الأحد، 15 يونيو 2025

تعليقٌ على كتاب الدكتور شيخنا خديم امباكي بعنوان "التوحيد في فكر الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه ومواقفه

فقد كنتُ أشعر في قرارة نفسي بضرورة دراسة الفكر الخديمي بمقاربة مختلفة عن المقاربات السطحية التي تعتمد على التصنيفات السهلة، مقاربةٍ جديدة تلقي نظرة تحليلية على هذا الفكر الاصيل، وتنطلق من اعتبار الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه مدرسةً فكرية وتربوية قائمة بذاتها، وتميز بين جهوده في خدمة مدرسة معينة من المدارس العقدية والفقهية والسلوكية، وبين مساره الفكري الخاص وإضافاته، واختياراته، ومواقفه التي قد تتجاوز حدود تلك المدارس، وتتحرر من إكراهاتها المذهبية.

 فعلىسبيل المثال، حين يعترف الشيخ بمرجعية المذاهب الفقهية السُّنية الأربعة، ويُعلنُ صلاحية جميع الأوراد في إيصال المريدين إلى الحضرة الإلهية، وحين يُعلي من قيمة الشهادة بوحدانية الله تعالى ويضعُها فوق جميع الاعتبارات، كان يؤسِّس لاتجاه فكري أصيل يتحرر من رواسب التحجُّر المذهبي والتعصُّب الطائفي ليفتح آفاقا جديدة أمام التفكير الديني السائد في عصره. 

وإني لأرى في الكتاب القيم لأخينا الباحث الدكتور شيخنا امباكي طرحاً جديداً مهما، حيث تناول فيه قضيةً محوريةً في حياة الشيخ الفكرية والعملية، وهي قضية التوحيد، وأفرَدَ لها دراسةً تحليليةً عميقةً. وأهميةُ مثل هذا النمط من الدراسة تكمن في أنه يُعنى بلمِّ شتات موضوعٍ ما، وتضعها على طاولة التحليل لتقديم صورة متكاملة عن منهج الشيخ ومواقفه وخصائص فكره حيال ذلك الموضوع محل الدراسة، ومن شأن هذا النوع من المعالجة تعميقُ الفهم لتراث الشيخ الفكري، وتسهيلُ الوقوف على السياقات المؤثرة في هذا التراث والمتأثرة منه.

وفي الواقع، سيخرج القارئ المتأمل بعد قراءته للكتاب برؤية واضحة عن ملامح  التوحيد الخالص الصافي المتجلي في كتابات الشيخ، وفي جميع مواقفه، هذا التوحيد الراسخ الذي كان يُعبرُ عنه بأبلغ العبارات وأسماها ويجسدُه في أدق معانيه وأرقاها.

فقد أبدع الباحثُ، حقيقةً، في عرض مؤلفات الشيخ التوحيدية، وفي تجلية معاني التوحيد عبر الأحداثِ والظروف المختلفةِ التي عاشها، وفي إبراز مواقفه الصائبة في عديد من القضايا والمسائل العقدية الشائكة، مثل مسألة زيادة الإيمان ونقصانه، وقضيةِ خلق الأفعال، ومسألةِ الأسماء والصفات، والاستواءِ على العرش، وخلقِ القرآن وغيرها.

وبالجملة، حالف باحثَنا توفيقٌ كبيرٌ  ولله الحمد - في اختياره لموضوعه ومنهجيتِه وأسلوبه، ومن هنا، يُعدُّ بحثُه - في نظري - نموذجاً للدارسة الجادة والعميقة التي نحتاج إليها لإماطة اللثام عن جوانبَ أساسيةٍ من الموروث الفكري الثري لمولانا الشيخ أحمَدَ الخديم رضي الله تعالى عنه ووضعِها في متناول الباحثين والدارسين.

أسأل الله تعالى أن يتقبَّلَ هذا العملَ وأن ينفع به الأمة جمعاء.

د. سام بوسو عبد الرحمن 

تعليقٌ على كتاب الدكتور شيخنا خديم امباكي بعنوان "التوحيد في فكر الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه ومواقفه

فقد كنتُ أشعر في قرارة نفسي بضرورة دراسة الفكر الخديمي بمقاربة مختلفة عن المقاربات السطحية التي تعتمد على التصنيفات السهلة، مقاربةٍ جديدة تل...