هذا الأسبوع كنت
في زيارة إلى بيروت، وقد شاركتُ قبل توجهي
إلى المطار للعودة في جلسة نقاش بمركز
للابحاث حول موضوع الهوية المقاومة ودورها
في المجتمعات العربية. كانت
الجلسة تضم حوالي خمسة عشر مثقفاً من
أساتذة جامعيين ورجال دين وصحفيين.
وقد لمستُ من خلال
المداخلات بعض الهواجس المسيطرة على
هؤلاء المثقفين مثل قضية الطائفية ومشكلة
الهوية في المجتمع اللبناني.
في الحقيقة، عاشت
لبنان فترات عصيبة من جراء الأزمات
الطائفية والحروب الأهلية، وقد كان هؤلاء
المثقفون ذوي انتماءات مختلفة :
شيعة وسنة ومسيحية.
لكن همهم المشترك
كان إيجاد توافق في المجتمع يُمَكِّنه
من تحقيق تعايش سلمي. وقد
اكتشفت أيضا أزمة هويةٍ حادة يعاني منها
مجتمعهم إلى جانب كثافة الحواجز المعنوية
بين الطوائف المختلفة .
وحين لاحظتُ حرص
هؤلاء المثقفين على بناء مجتمع متماسك
متعايش سلميا من تجاوز التحزُّبات الضيقة
وترسبات الحرب الأهلية تساءلت في نفسي :
هل نحن في السنغال
ندرك حقيقةَ قيمة السلام والتماسك
الاجتماعي اللذان يميزان مجتمعنا؟
في الوقت الذي يسعى
مجتمعات كثيرة جاهدة لبناء دولة ديمقراطية
وتحقيق استقرار اجتماعي بدأنا نسمع ونرى
في السنغال أقوالا وأفعالا تهدد أغلى ما
نملك وهو تماسكنا الاجتماعي. ومن
يتأمل بدقة وضعَنا السياسيَّ يكتشف جراثيم
خطيرةً بدأت تطفو على السطح. صحيح،
يتجنب السنغاليون قدر الإمكان الحديثَ
عن النزعة الطائفية والقبلية الكامنة
ولكنهما قد اقتحمتا حياتنا السياسية بشكل
لافت للنظر وخطير.
وأكثر ما يثير القلق
في الأمر أن المثقفين الذين ينتظر منهم
نوعٌ من الحيادية والموضوعية بحيث يمكنهم
إعادة الساسةِ إلى رشدهم إن جمحوا لم
يسمع لهم صوتٌ إلا بشكل خجول، وبعضهم
انخرط في اللعبة السياسية، وأصبح طرفا
منحازا فيها، كما أن الاستقطاب طال أيضاً
وسائل الإعلام بشكل فزيع.
إن الوضع الأمني
في المنطقة، والأطماع التي تثيرها الموارد
المكتشفة في البلاد، وانتشار الفقر عوامل
قادرة على زعزعة الاستقرار إن لم تعلوا
كلمة العقلاء وتدعوا إلى مزيد من الحذر.
فالمصالح العليا
للوطن يجب تقديمها على المصالح السياسية
والفئوية الضيقة.
وأرى أننا نحتاج
إلى مثل تلك الجلسة التي شاركت فيها
للتباحث حول سبل الحفاظ على سلمنا
واستقرارنا الاجتماعي.
ما شاء الله
ردحذف