إن
شيخنا عبد الأحد امباكي (١٩١٤م-١٩٨٩م) الخليفة الثالث للشيخ أحمد بمب رضي الله عنهما كان يتميز بصفته قائدا
مُحنَّكا جريئا بعيدَ الرؤية، إلى جانب كونه شيخا مربيا عالما عاملا بعلمه زاهدا ورعا. فهو
نموذج فذٌّ للقائد الديني الذي يقودُ قومَه
على الصراط المستقيم ويضعُهم على طريق
التقدم والازدهار. لقد
سار على خُطى أخويه الكريمين الشيخين
محمد المصطفى ومحمد الفاضل – رضوان الله
عليهما - في قيادة المجتمع
المريدي وتوجيهه وفقا للقيم الإسلامية
السامية ومنهج المؤسس رضي الله عنه.
في واقع الأمر، تزامنت خلافةُ الشيخ عبد الأحد مع مرحلة
انتقاليةً حرجةً شهدت إقبالا متزايدا على
الطريقة وصعودا سريعا لطبقة برجوازية
فتية بفضل نجاح عدد كبير من الجالية
المريدية الوافدة إلى المدن والعواصم
الاقليمية ثم إلى العواصم الأوروبية في
قطاع الخدمات بالإضاف إلى نجاح البعض في قطاع الزراعة. هكذا بدأت
عاصمة الطريقة طوبى تتحول شيئا فشيئا
إلى مركز تجاري مهم بعد كانت قبل عقد أو
عقدين من الزمن قريةً دينية صغيرة لا
يعرف أهلها سوى غشيان مسجدهم ودرس
ألواحهم و حراثة أراضيهم! ( حسب
تعبير الشيخ امباكي بوسو)
وفي
مثل هذه الظروف حيث ازداد إقبال الناس
وتكثفت موجاتُ الهجرة وسياسات التغريب
كان المجتمع المريدي يواجه عددا من
التحديات من بينها :
- تسرُّب سلوكيات غربية عن الطريقة ومنافية لتعاليم مؤسسها إلي الأوساط المريدية؛
- محاولات انفلات البعض عن الآداب والضوابط التي التي تحكم نظامَ الطريقة بسبب المصالح الضيقة؛
- تعرض طبقة الفلاحين لأوضاع صعبة من جراء القحط والإهمال .
كان
الشيخ عبد الأحد على مستوى هذه التحديات
الجسيمة وغيرها - بعد عون
الله تعالى - بفضل شخصيته
الآسرة وإلمامه الواسع بتعاليم الشيخ
الخديم رضي الله وخبرته الطويلة في أمور الحياة
وجرأته الشديدة على الحق وفهمه الدقيق
لظروف عصره ورؤيته الثاقبة.
لقد
عُني رضي الله عنه – وقد نجح إلى حد كبير
- بالمحافظة على أصالة
المريدية فكرا ومنهجا وسلوكا وبتنميتها
ثقافيا واجتماعا واقتصاديا. وقد
ظَّف في سبيل هذه الغاية قدرات فائقة
في التخطيط والتوجيه والتنظيم والتواصل،
كما واجه في تلك المهمة مواقف صعبةً تعامل
معها بحكمة وحزم؛ فنجد أنه وضع مشاريعه
وأنجز أعماله كلها في إطار خطة مرسومة
واضحة اشتق غاياتِها من رؤية الشيخ الخديم
المعبر عنها من خلال كتاباته وخاصة قصيدته المشهورة
"مطلب الفوزين".
وبالجملة،
إذا تأملنا كيفَ عمل على حماية مدينة
طوبى وعلى ضبط بعض المخالفات وعلى حفظ
مصالح المستضعين وكيف طوَّر
نظامَ الخلافة وعزز وحدة المريدين ندرك مدى بعد نظره
ورسوخ قدمه في أمر قيادة الجماعة ورعاية شؤونها ومدى كونه نموذجا ينبغي دراسته ومحاولة
استيعابه وتفعيله في عصرنا هذا. إنه ترك بصمة إيجابيةً في تاريخ الإسلام في السنغال. فجزاه
الله عن المسلمين عامة والمريدين خاصة خير
الجزاء.