الخميس، 5 مايو 2022

"الخدمة في فكر الشيخ أحمد بمبا ..." مؤلف جديد للدكتور خادم سيلا

حينما تكتبُ قامةٌ فكرية مثلُ الدكتور خادم سيلا عن المريدية وعن موضوع محوري مثل الخدمة، فإن ذلك يُعتبر حدثاً فكرياً يستحق الاهتمامَ والاحتفاء. فالدكتور خادم من العلماء والمفكرين الذين كرّسوا حياتهم لدراسة الإسلام عموماً والمريدية خصوصاً، بعدما نشأوا وترعرعوا في أحضانها. 

إنه مفكر إسلامي، وعالم اجتماعي، وباحث ميداني يتعايش بعقله ووجدانه، مع القضايا الفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية للمجتمع السنغالي وللطريقة المريدية بصفة خاصة،  ويتفاعل مع أحداثها ويراقب تطوراتها، وحينما يدلي بدلوه في موضوع مركزي استحوذ على اهتمام العديد من الكتاب والباحثين، فلا شك أن إسهامه سيشكِّل طفرةً مهمةً في هذا الحقل.

فقد عرفتُ الدكتور خادم سيلا قبل أكثر من ثلاثين سنة، وأنا طالب في الأزهر الشريف بجمهورية مصر العربية، عرفتُه محاضراً بليغاً، وباحثاً حصيفاً، وكاتباً بارعاً، مهتما بقضايا مجتمعه، مدافعا بلسانه وقلمه عن القيم والمبادئ التي يقتنع بها حريصاً على نشر تعاليم الشيخ أحمد بمبا ومنهجه، وعلى تصحيح المفاهيم الخاطئة والسلوكيات المعوجَّة في طريقته، دائما يتصدَّى للتهم والإساءات التي تتعرّض لها المريديةُ بالحجج الدامغةِ والبراهينِ الساطعةِ، وبأسلوب تتسم بالرزانة.

إن الإسهامات الفكرية للدكتور خادم تمتاز بتعدُّد أبعادها، لأنها تستند إلى ذوقٍ صوفي وخلفية فقهية، وأدبية، وفلسفية، وتاريخية واسعة، بفضل ما يتمتع به من إلمام عميق بهذه الحقول المعرفية.

يأتي الكتابُ الجديدُ للدكتور خادم "الخدمة في فكر الشيخ أحمد بمبا كمنهج للتجديد والإصلاح" في ظرف يُعنَى فيه كثيرٌ من الباحثين بنظرية الخدمة في دراساتهم وتحليلاتهم؛ فمنهم من نحا منحى فلسفيا، ومن نحا منحا اقتصاديا أو سياسيا في تجلية مفهوم الخدمة ومضامينها. أما الدكتور فينظر إلى الخدمة نظرة أقرب إلى الشمول، ويتجلى ذلك من خلال تعريفه لها، حيث يقول: " أما نحن فنرى أنَّ الخدمة في المنظور المريدي تتمثل في المشروع التجديدي والإصلاحي الذي عاهد الشيخ أحمد بمبا مولاه سبحانه على القيام به خدمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتلبية لمطالب مجتمعه"، ولذلك كان البُعد التجديدي والإصلاحي لدعوة الشيخ الخديم بارزاً في دراسته.

في التمهيد تعرَّض المؤلِّف للتعريف بالشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه، وبنشأته العلمية، وبجانب من ميوله الفكرية، كما صوَّر البيئةَ التي نشأ فيها، وما كان يسود فيها من مظاهر الفساد والانحلال، قبل أن يتناولَ مفهومَ الخدمة بالدراسة والتأصيل على ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية، وقسّم مراحلَ الخدمة إلى عدة مراحل؛ خصّص الفصلَ الأول للمرحلة الأولى التي تبدأ من عام ١٨٨٤م إلى ١٨٩٥م، ولأساليب الخدمة وآلياتها فيها، والفصلَ الثاني لمرحلة الغيبة البحرية، ولصوَرِ الخدمة فيها، والفصلَ الثالث لوقائع وأحداث الغيبة البرية في موريتانيا. 

وأما الفصل الرابع فقد تناول فيه مرحلةَ الإقامة الجبرية في تيين Ceyeen، ووقف فيها على ركائز خدمة الشيخ وأصحابه، وكرَّس الفصلَ الخامسَ لمرحلة الإقامة الجبرية في جربل، وما تميزت به من أساليب الخدمة وآلياتها، والفصلَ السادس لبعض مجالات الخدمة وصورها. وفي الفصل السابع والأخير، تعرض المؤلفُ للخدمة بعد رحيل الشيخ رضي الله تعالى عنه، وكيفَ تطورت آلياتُها ومؤسساتُها المتمثلة في الدوائر المريدية.

