تزخر الطريقة المريدية - والحمد لله - بعلماء صالحين وأدباء مخلصين، آثروا التواضع والزهد والخمولَ، فكرسوا أنفسَهم لتعليم المريدين ما علَّمهم الله تعالى، وفي العمل به بإخلاص وتفان، وقد خلف بعضهم تراثاً علمياَ قيما، ولكن هذا التراث يتعرض في أحيان كثيرة للإهمال والضياع، الأمر الذي أسهم نوعا في اختفاء جانب كبير من الإنتاج العلمي والأدبي لهؤلاء العلماء الصالحين.
ولذلك انتابني شعورٌ بالاعتزاز والارتياح، وأنا أتصفح هذا البحث القيم عن حياة العالم العابد المريد الصادق الشيخ مختار بنت لوح رضي الله تعالى عنه وعن تراثه العلمي.
فالجهد العلمي المبارك الذي بُذل في هذا البحث يُمثل خطوةً مهمةً في سبيل إنقاذ وحفظ التراث العلمي للمسلمين في إفريقية جنوب الصحراء عامة، وللمجتمع المريدي بصفة خاصة.
إن ظهور هذا الكتاب، في حقيقة الأمر، حدثٌ تاريخيٌّ في الساحة الفكرية الإسلامية عامة، والمريدية خاصة لاعتبارات عدة؛ فمنزلة الشيخ المترجم له ودوره في تاريخ الطريقة وتراثه العلمي و الأدبي يرشحان هذا السفر العظيم عن حياته ليتبوأ بكل جدارة مكانة مرموقة في المكتبة الإسلامية، كما أن الجهد الفكري الذي بذلته هيئةُ إحياء تراث الشيخ مختار بنت لوح في جمع المادة العلمية للكتاب بمنهجية صارمة، وفي تذليل كثيرٍ من العقبات التي تعتري أمثال هذه المشروعات يمكنُ أن يفتح آفاقا واسعة لمعاقلَ علميةٍ كثيرة تزخر بكنوز تراثية نفيسة وتلعب بها أيدي الإهمال والضياع في الوقت الحاضر. فهذه المبادرة أنموذج رائع سوف تحتذي به - لا محالة- أسرٌ أخرى، لها تراث علمي وأدبي يستحق أن يُعتنى به في هذه المنطقة.
ومن ناحية أخرى يشكل الكتاب خدمة جليلة للاجيال الحاضرة والقادمة من المريدين خاصة والمسلمين عامة، لما يحويه بين دفتيه من قيم سامية تُجسدها سيرةُ العلامة الشيخ مختار رضي الله عنه في حياته، من إرادة صادقة، وإخلاص، واستقامة، وزهد، وورع، وتفانٍ، وجدية، وغيرها، ولما يكشفه من حرصه على نفع الخلق من خلال نشر منهج شيخنا أحمد الخديم رضي الله تعالى عنه وفكره.
إن هذا الكتاب بكل المقاييس تحفةٌ ثمينة للدارسين والباحثين الحريصين على الوقوف على منهج الشيخ الخديم التربوي، لكون الشيخ مختار من خيرة الشيوخ المريديين الذين لازموه، وتجلت آثار تربيته المباركة في زكاء نفوسهم، وصفاء قلوبهم، واستقامة سلوكهم، وصلاح أعمالهم، كما قال أحدهم، وهو العلامة الشيخ امباكي بوسو :
هُوَ الْغَوْثُ والمِغْيَاثُ ربَّي قلوبَنا *** وأجسامَنا فالكلُّ صافٍ وناعمُ
فالشيخ مختار رضي الله تعالى عنه يمثل خير تمثيل ذلك الرعيل المبارك من أتباع العبد الخديم رضي الله تعالى عنه بسيرته وبإنتاجه الذي يعكس المنهج الخديمي القائم على العلم النافع والعمل الصالح والأدب المرضي.
وبالجملة يستحق هذا العمل التشجيعَ والتنويه، كما يستحق أصحابُه الشكرَ والتقديرَ، وفي مقدمتهم خليفة الشيخ مختار السائر على خطاه، العالم المتواضع الشيخ محمد فاضل لوح وجميع أعضاء الهيئة المباركة.
نسأل الله تعالى أن يبارك في هذه الجهود، وينفع بها ويكتبها في ميزان حسناتهم ويجازي الشيخ مختار خير جزائه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق