منذ
حوالي عشرين سنة كنت أرى ضرورة المشاركة
السياسية من قبل كل من يهتم بإصلاح المجتمع
سواء كان رجل دين أو غيره بدلَ تركِ المجال
السياسي للمحترفين الذين لم ينجحوا حتى
الآن في وضع البلاد على سكة النمو الحقيقي
والتقدم. وقد وضَّحْتُ هذا
الموقف عبر عديد من المقالات المنشورة، كما جددته مؤخرا في سياق الانتخابات
التشريعية المقبلة (٣٠ يوليو ٢٠١٧). وهذا
الموقف المبدئي يتطلب من ناحية التطبيق
العملي وقفةً تأملية بغرض تحديد الشروط
والضوابط التي من شأنها أن تُوجه هذه
المشاركةَ وجهةً صحيحةً وتجنبها مزالق كامنة في المستنقع السياسي.
في
واقع الأمر نشهد ترشيحَ عدد ممن يعتبرون
من "الشيوخ" في
اللوائح الانتخابية وخاصة في إقليم جربل.
وقد أثار هذا الترشيح نقاشا تعودنا عليه حول العلاقة بين الدين
والسياسة وبين رجال الدين والمشاركة في السياسة ما بين مؤيد ومعترض . وهذه
المشاركة وإن كانت من الناحية المبدئية
مقبولة - عندي- فإنها تتطلب مراعاة بعض
الشروط والضوابط حتى لا تتحول إلى مهزلة
تفتح الأبواب لكثير من التجاوزات الاخلاقية
السلبية، ومن بين هذه الشروط الضرورية
في نظري:
- إخلاص النية
فمن
القواعد الأساسية في الإسلام أن ميزان
الأعمال هو النية " إنما
الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"
ومن هنا يجب أن
يخلص المشارك في السياسة نيتَه في خدمة
الدين والمجتمع وفي جلب المصلحة للمواطنين
ودرء المفسدة عنهم. فلا
ينبغي لمسلم وبالأحرى زعيم يقتدى به
وينتظر منه التوجيه والإرشاد أن يمارس
السياسة لأجل مصلحته الخاصة؛ ومن مؤشرات هذا الشرط
أن تكون تلك المشاركة مبنية على أساس برنامج
واضح المعالم يأخذ في الاعتبار القيم
الدينة التي يؤمن بها.
- مراعاة الأخلاق الإسلامية
فالإسلام
له قيم أخلاقية ثابتة لا تتغير بتغير
الزمان أو المكان مثل الصدق في الأقوال
والأفعال والوفاء والتواضع والإيثار
والعدالة والعفة... وهذه قيم نادرة في
ميدان الممارسة السياسة، وعليه يكون
التمسك بها من الأولويات في جميع المراحل: في الحملات الانتخابية وفي الممارسات
السياسية اليومية.
- التحلي بفقه الدين وفقه الواقع
تكثر المزالق في ميدان السياسة ويمكن للمنخرط فيه أن ينزلق بسهولة إلى ما يخالف دينه إذا لم يتسلح بسلاح العلم والحكمة أو أن يتم
استغلاله إذا لم يكن ملما بواقع العصر
ودقائق السياسة.
هذه
بعض من الشروط التي يجب مراعاتها في
المشاركة السياسة لأن غيابها يمكن أن يُعرِّض المشاركَ للوقوع في متاهات
يصعب التخلص منها أو ينعكس سلبيا عليه.
وهذه الشروط ليست من قبيل المستحيلات وإن كان تحقيقها صعبا.
فكون السياسة رهنا
للممارسات القذرة ليس أمرا حتميا لا
انفكاك عنه؛ فإذا حاول رجال الدين المشاركون تحقيق
هذه الشروط ونحوها يمكن أن يكون لمشاركتهم تأثير
إيجابي في الحياة السياسية بشكل عام.
وأملي
كبير في أن يتحلى المرشحون من طوبى بحكمة
في ممارساتهم السياسية حتى لا يصبحوا
ضحايا لتماسيح المستنقع السياسي .
جزاكم الله خيرا كثيرا يا أخانا العزيز. فهذه الشروط - على قلتها - هي رأس الأمر في هذا الشأن، وإن تحقيقها لمن عظائم الأمور. واعتمادا على الشرط الثالث، نودّ إيراد بعض التساؤلات:
ردحذف- ألا يفرض فقه الدين والواقع على الساسة رجال الدين أن يتخيروا من بين الانتخابات بعضا يشاركون فيها وأخرى ينبون بأنفسهم عن المشاركة فيها لدواع دينية و أخرى واقعية؟
- هل تسمح "مراعاة الأخلاق الإسلامية" بالائتلاف مع بعض الأحزاب أو الأفراد الذين يستحيل معهم هذه المراعاة؟
- أليس من إخلاص النية أن يكفّ شخص عن خوض غمار الانتخابات لا لأنه لا يرغب في "خدمة الدين والمجتمع وفي جلب المصلحة للمواطنين ودرء المفسدة عنهم" ولكن لعلمه في قرارة نفسه بعدم وجود الكفاءة الضرورية لديه؟ التساؤل بتعبير آخر: أليس وجود الأهلية أو الكفاءة شرطا ضروريا بالإضافة إلى إخلاص النية؟
وهذا التساؤل الأخير متضمَّن بطبيعة الحال في الشرط الثالث "فقه الدين و الواقع"، أحببنا فقط زيادة إبرازها لأهميته الكبرى.
شكرا لكم جزيلا يا أستاذ على هذه الإبانة، كما أصل الشكر أيضا للمفتش هارون انيانغ. وعلى كل حال، فالطريق لخوض رجال الدين للانتخابات محفوف بالمخاطر والمزالق لأمرين:
ردحذف1- أدّت المماراسات القذرة السائدة في المسرح السياسي إلى شبه اضمحلال ثقة المواطنين بالسياسيين، بذلك يلصقون بطاقة "الكذاب- الماكر- الخادع- الخائن- الأناني- المحترف بالسياسة" بكل من اقتحم الميدان.
2- تفشي قلة الأدب في أنصار الأحزاب، الذين لا يتحرجون من التفحش في القول إذا حاول أحد اعتراضهم والوقوف أمام "مدهم الإفسادي". وكل منا يستطيع أن "يتوقع" ما يمكن بطبيعة الحال أن يترتب -والحال هذه-على ذلك.
من/ محمد حبيب الله درامي