الاثنين، 23 ديسمبر 2019

سَرينْ مُودُ خَرِ بوسو.. الإمام الورع!

يُعدُّ الإمام الورع والعلامة الشيخُ محمد بوسو المشهور بـ"سرين مود خر" من المريدين الصادقين الذين تربَّوا على يدي المجدد الشيخ محمد بن محمد بن حبيب الله خديم الرسول صلى الله عليه وسلم في بقعته المباركة في جربل.

ميلاده ونشأته ودراسته
ولد العلامة الشيخ مود خر بوسو في امباكي بوال Mbacké Baol سنة١٣١٥هـ( ١٨٩٧م)، في أسرة عريقة في التدين مشهورة بالعلم؛ فوالده هو الشيخ مصمب بوسو وهو أخ شقيق للعالم العلامة فريد عصره مفتي الديار السنغالية في عهده الشيخ امباكي بوسو رضي الله عنهما.

وأما والدته فهي السيدة التقية خديجة بوسو بنت الشيخ محمد بوسو الشهير بـ "سا بوسو" رضي الله عنهما. وفي هذه البيئة العلمية النقية وتحت سقف هذه الأسرة الطاهرة نشأ سرين محمد خر بوسو وتربى حتى بلغ سنَّ التعلم، فتولى ابن عمه (الشيخ محمد بوسو وهو أكبر أبناء الشيخ امباكي ووريثه علما ودينا ) تدريسَه القرآنَ الكريم حتى أتقنه حفظاً وتجويداً ورسماً في وقتٍ مُبكر من عمره. ودرس علم الفلك في مدينة اندر على يد عالم خبير بهذا الفن يسمى القاضي انجاي صار Ndiaye Sarr، رحمه الله تعالى.

إقامته عند الشيخ الخديم رضي الله عنه
وقد لازم الشيخُ مودُ أخاه المعلمَ ونهل من منابع علومه الصافية، وتلقى تربته السديدة، حتى تبحر في العلوم اللغوية والشرعية، وكذلك في علم الفلك. وتميَّز من بين أقرانه بشدة استقامته وورعه ووفرة أدبه، ثم ساقته يدُ العناية الإلهية سنةَ ١٩٢٢م إلى المرشد الأعلى والمربي المرقي الشيخ أحمد بمب رضي الله عنه. وكان الشيخ امباكي أرسله هو وأحد أبنائه الشيخ محمد الباقر إلى الشيخ في بقعته المباركة برسالة مفادها: أنهما بمثابة وعاءين نظيفين مُجَهَّزين بعثا إلى صاحب الطعام ليملأهما.

وقد مكث بجانب الشيخ المربي برهةً من الزمن ارتوى خلالَه من بحار أنواره الربانية، وكان مقرباً إليه ومهتما بجمع أقواله ومآثره وبحفظها وروايتها.

وبعد أن حظي برفقة الشيخ والتربي على يديه عاد إلى جانب عمه الشيخ امباكي بوسو في قريته كيدي Guédé، وقد كانت مركز إشعاع علمي يؤمه المتعلمون من جميع الجهات.

اشتغاله بالتربية والتعليم والإمامة
وفي كيدي كرَّس بقيةَ عمره المديدة المباركة في نشر أنوار المعارف الإسلامية، وفي تربية الأجيال، فدرس على يده خلقٌ كثير أسبغ الله تعالى عليهم بركاته، فصاروا علماء نابغين، من بينهم:

الإمام الشيخ عبد الرحمن المشهور بسرين اندام امبرSerigne Ndam Mbar والد كاتب هذه السطور.
سرين عبد أست انجاي Serigne Abdou Astou Ndiaye بن سرين ماندومبي امباكي
سرين قاسم ابن الشيخ محمد المرتضى امباكي
سرين مور جوج فالSrigne Mor Diodia Fall
سرين سير كن Serigne Saer Kane
سرين محمودا امباكي ابن الشيخ محمد جارة
سرين عبد الغفور امباكي ابن الشيخ محمد جارة
سرين شيخ لوح كر امبوكي Keur Mbouki
سرين أبو امباكي الإمام
سرين الحاج بوسو ابن سرين بوسو حوا صو
سرين مصمب بوسو ابن سرين فاط انجاي بوسو وغير هؤلاء من إخوانه وأبنائه.

وإلى جانب مهمة التربية والتعليم، كان الشيخ يتولى إمامة مسجد كيدي منذ سنة ١٩٥٢م، وكان أيضا مهتما بالعلم والكسب شأن غير من الشيوخ المريدين، فكانت له مزارع تنتج معيشةَ أهله وأتباعه، وما كان يقدمه من هدايا لخلفاء الشيخ الخديم رضي الله عنهم.

شعره :
كان الشيخ مودُ خر، على تواضعه متضلعاً في مختلف العلوم الشرعية واللغوية، كما كان أديبا بارعا وشاعراً موهوباً رغم إقلاله من كتابة الشعر، وإن ما عثر عليه من عيون شعره، وإن كان قليلا، لينم عن موهبة ومقدرة أدبية حقيقية تتجلى من خلال أسلوبه السلس الخالي من التكلف والتصنع ومعانيه الرقيقة السامية. يقول رضي الله تعالى عنه في تهنئة الخليفة الشيخ محمد الفاضل بتمام بناء المسجد الجامع بطوبى
جزيت الخيرَ يا نجل الخديم      ودمت الدهر في حفظ العليم
عنيت الندب فاضل ذا المعالي      بتخصيص من الله الحكيم
لقد أتممت قصد الشيخ حقا      خديم المصطفى الماحي الكريم
وهي قصيدة رائعة تبلغ 17 بيتا.
وله أيضا قصيدة حسنة في الدعاء والتضرع إلى الله تعالى ضمنها معاني سامية من توحيد الله تعالى والإنابة إليه والثناء عليه تعالى ومطلعها
        الحمد لله القدير وهو من       يحصل ما أراده بلفظ "كن"

صفاته :
كان الشيخ مود خر من العباد الزاهدين في الدنيا المتواضعين الخاشعين، الصادقين في إرادتهم. وكان رضي الله عنه فانيا في محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ومحبة شيخه الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه؛ فكم من مرة بكى وأبكى مستمعيه في ليالي المولد النبوي، حين كان يتدارس معهم بنفسه سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومناقبه بمسجد كيدي. كما أنه كان يُتحف مسامع زواره بمآثر شيخه وحكمه التي كانت محفورة في ذاكرته.

وكان رضي الله عنه ملازما لتلاوة القرآن صباح مساء، لا يُلفَى إلا وهو متربع في سجادته متوجها إلى القبلة، وأمامه المصحف الشريف أو في يده السبحة. وكان في سخائه لا يرد سائلا، بل هو ممن يصدق فيهم بحقٍّ قوله تعالى ﴿ وقليلا من الليل ما يهجعون. وبالأسحار هم يستغفرون . وفي أموالهم حق للسائل والمحروم﴾[ الذاريات، ١٧-١٩]. وكان قليل الكلام بشوش الوجه رحب الصدر ودوداً شفيقاً بالأطفال والضعفاء، وفي المقابل كان يتمتع بمحبة الناس واحترامهم له، وكانوا يترددون إليه كل يوم بنيات شتى: فهذا للزيارة وذاك للاستجداء وأخر لالتماس دعائه المستجاب.

وبالجملة، كان الشيخ من النماذج النادرة التي بلورت مدرسةَ الشيخ امباكي بوسو بسعة المعرفة وأصالتها، وجسدت في الوقت نفسه تربيةَ الشيخ الخديم رضي الله عنه بكل ما فيها من كريم الأخلاق وجميل الصفات وعلو الهمة.

انتقاله إلى جوار ربه
انتقل الشيخ مودُ خر رضياً مرضيًّا إلى جوار ربه فجرَ الخميس السابع والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة ١٤١٤هـ الموافق ١٤ أكتوبر ١٩٩٣م. فجزاه الله عن الإسلام خيرا ونفعنا ببركاته.
                        بقلم/ سام بوسو عبد الرحمن

مقالات ذات صلة
من شعر الشيخ عبد الرحمن بوسو (سرين دام امبَر)  
شخصيات من المدرسة الخديمية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...