انطلقت
بالأمس (السبت ٢٨ مايو)
فعالياتُ الحوار الوطني الذي
دعا إليه رئيس الجمهورية السيد ماكي صال
، وقد شاركت فيها شخصيات تنتمي إلى شرائح
مختلفة في المجتمع. وهذه
الدعوة تأتي في سياقٍ يتسمُ بالتأزُّم
السياسي وغياب التواصل بين التيار الحاكم
والتيار المعارض حول القضايا الوطنية
الكبري. وتجلى هذا التأزم
قبل الاستفتاء الدستوري الاخير وأثناءه
حيث ظهر استقطاب حاد بين الطرفين.
وسعيُ الطرف الحاكم نحو تهدئة
الأوضاع بالدعوة إلى حوار وطني أمر محمود
في ظل ديموقراطية نامية. ولكن
هناك تساؤلات تطرح نفسها حول الحوار
ورهاناته: فما هي القضايا
التي تستحق أن يجرى حولها حوار وطني وما
هي النتائج المنتظرة وما هي الاستراتجيات؟
وهل تكون هذه اللقاءات مختلفة عن سابقاتها؟
دون
محاولٍة للإجابة عن هذه التساؤلات،
يمكننا أن نتلمس من خلال تصريحات رئيس
الجمهورية نيته في أن يكون هذا الحوار
وطنيا يتناول قضايا اجتماعية وتربوية
واقتصادية وسياسية بدل ان يكون مجرد حوار
سياسي أو مناورات سياسية، فدعوة فئات
مختلفة من نقابيين ورجال أعمال وشخصيات
دينية وسلطات تقليدية وغيرها الى الجلسة
الافتتاحية تنم عن هذا التوجه بالإضافة
إلى اختيار وصف "الوطني" بدل " السياسي" الحوار.
وعلى
الرغم من استحساننا لهذه الخطوة فإننا
نخشى أن يحتكر محترفو السياسة المنبر
ويتحكموا في توجهات الحوار ومضامينه
ويحولونه إلى سجال سياسي بحت، كما بدأ
ذلك يتسرب من ثنايا كلمات المتدخلين في
الجلسة الافتتاحية. ومن
أكبر المشاكل التي يعاني منها السنغال
طغيان السياسة على جميع الهموم والقضايا
الاخرى مثل القضايا الاقتصادية والتربوية
والصحية؛ فحينما يكون حضور الجانب السياسي
كثيفا في قضية من القضايا فإن الأطراف
الفاعلة الأخرى تنسحب من الساحة لتخلو
للساسة في أغلب الأحيان، ومن هنا يخسر
الشعب فرصة الاستفادة من كفاءات وخبرات
ثرية كان بإمكانها أن تسهم في إيجاد حلول
ناجعة لمشاكلنا المختلفة.
ومما
نخشاه أيضاً في هذا الحوار هو غياب أصحاب
الرؤية الدينية لان دعوة شخصيات دينية
صونا للصورة أو لإضفاء طابع التنوع
والانفتاح على العملية دون مشاركتها
بشكل فعال لا يكون لها تأثير إيجابي في
مسيرة الحوار ونجاحه،'وسيستمر
شعبنا المنهك ضحية شريحة سياسية تحتكر
السلطة وتتداولها لمصالحها الخاصة .
والجانب الأكبر من المسؤولية
في هذه الحالة يقع على عاتق السلطات
الدينية التي لا تتبادر بتنظيم رؤيتها
وعرضها وطرح بدائل على الطاولة بل في
أحسن الأحوال - إن لم يتم
تجاهلها تماماً - فإنها
تقنع غالبا بدور المراقب أو ضيف الشرف
لا صوت لها ولا رأي.
يُلاحظ
في السنوات الاخيرة لدى الحاملين للثقافة
الإسلامية اهتمامهم بالقضايا الوطنية
بصفة متزايدة من خلال الكتابات والندوات
والمحاضرات التي تنظم في كثير من المناسبات
،ولكن هذا الاهتمام لم يترجم بعد إلى
مشاركة فعالة في صناعة القرارات
الاستراتجية. أما المنظمات
الاسلامية العريقة ذات الاهتمامات
السياسية فبعضها انخرط في الحياة السياسية
وأصبحت طرفا فيها، ويبدو أن بعضها الآخر
غَيَّر من استراتجيته بسبب الظروف الدولية
ولم يعد يُلِح على المشاركة في صنع القرار
بشكل علني.
ومهما
يكن من أمر فلا تكفي مشاركة شكلية في هذا
الحوار ممن يحملون ثقافة إسلامية إذا
أريد له أن يكون جادا ووطنيا لأن الكثيرين
من الساسة عوَّدونا على الدوران في حلقات
مفرغة بعيدا عن القضايا الجوهرية المصيرية
للبلاد.