الأحد، 6 مارس 2011

فلننتبه أيها المواطنون!

يشهد العالم العربي تقلبات سريعة ومهمة من جراء الانتفاضات الشعبية التي أدت إلى سقوط النظام في بعض دوله ونشوب معارك في دول أخرى. وقد كانت الأحداث مفاجئة وغير متوقعة لا من قبل خبراء هذه الدول ولا من المراقبين الأجانب.

وفي الأيام الأخيرة بدأت تلوح في الأفق بوادر توحي باحتمال تسرب هذه الظاهرة إلى وطننا السنغال، فقد ارتفع بعض الأصوات تنادي باعتصامات في ساحة الاستقلال في قلب العاصمة دكار أملا في استيراد الثورات التي اندلعت في أماكن متفرقة من العالم العربي.

ونظرة متأملة للأوضاع في البلدان التي شهدت هذه الثورات تثبت أن الشعوب فيها كانت قد يئست من إحداث تغيير ديموقراطي في الحكم بسبب سيطرة شرذمة قليلة على مقاليد الأمور السياسية وغلق جميع الأبواب بإحكام أمام كل محاولة للتغيير.

وفي السنغال، على الرغم من الأحوال الاقتصادية الخانقة ، لم يفقد الشعب بعدُ أملا في إمكانية تغيير النظام بشكل سلمي، إن أراد ذلك، بواسطة الانتخابات لما له من تاريخ عريق وحافل من الحياة الديموقراطية وبدليل أن المعارضة هي التي تسيطر الآن على بلديات المدن الكبيرة.

وكل من يتأمل في الدوافع التي حركت تلك الأصوات يكتشف وراءها بسهولة جري أصحابها وراء المصالح الشخصية التي تتستر تحت دعوى تحقيق العدالة والحرية وما شابه ذلك.

ومن هنا يتعين على الذين يحرصون على مستقبل السنغال وأمنه واستقراره ولا يبغون عنه ملاذا أن يقفوا بكل حزم وقوة للتصدي لكل ما يمكن أن يجر الخطر على البلاد والعباد من أي جهة كان.

فالسنغال الذي يواجه منذ ما يقارب ثلاثين سنة من حركة تمرد في منطقته الجنوبية ويعاني من أزمة إقتصادية حادة لا يحق لأحد أن يتلاعب بأمنه واستقراره.

وعلى هذا الأساس أرى أن من الواجب في الوقت الراهن قيام حركة وطنية مخلصة للسهر على سلامة هذا البلد وشعبه ومقدراته ولحماية ديموقراطيته من المغامرين والمتهورين والفاسدين، كي لا نقع في دوامة من الفوضي أو أعمال عنف قد تهلك الحرث والنسل.

فلننتبه أيها المواطنون، قبل أن يبلغ السيل الزبى !

سام بوسو عبد الرحمن

طوبى، ٥ مارس ٢٠١١

الثلاثاء، 1 مارس 2011

سؤالٌ وجوابٌ حول تأسُّس الطريقة المريدية

ورد علي سؤال من الأخ الباحث شعيب تياو حول تأسس الطريقة المريدية، وفيما يلي نص السؤال والجواب الذي أوردته وتعليقه على الجواب

السؤال

السلام عليكم
وبعد، فما رأي سيادتكم في قضية تأسس الطريقة المريدية، فإن كان لكل طريقة ورد خاص، فكيف يعقل أن يقال: إن المريدية تأسست في امباكي كجور، مع أن الشيخ – رضي الله عنه – لم يتلق الورد إلا في صرصار، وشكرااا

الجواب
السلام عليكم ورحمة الله
أشكرك أخي العزيز وأهنئك على هذا الحرص على المعرفة، بارك الله فيك وكثر من أمثالك!

رأيي في القضية التي ذكرتها أن الإشكالية تكمن في المفهوم الذي نعطيه للمريدية؛
هل هي طريقة صوفية حسب الاصطلاح الصوفي الذي يختزل الطريقة في الورد الذي يلازمه المريد بإذن من الشيخ وما ترافق ذلك من الشروط والالتزامات، أم المريدية عنوان لدعوة الشيخ الخديم رضي الله عنه التي أعلنها بقوله
أدعو إلى الإلهِ بالتوحيد ــ ــ ــ وما رأيتُ عنهُ من مَحيــدِ
للهِ أدعو بالتَّفقهِ بـــــــلا ــ ــ ــ ميلٍ لغيره وكُلي قبـــــلا
للهِ أدعو بالتصوف معـا ــ ــ ــ مكارمِ الأخلاق وهو سَمعا

وهي دعوة محركها الأساسي تجديد الدين الإسلامي بجميع أبعاده وإحياء السنة النبوية الغراء
كما قال
دينٌ سوى إسلاِمه لَا يُحمَدُ ــ ــ ــ عندَ الإلــــهِ وبه نـُـجَدِّدُ
للمصطفى نويتُ ما يُجدِّدُ ــ ـــ ـــ سنتَه الغرَّا وإني أحمدُ

وهي دعوة مدعومة بمنهج تربوي فعال له تأثير سريع في أتباع الشيخ من حيث الإقبال إلى الله وقوة الإرادة وسداد السلوك ، حتى شعر معاصروه بأن أتباع الشيخ هؤلاء تنطبق عليهم الصورة التي كان القدماء يرسمونها للمريد السالك فأطلقوا عليهم اسم المريدين، كما يذهب إليه صاحب "منن الباقي القديم". وقد اتبع الشيخ منهجه التربوي في التعامل مع الرعيل الأول الذي لبى دعوته في امباكي كجور حتى صدر العديد وعهد إليهم تربية أتباع آخرين قبل خروجه إلى منفاه بغابون ثم إلى موريتانيا، حيث تلقى الورد المأخوذ من الله بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم في منطقة صرصار الشهيرة.


فالمريدية بهذا المنظور لا يمكن اختزالها ـ في رأيي ـ على الورد المأخوذ فهي منهج أوسع من استعمال الورد بل يُعتبر الورد بالأذكار وسيلة من بين وسائل عدة كان الشيخ يستخدمها في تربية المريد وتصفيته وترقيته.
فالمريدية، إن قبلنا المفهوم الأول الذي يختزله في الورد وشروطه، يمكن القول بأنها تأسست في صرصار، ولكن لا نجد في أدبيات الشيخ وأدبيات أتباعه ولا في تطبيقاته ما يرجح هذا المفهوم بل على العكس من ذلك نلفي ما يؤكد المفهوم الثاني.
نجد أن تعريف الشيخ للمريد لا يحصره على من يستعمل الورد المأخوذ، وتعريفه للصوفي شامل لكل صاحب إرادة تعلَّم وعمِل بعلمه بإخلاص حتى صفت سريرته يقول في المسالك:
والحاصلُ: الصُّوفيُّ عالمٌ عمِلْ ــ ــ ــ بعلمـه حقيقةً ولـم يـمل
فصــارَ صافيـا من الأكـــدار ـ ـ ـ ممتلئَ القـلـب من الأنوار

وقد تصدَّر كبارُ المريدين قبل ظهور الورد المأخوذ ولم يزل بعض الأسر المعروفة في المريدية تستعمل الورد القادري أو الورد التيجاني بإذن من الشيخ أحمد الخديم رضي الله عنه.

وفي الوقت الراهن لو قمنا بتعداد من يستعمل الورد المأخوذ لن يكونوا الأغلبية من بين المنتمين إلى الطريقة المريدية.
ومن ناحية أخرى لو تعمقنا في مفهوم الورد ربما لا نحصره في الأذكار بل قد يكون ذكرا باللسان وقد يتخذ أشكالا أخرى من العبادة.
ومن هنا أرى أن المفهوم الثاني أصدق على المريدية وهو ليس مضادا للأول ولكنه يستوعبه.

ولعل من حكمة الله في تلقى الشيخ أحمد بمب لورده في موريتانيا، وهي أرض لها تقاليد عريقة مع المفهوم الأول للطريقة، أن الورد بالأذكار أبلغ في التأثير على سكانها وفي ترغيبهم في السلوك على يدي الشيخ والارتشاف من معين أنواره. وليس هذا ببعيد إذا عرفنا بأن أول من تلقى "الورد المأخوذ" هو من أهل موريتانيا وما زال أتباعه منتشرين هناك.
والله تعالى أعلم
.
ونسأل الله تعالى أن يتيح لنا فرصة أوسع للعودة إلى الموضوع بدراسة مفصلة.

والله الموفق
والسلام

تعليق الأخ على الجواب
جزاكم الله خيرا ووقاكم ضيرا، فالأمر كما ذكرت سيادتكم، فإن الأجدر والأولى إطلاق المريدية على دعوته – رضي الله عنه -، ومما يعضد ذلك قوله:
أقــــودُ من تبِـعـنـي لله ــ ــ ــ ولــرسوله لوجْــه اللــــه
أُرِي لوجه مالكي السبيلَا ــ ــ ــ كلَّ مريد صادق نبيلا
أُرشدُ لله العلي العبادَا ــ ــ ــ إن شاءَ باقٍ ملكُه ما بَادا
أقود بالإيمان والإسلام ــ ــ وخير إحسان ذوي استسلام
وفقنا الله جميعا إلى خدمته وشكرااا

السبت، 19 فبراير 2011

أبيات قلتها في الملتقى الثاني للتصوف العالمي

أثناء مشاركتي في الملتقى الثاني للتصوف العالمي المنعقد بمدينة طرابلس في شهر فبراير ٢٠١١ كتبت هذه الأبيات وسميتها دوح التصوف