وخلال هذه الفصول السبعة لم يبخل المؤلف على قُرَّائه بالتفاصيل الدقيقة والتحليلات العميقة الطريفة، والنظرات الثاقبة، والآراء النيرة التي تنم عن هاجس إصلاحي، وإحساس بالمسؤولية، ووعي عميقٍ بضرورة الاستفادة من منهج الشيخ التجديدي للرقي بالمجتمع من جميع النواحي، ولخدمة البشرية جمعاء. ومن ناحية أخرى، يُظهر الكتاب سعةَ َأفق المؤلف وتعمقه في تراث المريدية وتاريخها وخاصة في كتابات الشيخ رضي الله تعالى عنه. 

وأخيرا، يُعدُّ هذا الكتاب في نظري مرجعاً أساسيا في فكر الشيخ رضي الله تعالى عنه ومنهجه؛ فهو مصدر ثريٌّ للباحثين وزادٌ مهمٌّ للمربّين ومنهلٌ صافٍ للطلبة والدارسين، وإضافة قيمة في المكتبة الإسلامية.

الثلاثاء، 3 مايو 2022

إنه سراج منير !

كانت إشكالية بناء نظام تعليمي أصيل تطرح نفسها أم السلطات السنغالية منذ عهد الاستقلال إلى الآن. فعلى الرغم من الإصلاحات المتعددة التي أجريت في النظام التربوي السنغالي، لم يحدث فيه التغيير الجذري المأمول، وما زالت المحتويات التعليمية منسوخة من مناهج المدرسة الفرنسية الموروثة من عهد الاحتلال الفرنسي، بشيء من الترقيع.

في أعقاب الأزمة الاجتماعية التي اندلعت في شهر مايو ١٩٦٨، جرت محاولات لإصلاح النظام التربوي بحيث يتأسس على هوية المجتمع وقيمه الثقافية من خلال القانون التوجيهي الصادر سنة ١٠٧١م، ولكنها لم تؤد إلى نتائج ملموسة، وفي ١٩٨١، نظمت الحكومة ما تعرف بالجلسات العامة États Généraux حول التربية والتكوين بهدف تغيير النظام التربوي وإصلاحه ، ومن آثار هذه الإصلاح تطوير مناهج التاريخ لإدراج بعض الشخصيات التاريخية الوطنية.

وبالمقابل، كانت المدرسة العربية الإسلامية الحديثة شبه مستوردة، فلا يوجد للتراث الثقافي الإسلامي المحلي مكانة فيها، ويكاد الدارس فيها لا يعرف شيئا عن ثقافة مجتمعه ولا تاريخ وطنه. 

وكانت مؤسسة الأزهر الإسلامية سباقة في إجراء إصلاحات في هذا المجال بإدراج تدريس الشخصيات الدينية الوطنية البارزة في مناهجها، وإعداد مذكرة لهذه المحتويات.

ولا يخفى أن للكتاب المدرسي دورا كبيراً في تحقيق الأهداف التربوي، باعتباره وسيلة مهمة في العملية التعليمية التعلمية، ومرجعا أساسيا للمتعلم. فمن خلال الكتاب المدرسي تتحول المادة العلمية إلى مادة تعليمية تراعى فيها المستويات العمرية والعقلية للمتعلمين، وتُبنى على أسس نفسية وبيداغوجية وعلمية، لتكون مرشدا فعالا للمعلمين، ومرجعا قيما للمتعلمين.

وعلى هذا الأساس يكتسي كتاب أخينا الفاضل الباحث القدير الشيخ أحمد بمبا الخديم "السراج المنير في سيرة خديم البشير" أهميةً كبيرة من نواح عدة: فهو في الحقيقة كتاب مدرسي بكل ما يحمله هذا المصلح من معنى؛ فقد رُوعيت في تأليفه المعايير المنهجية المطلوبة، وهو بذلك يسد ثغرة في مناهجنا التعليمية.
 ومن ناحية أخرى يتناول سيرة واحدٍ من أبرز الشخصيات التاريخية والدينية التي أنجبها العالم الإسلامي بل البشرية جمعاء، ألا وهو العارف بالله المجدد الشيخ أحمد بمبا (رضي الله تعالى عنه) مؤسس الطريقة المريدية.
وأخيراُ يستهدف فئة الدارسين في المرحلة الأساسية من المدارس الإسلامية العربية، وهم في أمس الحاجة إلى دراسة سيرة الشيخ واستيعاب طرف من تعاليمه وتربيته، وجهاده، ومواقفه الباسلة تجاه الاحتلال الفرنسي. 

وعلى العموم، يُعد هذا المؤلَّف خدمةً جليلة للمدارس الإسلامية العربية بصفة خاصة، وللنظام التربوي بصفة عامة، لأن هذا النظام يفتقر إلى إصلاح جذري من حيث الغايات والمحتويات ليكون قادراً على تربية الأجيال وبناء هويتها وقفا لقيمنا الثقافية والروحية الأصيلة.

وأملنا كبير في أن تتبنى هذا الكتاب مدراسنا الإسلامية العربية على غرار إدارة "المجالس" التابعة لمجمع الشيخ أحمد الخديم التي قامت بنشره، وأن يتم ترجمته إلى اللغة الفرنسية لتتسع دائرة الانتفاع به.

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...