يبدو أن لكل واحد من أبناء الشيخ الخديم مهمةً
بارزةً في خدمة دعوته التجديدية، ومهمة
الشيخ عبد القادر - في نظري - تتمثل أساسا في تجسيد
لُبِّ الدعوة وتأصيله؛ فقد بين الشيخ
المؤسس للمريدية في غير ما موضع قصدَه
لإحياء السنة النبوية الشريفة، ويتجلى
هذا الاحياء في بيانها والالتزام بها من
خلال كتاباته العلمية وحياته العملية
ومنهجه التربوي.
ومما قاله
في هذا المعنى :
- دَعَا
مِدَادِي وأَقْلَامِي لِخِدْمَتِهِ*** إِحْيَاءُ
سُنَّتِهِ بِالْحُكْمِ وَالْحِكَمِ
- لِلْمُصْطَفَى
نوَيْتُ مَا يُجَـــدِّدُ *** سُنَّتَهُ
الْغَرَّا وَإِنِّي أَحْـــــمَدُ
- نَظَافَتُهُ
كُلِّي مِنَ اللَّغْوِ طَهَّرَتْ*** وَسُنَّتَهُ
إِنْ شَـاءَ رَبِّي أُبَيِّنُ
كما
سخر رضي الله عنه بيئته الطبيعية والاجتماعية
لخدمة هذه المهمة السامية؛ ففي قصيدته
المشهورة "مطلب
الفوزين"
تتبلور
رؤيته حول المجتمع الايماني الذي أراد
إقامته على أسس التوحيد والعبادة والأخلاق
والآداب؛ فالحياة
المادية، في ذلك المنظور، تدور حول الحياة
الروحية وتخدمها في تناغُم وانسجام صافيين؛
وتتلاحم الشريعة والحقيقة لإقامة صرح
السنة النبوية بكافة أبعادها دون تفريط
أو إفراط ولتحقيق الاستقامة على الصراط
المستقيم الذي يؤدي إلى السعادة الأبدية
مصداقا لقوله (رضي الله عنه)
"وَاجْعَلْ
إِلَهِي مَسْكَنِي طُوبَى أَبَدْ .***
مِثْلَ
اسْمِهَا بِجَاهِ خَيْر مَنْ عَبَدْ"
ولا
يمكن فهم شخصية الشيخ عبد القادر دون
الإلمام بهذه الرؤية الخديمية التي جسدها
في جميع جوانب حياته؛ فقد كان رضي الله
عنه "سُنَّةً" تمشي على الارض إيمانا وأخلاقا
وسلوكا ومعاملة وتربية وتوجيها .
وكان
يتميَّز باتباعه الشديد للسنة في أدق تفاصيل
الحياة وبمحاربته الشرسة للبدع والخرافات.
كما كان
يُسخر منصبَ إمامته وخلافته -
وإن كانت
هذه الاخيرة وجيزة -
لتوجيه
المجتمع الإسلامي بشكل عام والمريدي بشكل
خاص إلى تحقيق مبدإ الاستقامة اعتقادا
وقولا وعملا، ليُعيد فيه التوازن الكاملَ
بين الحقيقة والشريعة.
كان الإمامُ صوفيا
في أجل معاني التصوف وسنيا في أدق تفاصيل
السنة باعتبار التصوف والسنة وجهين لعملة واحدة
، وهي الهدي النبوي الشريف.
ففي
الوقت الذي يعيش فيه العالم الاسلامي
أزمةَ تطرفٍ وغُلُوٍّ وتتقاتلُ أطرافُه بشأن
الأوصاف والألقاب بين سني وصوفي وسلفي
وأشعري إلخ ويترنح كثير من أتباع الطرق الصوفية
بين الإفراط والتفريط، واختلط الحابل
بالنابل، ولم يَعُد الغثُّ يتميز عن السمين
لدى العديد منهم، ُيقدم "النموذجُ القادري"
مثالا لشخصية
المسلم المتوازنة المتكاملة المُجسِّدة
للمنهاج النبوي الشريف.
و الأمةُ الإسلامية أصبحت في أمس الحاجة
إلى مثل هذا النموذج القادر على تحقيق
مصالحة بين أطيافها وتياراتها بفضل ما
يحمله في طياته من معان ودروس تبرز الهدي
النبوي في أبهى صوره.
مقالات ذات صلة
مقال جيد ، وقيم كذلك في وجازةوتركيز على الأهم ؛ ذلك لما تضمنه من استخلاص الدروس والعبر وربطها بواقع الناس اليوم ـ وخير العلم ما ينفع الناس ويمكث في الأرض ـ فإن مجرد تعداد مناقب وفضائل الصالحين الفالحين رُغم كونه مرغبا فيه ومأجورا عليه إن شاء الله رب العالمين لمايلزمه من المحبة والتوقير لمقاماتهم ومراتبهم فهو ـ بلاشك ـ دون المطلوب من إفادة المستفيدين من استخلاص الدروس والعبر عند دراسة سيرهم العطره وأخبارهم السائرة ؛ كما حاول في هذ ا المقال أخونا الفاضل الأستاذ المفتش المحمود الخصال الباحث المتفاني في خدمة التراث الإسلامي عموما ، والمريدي خصوصا ، السيد سام بوسو كلأه الله بحفظه المنبع ونفعه ورفعه ونفع به آمين
ردحذفشكرا أخي الدكتور - حفظكم الله ورعاكم - على هذا التعليق القيم الذي وضع الحروف على النقاط. فجزاكم الله خيرا وبارك في علمكم. ءامين
حذفلا غرو في أن يكون الشيخ عبد القادر امباكي "الاستقامة في صورتها المجسدة" لامتثاله حياة وتعليمات والده الذي كان إسلاما يمشي على الأرض. وإنني يا أخي الكريم لأتحرق شوقا إلى يَجُود لنا قلمُكم بمقالة من هذا النوع حول نجل الشيخ الخديم: الشيخ شعيب امباكي. وجزاكم الله خيرا كثيرا.
ردحذف