بشكل غير متوقع ظهر وباءُ كرونا في السنغال، وأثَّر في جميع قطاعات الحياة : الصحية والاقتصادية والتربوية. وفِي المجال التربوي كانت الأزمةُ مزدوجةً لتشابك الجانب التربوي والاقتصادي والاجتماعي فيه.
فقد قرَّرت الحكومةُ السنغالية منذ ظهور الحالات الأولى من الإصابة حظر جميع التجمعات وإغلاق المدارس والجامعات. فكان لهذا القرار وقعٌ حاد على المؤسسات التربوية الأهلية التي تعتمد أساسا في عملها على الرسوم الدراسية. فإيقاف الدراسة كان مُنذرا بتوقف مصدر مُهم من المصادر المالية للمدارس الخاصة. وهو أمر انعكس على قدرات هذه المدارس للوفاء بالتزاماتها المالية تجاه العاملين فيها.
ومؤسسة الأزهر بحكم حجمها وطبيعة عملها، عانت من هذه الأزمة التربوية والاقتصادية معاناة كبيرة. فعدد المدرسين في الأزهر يبلغ ١٩٠١ مدرسا بالإضافة الإداريين والحارسين والسائقين والخدم. ولَم تكن توفر مبالغ مالية على سبيل الاحتياط لأن رسوم التلاميذ التي تعتبر رمزية لا تكاد تكفي في الغالب لتغطية جميع مصارفها واحتياجاتها المالية.
فقد قرَّرت الحكومةُ السنغالية منذ ظهور الحالات الأولى من الإصابة حظر جميع التجمعات وإغلاق المدارس والجامعات. فكان لهذا القرار وقعٌ حاد على المؤسسات التربوية الأهلية التي تعتمد أساسا في عملها على الرسوم الدراسية. فإيقاف الدراسة كان مُنذرا بتوقف مصدر مُهم من المصادر المالية للمدارس الخاصة. وهو أمر انعكس على قدرات هذه المدارس للوفاء بالتزاماتها المالية تجاه العاملين فيها.
ومؤسسة الأزهر بحكم حجمها وطبيعة عملها، عانت من هذه الأزمة التربوية والاقتصادية معاناة كبيرة. فعدد المدرسين في الأزهر يبلغ ١٩٠١ مدرسا بالإضافة الإداريين والحارسين والسائقين والخدم. ولَم تكن توفر مبالغ مالية على سبيل الاحتياط لأن رسوم التلاميذ التي تعتبر رمزية لا تكاد تكفي في الغالب لتغطية جميع مصارفها واحتياجاتها المالية.
فالشيخ محمد المرتضى رضي الله عنه مؤسس المعاهد الأزهرية كان في البداية يتحمل جميعَ التكاليف اللازمة لسير المعاهد من رواتب المعلمين ومعيشة التلاميذ، وصار حملا ثقيلا ، ثم عرض عليه المسؤولون في ذلك الوقت أن يسمح لهم بطلب رسوم رمزية لتغطية بعض الاحتياجات. فدفعُ الرسوم الدراسية لم يكن في قصد الشيخ المؤسس أصلاً، ولذلك كانت قليلة ورمزية، وما زالت حتى الآن ضئيلة مقارنةً بما يُدفع في غيرها من المؤسسات . وبالإضافة إلى ذلك وصل عدد التلاميذ المعفو عنهم من دفع الرسوم الدراسية لأسباب اجتماعية إلى ٥٤٥٧ تلميذاً (٦٪ من مجموع ٩٠٩٥٢)، وهذه الأوضاعُ جعلت مؤسسة الأزهر من أكثر المؤسسات التربوية تضرراً من جراء أزمة كورونا.
والجدير بالتأمل والدراسة هو كيف نجح الأزهر في التعامل مع هذه الأزمة وفي التخفيف من حدتها، فلم نسمع في أوساطه اضطراباتٍ ولا شكاوى ولا هلعاً بل ساد فيها الهدوء والثبات على الرغم من هول الموقف.