دوحُ التَّصَوُّفِِ شامخُ الأغصان *** وقَطيفُه لـذَوِي الــنوايــــا دان

في ظلِّ هذا الدوح دوحِ عقيدةٍ *** ونـقَـــــاوةِ الأذواق والإيمـــان

تتساقطُ الأثمارُ من أغصانــــه *** حِكَمــًا تُسَكّنُ غُلَّةَ الأكْـــــوان

وبحوله عيُن المحبة والصـفـــــآ *** تُــرْوي ظَمَا الأرواح والأبدان

ولسَقْي هذا الدَّوح تسهرُ نخبةٌ *** شُرَفاءُ تَرجُو رحمــةَ الديـــان

دوحُ التصوفِ راسخٌ بجــذوره *** في عمق قلبٍ خالصِ الوجدان

يا مَنْ يرومُ الأمنَ مِنْ حر الشقآ *** والفوزَ بالـتكريم والـــرضوان

هذي ظلالُ الدوح تقبَلُ من حَــوى *** صدقَ الـتوجُّهِ للـعـلي المنـــان

فاللهُ يجعلُ جمعَنـــا في ظلـــه *** سببَ السعادةِ وارتفاع الشان


اللهم صل عى سيدنا وحبيبنا محمد وسلم تسليما


الثلاثاء، 15 فبراير 2011

ذكرى مولد الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه
بمختلف أقطار العالم، يحتفل كثير من المسلمين في الثاني عشر من شهر ربيع الأول بذكرى مولد خير البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الاحتفال مناسبة شريفة لمدارسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم واستحضار عظمة شخصيته وصفاته وشمائله وأخلاقه الكريمة.
و لهذا الاحتفال أهمية كبرى في هذا العصر الذي يتسم بالسرعة وطغيان المادة واستحواذ الحضارة الغربية على نفوس كثير من المسلمين، ولذا توجد حاجة ملحة إلي وقفات مع سيرة النبي الكريم لتَذكر قيَمِه الرفيعة وتعاليم رسالته الخالدة ولتنمية محبته في القلوب وتعزيز الالتزام بسنته الغراء صلى الله عليه وسلم.
والشيخ أحمد بمب خديم الرسول رضي الله عنه قدوة رائعة في إحياء مولد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان يحييه منذ أمد طويل، يقول في إحدى قصائده «أحيَيْتُ مولدَ النَّبي مِنْ أسش" (أي سنة ١٣٠١ هـ)
وكان رضي الله عنه يرغب الناس في إحيائه بالسنة ويحث عليه بذكر فضائله وشرفه كما قال في قصيدة " جذب القلوب" "تعظيمه بالسُّنةِ يقودُنَا للجَنَّة"
وقد ترجم الشيخ طريقة إحياء ليلة المولد في حياته العملية؛ فقد كان يقيم عدة حلقات لقراءة القرآن ولإنشاد قصائد المدح للرسول والصلاة عليه ولسرد قصة مولده وكان يعد مشروبات ومأكولات شهية للمجتمعين.
وعلى هذا الأسلوب كان كبار أتباعه يحيون ليلة المولد في طوبى ودار المعطي ودار السلام والبقعة المباركة وغيرها.
وليلة المولد ليلة فرح وسرور بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد أورد البخاري أنه جاء التخفيف عن أبي لهب يوم الاثنين بسبب إعتاقه جاريته "ثويبة" لما بشَّرته بولادته صلى الله عليه وسلم. ورحم الله حافظ الشام شمس الدين محمد بن ناصر حيث قال:
إذا كانَ هذا كافرا جاءَ ذمُّـــه ـ ـ ـ وتبَّتْ يداه في الجحيم مخلــــدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائمــا ـ ـ ـ يُخَفَّفُ عنه بالسرور لأحــمـدا
فما الظنُّ بالعبد الذي كان عمرُه ـ ـ ـ بأحمدَ مسرورا ومات موحِّدا
                                                                    سام بوسو عبد الرحمن

الجمعة، 28 يناير 2011

محاضرة دائرة روض الرياحين

بمناسبة الاحتفال بذكرى نفي الشيخ أحمد بمب مؤسس الطريقة المريدية "مغال طوبى" نظمت دائرة روض الرياحين محاضرة عامة بقصر الضيافة في طوبى بحضور ممثلي الأسر الدينية والمنظمات الإسلامية وجمهور غفير من الزوار،
كان عنوان المحاضرة "المدينة الفاضلة عند الشيخ الخديم (رضي الله عنه)"
ويمكن تحميل نص المحاضرة بالضغط على العنوان

الأربعاء، 12 مايو 2010

سؤال وجواب عن الطريقة المريدية

وردني من أحد الإخوة النجباء سؤال بهذه الصيغة:
فضيلة الأستاذ،
من محبكم الصافي الوداد إلى شخصيتكم النبيلة أجمل التهاني وأسمى التقدير وأجل الاحترام
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
(…) فقد لاحظنا أن في السنغال طوائف صوفية سنية يُطلق على كل منها اسم خاص ومنها الطريقة المريدية، فنسأل عن مبادئها وشروط التعلق فيها واعتمادها على القرآن والسنة.
تقبل الله أعمالكم وأحسن مسعاكم وأطال عمركم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد، فاعلم أيها الأخ المجتهد النجيب – وفقكم الله وبارك في علمكم – أن منهج الشيخ الخديم رضي الله عنه الذي سار وربى أتباعه عليه واشتهر، فيما بعد، باسم الطريقة المريدية منهج تربوي تجديدي، كان يهدف إلى تجديد المنهاج النبوي الشريف بجميع أبعاده؛ وقد عبر الشيخ عن هذا الهدف السامي في مواضع عدة من كتاباته، يقول رضي الله عنه:
بالمصطفى نويت ما يجــــدد ❊❊ سنتَه الغرآ وإني أحــمـــــد
نظافتُه كلي من اللغو طهَّرت ❊❊ وسنتَه، إن شاء ربي، أبين
وكان يدعو الله كثيرا أن يحقق له هذا الهدف كما في قصيدته "جذب القلوب"
وَبِيَ جَدِّدِ السَّبِيلْ ❊❊ بِلاَ عِــــدًى أَوْ أَلَمِ
وفي قصيدة "تيسير العسير"
صل وسلم ولتبارك سرمدا ❊❊ على الذي سمَّيْتَهُ مُحمَّــدَا
واله وصحبه وبـ"الضُّحى" ❊❊ بي جدِّدَنْ منهجَه مُتضحا
وقد كانت الظروف التي تجلت فيها دعوة الشيخ بحاجة ملحة إلى التجديد، حيث كان المجتمع يعاني فيها معاناة شديدة في جميع جوانب حياته، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من جرَّاء بُعده عن تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم وتفشى حالة الجهل والضلال، وفي تشخيص لهذه الأوضاع يقول الشيخ في "تزود الشبان"
تَنَبَّهُوا يَا أَيُّهَا الــــــــــــشُّبَّــــانُ ❊❊ قَادَكُمُ إِلَى الهُدَى المَــــــنـــانُ
فِي أَنَّ سُنَّةَ نَبِيِّنَــــــــــــا الأَمِـينْ ❊❊ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ كُلَّ حِـــينْ
كَادَتْ تُرَى كَرَسْمِ دَارٍ قَدْ عَفَـا ❊❊ فِي ذَا الزَّمَانِ لِمُضِيِّ الحُنَفَــــا
إِذْ تُرِكَ اقْتِفَاءُ آثَارِ السَّــــلَــــفْ ❊❊ لِبِدَعٍ قَدْ زُيِّنَتْ بَيْنَ الـــخَلَـــفْ
ويقول في "كتابه مغالق النيران"
هَذَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ المـــقْتَــفَى ❊❊ لِكَثْرَةِ الجَهْلِ عَلَى النَّاسِ اخْتَفَى
وَتَبِعَتْهَا سِيرَةُ الصَّحَابَــــهْ ❊❊ ذَوِي الهُدَى وَالنُّورِ والإِجَابـــــهْ
وبغرض إنقاذ الناس من براثن الجهل والضلال ووضْعِ أسسٍ لمجتمع إسلامي حقيقي يعيش دينه بشكل تتكامل وتتناغم فيه الجوانب الروحية والمادية، بحيث تكون المادة مسخرة لخدمة الروح، رفع الشيخ الخديم دعوته التجديدية معتمدا في ذلك على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم. وبعد ما جرَّب مختلف الطرق الصوفية السائدة في عصره ومنطقته، واستفاد من تجاربها وخبراتها، ترقت همته للتمسك مباشرة بالعروة الوثقى والقيادة العليا، النبي صلى الله عليه وسلم لبلوغ غاياته؛ فصرح دون مواربة بتعلقه به واستغائه به عن غيره فقال:
أبايع اليوم الرسول المصطفى ❊❊ بخدمة وأسأل الله الوفآ
بان لكـــــل من له مــعـقـــــول ❊❊ أن وسيلتي هو الرسول


وقد تميزت دعوته بشموليته لأبعاد الدين الإسلامي المختلفة، فأعاد التوحيد والفقه والتصوف إلى التماسك والتكامل والانسجام، فأحيت وجددت روح الإيمان والإسلام والإحسان في القلوب والجوارح، وبزر أتباعه في قوة الإرادة وصدق التوجه إلى الله، فانفردوا باسم المريدين، فصار علما لهم في منطقتهم، واشتهر منهجه التربوي، فيما بعد، بـ" المريدية" نسبة إلى كلمة "المريد" التي تعني : العبد الساعى لنيل رضى خالقه في جميع حركاته وسكناته، كما وصفه الشيخ رضي الله عنه:
إذ المريد لا يريد أبدا ❊❊ غير رضى الرحمن حيث قصدا


مبادئ المريدية
ومن يُمعن النظرَ في تعاليم الشيخ الخديم رضي الله عنه، عبر كتاباته وأساليب تربيته، يدرك مدى تطابقها مع المنهج النبوي الشريف، فقد كان يهتم بتصحيح عقائد أتباعه وعباداتهم وأخلاقهم؛ عن طريق التوحيد والفقه والتصوف، ففي جوابه عن أسئلة واردة من الحاكم الفرنسي حول المريدية والمريدين يعلن بأن المريدية هي "الإيمان بالتوحيد والإسلام بالفقه، والإحسان بالتصوف" وأن المريدين هم المؤمنون المسلمون المحسنون"؛ و يقول رضي الله عنه:
والحق بدءُ العبد بالتوحيد ❊❊والفقه عن تصوف مجيد


فكان رضي الله يُعنى عناية خاصة، في منهجه التربوي، بتزكية النفوس وتطهير القلوب عن طريق المجاهدة والخدمة والعمل مع مراعاة الآداب، ويتم ذلك تحت إشراف شيخ مرشد يهدى المريد إلي الصراط المستقيم ويريه مواطن العثرات . كما يقول الشيخ رضي الله عنه
مَنْ طَـلَبَ الْوُصُولَ لِلْجَلِيــلِ ❊❊ فَلْيَعْتَصِمْ بِسُنَّةِ الرَّسُــــــــولِ
بِأَنْ يُـلازِمَ مُطِيعاً لا يَمِيــلْ ❊❊ فِي ظَاهِرٍ وَبَاطِنٍ عَنِ السَّبِيلْ
يَقُودُهُ بِالْعِلْمِ وَالْعِبَــــــــادَهْ ❊❊ كَمَا يُرَبِّيهِ بِتَرْكِ الْعَــــــــادَهْ
ومن هنا يمكن أن نقول بأن أهم مبادئ المريدية هي : العلم والعمل به وتزكية النفس والخدمة والعمل ومراعاة الأداب.


