منذ
عدة سنوات، كنتُ أفكر في قضية التعليم
العربي في المدرسة الفرنسية العمومية،
بعد أن زاولتُه لمدة خمس سنوات كمعلم للغة
العربية في المرحلة الابتدائية وحوالي
عشر سنوات كمفتش للتعليم الابتدائي.
والسؤال
الذي كان يطرح نفسه عليَّ بإلحاح شديد هو
: هل
يمكن لهذا التعليم أن يحقق الأهداف
الثمانية المرسومة لها في المنهاج؟
وبعبارة أخرى هل يمكن للتلميذ في نهاية
المرحلة الابتدائية أن يكون قادرا على :
١-
التحادث مع
غيره بلغة صحيحة وواضحة،
٢-
التعبير عما
يجول في نفسه من الخواطر و الأفكار والآراء
،
٣-
القراءة
الصحيحة المسترسلة بلا تردد و لا تقطيع
،
٤-
نقل الكلمات
و النصوص نقلا صحيحا،
٥-
كتابة الكلمات
و الجمل القصيرة و المتوسطة إملائيا ،
٦-
حسن الإلقاء
و حسن الأداء ،
٧-
مخاطبة
الجماهير بلا خجل و لا استحياء ،
٨-
حفظ بعض
النصوص القصيرة و المتوسطة؟
وفي
تقديري لا أعتقد أن هذه الأهداف -
في واقع
التعليم العربي وظروفه الراهنة -
قابلة
للتحقيق. وهذه
المشكلة تتطلب وقفةً شجاعة من قبل جميع
الأطراف المعنية والمهتمة بمصير النظام
التربوي السنغالي وخاصة المسؤولين في
المقام الأول عن التعليم العربي من أجل
دراستها وتشخيص أسبابها وتصور حلول لها.
من
المعروف أن هذا التعليم العربي في المدرسة
الفرنسية الابتدائية له أهمية كبيرة
لأسباب دينية وثقافية وتاريخية واجتماعية
وغيرها.
فللغة
العربية تاريخ عميق الجذور في السنغال
وارتباط عضوي وثيق بالدين الإسلامي الذي
يعتنقه الشعب السنغالي بأغلبيته الساحقة،
ونتيجة لهذا الارتباط كانت هذه اللغة
الوعاء الأساسي لتراثه الديني والثقافي
والعلمي كما كانت أداة للتواصل بينه وبين
شعوب أخرى.
وعلى
الرغم من نجاح الاستعمار الفرنسي في غرس
نظامه التعليمي في البلاد ما زال المسلمون
فيه متمسكين بلغة القرءان، وإن كان بدرجات
متفاوتة. وقد
وصل هذا التمسك لدى البعض إلى حد الإعراض
عن المدرسة العمومية إذا لم يوجد فيها
معلم للغة العربية.
ومن
ناحية أخرى، ظل التعليم العربي التقليدي
حاضرا بشكل مكثف في كثير من مناطق البلاد
، ثم انبثق عنه نظام حديث ترعاه مؤسسات
تعليمية حديثة، وتخرج فيها العديد من
حملة الشهادات الأكاديمية العربية، ولم
يكن أمام هؤلاء مجال للتوظيف سوى الانخراط
في سلك التعليم.
فهذه
العوامل وغيرها دفعت الحكومة السنغالية
إلى إدراج اللغة العربية في منهج المدرسة
الفرنسية منذ الستينات من القرن الماضي.
وكانت
البداية تتسم بالهشاشة ثم تطور وضع العربية
وأوضاع معلميها؛ ففي سنة ٢٠٠٢
م أصبحت حصتها في المرحلة الابتدائية
ساعتين في الاسبوع إلى جانب ساعتين اخريين
للتربية الدينية لكل فصل. ويتمتع
معلم اللغة العربية ومفتشها بالحقوق التي
يتمتع بها معلم اللغة الفرنسية ومفتشها
تقريبا.
وعلى
الرغم من ازديادٍ ملحوظ في عدد هؤلاء
المعلمين والمفتشين وتحسن أوضاعهم ظل
تعليم اللغة العربية في هذه المدرسة غير
فعالة باعتبار الأهداف المرسومة له:
فقلما نجد
تلميذا اكتفى به ومع ذلك سيطر بشكل جيد
على الآليات الأساسية للقراءة، ولا أقول
"القراءة
الصحيحة المسترسلة بلا تردد و لا تقطيع
" أو
"التحادث
مع غيره بلغة صحيحة و واضحة"
كما هو معبر
عنه في أهداف المرحلة.
وهنا
تكمن ضرورة المراجعة لمنهاج هذا التعليم
على ضوء المستجدات الطارئة في النظام
التربوي وتحديات المجتمع وتوقعات الآباء
وإمكانيات النظام المادية والبشرية.
فاستمرار
هذا الوضع يُعتبر إهدارا للطاقات والموارد
لا ينبغي أن يستمر إلى ما لا نهاية؛ فليس
هناك بد من وقوف جميع المعنيين من سلطات
وعاملين ونقابيين وأولياء لمعالجته.
وفي هذا
الإطار نقدر مبادرةً مشجِّعة اتخذتها
ودادية مفتشي التعليم العربي لإعادة
النظر في منهاج التعليم العربي منذ فترة
قريبة.
وإن
كانت هناك عوامل عديدة يمكن أن تساهم في
عدم فعالية هذا التعليم، فإني أرى من
جانبي ضروة مراجعة أهدافه لتكون أكثر
واقعية وملاءمة للظروف النظام واحتياجات
الأطفال وتوقعات الأولياء.
فعلى
سبيل المثال لا أمانع من تخصيص الطور
الأول لتعليم القراءة وتحفيظ بعض قصار
السور والأحاديث وتأجيل بقية المواد إلى
الطورين الأخيرين فتكون الأهداف العامة
في نهاية الطور:
- قدرة التلاميذ على فك الرموز المكتوبة وقراءة الكلمات والجمل القصيرة ؛
- حفظ عدد من قصار السور حفظا جيدا؛
- حفظ بعض الاحاديث النبوي وفهم معانيها الإجمالية .
ويمكن
الارتقاء بهذه الأهداف لتكون على شكل
كفايات أساسية تحترم جميع مواصفات الكفاية.
وفي
طريقة تدريس القراءة لا أرى مانعا من
العودة إلى الطريقة الصوتية التي جُربت
فعاليتها في مساعدة الأطفال على فك الرموز
المكتوبة في فترة قياسية. تصوروا
ما ذا يكون شعور الآباء لو حقق التعليم
العربي هذه الأهداف لأطفالهم بعد سنتين
من التعلم!
فهذا
نموذج لما يمكن أن يتجه إليه التفكير
بعيدا عن النظريات التي لا تمت إلى واقعنا
التربوي بصلة ولم تثبت لدينا بعدُ نتائجُ
تطبيقها.
فعلينا
أن نحاول التحرر من ربقة التبعية في صياغة
مناهجنا واختيار محتوياتنا وطرائقنا في
التدريس. فكثيرا
ما نكتفي بالترجمة أو بالنقل مع أن الحقائق
الميدانية لأصحاب الدراسات والأبحاث
المترجمة أو المنقولة قد تكون مختلفة
تماما مع واقعنا اللغوي والنفسي والاجتماعي.
سام
بوسو عبد الرحمن
-->
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذفأزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف