شخصيات من المدرسة الخديمية

الشيخ مصمب امباكي الصادق الوفي

 

هناك رجال استجابوا لدعوة الشيخ أحمد بامبا الإصلاحية، وتربوا على يديه، وارتووا من مناهل تعليمه، فقاموا من بعده بنشر تلك الدعوة في مشارق البلاد ومغاربها، واستحقوا بذلك أن نتعرف على ملامح من حياتهم ونعرفها للأجيال القادمة، لأن سيرهم دروس قيمة من الإخلاص والصدق والوفاء والمثابرة. وقد اخترنا من هؤلاء في هذا العدد أخا الشيخ وتلميذه المخلص وناسخ قصائده سرين  مصمب امباكي.

                   

 ميلاده ونسبه :

 في السابع والعشرين من شهر شعبان المبارك سنة 1300م ولد سرين مصمب في قرية بطار على المشهور بعد وفاة والده مومار أنت سالي، من أسرة عريقة ومعروفة بين جلف وبول وكجور، فوالدته هي السيدة الكريمة عائشة جوب بنت الشيخ مور خج كومبا، وجده من جهة أبيه هو حبيب الله بن مهرم الشهير.

            

      رحلته الدراسية :

كان سرين مصمب يتمتع برعاية كبيرة من قبل أخيه الكبير الشيخ أحمد بامبا الذي عهد بتعليمه القرآن إلى المعلم الفذ الشيخ عبد الرحمان لوه. فمكث في حجره حتى حفظ القرآن ولم يتجاوز السن العاشرة ثم كتب بيده مصحفا تحت إشراف أخيه الشيخ إبراهيم امباكي، وقرأ عليه بعض مبادئ العلوم الشرعية، وبإذن من شيخه وأخيه انتقل إلى العلامة والمفتي سرين امباكي بوسو لدراسة علم المنطق وأصول الفقه وعلم النجوم.

وقد فتح الله على سرين مصمب فأعطاه سرعة الفهم وحدة الذكاء، ولم ينقص اشتغاله بالخدمة والتربية شيئا من اهتمامه بالعلم والدراسة. وقد يكون ذلك راجعا إلى ارتباطه الوثيق بالشيخ الخديم الذي كان من أبرز مبادئه الجمع بين العلم والعمل، بين النظرية والتطبيق.

          علاقته بالشيخ الخديم ودوره في الدعوة :

لا يحتاج ذلك الارتباط إلى تطويل الكلام، فقد تولى الشيخ بنفسه تربيته وتأهيله وسلك به طريق التصفية والترقية وذلك أوصله بعون الله على مرتبة الشيخ المربي وأحال إليه عددا كبيرا من التلاميذ.

وهكذا كان سرين مصمب أخا وفيا وتلميذا مخلصا ومريدا صادقا للشيخ وموضع ثقته. ولذلك كان مقربا إليه، وكان المربي يعهد إليه بمهمة نسخ قصائده ومؤلفاته. قال عنه أحد الشعراء.

          بكت قصائد محيي الدين أحمدنا          لأجله وبه نلنا المرامات

وإلى جانب ذلك كان سرين مصمب مربيا من طراز فريد بفضل الإعداد والتربية والمستوى العلمي الرفيع.

فقد قام بتربية وتكوين عدد كبير من مربين انتشروا في جميع الأقطار متميزين بسلوكهم الحسن وإرادتهم الصادقة وتفانيهم في خدمة الإسلام.

               

   ثقافته وكتاباته :

 

كان سرين مصمب فقيها، صوفيا، أديبا، واسع الثقافة، كثير الاطلاع، وكاتبا أخذ بتلابيب اللغة العربية.

وقد تأثر في أسلوبه بالشيخ سلامة ورقة وتناسقا. وكان يميل إلى العبارات الوجيزة المشبعة بالمعاني الجليلة نتيجة تشربه بأقوال الشيخ ومواعظه، ويكفيك أن تلقي نظرة على حكمته البالغة هذه وما فيها من إ يجاز بليغ {معرفة الحق اتباعه، ومعرفة الباطل اجتنابه}.

وكان شعره يغلب فيه النصح والتوجيه كما في هذه القطعة التي نظمها للشاعر المؤرخ سرين موسى كاه ومطلعها :

            عليك يا موسى بتقوى الله     وعدم الغفلة عن إلهي

            بقدر غفلة عن الله المعين       تأتيك ظلمة من الخب اللعين

وله رسائل لا تحصى كثرة كان يوجهها إلى المريدين وتدور كلها في فلك تلك التعليمات الإسلامية والتوجيهات الشرعية. وهذه شهادة ناطقة بأن سرين مصمب رضي الله عنه كان يقوم بمهمة الشيخ المربي الذي كان ينبغي أن يهتم بأمر المسلمين تنفيذا لأوامر شيخه ولهذا كان يحظى بصداقة وتقدير علماء عصره.

                أقوال العلماء فيه :

مدحه كثير من شعراء عصره ورثوه بعد وفاته، ولضيق المساحة نشير إلى جزء قليل من ذلك يقول عنه الشاعر المفلق الشيخ إبراهيم جوب المشعري:

 إ ن كان أصغر إخوان الخديم معا          فإن همته من أكبر الهمم

لاعيب فيه سوى تقوى الإله وإخ          دام الخديم بلا ميل ولاسأم                             

وقال الشيخ محمد الفاضل في مرثيته :

    رحب الفناء جميع الناس بالغه           إن هم فرادي ومثنى أوهم اختلطوا

   حامي الذمار وفي العهد حافظه             كأن هذا الورى في كفه انضبطوا

  إ ن لأحاديث هذا الشيخ  يجمعها         فظا صحيحا ولا تلفيه يختبط

هذه الأبيات من مرثية طويلة كتبها الشيخ عن سرين  مصمب حين وصله خبر انتقاله إلى جوار ربه ليلة الخميس التاسع من 

رجب 1261هـ {22/7/1942} رضي الله عنه وجزاه عن الإسلام خيرا.


      

الإمام سرين كيدي مباكي ودوره في الطريقة المريدي

 بقلم الباحث : سرين شام مباكي سرين كيدي مدير دار المعارف الإسلامية 
 مركز بروم شام الافتراضي 

 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وءاله وصحبه ومن والاه 

التعريف بالإمام سرين كيدي امباكي Serigne Guédé Mbacké

 الإمام سرين كيدي من الشخصيات التي ارتوت من معين التربية الخديمية، فقد نشأ في حجر من عاصروا الشيخ الخديم رضي الله عنه وتلقوا تربيته وترعرع في ظل هذه التربية، ولعب دوراً مهما في دعوة الشيخ، واستحق بفضل مآثره وصفاته أن يُعرف للأجيال الحاضرة والقادمة. 

نسبه وولادته
 ينتمي الإمام سرين كيدي إلى أسرة متدينة عريقة، ويصل نسبه إلى جد أهل امبكي المشهور بـ"مام مهرم"، فوالده هو سرين عبد القادر الجيلاني المشهور بالشيخ أسْتَ وال Cheikh Asta Walo بن سرين مور جار Serigne Mor Diarra بن مام مور أنت سل Mame Mor Anta Saly بن مام بل عيش Mame Balla Aïcha بن مام مهرم Mame Maharam . 

والده الشيخ أسْتَ وال 
 ظهر الشيخ أست والُ في الوجود سنة ١٨٨٦م، في مباكي بولMbacké Baol ، وتعلم علي يد والده سرين مور جاره وخاله سرين مبسوب، وتربي علي يد الشيخ الخديم عمه وشيخه ، وكان يستكتبه مصاحف . وبعد التشيّخ والتصدّر أمره الشيخ الخديم بالعودة إلي والده في مباكي بول وأمره بإنشاء قرية عام ١٩١٢ سماها مصر ، وهي تبعد عن طوبي حوالي ٧ كيلومتر شمالا . ومكث فيها حتي سنة ١٩٣٤م، حيث انتقل إلي مباكي لتولي الخلافة بعد وفاة أخيه سرين مور سخنSerigne Mor Sokhna الخليقة الأول للشيخ محمد جاره وبعد خمس سنوات توفي رضي الله عنه ودفن في مقبرة مبسوب Mboussobe .

 والدته سخن عائشة بوسو
 وهي بنت سخن مريم كنّ بنت مام إبر كنّ بن إبراهيم حو نيانغ بن مام مهرم ، وسخن عائشة بوصو بنت سرين مباكي بوسو بن سرين مسبوب بوسو بن سخن أسْتَ وال بنت أحمد سخن بوسو بن مام مهرم.

ولادته وظهوره في عالم الوجود
 ولد سرين كد مباكي في مصر سنة ١٩٣٠ وهو الولد الثاني لوالده بعد أخيه سرين مباكي فاجم Serigne Mbacke Fadiama الذي ظهر في الوجود بعد إنشاء القرية بخمس سنوات .

