الاثنين، 18 سبتمبر 2023

"طوبى : مصير مدينة-عالَم" ... كتابٌ قرأته

أصدر الوزير السابق السيد بمب جيي ابن الشيخ عبد الله جيي كتابا بعنوان "طوبى : مصير مدينة-عالَم"  Touba : destin d’une ville monde  تناول فيها قضايا مصيرية تتعلق بمدينة طوبى ووضعيتها وطبيعة السلطة الإدارية المناسبة فيها وآليات تنميتها، وهي كتاب قيم يطرح أفكارا تستحق المناقشة والدراسة. وفيما يلي عرض موجز عن محتوى الكتاب وعن الأفكار الأساسية التي تناولها المؤلف فيها.

 أولا- محتوى الكتاب

يتناول الكتاب الموضوعات الآتية:

-      اللامركزية

تناول الكاتب في بداية كتابه موضوع اللامركزية décentralisation  فتحدث عن أسسها وتاريخها في السنغال، وأهدافها، كما تعرض لصعوباتها التطبيقية.

-      الطريقة المريدية والشيخ المؤسس والتصور الإسلامي للمكان

 ثم تناول المريدية باعتبارها طريقة الاتباع للسنة النبوية الشريفة ومشروعا مجتمعيا يقترح نموذجا في استخدام المساحة يهدف إلى خلق التنمية المتناسقة للمريد.

-      طوبى بصفتها مدينة مثالية

 وفيما يخص التصور الإسلامي للمساحة عند الشيخ الخديم، تناول الكاتب مدينةَ طوبى بصفتها مدينة مثالية أو نموذجا للجنة فوق الأرض، ونظرةَ الشيخ حول وظيفة هذه المدينة الروحية، ويقول بخصوص طوبى:" إن مدينة مثل طوبى أسست لعبادة الله تعالى وليست لها مهمة سواها، وهذه الهوية الأولى يجب أن تكون مبدأ أساسيا في جميع الجوانب لإدارة المدينة، وعليها أن تحتفظ بهويتها وإلا ستصبح مدينة عادية أخرى مع جميع المشكلات الملازمة التي تكدر صفو الحياة فيها (قلة الأدب ، الفساد، المخدرات ...)

في المساعي الرامية إلى مساعدة طوبى لتحتل مكانتها في التوزيع الإداري السنغالي، لا ينبغي إغفال أن المريدية مدرسة روحية، وطوبى أكبر مراكزها؛ فهي مدرسة مهمتها إنتاج مواطن مثالي، مصدر للسلام والاستقرار، وقلعة أمام قلة الأدب والسرقة والعنف والمخدرات .

-      طوبى في سياسة اللامركزية في السنغال

وفي هذا الموضوع تناول المؤلف الوضعية الحالية غير الملائمة لطوبى وكيفية إدارة المناطق في الوسط المريدي، كما شرح المبررات التي تظهر أهمية مشروع الوضعية الخاصة (statut spécial) لطوبى كما بين ضرورة إضفاء طابع إقليمي على أسلوب الإدارة.

 وهنا يتناول ملامح الوضعية الخاصة لطوبى ويقترح هيكلا تنظيما ومجلسا للشورى

-      آليات تحسين التنمية الإقليمية لمدينة طوبى المحروسة

هنا يعالج المؤلف العوامل التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق التنمية في المدينة؛ وفي هذا الإطار يعرض عددا من الحقائق التي يجب أخذها في الاعتبار:

§      أن الأتباع المريدين أنفسهم يُمثلون رأس المال الأول لمدينة طوبى، لما يتمتعون به من روح التضحية والتفاني والخدمة، ولوجود نخبة مثقفة وذات كفاءات متعددة ومستعدة لخدمة الوضعية الخاصة للمدينة، ولرسوخ روح البذل وتقديم الهدايا التي تعتبر محركا للطريقة المريدية ومؤثرا في خدمة التنمية.

§      أن جاذبية مدينة طوبى (بنظافتها وجمالها وأمنها ...) يمكن أن تسهم في  نشر تعاليم الشيخ الخديم  في العالم.

§      أن للتكنولوجيات الجديدة دورا فعالا في تسيير وإدارة المدن، ويمكن أن تُمكن طوبى  من إدارة أماكنها العامة .

§      طوبى تُعد مدينة إشعاع علمي وملتقى ثقافي انطلاقا من تعاليم الشيخ في مجال العلم، ويـأتي مشروع مجمع الشيخ الخديم ليكون مركزا مرجعيا ورائدا في التكوين الجامع بين الأصالة والمعاصرة.

§      أن الشيخ الخديم أراد أن تكون طوبى مدينة سلام وأمن، وهنا تكمن ضرورة توفير   شرطة محترفة وأدوات مراقبة.

§      من الضروري أن تكون طوبى مدينة أنوار  بجود خطة للإضاءة في المناسبات الدينية، ولإنارة الشوارع الكبرى.

§      من الضروري أن تكون طوبى مدينة خضراء بوجود حدائق ومساحات خضراء ومياه جارية

§      ضرورة حل إشكالية الماء في طوبى، وهناك استراتيجيات قادرة على تحقيق ذلك .

§      لطوبى إمكانيات في أن تكون مدينة الندوات الكبرى، لما تجمعه من عدد كبير من الزوار سنويا ولموقعها الاستراتيجي القريب من المدار الدولي ووجود الطريق السريع.

§      ضرورة توفير مرافق صحية عالية الجودة متخصصة في الأمراض المزمنة لتكون طوبى قبلة  تقصد لشفاء أمراض الأبدان كما تقصد لشفاء أمراض القلوب.

-      طوبى مدينة صامدة

تناول المؤلف هنا ضرورة كون طوبى – كما أراده المؤسس-  مدينة صامدة وبيئة صافية يتوافر فيها السلام والأمان، وذلك بوجود إدارة للمخاطر، وخطة للطوارئ وللحماية المدنية ، وإدارة للنفايات، وإدارة للصرف الصحي.

-      التمويل المحلي وجباية الأموال من قبل السلطات المحلية

وفيما يخص التمويل يرى المؤلف ضرورة وجود مصلحة خاصة بالجباية وبجمع المعلومات والاحصائيات المتعلقة بالوضع المالي، ويقترح ما يلي:

§      إعادة تحديد الوعاء المالي

§      إيجاد مرصد للوعاء المالي

§      الاعتماد على الذات في تمويل تنمية المدينة لوجود الإمكانيات

§      إيجاد صندوق استثمار في خدمة المريدية    

ثانياً - خلاصة الأفكار الرئيسية الواردة في الكتاب:

قدم المؤلف نبذة تاريخية عن اللامركزية (التقسيم الإداري للمناطق) ابتداء من عهد الصحابة إلى عهد الاستعمار مرورا بالإمبراطوريات.

وجه انتقادات إلى السياسة العامة في مجال تخطيط، وأكد ضرورة مراعاة الجوانب الروحية والثقافية في تخطيط الأراضي (ص١٦)

قدم المريدية "باعتبارها مشروعا مجتمعيا هدفُه بناءُ شخصية مستقلة وخلقُ بيئة واقتراح نموذج تربوي يرافق الإنسان من المهد إلى اللحد " وطوبى هي المكان المناسب لتحقيق هذا الهدف (ص ٢٤)

وسبب بناء طوبى هو تمكين المريد من القيام بواجباته تجاه نفسه وتجاه خالقه وتجاه المجتمع، وهي واجهة الطريقة المريدية ولذلك يجب دراسة جميع التفاصيل المتعلقة بها بالخبرة اللازمة.

يجب مراعاة "الاحتياجات الروحية للسكان خلال التخطيط العمراني وإدارة المخاطر، وجودة الحياة ...."