شروط التعلق
لقد عبر الشيخ عن تعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم بالمبايعة في قوله:
أبايعُ اليومَ الرسولَ المصطفى ❊❊ بخدمةٍ وأسأل اللهَ الوفــــــــــــآ
وقوله:
بايعتُ خير الورى باللوح والقلم ❊❊ لوجه رب الورى ذي اللوح والقلم
وكان مريدوه يبايعونه على امتثال أوامره واجتناب نواهيه فيربيهم ويوجههم، كما أنه أمر كل من يريد السلوك على طريق القوم أن يتخذ شيخا مرشدا يلازمه ويقف عند أمره ونهيه، يقول رضي الله عنه:
ومن أراد القرب من رب الورى ❊❊ فليطلبن شيخا ويتلو الســورا
دوموا على امتثال أمر الـــرب ❊❊ بأمر شيخ واصل مـــــــــــرب
فاسلك على يدي مرب ناصح ❊❊ يقود للإله بالنـــــــــواصــــح
وعلى هذا، يصح التعلق إذا توفرت الشروط التالية
١ - مبايعة شيخ مرشد يربي المريد على منهج الشيخ الخديم
٢- امتثال أوامر هذا الشيخ واجتناب نواهيه
٣- وفي حالة تلقي الورد المأخوذ، احترام شروط الورد
ويلاحظ هنا أن أخذ "الورد المأخوذ" ليس شرطا ضروريا في التعلق، فالشيخ هو الذي يختار للمريد ما يراه مناسبا لحاله.


اعتماد المريدية على الكتاب والسنة.
لا أكون مبالغا إذا قلت إن الكتاب والسنة هما المنهج الخديمي ذاته، كما وصفه العلامة الموريتاني الشيخ سيدي بابَ
أَنْتَ المُرَبِّي بِمَا رَبَّى الأَمِينُ بِهِ ❊❊ حَرْفاً بِحَرْفٍ فَمَا فِي الجِيلِ شَرْوَاكَا
فلم يحِد الشيخ عن الكتاب والسنة قيدَ أنملة، فقد كان متمسكا بهما في حياته الخاصة وفي كتاباته وفي تربيته للأتباع وفي معاملاته كلها، يقول رضي الله عنه
ظهر لي أن اعتصاما بالكتاب ❊❊وبحديث المصطفي هو الصواب
ويقول
بنيتُ طـــاعتي باتبـــــــــــاع ❊❊ بالذكر والحديث والإجمــــــــاع
ويقول أيضا
إلى الله بالقرآن والسنة التي هدتني ❊❊ صرفتُ الكلَّ والقلبُ خاشع

وأقواله، رضي الله عنه، في هذا المعنى لا تعد ولا تحصى، وتأسُّسٌ مبادئ تربيته التي ذكرتها آنفا على الكتاب والسنة غني عن التوضيح والتدليل لظهوره الجلي.
فهذا، باختصار شديد ما يحضرني من جواب عن سؤلك، ولعل همتك العالية توصلك إلى فارس من فرسان هذا الميدان فيأتيك بما يشفي غليلك.


نسأل أن ينفعنا وإياكم ويهدينا وإياكم إلى صراطه المستقيم. والسلام عليكم
سام بوسو عبد الرحمن
يوم الأحد ٢٤ جمادي الأولى ١٤٣١هـ الموافق ٩ مايو ٢٠١٠م