 رحلاته العلمية
 أ : تعلم القرآن  
تعلم الإمام سرين كيدي على يد جده سرين مباكي بوسو Serigne Mbacké Bousso في كد بوسو مبادئ التهجي حتي أتقن القراءة، وسلمه للمقرئ سرين عبد القادر صامب، وبعد مدة قصيرة سلّمه لابنه الأكبر سرين مود بوسو وعلمه Serigne Modou Bousso حتي حفظ القرآن الكريم في سن مبكر، وهو في ١٥ من عمره ، ثم سلمه لخاله سرين مود مأمون Serigne Modou Mamoune بن الشيخ سيدي المختار بروم غاوانBorom Gawane ، وكتب المصحف الشريف بإشراف المقرئ الكبير سرين حسن جانه Serigne Assane Diané الذي أمره بروم غاوان بالانتقال إلي دار السلام لتعليم القرآن الكريم. 

 نكتة:
 ومما يدل علي أنه كان يتقن القرآن جيدا حفظا ورسما، ما حدث له مع معلمه في كتابته التجريبية في الألواح ( بِقِّ béqi) في سورة الأعراف؛ فقد صحح له هذا المقرئ الكبير خلاف ما حفظ وعكس ما كان يكتب ، وذلك قوله سبحانه وتعالي "وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين " وكان هذا الشيخ يقرأ " وقاسماهما " بتثنية الفعل، وذلك ما يعرف عند النحويين بلغة " أكلوني البراغيث " ولما أصرَّ المترجم له على موقفه استحضر الشيخ المعلم مصحفا كان المعتمدَ عنده، ولما فتح المصحف وجد الكلمة كما كتبها، وشكره واعترف علي أن التلميذ صحح له هذا الخطأ . 

 تعلمه المواد الدينية والأدبية
بدأ تعلمه المبادئ الدينية في تياوين Thaaiween علي يد المعلم سرين سليمان صاوSouleyman Sarr بإشارة خاله سرين مود مأمون وبعد وفاته غادرها متوجها إلي جوربل مأوي المتعلمين ومركز العلماء والمفكرين آنذاك حيث يوجد المعلم الكبير سرين محمد دم Mouhammad Dem الذي عينه الشيخ الخديم للتعليم ، وكان يتعلم عليه وعلي العالم الكبير سرين محمد الأمين جوب الدغاني Serigne Mouhammad Lamine Diop Dagana وكان يتعلم أيضا بموريتاني لم أستحضر اسمه ، ويقضي بعض أوقاته في مدرسة سرين مور مبي سيس Serigne Mor Mbaye Cissé [١٦]المقرئ الكبير المتخصص في القرآن الكريم وعلومه ،وهو يستكتبه قصائد الشيخ الخديم ، وبعد سنوات عامرة بالتعلم والتحصيل غادر جوربل وهو ينوي مواصلة مسيره العلمي إلي موريتانيا . 

 تربيته الروحية
 عاد الشيخ من جربل، وقد جاوز الثلاثين من عمره وكان ينوي مواصلة دراسته في موريتانيا بصحبة إخوان له ، يمكن أن نذكر منهم الشيخ محمد المنتقي الخليفة الحالي للمريدية – أيده الله وحفظه ورعاه – ولكن طلب منه خاله سرين مود مأمون بالبقاء لكتابة مصحف آخر . وبعد الانتهاء من كتابة المصحف في مدة قصيرة رافقه خاله الشيخ محمد المأمون إلي الخليفة الثاني الشيخ محمد الفاضل وسلمه المصحف والهدية التي اكتسبها بعمل يده، وطلب منه أن يدعوا له ليحظي بالدرجات العليا. 
وبعد العودة من هذه الزيارة استمر في رغبته في الالتحاق بإخوانه في موريتانيا فطلب منه خاله أن يتنازل عن رغبته في الذهاب إلى موريتانيا ويبقى في دار السلام لتعليم القرآن الكريم.
 و كان الشيخ محمد المأمون يكلفه مهمة قراءة القرآن الكريم وختمات في الوقت الذي كان المريدون يقومون بأعمال يدوية في الدارة. وكان الشيخ يراقبه عن كثب ولا يتغافل عن أدني خطأ يرتكبه.ومما يدل علي شدة مراقبة الشيخ محمد المأمون له – أنه أمره ذات مرة بالنزول بعد ركوبه في السيارة لمرافقته كالعادة للذهاب إلي مزرعته " توفيق " ، ولما نزل من السيارة ذهب مشيا بالأقدام والمسافة تبعد عن دار السلام حوالي كيلومترين ، ولما وصل الشيخ سلم عليه وطلب منه البقاء حتي يهدأ الجو ، وبعد انصراف الزُوّاِر استحضر الشيخ وقال له : " كنت أجرّب وأختبرك لأعرف ما إذا كنت تغضب أم لا ، لأن المريد مادام يغضب لا يستحق أية درجة عند ربه " عملا بوصية النبي للرجل " لا تغضب ". 
وكان يربيه أيضا علي ترقية الهمة وحب المعالي وكره السفاسف ولين الجانب، وهذه التربية أثرت في حياته كثيرا. 

اتجاهه الفكري
 وكان مالكي المذهب مريدي الورد معلما ومربِّيًا في آن واحد، وكان يحب العلم والعلماء والمناقشة، وكان قويّ الذاكرة وآية في الحفظ وخاصة القرآن الكريم وقصائد الشيخ الخديم 

 دوره في المريدية
 وبعد العودة من جوربل كلّفه خاله الشيخ محمد المأمون مهمة تعليم القرآن الكريم من سنة ١٩٥٥ في دار السلام، كما سبق، وكان محطا للمتعلمين، وفي نفس الوقت كان يجمع بين التعليم والعمل في البساتين كمزارعٍ ٍ مع التلاميذ في " الدارة " ويربّيهمْ ويُكَوِّنُهمْ تكوينا شاملا بحيث يتخّرج المتعلم وهو يتقن أعمالا كثيرة. وقد قام بوظائف متعددة في خدمة العلم والدين.

 ١: عيَّنَه خاله الشيخ محمد المأمون إماما لصلاة التراويح في دار السلام، وبعد رحيل خاله الشيخ محمد المأمون استمر علي هذه المهمة حتي سنة ١٩٨٤ حين عُيّن إماما في طوبي. 
 ٢: عيّنه الخليفة الثالث للشيخ الخديم الشيخ عبد الأحد ممثلا للطريقة المريدية في جوال وهي بلدية تابعة لإقليم مبور، وكانت الديانة النصرانية والوثنية غالبة هناك آنذاك وقام بالدعوة والتوعية والتربية مما سبّب في اعتناق عدد كبير منهم الدين الإسلامي. 
٣: عيّنه الخليفة مرة ثانية في كرصامب كَنْ Keur Samba Kane وهي بلدة تابعة لمقاطعة بامبي مبBambaye في إقليم جوربل، حيث كانت تنتشر بقايا الجاهلية آنذاك. وبفضل الله تعالي ربّاهم علي المبادئ الإسلامية والأخلاق الحسنة، حتي صارت البلدة متميزة بالصبغة الإسلامية سواء منهم المريدي و التيجاني. 
٤: وفي عام ١٩٨٤ عيّنه الشيخ عبد الأحد الخليفة إ ماما لصلاة التراويح في مسجد الشيخ الخديم بطوبي المحروسة بعد مشاورة عمه وشيخه الشيخ عبد القادر مباكي ، ومكث علي هذه المهمة بأكمل وجه قرابة ربع قرن إلي رحيله والتحاقه بالرفيق الأعلى . 

