شهدت
العاصمة السنغالية، بالأمس الإثنين،
مظاهرات عنيفة رافقتها عمليات تخريب
لممتلكات عامة وخاصة، من طرف شبان يطالبون
بالإفراج عن "شيخ بيتيو تيون المحجوز منذ
شهر أبريل الماضي في ذمة التحقيق في قضية
قتل شخصين من أتباعه بقريته دار السلام
الواقعة قرب مدينة امبور.
وقد تم نقله مؤخراً
من معتقل تياس الى سجن داكار المعروف بسجن
رباس.
وإثر
هذه المظاهرات نشرت الحكومة السنغالية
بيانا رسميا تتوعد فيه وتهدد من يحاول
النيل من أمن البلد وصدرت تصريحات من
موالين للنظام تتهم قوى المعارضة بالتستر
وراء القضية لإحداث بلبلة في البلاد
لأغراض سياسية.
وبصرف
النظر عن ملابسات القضية ودون الدخول في
الحكم علي أسلوب تعامل العدالة السنغالية
معها أو على شرعية المظاهرات وعدمها،
وبعد إدانتي التامة لكافة أنواع العنف وصورها،
فإني أشم في الأحداث الاخيرة رائحة
الانتهازية ومحاولة استغلالها لأغراض
سياسية.
فمنذ
أسابيع بدأ نظام الرئيس ماكي سال يواجه،
في واقع الامر، مشكلات حقيقية من جراء بوادر
الغليان الذي ظهر في الجبهة الاجتماعية
بسبب الارتفاع الملموس في أسعار البنزين
والغاز والارتفاع المتوقع في أسعار سلع
أخرى كالزيت، أضف إلى ذلك الاضطرابات
التي تشهدها جامعة داكار والأحداث التي
اندلعت في استاد لبوبول س.
سنغور بعد فشل منتخب
السنغال في التأهل لنهائيات كاس إفريقيا
المقبل. وقد
شرعت الانتقادات الموجهة إلى الحكومة
الجديدة تزداد حدة يوما بعد يوم.
وأمام
هذا الوضع المتأزم الذي أدى إلى تولُّد
شعور لدى كثير من أفراد الشعب بأن النظام
الجديد يبدي عجزَه عن الوفاء بوعوده في
تحسين قواهم الشرائية وإيجاد حلول للمشكلات
التي يواجهها البلاد وفشلَه في بيان رؤية
مستقبلية واضحة لسياساتها، وجد الحكامُ الجدد
- فيما
يبدو - مُتَنفَّسا
من هذه الأحداث؛ فهي وسيلة لصرف الاهتمام عن
الصعوبات الاقتصادية الحادة وإلهاء الرأي
العام بقضية أخرى لعدة أيام أو أسابيع
على الاقل؛ فغالبا ما ينسى الناس مشاكلهم
الأخرى حين يواجهون مشكلات أمنية.
والمتابع
لردود الافعال الصادرة حتى الآن يشعر بأن هناك
محاولات لتغيير قائمة الأولويات في هذا
الظرف لوضع القضية الأمنية في القمة،
فعناوين الصحف صباح اليوم تصب كلها في
اتجاه واحد : اتهام
الحكومة بالتسيب والضعف أمام "التيانتاكون"
وتحريض قوات الأمن
... ومن هنا ينتقل
الاهتمام من قضية العدالة إلى قضية الأمن،
من أصل المشكلة إلى آثارها وعواقبها، وهكذا يندحر
جيش المطالب الاخرى المتعلقة بالحياة اليومية للمواطنين لفترة وإن كانت
وجيزة. ومن جهة أخرى ينم التشدد
الذي اتسم بها بيان الحكومة عن حرصها
على كسب تعاطف شعبي معها في مواجهتها لما
يصفها بأعمال تخريبية وعصيان مدني.
فإذا
كانت الحكومة والمتحدثون باسم شيخ بيتيو
متفقين معا على اتهام جهات أخرى خفية
بالوقوف وراء هذه الأحداث المؤسفة، يبقى
السؤال الذي يطرح نفسه هو:
من المستفيد من
الوضع؟
فالجواب
- عندي - أن النظام هو المستفيد حاليا في
الأوضاع، فكأنها
هدية جاءته من السماء!
والأيام المقبلة
هي التي ستضعنا على حقيقة الصورة.
سام بوسو عبد الرحمن