مقالات ذات صلة


الأربعاء، 17 مارس 2010

تحليل قصيدة "ياجملة" للشيخ الخديم رضي الله عنه

بقلم / أبو مدين شعيب تياو الأزهري

جوّ القصيدة:
اتهم الشيخَ أحمد بمبا المستعمِرُون الفرنسيُّون بحيازة أسلحة فتاكة، واختلقوا أنه يستعدُّ لمهاجمتهم واستئصال شأفتهم، مما دعاهم إلى بعث جواسيس شطر منازل الشيخ- رضي الله عنه- للتأكد من صحة الخبر، لكن ذلك لم يجرّ إليهم إلا خيبةً ووبالاً، حيث عادوا بخفَّيْ حُنينٍ، ولم يكتشفوا فيها شيئا من هذا القبيل. وهذا - بكل تأكيد - ما دفع أديبنا – رضي الله عنه- إلى كتابة هذه القصيدة، تبكيتًا لهم على تقوّلهم وسوء ظنهم، ونقضاً للافتراءات التي أُلْصِقتْ بجنابه الطاهر.
* * * * * * * * * * * * * *
التحليل:
استهلّ الشّاعرُ المفلقُ قصيدته الدالية من بحر الكامل بالتشنيع على المستعمِرين وتوبيخهمْ على الضلال المبين الذي أمسك بخِطَامِهم وأوْلجهمْ في جُبّ الكُفر والتّثليث، فدفعهم العِنادُ والجبروتُ وتسويلُ الشيطان لهمْ إلى الإشراك بالواحد الفريد الذي تنزَّهَ عن والدٍ وعنْ ولدٍ. ولا جَرَمَ أنَّ ذلكَ ما أهاجَ مشاعرَ العبد الخديم، ودفعه إلى الاستهلال بهذا المطلع الذي هُو أشدّ عليهم مِنْ وقْعِ السِّنانِ على النُّحُور.
وأول ما يلفت انتباهنا في هذه القصيدة الرائعة هو ما تبلْوَرَ في مطلعها من جُرأة الشاعر وشجاعته وأَنَفَته وعدم اكتراثِهِ للمُستعمِر الفرنسيّ الطاغي، وكذلك صِدقُهُ وإخلاصُهُ، فالكلماتُ تصدُرُ بحقٍّ عن قلبٍ مُفْعَمٍ بالإيمان، مَليءٍ بالتوحيد، مُوقِنٍ بأن لا سبيل إلى استرجاع المجد الإسلامي التليد العريق إلا باستئصال شأفة الاستعمار من جذورها ومَحْقِ آثارها من ديار الإسلام السنغالية والإفريقية.
ولا بُدّ من التنويه أيضًا بأنَّ النداء في قوله:(يا جملةً قد ثلثوا...) ليس على حقيقتِهِ، وإنما الغرضُ منهُ التَّأْنيبُ والتَّثْريبُ، وكذلك الاستهزاءِ والسُّخْرية، إذ لو تفكّروا في خلق السموات والأرض لعلمُوا علماً لا يشوبُهُ أدنى شكٍّ أنَّ الإلهَ واحدٌ، وأنْ لوْ كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفَسدَتَا. كما أنَّ فيهِ لفتاً وشدّاً لانتباههم إلى أن يتفطّنُوا للكلمة التي سيقولُهَا لهم، وإلى أنْ يتيقّظُوا للمنهج السلميّ في الجهاد الذي سيُميطُ عنه اللثام لاحقاً.
وبعد هذا التقريع والتفهيم اللذَّين استهلّ بهما الشَّاعرُ داليته هذه، ابتَدَرَ دون تسْويفٍ إلى كشف القناع عن السببِ الخَلِق الملفَّقِ وراء تغريبه ونفيه إلى موريتانيا، والذي يتجسد في أشياء ثلاثةٍ: الأول كينونته (عبد الإله) والذي يعني - عندهم - التّمرد والشُّرود وعدم الانضباط بالقوانين الوضْعيَّة، والثاني: أنه (مجاهد) أي سَاعٍ إلى زعزعة الأمنِ وهِراقةِ الدماء ومحاولة السطوِ بهم والتسلّط على الشعب، بدليل توافدهم عليه والتفافهم من حولِهِ وتعظيمِهِمْ إياه؛ « فلا يتَنَخّمُ نُخَامَةً إلّا وَقَعَتْ فِي كَفّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلّكَ بِهَا جِلْدَهُ وَوَجْهَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ وَإِذَا تَكَلّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدّونَ إلَيْهِ النّظَرَ تَعْظِيمًا » . والثالث: أن في حوزته (المدافع) مما يُوَكّد مصداقية التهمتين الأولى والثانية - أي التمرد والجهاد - حيث احتاز الأسلحة الفتاكةَ من غير استئذانٍ، مما يدل على التشمّر والاستعداد للجهاد والقتال.
ولا شكَ أنّ كُل ّذلك لم يكن، فما هو إلا وسائل يحاولون التذرّع بها من أجل إشلال حركته والقضاء عليه، ممّا بَعَثَهم في نهاية المطافِ على إخراجه من وطنه ونفيه إلى الجزر النائية حتى يكونوا في مأمنٍ منه ويذهبَ ما بهمْ من فَرَقٍ وقَلقٍ. وذلك بكلّ تأكيدٍ ما تفطّن له الشاعر المُجيد فعبّرَ بـ(ظنَنْتُم) إِيماءً إلى عدم اتضاح البراهين والحجج التي اعتمدتها السلطة النصرانية في إيقافِهِ وإلى الضّبابِية الهائلة التي تتراكم عليها. كما أنّ فيه إيماءً آخرَ إلى تفَطُّنِهِ للخُطط التي ينصبُهَا العُلُوج من أجل طمس هوية الإسلام والقضاء على الزعماء الدينيين والإصلاحيين. فضلا عن ذلك ففي قوله:(والكُلُّ منكُمْ ذُو قلًى ويُحاسدُ) تلميحٌ جليٌّ إلى السبب الحقيقيّ لأسرِهِ وتغريبهِ، فلا ينْأَى عن البُغض الشديد الذي كان يُكنُّهُ له وُكلاءُ المستعمِر المرتزقون، وعن الحسدِ المُفرط الذي كان يسْتكنّ في قُلُوبِ شُيُوخِ السُّوء؛ أولئك الذين كانوا يُزلقونه بأبصارهمْ ويعضّون عليه الأنامل من الغيظ، ويضيقون ذرعاً بالجماعات الغفيرة التي كانت تحُجُّه رجالاً وركباناً، وتضرب إليه آباط الإبل من أقاصي البلاد، فهمْ - دون أدنى شك - من قال الشاعر في شأنهم:[من الرجز]
إذ بان جهرا أنما شيوخُ هذا الزمان جلهم فخوخُ
وبعضهمْ يركن للتصدر إلى رياسة بلا تستر
ولم يميزْ بين فرض وسننْ ويجذب الورى لموجب الفتنْ
ويدَّعي الكمال والولايهْ يدهَى الورى بكثرة الروايهْ
وإن مدحت عنده شيخا سواهْ أغاظَه لحسدٍ وحبّ جاهْ
وحيثما تذكرْ بهجوٍ غيرَهُ يفرحْ وَلَوْ دَرَى الجميع خيرَهُ
ولا يسُرُّهُ سوَى انفرادِ بالذكر والمدح لدى العباد
وحيثما يملْ لغيره أحدْ مُسترشِداً يهُجْ غرامَه الحسدْ

