تحظى
حياة الخليفة الشيخ محمد الفاضل، رضي الله عنه (١٨٨٩-١٩٦٨م) باهتمام منقطع النظير من مختلف شرائح المجتمع السنغالي؛
من الطفل الصغير إلى الشيخ الكبير يتردد
اسم "سرج فضل" في الألسن والأذهان، ويُثير
المشاعر والعواطف في الوجدان.
وما زالت شخصيته الآسرة تشكّل موضوعا خصبا
للقُصاص، والكتاب، والمؤرخين.
ويُعتبر من أكثر الشخصيات الدينية شعبيةً في البلاد،
فما سرُّ هذه الشعبية الكبيرة وهذا الحضورِ القوي في أوساط المريدين خاصة والمسلمين
السنغاليين عامة؟
فمن
الصعب على الباحث أن يأتي بجواب مرض لهذا
السؤال ، ومن هنا يركز كل دارس
لحياة الشيخ محمد الفاضل على بُعد من
أبعاد شخصيته:
على كرم أخلاقه، على سعة آفاقه المعرفية، على
ولايته وكراماته، على مواقفه الاجتماعية
والاقتصادية والسياسة، على بلاغته وحِكَمه، أو على أسلوب قيادته، أو غير ذلك.
وفِي
هذه السطور أقف وقفة قصيرة مع صفة المحبة
لدى الشيخ فاعلا ومفعولا به، فمهما عظمت
واشتدت محبة الناس للخليفة فمحبته لشيخه
ووالده أعظم وأقوى.
فالمحبة
الشديدة التي يكنها الناس له تتجلى من
خلال مؤشرات عديدة غنية عن التوضيح
نشاهدها صباح مساء، وأقرب مثال أنه قلما
توجد أسرة من أسر المريدين تخلو ممن يحمل
اسمه الفاضل.
وأما محبته
لشيخه ووالده فقد حرص على التعبير عنها
بشكل يَنمُّ عن عمقها وشدتها.
إن
محبة المريد لشيخه يعُتبر من مقتضيات صدق
الإرادة وأماراته، وقد كان الشيخ محمد
الفاضل قد باع بنوته واستبدل بها إرادته
كما نص على ذلك بقوله "
بِعْتُ بُنُوَّتِيَ بالارادة "
وكان متفانيا
في الحب، لَهِجاً بالتحدث عنه في
مواضع عديدة، ويَتَلمَّسُ القارئ شدة تلك المحبة
وعمقها من خلال هذه الأبيات الفائقة
الجمال:
محبةُ
الشيخ في سرٍّ وإعلانِ ***
أَجْرَتْ فَضَائِلَ فِي سِرٍّ وإِعْلَان
حُبّي
له الدَّهْرَ قدْ أفنى دموعيَ إذ***
حُبِّي جميعَ الْوَرى لا شكَّ أنساني
لَمَّا
بِيَ الحُبُّ قَد أَمْسى إلى وَطنٍ ***عنه
تخلّفَ عُذّالَِي وَأَخْدَانِي
فظلّ
يََصْرَعُنِي طورًا وَأَصْرَعُهُ ***
طورًا
إلى أن بدا لي بعضُ إِخواني
فقلتُ مَا بَالُ مَرْءٍ كَادَ يَقْتُلُه ***
شوقٌ
وَلِي قَالَ مَهْلاً وَيْكَ مِنْ عَانِ
فقلتُ كَلَّا فَمَا عليَّ مِنْ حَرَجٍ ***
إِنْ كَانَ شَوْقِيَ فِي شَيْخٍ لَهُ شَانِي
في
هذه القصيدة الرائقة الرائعة التي كان الخليفة يمدح بها الشيخ الوالد، باح بمحبته التي استحوذت
على كيانه ووُجدانه، ولَم تترك في قلبه
محلا لمحبة غيره؛ وقد صور تغلُّبَ هذه العاطفة
الجياشة عليه بمُصارع لا يقوى على مقاومته
وقد اختلى به بعيدا عن أقران يلومونه،
وبينما هو يصارعه أدركه أحد إخوته ودار
بينهما حوار؛ فسأله عن رأيه في هذا الشوق
الذي يغالبه ويكاد يودي بحياته فطلب منه
هذا الأخ، عطفاً عليه، أن يتمهل ويهدأ
حفاظا على نفسه، فكان رده حاسما ومعبرا
عن الإصرار والتصميم، فلا ضير عليه ما
دام هذا الشوق في شيخه الذي يتولى شؤونه.
فبلاغة
هذا التصوير من الجلاء بحيث لا يحتاج الى
التفصيل.
وفِي
قصيدة أخرى، يؤكد المريد الصادق شدة حبه
للشيخ لدرجة أنه يستغني به عن حب غيره من
الأهل، والأولاد، والأصدقاء، وغيرهم، وهذا
الحب ينمو ويزداد باستمرار.
ويلاحظ
أن في الكلام نوعاً من تبرير هذا الشعور؛ فالشيخ يستحق أن يحبه كل مؤمن لجهاده العظيم في خدمة الدين وفي تجديده، ولذا
يرى أن "سفك
الدموع لحب شيخه"
واجب
شرعي لخدمته الجليلة لهذا الدين الحنيف.
يقول
رضي الله عنه :
حُبِّـي
له الدهْـرَ يُغْـ نِينِي عن حُبِّ سواه
يـزداد في كل حينٍ فِي الْقَلْبِ مِنِّي هَوَاه
سفكُ الدمـوع لحُبِّ الــ خديـم فرضــاً أراه
جَدَّدَ الدِّيـنَ فَأَضْحَي كَأَنَّهُ قَـدْ بَـــنَاهُ
لا عَدِمْنَاهُ وربِّـي عُمرًا طَويـلا حَبَـاه
يـزداد في كل حينٍ فِي الْقَلْبِ مِنِّي هَوَاه
سفكُ الدمـوع لحُبِّ الــ خديـم فرضــاً أراه
جَدَّدَ الدِّيـنَ فَأَضْحَي كَأَنَّهُ قَـدْ بَـــنَاهُ
لا عَدِمْنَاهُ وربِّـي عُمرًا طَويـلا حَبَـاه
فهذه
المقتطفات تعطي لمحة قصيرة عن محبة الشيخ
محمد الفاضل لشيخه ووالده خديم رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وهي محبة صادقة تجلت في
حياته العملية كلها، فمن مرحلة طفولته إلى عهد خلافته لم يأل في خدمته ابتغاء
لرضاه، ولا غرو إذن أن يحظى هو بكل هذه
المحبة وهذا الاحترام من المريدين أجمعين.
رضي
الله عنه ونفعنا ببركاته.
د. سام بوسو عبد الرحمن
مقالات ذات صلة
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف