الجمعة، 30 سبتمبر 2022

رحيل العالم الرباني الشيخ عبد الرحمن امباكي دار المعطي بعد حياة حافلة في خدمة العلم والدين

استيقظنا صباح اليوم (الخميس ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٢) على خبر ثقيل ومفاجئ غزا مواقعَ التواصل الاجتماعي في وقت مبكر، وهو خبر انتقال الشيخ الجليل العالم الربَّاني الزاهد الورع التقي، بقية السلف الصالح خادم العلم والدين، الشيخ عبد الرحمن امباكي ابن الشيخ عبد القدوس ابن الشيخ إبراهيم فاط، رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأسكنه في فسيح جناته.

ما إن وقعت عيني على هذا الخبر المفاجئ حتى بدأتُ أفكر في حياة هذا الشيخ في تواضعه وفي عظمة ما قدَّمه للمسلمين في هذه المنطقة: فقد عاش - رحمه الله تعالى - حياةً حافلةً وثريةً، كلّها عبادةٌ وخدمةٌ للعباد، من تربيةٍ، وتعليم، وكتابةٍ، ودعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة


كان سخاء الشيخ  في علمه يثير الإعجاب، فقد كان يستخدم كلَّ الوسائل العصرية المتاحة لنشر العلم والمعرفة، وتوعية المسلمين باللغة الوُلُفية التي يفهمها أغلب سكان البلد؛ وهكذا، خلَّف رضي الله تعالى عنه مكتبةً صوتيةً قيمةً؛ كان منذ عقود من الزمن يسجِّل في الشرائط دروسَه التي كان يُلقيها على طلبة العلم في حلقته، وشملت تلك الدروس جميع الكتب المدرسية المتداولة في المجالس التعليمية  (المحاظر) في السنغال، من توحيد، وفقه وأصول، وتصوف، وحديث، ولغة، وأدب، وتاريخ، وسيرة ، واعتنى فيما بعدُ بإعادة تسجيل تلك الكتب التعليمية، لما ظهرت وانتشرت أدوات التسجيل الإلكترونية الحديثة الأنقى صوتا، حرصاً منه على زيادة وضوح التسجيلات  وانتشارها.


في الواقع، كان العلامة الشيخ عبد الرحمن رائداً في هذا الميدان، وقد أحدث فيه ثورة حقيقية، وأضفى عليه طابع الديموقراطية: أصبح التاجر يتعلم في دكانه، والفلاح في حقله، والصانع في ورشته، وصارت مضامينُ الكتب الشرعية واللغوية الأساسية المستعملة في مناهجنا التربوية في متناول الجميع. 


كان للشيخ أسلوب متميز يجمع بدقةٍ متناهيةٍ بين ترجمة الألفاظ وشرح المعاني باللغة الوُلُفية بدون تطويل ممل ولا إيجاز مخل، فكان يقيد الشوارد ويبين الغوامض، فانتفع بهذا العمل الجليل مختلف شرائح المجتمع، لا فرق في ذلك بين المتعلمين المثقفين والعمال البسطاء. كل يجد ضالته في تسجيلاته بصرف النظر عن مستواه.


ولحرص الشيخ عبد الرحمن على نفع المسلمين بالذخائر الموجودة في التراث المريدي لم يهمل  دررَ الأمداح النبوية التي حبّرها الشيخ الخديم رضي الله عنه، ووصاياه وحكمه، وكذلك  المراجع الأساسية في سيرته، فقد شرح العديد منها بالولفية.

وإلى جانب هذه الجهود في نشر التراث الإسلامي المريدي، كان الشيخ يهتم بنسخ قصائد الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه ومؤلفاته بخط يده.


ومن ناحية أخرى كان الشيخ عبد الرحمن غيوراً على الإسلام، ومهتما بقضايا المسلمين، وكان يسخّر قلمه لينافح  عن دينه وعن أمة نبيه، وليبرز مواقفه الشجاعة في كل ما يَهُم هذه الأمة. وله إنتاج أدبي ثري يتسم بالتنوع والجمال والعمق (انظر ديوانه هنا).


اشتهر الشيخ عبد الرحمن بمجلسه التعليمي في دار المعطي والذي خرج العديد من العلماء البارزين وبتسجيلاته وكتاباته القيمة، ولكنه كان يقف بجانب الضعفاء والمحتاجين، وخاصة أصحاب المدارس القرآنية، فقد كان يمدُّهم بمساعدات سخية لا يُطلع عليها أحداً.


وهذا غيضٌ من فيض أعمال جليلة قام بها الشيخ عبد الرحمن بصمت، وفي حياة تتصف بالزهد والتقشف والتواضع واللين والرفق واللطافة والصفاء والحلم.

ويمكن القول في النهاية: إنه كان من الرجال الذين إذا رُءوا ذكر الله تعالى، وفي الحديث "ألَا أُنبِّئُكم بخِيارِكم؟ قالوا: بلى يا رسولَ الله! قال: خياركم الذين إذا رءوا ذكر الله عز وجل[1].  

فجزاه الله تعالى عن الاسلام والمسلمين خيراً وألحقه بآبائه ومشايخه الصالحين، وحشره مع الذين أنعم عليهم من النبيئين والصدقين والشهداء والصالحين، وحسن أوليك رفيقا.

                                                                د. سام بوسو عبد الرحمن 

                   تحميل ديوان الشيخ عبد الرحمن رحمه الله تعالى عنه

               هذا الرابط لصفحة تحتوي على كثير من الكتب التي شرحها بالولوفية

 




[1]  صحيح ابن ماجه: 3/349

هناك 3 تعليقات:

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...