إن
أهم عامل لنجاح جماعة ما في تحقيق أهدافها
الدينية أو الاقتصادية أوغيرها هو القيادة
الرشيدة كما أن أخطر أزمة يمكن أن يواجهها
مجتمع ما أيا كانت طبيعته هي الأزمة
القيادية. فالجماعة تحتاج
دائما إلى قيادة حكيمة للوصول إلى غاياتها
والمحافظة على بقائها ونقل تراثها وتوصيل
رسالتها.
ومن
هنا وضع الإسلام مبدأَ القيادة في قمة
تعاليمه وإعدادَ القادة في بُؤرة اهتماماته.
فقد تولَّى الرسولُ صلى الله
عليه وسلم بنفسه تربيةَ أصحابه رضي الله عنهم ليحملوا
فيما بعد شُعلةَ رسالة الإسلام إلى البشرية
جمعاء وسار على خطاه ونهجِه وريثُه ومجددُ
سنتِهِ شيخُنا أحمدُ الخديم رضي الله عنه
في تربية كبار أتباعه وإعدادهم وتكوينهم
كقادة أكفاءَ روحيا واجتماعيا وثقافيا.
وكان رضي الله عنه وقف على
حقيقة الأزمة القيادية في عصره فقدَّم
في مهمته الإصلاحية تكوينَ شيوخ أجلاء
نشروا تعاليمه إلى ربوع البلاد وحافظوا
على منهج تربيته فظلت الطريقة المريدية
دوحة شامخة أصلها ثابت وفرعها في السماء
...
فقد
جاهد جميع أبناء الشيخ الخديم رضي الله
عنه وخلفائه من بعده في حمل راية الدعوة
الإصلاحية والرسالة التربوية، ولكن
المربيَ العلامة الشيخ شعيب امباكي رضي
الله عنه تنَبَّه إلى الأهمية البالغة
لتربية قادة المستقبل والمكانة التي
تحتله في الإسلام عامةً والمريدية بشكل
خاص، فكرس حياتَه المباركة لهذه المهمة
النبوية الشريفة وتفرَّغ بقلبه وقالَبِه
لتربية الناشئة من أسباط الشيخ الخديم وكبار
أتباعه. وكان رضي الله
عنه صاحبَ رؤية بعيدة ومنهجية فريدة في
تعليم الصغار وتهذيبهم وتكوينهم1.
ولا
يمكن للمرء أن يتصورَ ما بذله شيخُنا شعيب
من أوقاته النفيسة في مباشرة المتعلمين
ومتابعة سلوكياتهم لحظة بلحظة وللإشراف
على تعليمهم وتقويمهم ليل نهار. "فلم
يكن هم الشيخ – رضي الله عنه – تعليم
الوافدين فحسب، بل كان يُعنى بتخليتهم
وتحليتهم، وبتربيتهم على الطاعة والعبادة،
وحضِّهم على تعمير الأوقات وزجرهم عن
تضييعها؛ فكان يضيق ذرعا إذا وجد طالبا
سبَهْللا لا هو في أمور الدين ولا في أمور
الدنيا، بل كان يُشغله بما يجلب إليه
النفع في العاجلة والآجلة"2
ولقد
ظهرت آثارُ تربيته المباركة في الشيوخ
الذين تربَّوا في حجره، فتميزوا بالوعي
بمسؤوليتهم والإلمام بمهامهم والاستقامة
في سلوكهم والحرص على قيادة أتباعهم؛
فهم يمثلون نموذجا للشيخ المرشد الواقف
على قضايا عصره وهموم مجتمعه. وحاجةُ هذا العصر ملحةٌ إلى مثل هذا النموذج
القيادي الرشيد الذي يتطلب إعدادا روحيا
وتكوينا ماديا للنهوض بشؤون المسلمين.
فمعَ الانتشار السريع والإقبال الشديد اللذيْن
تشهدهما الطريقة المريدية في العقود
الأخيرة والفساد المنتشر في المجتمع
أصبحت مسؤوليةُ التوجيه والإرشاد جسيمةً
للغاية، لأن احتلالَ مناصبَ قياديةٍ
دون سابق إعداد يؤدي إلى أضرار بالغة
على المستويين الفردي والجماعي. ولذلك
لم يكن الشيخُ الخديم رضي الله عنه يُصَدِّرُ
شخصا إلا بعد الفراغ من تربيته وتأهيله،
والرواياتُ في ذلك متواترة.
وبحمد
الله وتعالى قدَّم الشيخُ شعيب رضي الله
عنه نموذجا رائعا يجب الاحتذاءُ به في
إيجاد مراكزَ أو مؤسساتٍ تربوية لتأهيل
قادة المستقبل الذين يخدمون الإسلام
ويجتهدون في إحياء السنة النبوية بوعي
عميق ومعرفة واسعة وكفاءة حقيقية ورؤية
ثاقبة ليدخلوا في زمرة ذرية الشيخ الخديم
الموصوفين بقوله:
ذريةً طيبةً تُجددُ *** نهجَ النبيِّ المصطفى تجتهدُ
فهذه
الرؤيةُ الاستراتجية البعيدة جانبٌ واحد
من الجوانب المتعددة لحياة الشيخ شعيب،
يحتاج العالم إلى الاستفادة منها، وتتطلب
وقفات ودراسات أخرى عميقة مثل اهتمامه
بنشر المعارف والعلوم باللغات المحلية
وهي قضية اتفق المتخصصون في التربية
الآن على أنها قضية أساسية لا مناص من
أخذها في الاعتبار، كما شرعت السلطات
التربوية في تخصيص مليارت من الفرنك بهدف
استخدام اللغات الوطنية في المدارس
العمومية.
نسأل
الله أن يجازيَ شيخنا شعيب عن الإسلام خير
الجزاء ويُلهمَ زعماءنا الاستفادةَ من رؤيته
ومنهجه لصالح الأمة جمعاء ويسددَ خُطى
أبنائه وأحفاده ويزيدَهم التوفيق في
مهمتهم.
سام
بوسو عبد الرحمن
1 للوقوف
على مزيد من التفاصيل حول منهج الشيخ
شعيب انظر "مدرسة
الشيخ شعيب امباكي القرآنية"
للشيخ صالح امباكي مرتضي،
مقال منشور في موقع مؤسسة الأزهر الإسلامية السنغالية
2 الشيخ
شعيب امباكي ... العارف
الرباني للباحث أبي مدين شعيب تياو
(نسخة إلكترونية)
جزيتم خيرا وكفيتم شرا. ويبدو كذلك أنه كان من طراز عباد الله الذين همّهم اليومي موقوف على الآخرة، فكان من أكبر الزاهدين عن الدنيا، زهدا لم يمنعه قط من بذل "أوقاته النفيسة في مباشرة المتعلمين ومتابعة سلوكياتهم لحظة بلحظة وللإشراف على تعليمهم وتقويمهم ليل نهار" رضي الله عنه امباكي بالَّ أيْسَ
ردحذفبارك الله فيكم لقد كان الشيخ زليا مرشدا بكل ما تعنيه هذا التعبيرالقرأني من معنى
ردحذفشكرا لكم المفتش الكبير والمحلل البارع
ردحذف