 إنجازاته : 

 وبعد أن توَّجَهُ خالُه الشيخ محمد المأمون وشيَّخَه أنشأ مدرسة قرآنية في دار السلام قبل سنة ١٩٦٠م لمواصلة هذه المهمة الشريفة ، وقد تخرج علي يديه عددٌ كبير من المريدين وخاصة أحفاد الشيخ محمد المأمون الذين كانوا في سن التعلم، ولا يمكن إحصاء عددهم وخاصة الذين مروا عليه ولم يختموا عنده ، ومن بينهم ابنه الكبير سرين مباكي فاجم الخليفة الحالي للشيخ أسْتَ وال ، وهوأول من كتب مصحفا عن ظهر غيب في مدرسة الشيخ صالح مباكي خادم الرسول ، وكان الشيخ صالح يأمر التلاميذ أن يقتدوا به لجودة خطه وكان أيضا يرأس حلقة إنشاد قصائد الشيخ الخديم لجمال صوته وحسن تنغيمه ، ومن الذين تخرجوا علي يديه أيضا سرين محمد المأمون بن الشيخ محمد الفاضل ابن خادم الرسول الذي تولّي مهمة إحياء ذكرى والده الشيخ محمد الفاضل في دار السلام ليلة كز رجب حيث رأي النور وولد فيها رضي الله عنه.
وأنشأ مدرسة أخري في مصر مسقط رأسه وبلدة والده الشيخ أسْتَ وال مباكي الذي أنشأها سنة ١٩١٢م بإذن والده مام بروم شام وشيخه وعمه خادم الرسول، ومازالت هذه المدرسة معمورة بالتلاميذ إلي الآن، وهي أول بناية مركبة بطابقتين في مصر. وتخرِّجُ عدداً كبيراً من التلاميذ يواصلون دراستهم في المدارس العمومية والبعض منهم في الجامعة.
 وكان الحاج سرين كد مباكي معروفا بحفظ القرآن الكريم وجودة الخط، كما كان والده الشيخ أسْتَ وال الذي شهد له الشيخ محمد الفاضل خادم الرسول " بأنه لا يعرف أحدا أجود منه خطاً في زمانه " وذلك مما يسَّرَ له كتابة عدة مصاحف وقصائد للشيخ الخديم بيديه . وهو أول من أسَرَّ إليه الشيخ عبد الأحد بأنه ينوي إنشاء مكتبة قرآنية للشيخ الخديم في طوبي، وكلفه مهمة كتابة مصحف ليكون الأول في المكتبة ، ومن العجيب أنه في هذا الوقت كان مصابا بمرض في عينه ودعا له الشيخ عبد الأحد بالشفاء للقيام بهذا العمل ، وتم طبع مصحفه بأعداد كبيرة وإيداعه فيه. 
 وبني في مصر مسجدا جامعا لا مثيل له في القرى المجاورة لأداء صلاة الجمعة التي تعتبر ركنا من أركان الإسلام، ولا يمكن أداؤها إلا في الجامع وقام بتدشينه عام ٢٠٠٨ بحضور عدد كبير من الشخصيات المريدية بإمامة الخليفة الحالي الشيخ محمد المنتقي حفظه الله ورعاه. 

 علاقته بالشخصيات
 وكانت له علاقة كبيرة وواسعة مع شخصيات بارزة في السنغال، وفي داخل الطريقة المريدية كان يتعامل مع جميع أبناء الشيخ الخديم وكانوا يحبونه كثيراً ابتداءا من الشيخ محمد الفاضل إلي الشيخ محمد المرتضي الذي كانت بنته سخن مريم Sokhna Marème من بين قريناته رضي الله عنه، والشيخ عبد الأحد كان يحكيه طيب أخلاق والده، وكان يشهد له بالهداية، وكان يحبه كثيراً وكان من مستشاريه، وكذلك الشيخ صالح ابن خادم الرسول الذي تولى تربية أكبر أبنائه بتربيته الفريدة. 
وكانت له علاقة محبة واحترام مع جميع الشخصيات البارزة في المريدية في زمنه. وهذه العلاقة لم تقف عند حدود المريدية، وإنما جاوزها إلي الطرق الصوفية في السنغال، وخاصة التيجانيّة واللاهينيّة، وكان معروفا بحسن المعاملة مع الناس جميعا بغض النظر عن الانتماءات الطائفية.  
صفاته الخلُقـية والخـلْقـية 
 وكان رضي الله عنه طويل القامة ولونه إلي السواد أقرب ، كثير التواضع منفتحا واسع الاطلاع كريما سخيا يحب معالي الأمور، وكان معلما ومربياً كبيراً في نفس الوقت، وكان عابداً بشتي أنواع العبودية بينه وبين ربه ، يصلي والناس نيام اقتداء بعباده الله الذين يثني عليهم ويتفاخر بهم في قوله تعالي " تتجافي جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ". وكانت هذه الصفات متمثلة في شخصيته الكريمة ، فأخبرني يوما : أن أبناء الشيخ الخديم لهم الفضل والخصوصية وإنما أنا لا أقبل أن يكونوا أكثر مني عبادة والتزاما ووَرَعاً. ومع هذا لم يكن يكتفي بصلاحه لأنه كان يعمل بقوله سبحانه وتعالي في سورة التحريم " يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا " فهذه الآية تدعوا إلي الإصلاح وينهي عن الأنانية ، ولذلك كان يتفقد الغرف واحدة تلو الأخرى، وخاصة في صلاة الفجر حتي لا يتغيب أحد ، ويربي الناس بهذه الأخلاق الطيبة، وكان يراعي ما بينه وبين خلق الله عملا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم " خير الناس أنفعهم للناس" وكان يعقد جلسات للتوعية ويُبيّنُ بعض الأمور الخفية التي تكون فيها مصلحتك ولا تعرف عملا بقوله عليه الصلاة و السلام " الدال علي الخير كفاعله ". وفي خصوص المريدين الذين تربوا علي يديه ، كان يُنكِحُ ويقدِّمُ لهم مساعدات مالية عند التّصَدُّر للعودة إلي أهليهم . 
 وكان ورعا يتقي الشبهات عملا بحديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات، من رتع حول الحمي يوشك أن يقع فيه " رواه الإمام مالك في الموطأ . ومما يدل علي شدة ورعه ما أخبرني به: أنه لم يتذكر يوما قام بمنهي عنه إلا يوما واحداً في جوربل حيث كان يكتب قصائد بقرب أشخاص يلعبون بالشطرنج ويسمع كلامهم " والمنهي هنا سماع كلام قوم يلعبون – سبحان الله – ما أشبه الليلة بالبارحة! ولا غرو في هذا لأنه تربي علي يد الشيخ محمد المأمون مباكي الذي ربّاه الشيخ الخديم. انظر هذا الورع حيث يعتبر الجلوس قربهم نوعا من المنهيات، ولاغروفي ذلك نظرا للأسرة التي تنتمي إليها، وهذا ما يشير إليه محمد البوصيري في قصيدته الهمزية حيث يقول " ألف النسك والعبادة والخلوة طفلا وهكذا النجباء. وهذا من سمات عباد الله الصالحين وهم صغار. 
 كان عاملا يعتمد علي نفسه في كسب رزقه، والبساتين في دار السلام وفي مصر شاهدة علي ذلك . وكان يجمع بين التعليم والعمل مع التلاميذ، ولا راحة له في حياته، ونهاره عامل يتفقد أحوال الناس وليله قائم. وكان يكره أن يراك فارغا وعاطلا عن العمل وخاصة في الخريف.  

كان مريدا صادقا، والدليل علي ذلك أنه كان يخصص في زرعه جزءا يعتبره هدية يعطيها من تولي الخلافة المريدية. وكان يجمع سنويا ملايين فرنك يقدمها للخليفة هدية للشيخ الخديم. وفي السنة الأخيرة تزامن مع مرضه الذي توفي فيه وهو في المستشفى يستعد لعملية جراحية وليس عنده شيء من المال إلا هذه الهدايا، وبعزيمته القوية، طلب من ابنه الأكبر سرين مباكي فاجم أن يرسل هذه الهدية للخليفة الشيخ محمد الأمين مباكي فاضل آنذاك ، وهو متوكل علي ربه .
 
وكان سخيا وملاذا للفقراء والمحتاجين، ودار السلام ومصر علي ذلك شاهد، وكان يوزع المساعدات عليهم بغض النظر عن القريب والبعيد، ومن يعرفه ومن لا يعرفه وفي ذلك أكياس الأرز و الحبوب وخاصة في الأعياد والمولد النبوي الشريف. وما زالت آثار تربيته مستمرة إلي الآن لأن جميع أبنائه يتعاطون مهنة التربية وتعليم القرآن الكريم وإقامة مدارس في البلاد. وقبل أربعة أيام من رحيله وكان مصادفا يوم الاثنين ذكري ولادة الشيخ محمد الفاضل "كز رجب" في دار السلام بحضرة الشيخ محمد المأمون مباكي فاضل وعدد كثير من المريدين ومحبيه، قام بشكر ربه لنجاح مهمته وقال : والشاهد علي ذلك سرين محمد المأمون فاضل هذا من أول الخرّيجين علي يديّ وأن جميع أبنائي يمكنهم القيام بمهمة صلاة التراويح التي كلّفت بها منذ ربع قرن والحمد لله علي هذه النعمة ، وبعد ثلاثة أيام من هذه الجلسة ، التحق الحاج سرين كد بالرفيق الأعلي رضي الله عنه عن عمر يناهز ٨٠ سنة ، يوم السبت ٣ من شعبان سنة ١٤٣٠ هـ الموافق لـ 2٥ يوليو ٢٠٠٩م. جعله الله من الذين أنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. وصلي الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. 
 طوبى بتاريخ : الاثنين ٢٢ من مارس ٢٠٢١ الموافق ٨ من شعبان الخير ١٤٤٢ على هجرة النبي عليه الصلاة والسلام في دار السلام.

 المصادر : - مقابلات شخصية 
- اتصالات عبر القنوات التواصلية
- كتاب المؤطأ 
- الأصول المباركة في أنساب آل بكّه للمؤلف سرين مام مور مباكي زينب محمد بن إبراهيم 
 - بحث للأخ سرين مباكي جوب في حياة سرين مباكي بوسو E- sesammmbacke@gmail.com  



الولي الزاهد سرين مور سغْنَ بوسو

الشيخ محمد بوسو المشهورُ بـ"سَرِينْ مُورْ سُخْنَ" Serigne Mor Sokhna واحدٌ من الرعيل الأول من أتباع الشيخ الخديم - رضي الله عنه- المقرَّبين إليه، ومن أبرز شيوخ الأسرة البسوبية المشهود لهم بالولاية، لشدة زهدهم وورعهم وتقواهم.



- نسبه وميلاده

وُلد الشيخ مور سخْن رضي الله تعالى عنه سنة ١٢٨٢هـ/ ١٨٦٥م في قرية تسمى مبسوبي Mboussobe في جلف Jolof . ووالدُه هو الشيخ مصمب بوسو [ سرين سا بوسو] بن محمد بن مطبر ، وجده الثالث هو حماد بن علي أول من قَدِم من فوتا طور (Fouta toro) إلى أرض جُلُفْ التي كانت قبائل وُلوف (wolof) تسكنها.



كان والده رضي الله تعالى عنه،  أخو السيدة مريم بوسو جارة الله لأبيها رضي الله تعالى عنهم، ممن هاجروا إلى سالم في عهد المجاهد مَبَهْ جَخُو با Maba Diakhou Ba رضي الله تعالى عنه، وقد توفي في قرية ناول Nawel ويوجد قبره على بُعد عشرات الأمتار من قبر السيدة مام أَسْتَ والو امباكي Mame Asta Walo.



وأما والدته فهي السيدة الفاضلة سُخْنَ امباكي المعروفة بـ"سُغْنَ خُجَ "Sokhna Khodia " بنت الشيخ امباكي رَمَتَ بن الشيخ سَيَرْ سُخْنَ بوسو بن الجد الكبير الشيخ مهرم امباكي . وكانت حاضنة َشيخنا أحمدَ الخديم رضي الله تعالى عنه التي ذكرها الشيخُ محمد البشير في كتابه "منن الباقي القديم" حين قال " وحكت حاضنتُه أنه [الشيخ الخديم] لم يكن يعتريه شيء مما يعتري الصبيان من البكاء والتلهي ولو بلغ الحد من الجوع1" كما قال الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه  في حقها "من كان يتمنى أن يكرم  سخن جارة لو رآها فليكرم سخن خجَ هذه، فقد تعبت كثيراً من أجلي*"


نشأ سَرِينْ مُورْ سُغنَ في حجر هذه الأسرة الطيبة المعروفة بالديانة والمروءة والعفَّة، وحفِظ القرءان في سنٍّ مبكرة ، ودرس العلوم اللغوية والشرعية، ثم تلقَّى تربيتَه الروحيةَ على يدي مجدد ِعصره الشيخ الخديم- رضي الله عنه- حتى صدَّره وأصبح من العلماء العابدين المعروفين بالصلاح والزهد في الدنيا وحسن الخلق. وكان مقرئا للقرآن يقضي أوقاته في تلاوته وتدريسه .



- علاقته بالشيخ الخديم رضي الله عنهما



كان الشيخ مُورْ سُخْنَ من المريدين المقرَّبين إلى الشيخ الخديم - رضي الله عنه -، فقد بايعه منذ بداية الدعوة ولازمه في امباكي بَوَلْ وفي دار السلام وشارك في بناء طوبى2. ويُعدُّ من الرجال الذين انعزل بهم الشيخ في هذا المكان الطاهر قبل غيبته البحرية لتربيتهم وترقيتهم . وكان مع الشيخ إبر فاط والشيخ محمد الأمين غاي والشيخ أحمد الصغير امبي في محل واحد، وقد كان الشيخ المربي رضي الله عنه وَزَّع أتباعه في طوبى على أربع مجموعة كل واحدة منها في دار.



كان سرين مُورْ مِن بين مَن التحقوا بالشيخ الخديم رضي الله عنه في موريتانيا ومكث برفقته فيها. وفي هذه الأثناء أظهر له الشيخُ كرامةً حيث أخبره بولادة بنتٍ له، وذلك قبل وصول حامل النبإ إلى مقر إقامتهما وسماها خديجة ( وهي والدة سرين شيخ انجاي خر بوسو).



وفي جُربل كان يلازم الشيخَ لفتراتٍ طويلة؛ ويُروَى أنه كانَ أولَ من تلقَّى من الشيخ قصيدتَه المقيدة بـ" جاورت الله بكتابـه إلى دخولي جنتـه" بعيد فراغه من تأليفها مباشرة، وقد أمره الشيخ بقراءتها مع الأتباع الموجودين معه؛ فسُرَّ الجميع ، إلا أن سَرين مور حَزن حزنا شديداً أثّر في ملامح وجهه، لشعوره بأن الشيخ يؤذن في هذه القصيدة بتأهُّبه للرحيل إلى جوار ربه، ولما سأله بعض الحاضرين عن سبب حزنه قال: فما ذا بعد التمام إلا النقص!3



ولما رجع إلى غيدي Guédé من هذه الرحلة ، وقابله صديقه الوفي سرين مور كنه امباكيSerigne Mor Kouna Mbacké أراه القصيدةَ وهمس إليه" أن أمراً جللاً يوشك أن يقع، فالشيخ يتأهب للانتقال إلى جوار ربه ، فيما يبدو و مور سغن – يعني نفسه - لا حاجة له في دنيا قد خلت عن شيخنا". وتُوفيَ رضي الله عنه قبل شيخهِ بسنة.



كان سرين مور يحظى بثقة شيخه رضي الله عنه؛ ومن شواهد هذه الثقة أن الشيخ الخديم رضي الله عنه زوَّجه بكبرى بناته الشريفة سغن فاط جاه امباكيSokhna Faty Diaرحمة الله عليها- ثم زوَّجه مرة أخرى ببنت شقيقه سرين مور جارة Serigne Mor Diara وهي السيدة عائشة امباكي - رحمة الله عليها 4.



- علاقته بمعاصريه



كان سرين مور سغن يتمتع بعلاقات طيبة مع معاصره من العلماء والشيوخ، ويحظى بمحبتهم وتقديرهم؛ وقد شهدوا له بالتقوى والصلاح، يقول عنه العلامة الثقة سرين محمد دم رضي الله عنه Serigne Mouhamdou Deme مور سغن الذي لا يختلف اثنان من أهل امبسوبي في ولايته"

أما علاقة سرين مور بابن عمه العلامة الشيخ امباكي "عالم البلد ومفتيه" رضي الله عنه فهي علاقة أخوية وروحية متميزة فكأنهما شقيقان، وقد وثَّق الشيخ الخديم رضي الله عنه هذه الرابطة بجمعهما في محل إقامة واحدة في قرية غيدي Guédé شمالي طوبى . وكان يتولى تدريس القرآن الكريم بينما كان ابن العم الشيخ امباكي وأبناؤه يدرسون العلوم الشرعية واللغوية.



ومن يعرف العلامةَ الغيدوي سرين امباكي يدرك أنه لم يكن يداهن في الحق أو يجامل فيه، وقلَّما مدح إنسانا آخر غير شيخه الخديم رضي الله ومع ذلك مدح سرين مور سغن ببيتين بليغين وهو يؤرخ لوفاته5 فقال :

أمَّا الذي انـقـادَ لرشدٍ بالرَّسَنْ *** أنيسُنا ابنُ العـمِّ ذو الخُلْقِ الْحَسَن ْ

مُحـــمدُ الندبُ فَـ"بـــــيْــــــنَ " عُمِّرَا *** ليــــلةَ "كَــــــــهْ" قِعدةَ دَمْسَشٍ سَــــــــرى6



وهذان البيتان على وجازتهما يصفان بشكل بليغ شخصيةَ سرين مور سغن؛ فالأول يوضح التزامه بالاستقامة على الصراط المستقيم والسداد في السلوك، كأنه لا يملك الفكاك عن هذا الالتزام ولا القدرة على الانحراف عنه لكونه منقادا بالرسن، وهو الزمام. وفي البيت أيضا ذكر لتحليه بحسن الخلق. وهاتان الصفتان، الاستقامة وحسن الخلق، ثمرتان من ثمار التربية الخديمية تَظهران على كل من تلقى بحقٍّ تربيتَه هذه. وكون الشيخ امباكي على ورعه وشدة أمانته هو الشاهد يكفى دليلا على مكانة سرين مور سغن بين شيوخ عصره.

وفي البيتين إشارة إلى طبيعة العلاقة التي تربط بين الشيخين؛ فقد اعتبر سرين امباكي ابنَ عمه أنيسَه في الوحشة وأخاه في القرابة ومساعده في المهام.

ونجد العلامة المريد الصادق الشيخ مختار بنت لوح، في قصيدته "تسهيل المطالب" بعد ذكر أبناء الشيخ محمد البسوبي المشهور بسرين امبسوبي Serigne Mboussobé، يذكر سرين مور سخْن ويصفه بأوصاف مشابهة لما وصفه به العلامة الغيدوي حيث يقول :

وبابنِ عَمِّ هؤلا ** ءِ الكُــرمـــــــاءِ الفُضَــــــــــــلا
مـُحَمَّدٍ بِشْر ِالْـمَلَا ** ذِي الْعَدْلِ وَالتَّأَدُّبِ

وهكذا، كان شيوخ عصره يقدرونه ويشهدون له بالولاية والاستقامة وحسن الخلق والعدل والتأدب، وبفضل هذه الأوصاف استحق أن يكون "بِشْرَ الْـمَلاَ" كما قال الشيخ مختار رضي الله عنهما.



- انتقاله إلى جوار ربه

ظل الشيخ مور سغن يعيش في غيدي Guédé يُدرس القرءان ويُربي المريدين، وكان بين الفينة والأخرى يمكث في البقعة المباركة في جربل Diourbel بإذن من الشيخ الخديم- رضي الله عنه- إلى أن انتقل رضي الله عنه إلى جوار ربه في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة ١٣٤٤هـ الموافق للخامس من يونيو ١٩٢٦م، عن عمر يناهز اثنين وستين عاما. ونُقل جثمانه الطاهر إلى مقبرة طوبى. رحمه الله تعالى رحمة واسعة، ورضي عن شيخه أحمد الخديم.


                                                            
 بقلم /سام بوسو عبد الرحمن
ملحق : أبناء الشيخ مور سغن وبناته
كان للشيخ أربعة من الأبناء وأربع من البنات
والأبناء هم :
١- سرين بوسو أشتُ Serigne Bousso Astou
٢- سرين اندام عبد الرحمن Serigne Ndame Abdourahmane Bousso
٣- سرين بوسو حوى صُو Serigne Bousso Awa Sow
٤- سرين بار بوسو Serigne Bara Bousso.
والبنات هن :
١- سغن خر بوسو Sokhna Khary Bousso
٢- سغن بوسو أشتُ Sokhna Bousso Astou
٣- سغن آمنة بوسو Sokhna Aminta Bousso
٤- سغن خج بوسو Sokhna Khoudia Bousso
1 منن نن الباقي القديم بتحقيق د محمد شقرون ص  ٣٣
* روتها حفيتدها سخن آمنة انيانغ عن والدتها التي كانت شاهدة عيان، وذلك حين زارت السيدة  سخن خج الشيخ الخديم رضي الله عنه في جربل، وبالغ الشيخ في تكريمها.
2 أن الشيخ الخديم رضي الله عنه كان برفقة أربعة من مريديه في أول ليلة باتها في منزله بعد ما نصب له فيها خيمة ومن هؤلاء سرين مور سغن وسرين مصمب فاط بوسو .
3نقلته عن الأخ عبد الرحمن بوسو الذي سمعه من سرين مور سانغه Serigne Mor Sankhé أحد مريدي سرين مور سغن وكان يرافقه إلى البقعة المباركة عند الشيخ الخديم رضي الله عنه وقال بأنه كان شاهد عيان.
4وهي والدة سرين دام عبد الرحمن بوسو الإمام رحمه الله تعالى.
5من قصيجته التي أرَّخ فيها لوفيان بعض الأعيان في عصره ومطلعها
تُوُفي الوالد عام شب سي *** عن "عز" عمره وقيل "كنه" حي
6أي توفي ليلة الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة ١٣٤٤ وعمره اثنان وستون سنة.



الشيخ سيدي المختار امباكي {بروم غاوان}*
بقلم الشيخ خادم امباكي شيخو

إن الشخصيات التي خرَّجتها المدرسة الخديمية، بعد أن تعهدتها بالعناية العقلية والروحية، لتمتاز بالتنوع والغنى في نماذجها؛ فالقراءة الفاحصة فيها تؤكد تفرد كل بخصوصيات تقيم حدودا وفواصل تكاد تنمحى معها علاقات الانتماء لمشرب واحد لولا ما يطفو على السطح من سمات جامعة. ولعل هذا التنوع يعكس شعور المدرسة باحتياج الساحة الإسلامية إلى التخصص في الأداء والعمل.

والشخصية التي نقدمها اليوم تمثل نموذجا فريدا في بابها سجل لها التاريخ مواقف جليلة في حقل العمل الإسلامي، بما أسهمت في دعم حركة الشيخ أحمد الخد يم التجديدية وجهوده الإصلاحية من جميع النواحي، وعلى الأخص الناحية التمويلية.

التعريف بها :

هو سيدي المختار مبكي المشهور ب بروم غاوان Boroom Gawane شيخ أنتا المولود في قرية بوروخان Porokhane بسالم عام 1285هـ الموافق لعام 1863م، {وقيل 1866م} من الوالد الشهير القاضي مومار أنتا سل، والأم الكريمة مام أست والو مبكي المعروف ب "مام أنت انجاي" فهو من أبيه أخ للشيخ الخديم – رضي الله عنه- الذي يكبر عنه بحوالي 15 سنة، ومن أمه ابن عمة له.

تعليمه :

حفظ القرآن على أيدي مشائخ مقرئين، أشهرهم وأكثرهم إقراء له وتحفيظا الشيخ عبد الرحمن لوح وأخذ العلم من أخيه الأكبر مام مور جاره ثم التحق بالشيخ الخديم – رضي الله عنه – مفضلا ملازمته.

تربيته :

ينظر "شيخ أنتا" إلى أخيه الشيخ أحمد فيراه شخصية ربانية، وقدوة روحية تصلح بملازمتها الأحوال، وتستقيم بموافقتها الأعمال، فسارع إلى الارتباط بها منذ أن ميز وأدرك، يترصد أوامرها بالامتثال، ويتوسم مرضاتها في كل فعل ومقال، فهو من أوائل الذين رافقوا الشيخ للتربي على يديه.

وقد أولى الشيخ – رضي الله عنه – لتربيته اهتماما خاصا، وأعده لما كان ينتظره من أدوار لم يكن لتستغني عنا حركته خاصة، وأهل تربيته عامة. وقد أبدى هو قابيلة وتجاوبا لذلك على أعلى المستويات، وأصبح، فيما بعد، من خواص مستشاري الشيخ وأهل اعتماده، كما يتبين من وثائق مراسلاتهما.

أبعاد خاصة لشخصيته :

إن الوقوف على الأبعاد والجوانب المختلفة لشخصية "شيخ أنتا" يجعلنا ندرك، في قناعة ثابتة، بأننا، في الحقيقة، أمام طراز نادر في وسطه. غير أننا نقتصر على الإشارة إلى بعض مما يعتبر من تلك الجوانب خاصة : -


شيخ أنتا" رجل الأعمال والثري :

على عادة القادة أركان الطريقة الذين تأهلوا على يد الشيخ رضي الله عنه – وتصدروا للتربية، قد كان شيخ أنتا مربيا روحيا تخضع لقيادته وإدارته معسكرات تربوية عديدة يمارس فيها أهل تربيته إنتاجا زراعيا ضخما كنشاط مساعد، لكن يبدوا أن هذا الدور التقليدي السائد بين نظرائه لم يكن ليرضي طموحا كان يستكن بين جنباته، ويتفاقم مع تصاعد أنفاسه.

فأمامه هذه الحركة الوليدة التي لا تزال تتعثر بين العقبات والمضائق، يتزعمها أخوه وشيخه، والحساد والمستعمر له بالمرصاد وأهل تربيته في حصار واضطهاد إلى جانب ما يحيط من مطالب الدنيا من الموالاة والمداراة، ولوازم الدين من البر والمواساة.فالضمير لا يستريح بالوقوف عاجزا أمام هذه وتلك من منغصات ومكدرات، وليس من سبيل إلى خروج إلا بضمان قدر من الاكتفاء المالي ذاتيا يحد من غلواء الموقف.

يقيم "شيخ أنتا" الوضع هكذا، فيقتحم مجال الاستثمار والعمل الحر، يستورد، ويضارب في الأراضي، ويدخل في علاقات تجارية واسعة مع أصحاب رؤوس الأموال، بمن فيهم الأجانب، ليصبح من أهم كبار رجال الأعمال : يملك عقارات عديدة داخل الوطن وخارجه، ويقتني قوافل من السيارات وسلسلة من المحلات التجارية، حتى اعتبر في عام 1919م أكبر ملاك للسيارات وأثرى رجل في البلاد. وقد سخر "شيخ أنتا"كل ذلك لخدمة المسلمين وصالح المريدية كما سيأتي :

شيخ أنتا رجل السياسة :

لم يكن "شيخ أنتا" بعيدا عن مسرح الحياة السياسية، بل كان يراقب تطوراتها الهامة، يتابع الأخبار، ويستنطق الصحف عن طريق سكرتيره الخاص، بل كان يحاول التأثير في مجرى السياسة، ويعمل على ترجيح كفة على أخرى حسب إملاء الموقف والمصلحة الظاهرة؛ وقد وقف مرة إلى جانب "غلا ندو جوف" في انتخابات البرلمان الفرنسي لاختيار النواب الأفارقة فيه، وعمل على تمكينه من ترشيح نفسه.

نفيه إلى "سيغو" :

ولأن "غلا ندو" كان المعارض لبليس جانج في تلك الانتخابات فقد اغتاظ الأخير لموقف "شيخ أنتا" هذا، ولفق ضده تهما تتعلق بالسيادة، وأمن الدولة، وقوانين الملكية، وأصدر على ذلك أمرا بإيقافه ثم نفيه إلى "سيغو" بدولة مالي الآن وذلك في الفترة ما بين (1929-1935م) وفي بيان كتبه العلامة الشيخ مبكي بوسو على لسان الحق سبحانه وتعالى يبرر فيه موقف شيخ أنتا وأنه موقف برئ، لا ينطوي على سوء نية ضد أحد، إشارة إلى هذه التهم، وأنها ملفقة عليه للكيد به، كما فعلوا بأخيه، فله فيه أسوة ؛ ثم اعلموا أني الذي خلقت شيخ أنتا على خلقته عليه من سلامة الصدر، ورقة القلب، وخلو البال، وخولته ما خولته، وجبلته على الإنفاق مما رزقته يمينا وشمالا، ليلا ونهارا، لا يميز في ذلك صديقا ولا قريبا من بعيد، إنه مجبول على ذلك لا كسب فيه، فلو أن أعداء خليله أتوه من الجهة التي أتاه هو منها لنالوا منه ما نال، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فرموه بما رموه مما لا يليق ولا أعلمه فيه منذ خلقته، فاشكر لي يا "شيخ " بالصبر على ما قيل فيك وتعلم أنك برئ منه، فإني مع الصابرين، - ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون في الحقيقة أن هذا البيان يتجاوز حدوث التبرئة وساحتها إلى مشاطرة الحزن والأسى، والتعبير عن المرارة والامتعاض من مسلك "بليس" الجائر، كما يجسد هذا البيان عمق العلاقة وقوة الصداقة التي كانت تجمع "سرين امبك" بـشيخ أنتا"

خدمته وآثاره :

كرس "شيخ أنتا" حياته كلها لتقديم خدمات تعود بالنفع العميم لصالح المسلمين، ولازدهار الطريقة، وارتفاع معاناة الأتباع، كما سبقت الإشارة، وأعد ما استطاع من قوة المال ورباط البذل، وخاض معارك الإنفاق، وجال فيها وسال، وأبلى بلاء حسنا، جاعلا قوله تعالى : "وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه … شعاره الذي يرفرف به عمله.

فكم أقال من عثرات، وأزال من عقبات، وأحيى من عهود وصلات، وعالج من مواقف محرجات بما يسر من تمويلات، وهيأ من نفقات، وما أشار من رؤى ونصائح حكيمات

والشواهد التي يمكن سوقها لا يكاد العد يحصيها، أو الحصر يأتيها، فنكتفي بها بما يسع له المقال، ويستسيغه المقام، على شكل إشارات، دون خوض في تفصيلات.
من ذلك أنه :

  • في إحدى سنوات القحط، يوزع على الأهالي والسكان حمولة سفينة من الأرز تقدر بـ 125000 طنا، معونات غذائية تساهم في تخفيف المعاناة.
  • ينفق على المرافق الدينية، ويصونها عن أيدي الطغاة، ويحفظ للمسلمين وسائل تأدية شعارهم.
  • و يرفع المعاناة عن أهل العوز والفاقة.
  • يساعد صغار التجار ويقدم لهم تسهيلات.
  • ينوب عن الشيخ في تقديم ما يلزم من أنواع البر لأقربائه والقاصدين لساحته من علماء وصالحين.
  • يقدم هدايا، من أموال مختلفة، لذوي القرابة من الشيخ، وللعلماء وأهل التقوى، توسلا بأدعيتهم لعل الله يلطف على العباد ويرفع ما نزل بالمسلمين وبالأتباع من الهم والغم بسبب نفي الشيخ وتغريبه.
  • يتوسط لدى الحكام الفرنسيين، ويقدم هدايا لهم، بغرض الاستخبار عن الشيخ، حينا وطلب السماح برجوعه حينا آخر.
  • يدعم المواصلات، ويشق الطرق بين مناطق تواجد الأتباع وبين محل إقامة الشيخ الجبرية في "جوربل" تخفيفا لحدة الحصار.
  • يطبع أول مجموعة من قصائد الشيخ – رضي الله عنه –
  • يعمل على تحقيق إحدى أمنيات الشيخ الثلاث التي حال القدر بينه وبينها طوال حياته المباركة، والتي تتمثل في (إقامة مسجد الجامع بطوبى، وبناء مدرسة عليا تكون قبلة لطلاب العلم من كل الأنحاء، والحج إلى بيت الله الحرام)

يدرك "شيخ أنتا" مكانة هذه الثلاثة في قلب شيخه، وخاصة الأخيرة التي أكثر الحديث عنها بحيث لم يعد سرا لا يناجي به إلا خواصه، بل كان يحادث به علنا كما يشكو من ألم إلحاحها سرا، على درجة أصبح معها سائغا وجائزا اعتبار ذلك إذنا عاما يتعين بالمقدرة، وهي شرط يتوفر لديه.

فعلى هذا، يتشمر "شيخ أنتا" ويتكفل بهذه الأخيرة ويعد لها العدة والعتاد، ويحتاط لها أعظم احتياط، ويختار لها بعثة تضم من أهل الصلاح والتقوى والقرابة صفوة يقع بهم الاطمئنان على كمال الأداء وصحة النيابة.

بعثة الحج وأعضاؤها :

ضمت البعثة في أفرادها كلا من الشيخ/ محمد الفاضل مبكي – نجل الشيخ – رضي الله عنه – والشيخ مبكي بوسو، وابنه/ سرين مولاي بوسو، بالإضافة إلى شيخ أنتا ممول البعثة ومجهزها، وابنه سرين تاكو مبكي، وطائفة من الكتبة والأعوان.

وكانت الرحلة في عام 1928م. وقد أرخ لها الشيخ محمد الفاضل مبكي من أول الانطلاق إلى يوم القدوم، وذكر المحطات والمزارات، ووصف الأحداث الجليلات والصغيرات.

علاقاته :

كان الشيخ أنتا يتمتع بعلاقات متميزة مع كافة الأطراف؛ فعلاقته مع الشيخ بدأ منذ الطفولة كما مر، ولم تزل في ازدياد العمق والتوطد، وفي علاقة حب متبادل، يغذيها روح يلتمس المؤانسة في الله وإليه.

أما علاقته بالأقرباء وبمن كان يجمعه بهم وحدة المشرب من أعلام الطريقة فحدث بها ولا حرج، فقد كان الجميع يكن له

الحب والتقدير والاحترام بدون استثناء، وإن كان "سرين مبكي بوسو" والشيخ محمد الفاضل ينفردان بامتيازات في هذه العلاقة فقد أبدى كل منهما تأثره الخاص بقرار إبعاده، أظهر تعاطف الصديق الحميم، ومساندة الشفوق الحليم،فقد مرت عليك شهادة الأولى في دلالاتها العميقة، كما شاعت زيارة الأخير له في منفاه بـ "سيغو" وتبشيره بانتهاء محنته وقرب عودته.

أما علاقاته الخارجية ،فقد حتمتها عليه معاملاته التجارية، فارتبط بالأجنبي ارتباطه بالمواطن.

الختام :

هذا قليل من كثير آثار علم من أعلامنا الشامخة، تظل أعماله تشهد له بعلو الهمة.وصدق العزيمة، وبعد النظر. وسعة الأفق، والتفاني في الخدمة للشيخ، وللأتباع والمسلمين عامة مما يجعله في مصاف الطلائع والركائز التي عليها الأساس الأول للطريقة.


بل إن أهمية شخصيته ووزنها داخل المنظومة الأولى للحركة تعود بذاكرتنا إلى موقف الخليفة الثالث سيدنا عثمان – رضي الله عنه – المنعش للنشاط العسكري للدولة الإسلامية الأولى والداعم لها في مواجهة الأزمات المالية.


ومكانته المتميزة من الشيخ – رضي الله عنه – والتي يظل رمزا لها اختصاصه بنزوله عنده في دار السلام (أول قرية بناها) لنفسه ثم عهد بها إليه إثر رجوعه من الغيبة البحرية. وإقامة أول ضيافة عامة له استقبل فيها جموع الأتباع، وعموم الزوار، تؤكد هذه الأهمية الخاصة.

وتوفي – رضي الله عنه – ودفن في دار السلام، في 1/1/1941م، وخلفه في الإمارة والعمارة الشيخ محمد المأمون أكبر أبنائه، ثم من بعده إخوته الذين لا يزالون يتعاقبون على كرسي الخدمة والتجديد.

فجزاه الله وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرا، ونفعنا بحسن الاقتفاء لآثارهم.

* نشر هذا المقال ضمن كتاب "شخصيات من المدرسة الخديمية" الذي أصدرته الإدارة العامة لمؤسسة الأزهر الإسلامية سنة 2004

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الشيخ إبراهيم فاط امباكي*
إنه واحد من القادة الأفذاذ الذين تخرجوا وتربوا في مدرسة خادم الرسول صلى الله عليه وسلم، وتجردوا عما سوى الله، وأصبحوا قادة إسلاميين بكل ما تحمله كلمة الإسلام من دين ودنيا، فالشيخ إبراهيم فاط امباكي نهل من نبع فيض الشيخ أحمد بامبا، وربي بنفسه علماء مخلصين أناروا الآفاق بمصابيح عقولهم النيرة، فتعالوا معنا – أيها القراء- نسلط الضوء على حياة العلامة الجليل الشيخ إبراهيم فاط امباكي.
مولده :
فالشيخ إبراهيم امباكي قد ولد في بروخان في منطقة "سالم" عام 1283هـ الموافق 1866م، من والدين صالحين الشيخ مام مور أنت سالي امباكي والسيدة/ فاطمة جوب.

تعلمه وتربيته :
لقد تعلم الشيخ إبراهيم امباكي القرآن الكريم على يد الشيخ الخديم حتى حفظه، وكذلك تعلم منه علوما مختلفة وفنونا شتى حتى أصبح بحرا في المعرفة، ويكفي للبرهنة على سعة أفقه العلمية هؤلاء الفحول الذين تخرجوا على يديه أمثال الشيخ محمد المصطفى، والشيخ محمد الفاضل امباكي، والشيخ مختار بنت لوح، والشيخ محمودا كس وغيرهم كثيرون، وكان الشيخ إبراهيم امباكي عالما عاملا بعلمه مراعيا للحقيقة والشريعة في كل شيء لأن ذلك شرط أساسي عند القوم فالشيخ أحمد بامبا يقول :
منها التبحر في علم الشريعة مع ***   علم الحقيقة في بدء وغايات
إذا ارتياض مع الإرشاد قبلهما *** من جالبات غرور مع شقاوات

علاقته الوثيقة مع الشيخ الخديم :
ففي سن مبكرة من حياة الشيخ إبراهيم فاط، كانت علاقته بالشيخ الخديم تتوطد، حتى في صغره وقبل قدرته على المشي كان أخوه الأكبر الشيخ أحمد بامبا يختلي به في الفلاة بهدف إعداده للحياة الروحية كما أنه حين توفي الشيخ الوالد/ مام مور أنت سلي امباكي كان الشيخ الخديم – طبقا لمصادر موثوقة – قد تنازل عن نصيبه من الميراث واكتفى بأمرين هما :
المصحف، وأخوه إبراهيم، وهذا دليل قاطع على وثوق ارتباطهما، قد كان – رضي الله عنه – العضد الأيمن للشيخ الخديم بمنزلة هارون من أخيه موسى – عليهما السلام – في قوله – تعالى – "سنشد عضدك بأخيك" فهو الذي ترك الشيخ الخديم العيال والأمتعة بيده أيام غيبته البحرية المباركة، فاجتمع عليه أصحاب الشيخ أهل العقد والحل، وأقام قراءة أولاد الشيخ الذين حفظوا القرآن في مدة قليلة قبل رجوعه، ولم ينخرم شيء من أمره، هكذا كتب الشيخ محمد الأمين في كتابه : "إرواء النديم من عذب حب الخديم" وثمرة هذه العلاقة الطيبة تنبلج في تأثره – رضي الله عنه بالشيخ الخديم في كل حركة من حركاته.

دار المعطي قلعة العمل والتربية :
بما أن الشيخ الخديم بنى منهجه على العلم والعبادة والعمل فلقد أمر الشيخ إبراهيم امباكي بإنشاء قرية "دار المعطي" في عام 1912م كمكان لتربية أتباعه على العلم والعبادة والعمل، فالله – سبحانه وتعالى يحث على العمل الصالح في قوله :
"والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".
فالعمل الصالح متعدد الجوانب، فكل كسب حلال يعتبر عملا صالحا وفي هذا الشأن يقول خادم الرسول:
اجتهدوا يا قوم في الطاعات **بالعلم والعمل في الخيرات
إذن أنشأ الشيخ إبراهيم امباكي دار المعطي للتربية، والتعليم والعمل لكسب الحلال مراعيا مبادئ الشريعة مع ما تيسر من الحقيقة المنورة، فلم يكن يرضى أبدا أن يدخل أحد أتباعه باب المسجد إلا بعد أن يتوضأ، كما أنه في أوقات العبادة {على ما نقل على لسان "سرج بات سل"} في كتاب الشيخ محمد البشير بن الشيخ إبراهيم كان يأمر الأتباع بترك العمل عندما يحضر وقت الصلاة مثلا، تماما كما كان الشيخ الخديم يتصرف في مثل هذه الحالات، حيث كان يأمر بإبطال ذلك العمل إذا وقع بعد دخول الوقت أو التصدق بناتجه، وهذا ما يسمى بـ "التوحيد العملي".

زهده رضي الله عنه :
كان الشيخ إبراهيم فاط مثلا في الزهد والورع وقد شهد له بذلك الشيخ محمد الأمين جوب في كتابه "إرواء النديم" بقوله " "فإنه فوق ما يوصف" وبقوله أيضا "إنه يضرب الناس به مثلا في الاستقامة" ولا غرو في أن يتصف بهذه الصفة المحمودة من تربي في ظل خادم الرسول الذي كان آية في الزهد والاستقامة.

حزمه وشجاعته وحكمته :
كان الشيخ إبراهيم مثلا في الحزم والشجاعة، وقد اختاره الشيخ الخديم موفدا من قبله لدى السلطات الاستعمارية حين طلب حضوره إلى "اندر" ولكنه بحكمته استطاع أن يقنعها في التراجع عن إرسال كتيبة مسلحة إلى الشيخ، وهو يشبه موقف سيدنا علي {رضي الله عنه} في ليلة هجرة النبي {صلى الله عليه وسلم}إلى المدينة المنورة.
حبه للشيخ الخديم :
فقد كان الشيخ إبراهيم يحب الشيخ الخديم حبا جما، لأن الشجاعة التي أشرنا إليها آنفا دليل قاطع على حبه لشيخه باعتباره أول شرط من شروط المريد الصادق.
الصدق في محبة الشيخ أبد *** ثم امتثال أمره حيث ورد
فالشيخ أحمد الخديم يقول في حكمته : "إن مفتاح محبة التلميذ لشيخه في امتثال أمره واجتناب نهيه" وحسن الظن به، وأما مفتاح محبة شيخه له فرؤيته متعلقا به لطلب الوصول إلى مطلوبه مع المبادرة إلى أمره بلا اعتراض ظاهرا أو باطنا، أما مفتاح عكس هذه الأشياء فإصرار على الذنوب والتسويف عن العمل الصالح ومحبة العاصين، وعدم امتثال الأمر، وترك اجتناب النهي، وسوء الظن، وترك التعلق به لله – تعالى وهكذا فلقد طبق الشيخ إبراهيم هذا الكلام الصادر من الشيخ الخديم حرفا بحرف حتى فنى في حب شيخه رضي الله عنهما.