فمن يُمعن النظر فيما يجري يدرك أن هناك في واقع الأمر عدداً من العوامل ساهمت في نجاح المؤسسة في مواجهتها للاوضاع الصعبة، ومنها:
روح تضحية وجهاد
إن الشيخ محمد المرتضى رضي الله عنه رسّخ في قلب كل أزهري وعقليتِه روحَ الجهاد والتضحية، فكل عامل في المؤسسة يُؤْمِن بأنه يجاهد في سبيل الله قبل كل شيء، لأنه على يقين بأن المؤسِّس كان مجاهداً في ميدان التربية، ولم يكن يسعى وراء أي غرض مادي أو دنيوي، فقد قدم مثلا رائعا في التضحية والجهاد، ولم يخلد إلى الراحة يوما ما، ولم يدخر ثروة لنفسه ولا لأهله، بل كان ينفق كل ما لديه لمحاربة الجهل والفقر لصالح المسلمين عامة. وقد سرت هذه الروح الى الأسرة الأزهرية من قمَّتِها إلى قاعدتها. وقد عاش الأزهريون الأزمة بهذه الروح فأبدوا ثباتا مبهراً ورباطة جاش مذهلة" يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ".
قيادة رشيدة وحكيمة
أبدت قيادةُ المؤسسة ابتداء من رئيسها ومديرها العامة و مديري معاهدها إحساسا بالمسؤولية ووعيا بالظروف وحكمة بالغا في التعامل مع الوضع. فقد كان موقف الشيخ مام مور امباكي على قدر عال من المسؤولية، فتصريحاتُه في بداية الأزمة وما فيها من حسٍّ إنساني مُرهف ووعي كامل بمقتضى الوضع شكلت دعما معنويا وشحنة جديدة وتحفيزا إضافيا وبثت في القلوب شعورا بالطمأنينة والسكينة.
وأما السيد المدير العام الشيخ صالح امباكي مرتضى فقد كان منذ الوهلة الأولى في الصف الأمامي للمواجهة قائدا شجاعا نجح في إدارة الأزمة بحكمة وكفاءة وسداد نظر. فقد قاد حملة إعلامية ناجحة أعادت الأزهر في بؤرة الاهتمام، وحشد كافة الإمكانات البشرية للإدارة العامة لاحتلال الصف الأمامي في المعركة، فأحيت مساعيه روحَ التضامن في جميع أفراد الأسرة الأزهرية من أولياء وخريجين ومتعاطفين في جميع مناطق السنغال وخارجه.
روح تضامن قوية
أبدى عددٌ كبير من الناس تضامنَهم مع المؤسسة بعد وقوفهم على حقيقة أوضاعها وطبيعة عملها التي كانت مجهولة لدى الكثير ، حيث كان هؤلاء يرون في الأزهر مؤسسةً حرةً تكسب مبالغ مالية طائلة من خلال شبكتها الواسعة من المعاهد وعددها الكبير من التلاميذ.
ففي الأسابيع الأولى من الأزمة تشكلت بصورة تلقائيةٍ مجموعاتٌ لدعم المؤسسة، وظهرت مبادرات مختلفة من خريجها ومحبي مؤسسها الشيخ محمد المرتضى رضي الله تعالى عنه، فسرت في القلوب روحُ تضامن أسهمت في تقوية العزائم لدى الأزهرين.
فهكذا، تضافرت روحُ التضحة والجهاد لدى العاملين في المؤسسة وروحُ التضامن والتعاطف لدى الأحباب والمريدين فشكلتا طاقةً كافية لدفع السفينة الأزهرية لتجاوز أمواج الأزمنة بسلام وأمان، وذلك بقيادة رشيدة وحكيمة، من رئاستها وإدارتها العامة على الرغم من حدة الأزمة وتعقُّدها. ولله درُّ القائل "وعند الامتحان يكرم الرجل أو يُهان".