يجب الجمع بين الإجراءات والعملية الحكومية والقواعد الإدارية من جهة وبين آداب وطاقة العمل المريدي والحماسة والالتزام من جهة ثانية من أجل ضمان إشعاع لمدينة طوبى

فيما يخص وضع طوبى في سياسة اللامركزية لا حظ المؤلف المشكلات الآتية

  • التزايد السريع في عدد السكان بدون مسايرته بالمرافق والتجهيزات اللازمة
  • التأخر في الاستثمارات حول المرافق العامة
  • عدم كفاية المياه
  • صعوبة إدارة المدينة
  • الهوة بين ضخامة الأولويات وبين الوسائل البشرية والمالية

إن وضعية طوبى الحالية غير ملائمة:

  • توجد مفارقة في قلة ميزانية البلدية مع استعداد المريدين للمساهمة في تنمية المدينة، ومن هنا ضرورة تكييف إدارة المدينة مع واقعها الاجتماعي والديني
  • هناك غموض في تقاسم الأدوار بين الخلافة والدولة (ص ٣٤)

-      اقتراح وضعية خاصة لطوبى Statut spécial

يرى المؤلف بعد هذا التشخيص ضرورة التغيير في كيفية إدارة منطقة مريدية مثل طوبى وذلك "بوضع الخليفة في قلب المنظومة الإدارية مع إعطاء الدولة حضورا يمكنها من الحفاظ على صلاحياتها"

فالأسلوب التقليدي لإدارة المناطق غير ملائم لطوبى فالسلطة الدينية لا غنى عنها فيها، ويجب ابتكار أسلوب إدارة مختلط يجمع بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية في ديناميكية واحدة للتنمية

ويمكن لمفوضية خاصة Délégation Spéciale  أن تصحح المسار : فلا توجد سوى سلطة واحدة : الخليفة الذي يساعده المفوض الخاص على رأس خدمات (مصالح ) البلدية. وقد اقترح هيكلا تنظيميا للمفوضية الخاصة ومجلسا للشورى.

يقترح المؤلف هنا إيجاد وضعية خاصة لطوبى، ويبرر هذا الاقتراح بالآتي:

§      ضرورة تكييف أسلوب الإدارة مع إدارة المنطقة المعنية.

§      جعل حكم الأراضي مترسخا في حقائق المجتمع وذلك باستلهام قيمنا وهويتنا بالاعتماد على الديناميكية والشرعيات المحلية (ص ٥٢)

§      ضرورة التخلي عن النموذج الغربي وتبني نموذج محلي صارم ومرتبط بواقعنا المعاش (مثل نموذج الشيخ الخديم)

§      ضرورة مواصلة التفكير الذي بدأ في ٢٠١٥ حول وضعية طوبى الخاصة

اختتم المؤلف  كتابه بالأمور التي يمكن أن تسهم في تحقيق التنمية لطوبى والاستراتيجيات الملائمة لتوفير هذه الأمور.

الخاتمة

هذا الكتاب يتمحور حول كيفية إدارة مدينة طوبى إدارةً ملائمة لخصوصيتها الدينية ومحققة لتنميتها الشاملة وذلك بالتخلي عن الأسلوب التقليدي وابتكار أسلوب جديد يجمع بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية في إدارتها. ويقترح لهذا الغرض أمرين:

§      إيجاد مفوضية خاصة لتسيير البلدية تكون تحت سلطة الشيخ الخليفة

§      إعطاء وضعية خاصة لمدينة طوبى

وبالجملة يطرح هذا الكتاب قضايا مهمةً حول تسيير المناطق، ويقدم أفكارا واقتراحات قيمة حول مدينة طوبى قد تفيد المدينة وتفيد الدولة معا. والمؤلف بصفته خبيراً في هذا المجال (اللامركزية وإدارة الأراضي) ومريداً مهتمّاً حريصاً على مصلحةِ مدينة طوبى وسُكَّانها يدعو إلى مواصلة التفكير حول إيجاد وضعيةٍ مناسبة لِطوبى. وهذه الخطوةُ من المؤلف نموذجٌ يحتذى به بالنسبة للخبراء المريدين والمتخصصين في مجالات أخرى.

                                                                د. سام بوسو عبد الرحمن

 

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...