قبل
أيام أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند
بأنه لن يترشح لفترة رئاسية ثانية في
الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا.
شكل هذا التصريح مفاجئة كبيرة
للفرنسيين وسابقة من نوعها في تاريخ هذا
البلد، فلأول مرة يمتنع عن الترشح ثانيا
رئيس تنتهي فترة رئاسته الاولى . وقد
تناول المحللون قرار هولاند بالتحليل
الواسع وحاول كل محلل أن يفسره من وجهة
نظره ومن هنا يمكن التساؤل عن العبرة التي
يمكن للأفارقة أن يستنبطوها من هذا الحدث.
في الواقع يكاد المحللون يجمعون على حقيقة واحدة مفادها أن شعبية الرئيس الفرنسي ظلت منذ الفترة الاولى من رئاسته تتدنى بشكل مضطرد حتى وصل إلى أدنى مستوياتها في الآونة الأخيرة حسب استطلاعات الرأي. وقد كان لهذا التدني في مستوى الشعبية أثرٌ في قرار الرئيس بعدم الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ومن
القراءات الممكنة لهذه الحادثة أن فرانسوا
هولاند يأخذ في اعتباره ميول الشعب الفرنسي
واتجاهاته السياسية ويحترم رأيه ولا يريد
تعريض نفسه أو حزبه للإذلال ولا ينوي
اللجوء إلى الحيل السياسية لتغيير موقف
الناخبين في شخصه وفي سياسته فآثر التخلي
والانسحاب. ويمكن أن نتلمس
في هذا الموقف شجاعة وايمانا بالمبادئ
الديموقراطية واحتراما للشعب.
وهذه
القيم هي ما نفتقر إليها في قارتنا السمراء؛
فصاحب السلطة فيها يبذل كل ما في وسعه
للاحتفاظ بسلطته بصرف النظر عن إرادة
غالبية شعبه فيلجا إلى كافة الوسائل
المشروعة وغير المشروعة ديموقراطيا
للاحتفاظ بمنصبه؛ لا يعبأ باستطلاعات
الرأي ولا يعترف بها حينما لا تكون في
صالحه، وبعض هؤلاء الزعماء الأفارقة لا
يتورعون في تزوير نتائج الانتخابات
لمصلحته أو افتعال القلائل لضمان استمراره
في الحكم.
ولعل
السر في هذه الاستماتة الشديدة على الحكم
في إفريقيا يكمن في طبيعة السلطة السياسية
فيها حيث يستغلها الحاكم غالبا أوحاشيته
أوأقاربه وأصدقاؤه أو قبيلته لنهب ثروات
البلاد أو للاستحواذ على مقدراته أو
الحظوة بامتيازات كبيرة ثم يتحلون إلى
جماعات ضغط حول السلطة القائمة؛ وفي بعض
الاحيان تدفع ملفات الفساد حكامَنا الى
محاولة التمسك بالسلطة لأطول مدة ممكنة
خوفا من الملاحقة القضائية.
فمهما
كان الدافع وراء تخلي هولاند عن الترشح
فإن في قراره درسا بليغا للقادة الأفارقة،
ليدركو أن السلطة السياسية ليست غاية
في ذاتها وأنه يمكن العيش بدونها، وأنها
تفويض من الشعب يستردها متى شاء، فيجب أخذ
رأيه في الاعتبار في جميع الأحوال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق