العلمية من باحث متمرس يُعدّ قامة من القامات الفكرية التي أسهمت في إحداث نقلة نوعية في دراسة التراث الفكري الخديمي.

وفي الختام، نأمل أن يكون هذا الإصدار الجديد إلهاما للأجيال الصاعدة من الباحثين المهتمين بالفكر المريدي بصفة خاصة وبالفكر الإسلامي في أفريقيا جنوب الصحراء بصفة عامة.

الدكتور سام بوسو عبد الرحمن 
طوبى غرة شوال 1445هـ/ 10 أبريل 2024م



[1] كما نص على ذلك الحديث النبوي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: تَهَادُوا تَحَابُّوا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الأَدَبِ الْمُفْرَدِ"، وأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
[2] كما ورد قوله صلى الله عليه وسلم: هدايا العمال غلول

مقالات ذات صلة 

هناك تعليق واحد:

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...