هذا هو نص العرض الذي قدمته عن كتاب الشيخ صالح امباكي مرتضى "جوانب خفية في مسار حياتي" بمناسبة حفلة الإهداء التي نظمت يوم الأربعاء 25 ديسمبر 2024 بمدرج جامعة الشيخ أحمد بمب باندام
"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وءاله وصحبه ومن والاه وبعد
فضيلة الشيخ مام مور امباكي حفظه الله تعالى
أصحاب الفضيلة المشايخ الكرام
الأسرة الأزهرية
الضيوف الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
يشرفني في هذا المقام أن أحاول عرض هذا الكتاب المعنون بـ "جوانب خفية في مسار حياتي " للشيخ صالح امباكي الذي بتواضعه اختار هذا العنوان، ولكني أعتبر هذه الجوانب "جوانب مشرقة"
وسأحاول في هذا العرض الوجيز أن أقف على بعض الجوانب تاركا المجال للقراء ليكتشفزا بأنفسهم التفاصيل، ويتمحور العرض حول ثلاث، هي:
· طبيعة الكتاب
· محتويات الكتاب
· تحليل وتعليق
أولا طبيعة هذا الكتاب
يندرج هذا الكتاب في فن أدبي يسمى "أدب المذكرات" وهو نوع أدبي يُعنى بكتابة التجارب الشخصية والذكريات بأسلوب أدبي يجمع بين السرد الذاتي والتأمل العميق في الأحداث والشخصيات والمواقف.
ويهدف أدب المذكرات إلى نقل تجارب الكاتب بصدق وعفوية، وقد يشمل تفاصيل يومية أو لحظات محورية ومهمة في حياته.
ويهتم بهذا الفن الأدبي كبار الشخصيات التي لها تجارب متميزة في حياتها من علماء وشيوخ ومجاهدين وسياسيين وغيرهم، ومن أشهر المذكرات في الأدب العربي “الأيام لطه حسين"، و"حياتي" لمحمد أمين و"أنا" لعباس محمود العقاد.
ومن يقرأ كتابات الشيخ الخديم رضي الله عنه يجد حرصه على تدوين بعض التفاصيل من حياته لما فيها من الدروس والعبر، كما نرى في كتابه "جزاء الشكور العطوف".
والشيخ صالح امباكي مرتضى في كتابه استخدم هذا النوع من الأدب.
ثانيا: محتويات الكتاب
والكتاب يقع في 207 صفحة من الحجم المتوسط، وينقسم إلى قسمين: المذكرات والملحقات، ويتضمن 29 عنوانا فرعيا أو وقفة بعد المقدمة
تناول في المقدمة القصيرة النسب الشريف الذي شرفه الله بالانتماء إليه، ثم تحدث عن الشيخ الوالد بشيء من التوسع والشيخ الوالدة قبل الحديث المراحل التي مرَّ بها وبدأ بطفولته وما فيها من معاناة.
وفي هذه المرحلة تحدث عن المدارس القرآنية (توفيق/ سرين شيخ مي/ نياغل/ سرين شعيب / سرين جتر / كوكي / كر منياو/ غسان) والعلمية التي مرَّ بها واستفاد منها ( سرين مصطفى سي/ دار المعارف/ الازهر ) ثم انتقل إلى سفره إلى القاهرة لطلب العلم، ومسيرته الدراسية فيها والمعاناة التي عاشها فيها، وختم هذه الحلقات بالمهام التي كلف بها بعد عودته.
وأما الملحقات فعبارة عن مقالات قيمة دونها الكاتب في مناسبات مختلفة
ثالثا: تحليل وتعليق
إن هذه السطور في الواقع تميط اللثام ليس عن جوانب خفية من حياته فحسب، ولكنها:
- تقدم صورة عن البيئة الاجتماعية والثقافية والتربوية السائدة في مدينة طوبى المحروسة وفي محيطها من بداية الستينيات إلى الثمانينيات من القرن الماضي؛
- تعطينا معلومات مفيدة عن ظروف الحياة في هذه البيئة، سواء على المستوى الشخصي وما فيه من معاناة وآلام وأفراح، أو على المستوى الأسري وما فيه عادات وتقاليد وأخلاق.
- والكاتب إذ يكشف عن جوانب خفية من حياته إنما يكشف في الوقت نفسه عن مسيرة لم تكن مفروشة بالورود، كما قد يُتَصور، ولكنها مسيرة محفوفة بجهود مضنية ومثابرة شديدة في سبيل العلم تحصيلا وعطاء.
