الجمعة، 21 نوفمبر 2025

دور أهل القرآن بين قيم الدارة وتحديات الواقع السياسي

شهد المشهد السياسي السنغالي خلال العقد الأخير تحوّلًا لافتًا تمثّل في الظهور القوي لأهل الدارة داخل الساحة السياسية. وقد اتخذ هذا الحضور أشكالًا متعددة، أبرزها الانخراط في الأحزاب السياسية، والمشاركة الفاعلة في الحملات الانتخابية، ثم تقلّد مناصب مهمة في مؤسسات الدولة في الآونة الأخيرة.

هذا التحوّل لم يكن حدثًا عابرًا، بل مثّل – في نظر العديد من المراقبين – استجابة لتطلعات واسعة كانت ترى في دخول أهل الدار عنصرًا قادرًا على إحداث توازن أخلاقي وقيمي داخل اللعبة السياسية. فالساحة السياسية – كما يصفها هؤلاء – تُعاني منذ سنوات من سلوكات لا أخلاقية وضعف في المرجعية القيمية التي تضبط العمل العام. وكان الاعتقاد السائد أنّ من تربّى على قيم المدرسة القرآنية، وتشبع بروحها الأخلاقية والتربوية، يمكن أن يقدّم نموذجًا مختلفًا في السياسة، يقوم على النزاهة والعدل وخدمة الصالح العام.[1]

يرى هؤلاء أن أهل الدارة، بما يحملونه من إرث تربوي وروحي، قادرون على أن يكونوا صمّام أمان أمام حالات الانحراف السياسي التي تهدد استقرار البلاد ووحدتَها، وأن يسيروا مع الحقّ والعدالة أين سارت ركائبها، بعيدًا عن المصلحة الشخصية أو المكاسب المادية التي أوقعت كثيرًا من السياسيين التقليديين في دائرة الفساد والتجاذبات الضيقة.

غير أنّ ما يلوح اليوم في الأفق من أزمة سياسية غير مسبوقة يشكّل اختبارًا حقيقيًا لأهل الدارة المشاركين في الحياة السياسية:

هل سيقفون مع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار؟ وهل سيكون خطابهم متميزًا عن خطاب الساسة التقليديين ومؤثري وسائل التواصل الذين يؤججون الصراعات لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية؟ وهل يسعون إلى إصلاح ذات البين وجمع كلمة الأمة، أم يقعون في فخ تأجيج العداوة خدمة لاستراتيجيات انتخابية أو مصالح شخصية؟

إنّ هذه الأسئلة الملحّة تضع أهلُ الدارة أمام لحظة فارقة، قد تحدّد مدى مساهمتهم في إعادة توجيه المسار السياسي نحو الحكمة والتوازن. ومع ذلك، يظلّ هناك قدر من التفاؤل بأن يكون لمشاركتهم ومواقفهم أثر إيجابي في هذه الظروف الحرجة، وأن يمثّل صوتهم منارة للحكمة تهدي الأطراف السياسية المختلفة إلى طريق التوافق الوطني وتجنّب الانزلاق نحو أزمات تهدد استقرار البلاد.

وسيكون من الخسارة الكبيرة – بل من المفارقات المؤلمة – أن تتغلب الولاءات الحزبية الضيقة على صوت النزاهة والتجرّد والعدل، وهو الصوت الذي عُرف به أهل الدارة على امتداد تاريخ السنغال، وكان من أبرز عوامل حفظ وحدته وسلمه الاجتماعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دور أهل القرآن بين قيم الدارة وتحديات الواقع السياسي

شهد المشهد السياسي السنغالي خلال العقد الأخير تحوّلًا لافتًا تمثّل في الظهور القوي لأهل الدارة داخل الساحة السياسية. وقد اتخذ هذا الحضور أشك...