* * * * * * * * * * * * * *
وبعدما أنهى - رضي الله عنه - تَشنيعَهُ على المستعمِر، وبعدما سردَ التهم والافتراءات التي كيلت له طَفَر إلى نقضها نقضاً عنيفاً وإبطالها أيَّما إبطالٍ، فأقرّ لهمْ دون خوفٍ ولا تردّدٍ بأنّه عبد الله وخديم رسوله - صلى الله عليه وسلم - لذلك فلا يخضعُ لغيره ولا يعترف بملكٍ غير ملكهِ سبحانه وتعالى، ولا يصرفه صارفٌ عن خدمة محبوبه - صلى الله عليه وسلم - بتعليمه الخلقَ وتربيتهمْ وتوعيتهمْ وتبيين معالم الحقّ لهم حتى يكونوا في الْمُنْتَهَى مُؤمنينَ مسلمينَ محسنينَ. كما أقرّ بأنه مجاهدٌ لكن لا يجاهدُ لعصبيةٍ ولا لاسترداد ملكٍ زائلٍ ولا لابتغاء مغانمَ كثيرةٍ - كما كان ذلك ديدن جل سالفيه - بلْ يجاهِد لتكون كلمة الله هيَ العُليا، ولينصر الدين الحنيف، ولينفيَ عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
وبعدَ ذلك انثنى الشاعر إلى بيان الطريقة التي سيتبناها في المقاومة والنضال، وإلى الأسلحة التي سيستخدمها في مناهضةِ الكتائب الاستعمارية، ناحياً في ذاك كله منحىً آخر مخالفاً نهجَ مَن سلفوه جملةً وتفصيلاً؛ فهو لا يجاهدُ العدوّ الاستعماريّ اللدودَ بالسيوف المَشْرفِيّة وبالأرماح السمهريّة، بل يجاهدهُمْ بالسلاح المعنويّ أي بالعلوم وبالتقى، وينبُذُ العنفَ بالعراءِ، ويجعل اللاعنف1 الوسيلة الأنجع والأسلوب الجهاديّ الأمثل، لأنّهُ أبْعدُ مدًى وأكثرُ فعاليةً وأبلغُ تأثيرًا، وهذا بكل تأكيد ما يعبر عنهُ في بيت آخر بقوله:[من الرجز]
أُجاهدُ الكُفار بالآياتِ وَبالأحاديثِ بلا التفاتِ