- وبأسلوب سلس وجميل ولغة راقية يرسم لنا الكاتبُ صورا متحركة وناطقة عن أماكنَ وشخصياتٍ تركت بصمات على حياته؛ من مدارس قرآنية وعلمية عريقة، نقرأ على سبيل المثال ما كتبه عن مدرسة الشيخ شعيب (ص 58)
"وكان نظام الدراسة في المدرسة سهلا ومبسطا، وفي الصباح يراجع التلميذ حزبه وبعد استظهاره يأخذ درسا جديدا ثم يراجع مما سبق، ويتوقف حجمه في الكثرة والقلة على مستواه، وباستطاعة التلميذ الذكي أن يفرغ من دراسته اليومية قبل أن ينتصف النهار، اللهم إلا إذا فعل ما يوجب العقاب فعقابه العودة إلى الكتاب، ولا يوجد في المدرسة في ذلك الوقت نظام الدراسة الليلية، بل كنا ننعزل عند العتمة في إحدى زوايا البيت ونذكر الله بأصوات عالية وإذا حان وقت العشاء نؤمر بالوضوء والذهاب إلى المسجد للآذان والصلاة جماعة".
- وكان يتخلل حديثه عن هذه الأماكن والشخصيات طرائف لطيفة اقرأ معي فقرة مما كتبه عن زيارته للشيخ محمد الفاضل (ص 60)
"وفي إحدى الإجازات رأيت الخليفة الأعظم الشيخ محمد الفاضل رضي الله عنه -وكان الوصول إليه لطفل في سني صعب المنال. فالبوابون لا يتسامحون فيه، ولجأت إلى رجل يحمل دجاجات إليه فحملتها عنه، وعندما دخلت جلست بين يديه دون أقدم إليه نفسي، أو يقدمني إليه أحد. وإذا بشيخ ممن حوله يلفت نظره إلي قائلا: يبدو أن هذا الغلام يريد شيئا فرفع رأسه إلي، ثم أعطاني ثلاث أوراق100 فرنك، وكان في ذلك الوقت مبلغا كبيرا بدليل أن سخن أنت كبي زوجة سرج مصطفى غاي – المريد المقرب من الشيخ صالح – أبلغت والدتي بأن الشيخ محمد الفاضل أهدى إلي مالا كثيرا أنفقته بمصاحبة أترابي في بيت عمي في غير ما فائدة، وكان هذا الإبلاغ سببا في أن تصب علي جام غضبها"
وقد حظيت الجوانب المتعلقة برحلة الكاتب الدراسية حيزا كبيرا في هذه السطور، بدأت بمدارس طوبى قبل التحاقه بمعهد الأزهر، وهي رحلة حطت به في القاهرة معقل العلم والثقافة، بعد مغامرات ومعاناة شديدة تلتها سنوات غربة لم تكن سهلة ولا ميسورة، وقد تحملها بصبر وهمة عالية حتى ظفر بنيل مناه وتحقيق مبتغاه.
- وقراءة أحداث هذه الفترة تفتح عيون الجيل الحاضر على الصعوبات الكبيرة التي كان طلبة العلم يعانونه في مسيرتهم الدراسية، لكي يقدروا الإنجازات التي تحققت في المجال التربوي والتعليمي، وقربت لهم ما كان بعيد المنال.
- وإلى جانب هذه الصور الساطعة والأحداث المتلاحقة ضمَّن الكاتبُ سطورَه تأملاتٍ وتحليلاتٍ عميقةٍ حول قضايا اجتماعية وتربوية وسياسية تنم عن وعي ناضج، ونظر بعيد، وحس مرهف بمشكلات مجتمعه وتحدياته.
- وسيَستشفُّ القارئ خلالَ هذه السطور أيضا شعورَ الكاتب بمسؤوليته الكبيرة في رفع تلك التحديات، باعتباره واحداً من قادة الطريقة المريدية التي أسَّسها جدُّه المجدد مولانا الشيخ أحمد الخديم رضي الله تعالى عنه.
- يجد القارئ في هذه الورقات التي بين يديه صفحاتٍ مضيئةً من تاريخ مؤسسة الأزهر الإسلامية التي نهض الكاتب بدور أساسي في تنظيمها وتطويرها بصفته مديرا عاما لها منذ أكثر من ثلاثين سنة،
- يجعل القارئَ يقف على طرف من رؤية الشيخ محمد المرتضى البعيدة، وجهوده الجبارة في تأسيس هذا الصرح العلمي العظيم، وعلى المراحل التي مرَّ بها وعلى بعض الشخصيات التي أسهمت في ترسيخ قواعده.
الخاتمة
ويمكن القول في النهاية إن هذه الجوانب من مسار حياة شيخنا صالح نافذةٌ على تاريخنا الفكري والاجتماعي المعاصر، ويمكن للجيل الحاضر أن يسترشد بها ويستمد منها طاقة لمضاعفة جهوده وحمل أمانته في سبيل النهوض بمجتمعه.
وفي الكتاب دعوة إلى الاهتمام بتاريخنا المعاصر وهو تاريخ مجيد من حق الأجيال القادمة معرفتها والاستفادة منها، ولا يتسنى ذلك إلا باهتمام الفاعلين بتدوين تجاربهم وخبراتهم وتفاصيل معاشرتهم لشيوخنا الكرام رضوان الله تعالى عليهم".
والسلام عليكم ورحمة الله
د. سام بوسو عبد الرحمن