هذا، ولقد احترس الشاعر بقوله:(إني لوجه الله...) احتراساً2 حسناً حتى لا يُتَوهَّم أنه يجاهد من أجل الحصول على متعةٍ دنيوية أو شيءٍ من هذا القبيل، وبقوله:(إني أجاهد بالعلوم...) حتى لا يُتوهَّم أيضا أنه يستخدم العُنف في هذا المشروع الدّعَويّ الجهاديّ.
ثم شرعَ الشاعرُ الفَحْلُ يُبْرِزُ حقيقةِ جِهادِهِ وعن حقيقةِ أسلحتِهِ المعنويةِ التي قصم بها ظهر كُل مُتكبرٍ جبّارٍ، وقصّ بها عُنقَ كُل كرّارٍ وفرّارٍ؛ فبالتوحيد بَتر عُنق كل مشركٍ ومُثَلِّثٍ، وبالذكر الحكيم استأصل شأفة كل جحفلٍ عرمرمٍ، وبالحديث الشريف أصاب كبد كل مُبتدعٍ وأعمله في إزاحة البدع التي يُحدثها أعداء السُّنة البيضاء، كما فَقَأَ بالفقه عُيُون أصحاب الشُّبهات والدّعاوَى، أمّا التصوفُ السنّيُّ المنقَّى من كُلّ الشوائب فهُو الذي يُطلعُهُ على خبايا النُّفوس ويلْهمُهُ ما يسْتكنُّ فيها من الأمراض الوبيئة كالكبر والحسد، وذلك بحقٍّ ما يُمَكِّنه من وضع البلسم الشافي والدواء الأنجع للأمراض والأدواء التي يعاني منها المريدُون السالكُون.
ثمّ أنهى الشاعر - رضي الله عنه - ملحمته الجيدة السبك المحكمة الحبك بالثناء على الأسلاف الذين حموْا بيضةَ الإسلام، وحافظُوا على العقيدة الإسلامية نقيّةً وصافيةً، واصطانُوها عن أعلاق الشرك والوثنية، ونصح بعضهم لبعضٍ، فكانوا مُتواصّين بالحقّ مُتواصّين بالصبر. كما أعرب في غضون ذلك عن ثقته بربه وتوكله عليه واكتفائه به وليًّا وحفيظاً ونصيراً، فكان ذلك حِماءً له عن كل عدوٍّ لدودٍ، ووِقاءً عن كل قالٍ وحسودٍ.
ويلحظ القارئ كيفَ اسْطَاعَ الشاعِرُ ببراعته وألمعيته أن يغترف معجم قصيدته من تَرسانة أعدائه، ويوظف الكلمات التي تدل على السطو والقهر والقُوّة مثل:(سيفي، مدافعي، رماحي، السهام، يتجسس الأسرار لي، يدمدم، يفري، أزحزح .....) وغيرها مما جعل القصيدة فريدة من نوعها، وأكسبها روعةً وجمالاً. كما يَلمس في ثناياها عاطفة الشاعر الجيّاشة، ورغبته الجامحة في الإصلاح والتجديد، والمحبة الصادقة والمودّة الخالصة اللتين كان يكنهما لمولاهُ سبحانه وتعالى، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم- وغير ذلك مما يدعوهُ بين الفينة والأخرى إلى وصفهما بالنعوت الجميلة والأوصاف المحمودة، نحو:( رب إله واحد، أكرم بربٍّ، وهو الصبور الماجد، وهو الكريم الواجد - وهو الحامد، وهو المقدم الشفيع الشاهد، نعم المقدم في الكرام جميعهم... إلخ).
ثمّ إن المطّلع على القصيدةِ قد يشتمُ فيها بغْض الشاعر الشديد للمستعمرينَ، ومُعاداتهُ لهم، وازدراءَهُ بهم، علماً أنه لم يُناصبْهمْ العَداءَ إلاّ في الله3، ولم يَقْلِهِمْ إلاَّ لإشراكهم بهِ واتخاذهم أنداداً من دونه، مما هيّج شعورَه الدينيّ وغَيْرَته الإيمانية ودفعه إلى وسْمهم بالنُّعوتِ الدالّةِ على الدُّونية والوَضاعة والصّغار، مثل:(قد ثلثوا بضلالهم، تباًّ لقومٍ ثلَّثُوا، أفٍّ لقومٍ أشركوا، أهل كتْب قد طغَوا، شِرارٌ، تنازعوا ، حاسد، جُبّأ، وذكورهم غُلْفٌ....إلخ) وهذا الأخيرُ كفاهمْ وصمةً لا تزول عن جبينهمْ إلى يوم القيامة.
هذا ويُلحظُ في الأبيات كيف حاول شاعرنا أنْ يقلّلَ من الصور البيانية ومن المحسّناتِ البديعية، ويصدفَ عن التصريع الذي تعوّده في قصائده، وذلك لأنه يخاطب العقل ويهدف إلى الإقناع، ولأنه يريد أن يقتلع التقولات من جُذورها، وينتزع التخمينات من بُذُورها وليُفَنِّدَ الدعاوَى المفتراةَ والمُوشَّاةَ، حتى يعلم المستعمِر وكذلك وكلاؤُهُ أنه لا يبتغي عرض الحياة الدنيا في جهادهِ، وأنْ ليس همُّه إلاّ رفع راية الإسلام خفّاقَةً عاليةً لا بالسيوف والمدافع، لكن بالسِّلمِ وبالعلم النافع. كما تُلحظَ فيها غلبة الأسلوب الخبريّ على الإنشائيّ لأنّ المقام مقام برهنةٍ وتدليلٍ، ودحضٍ وإبطالٍ للشبهات الملفقة والمزاعم المختلقة.
وختاماً بدأ الشاعر يتضرّع إلى ربه – سبحانه وتعالى – شاكرًا له ومُثنياً عليه، داعيًا أن يجود له بنعمٍ وافرةٍ تفوق مظنُونهُ، وأن يُغنيَهُ في الدارين حتى يكون في غُنْيَةٍ عمّن سواهُ، وأن يُؤَيّده وينصره نصراً عزيزاً حتى يُقيم الدينَ، وينْفيَ بالكلية الإلحاد منَ الأرض.

أبو مدين شعيب تياو الأزهري الطوبوي
كلية الآداب والعلوم الإنسانية
شعبة اللغة العربية وآدابها
تطوان/المغرب
madyanaabo@gmail.com

من كرامات الشيخ أحمد بمب رضي الله عنه ... إصدار جديد لدائرة روض الرياحين

"عُرف  الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه بكراماته الكثيرة التي تناقلتها الركبان، ورواها ثقات عن ثقات في سياقات مختلفة من حياته، ولكن أبرز...