منزلته عند الشيخ أحمد بامبا :
بالإضافة إلى كون الشيخ إبراهيم فاط مبكي عضد الشيخ الخديم، هناك رسائل عديدة وردت فيما يدل على علو شأنه، فقد رأينا خادم الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حقه : "إبراهيم الذي لم يفارقني لا في صغره ولا في كبره" كما رأيناه في مكان آخر يكتب "إبراهيم الذي لا يخالفني أمرا قط" وهناك رسالة أخرى من الشيخ الخديم تدل على كون الشيخ إبراهيم المسلم الحقيقي والمريد الصادق الذي لا يريد سوى رضوان ربه، فالشيخ إبراهيم قد فاز برضوان الله وهذا نصها :
"بسم الله الرحمن الرحيم متى تقع عينك على هذه الحروف فتيقن بأن كاتبها راض عنك رضي لا سخط بعده أبدا وأنه طالب من الله – تبارك وتعالى – لك ما يغبطك فيه جميع أمثالك فطب نفسا وقر عينا، ولا تشك في كون هذا من ربك إليك بواسطته، والله على ما نقول وكيل" فهل هناك شيء يطلبه الإنسان المسلم والمريد الصادق أكثر من كونه مرضيا عند الله وعند شيخه؟ "ورضوان من الله أكبر".

التحاقه بالرفيق الأعلى رضي الله :
التحق الشيخ إبراهيم فاط مبكي بالرفيق الأعلى يوم الخميس الرابع والعشرين من شهر شعبان المعظم 1362هـ الموافق 1943م بعد أن فاز برضى الله – تعالى – ورضى أخيه الأكبر وشيخه الشيخ أحمد بامبا، وتولى خلافته من بعده ابنه الأكبر الشيخ محمد حو بل مبكي الذي كان خير خلف لخير سلف، واهتم هذا الأخير بقرية دار المعطي وجر المياه إليها، كما أتم بناء بيت والده ومسجده، وواصل دور والده في التربية والحفاظ على التراث المريدي حتى توفي بعد ذلك في عام 1985م ثم انتقلت الخلافة من بعده إلى الشيخ عبد القدوس مبكي العالم السني التقي الذي واصل دور أخيه وأبيه حتى استكملت المرافق العامة في القرية وأصبحت دار المعطي العاصمة الثانية للمريدية بعد طوبى، وكانت من قبل ذلك صحارى جرداء لا مياه فيها! نعم إنه قول الله – تعالى - : "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا" فجازاه الله عن السلف خيرا وأبقى فينا الخلف وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


بقلم الأستاذ خديم مصطفى لو ح

* - نشر هذا المقال ضمن كتاب "شخصيات من المدرسة الخديمية" الذي أصدرته الإدارة العامة لمؤسسة الأزهر الإسلامية سنة 2004
ـــــــ  ــــــــ  ـــــــــ

 الشيخ عبد الرحمن بوسو الإمام
هو الأمام الشيخ عبد الرحمن البسوبي الشهير بِسَرين دامْ بوسو .
۞ميلاده ونسبه:
ولد الشــيخ عــبد الرحــمن سنة ۱۳۳۲ هـ ۱۹۱٤م، في قـرية دار المنان، جنوبــي مدينة طوبى، من أسرة عريقة مشهورة بالتدين والورع والصلاح. فوالده هو محمد بوسو۱۲۸۲هـ ـ ۱۳٤٤هـ المشهور بسرين مور شُغْنَ بن صمب بن محـمد بن مَطَبَرَ؛ كان هذا الوالد من الـصالحين المشهود لـهم بالولاية والكرم وحسن الخلق.
أما والـدته فـهي الـسيدة عائـشة امبـاكى بـنت الشـيخ مام مور جار، شقـيق الشـيخ الخــديم، وشــغن أشت والو بـوسو بــنت الشــيخ محــمد بــوسو الشهــير بـ" سرين امبُسُوبِ"

۞نشأته ودراسته
نـشأ في قـرية «كيدي» في حِجْرِ والده بـعد انتقال الأ سرة إليـها بإذن من الشـيخ الخـديم، وفيـها درس القرآن الكريم حـتى أتقـنه حفـظا ورسما ثم شرع في دراسة مبادئ العلوم الشرعــية والعربــية على يدي الإمام الورع "سَرينْ مُودُ َخرِ بــوسـو" قـــبل أن يـــشد رحاله للتعـــمق في هذه العلوم إلى»انغوي» وإلى»جَامَلْ» بإذن من الشـيخ امبــاكى بـوسو، بـعد انتقال والده إلى جوار ربه؛ كـما درس أيـضا على يد العلامة الشهير الشيخ محمد دم في جوربل.

۞تعيينه إماما في "امبر"
وبـعد ما تأكد الشيـخُ امبـاكي بـوسو من رسوخ قـدمه في العلوم الشرعـية وتحلـيه بـصفات العدل والورع وكفاءته فى التـدريس عينه  إمـاما ومـدرسا في قـرية «امبر» بمنطقة سالُمْ، بطلَب من الشيخ بَل َّ تيورو؛ وأقام فيها حوالي ۱۷سنة ولذلك اشتهر بـ"سَرِين دامْ امَبرْ"

۞تعيينه مدرسا في مسجد طوبى الجامع.
الانتهاء من بناء المـسجد الجـامع بطـوبى سنة ۱۹٦۳،استدعاه الشـيخ محـمد الفاضل امباكى الخليفة الثاني للشيخ الخديم «رضى الله عنهما» من "امبر" وعيّنه مدرسا في المـسجد الجـامع إلى جانب الأستاذ الشـيخ الحاج امبـاكي جخَتِ ونائـبا لإمام المــسجد"الحاج سرين يـوسو الإمام" ودرس على يــديه عدد كبير جلـهم من أبناء الشيوخ. وكان طيلة هذه الفترة يــصلي بالناس صلاة التــراويح في ساحة منزل الشيخ الخليفة.

۞تعيينه إماما للمسجد الجامع بجوربيل .
ولما تولى الخلافةَ الشـيخ عـبدالأحد «رضي الله عـنه» سنة۱۹٦۸م نـصبه إمـاما راتـبا لمـسجد الشـيخ الخـديم بجـوربل، غربـي مديـنة طـوبى. وصار منزلُه في هذه المديـنة من أهم المـراكز التعليمـية وأكثـرها شهرةً يَؤُمه الطلـبة من جمـيع الأقالـيم. وقام فيـها بمهام الإمـامة والتـدريس والإ صلاح بـين الناس والإفتاء والقضاء أحيـانا إلى أن حال المـرضُ دون قيـامه بتلك المهام سنة ۱۹۸۲، فأذن له الشـيخ عـبد الأحد امباكي بالعودة إلى منزله بطوبى حيث قضى بقية أيامه.

۞كتاباته:
كان للشـيخ موهـبة شعرية نادرة وله أسلوب ذو طابع تقليدي ـ شأنه في ذلك شأن شعراء جيله ـ يتميز بالأصالة والجزالة حين يمدح، غير أنه يفيض رقةً ولطافةً حين
ينـاجي ربه بخشوع وتضرع وخـاصة في أيـامه الأخيرة. وإلى جـانب الشـعر كان يكـتب نثرا مـثل خطَـبه وقـصة رحلـته إلى المملـكة العربـية الـسعودية عبر أوروبا في أواسط الـسبعينات، بمنـاسبة ملتـقى نظمـته رابـطة العالم الإسلامي فيـها

۞صفاته:
كان الشـيخ عـبد الرحـمن عالمِا مُعتـرفا بعلـمه ومُربـيا قديرا وحافـظا للقرءان ومُتقـنا فنون الـرسم والتجـويد، وكان يُشنف الأ سماع في تراويــحه، وكان يتحلى بالحلم والدمـاثة ورقة القلب، وكان متواضـعا وزاهدا في الدنـيا وحريـصا على صلة رحـمه ومهتمًّا بأمور المسلمين وبما يجري في العالم الإسلامي من أحداث.

۞وفاته
وتـوفى يوم الاثنــين ۳۰من ربــيع الثاني۱٤۱۱ه المــوافق۱۹نوفــمبر۱۹۹۰م إثر مرض عاناه قُرَابةَ عقدٍ من الـزمن، ودُفِـنَ في مـقبرة طـوبى تحت شجرة "غوي تِـغِ" رضي الله تعالى عنه وجزاه عنا خيرا. «من مقدمة ديوانه»


المعلم الكبير الشيخ عبد الرحمن لوح
بقلم / سام بوسو عبد الرحمن

إن الشخصية التي نتناول أطرافا من حياتها تعتبر من الرعيل الأول من أتباع الشيخ الخديم – رضي الله عنه – الذين تربوا على يديه حتى تصدروا و حققوا الجمع بين الشريعة المطهرة والحقيقة المنورة، وصاروا قادة في الدين هداة، صدق فيهم قول الشاعر :
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم **   مثل النجوم التي يسرى بها الساري
وتلك الشخصية هي المعلم الشيخ عبد الرحمن لوح الشهير بسرين اندام Serigne Ndame .
مولده ونشأته :
ولد الشيخ عبد الرحمن في قرية تسمى ميوندو Mewndu يوم الاثنين الأول من ربيع الأول سنة 1271هـ (1853م) من أسرة عريقة مشتهرة بالتدين والورع : فأبوه هو الشيخ محمد لوح المعروف بمام مدن Mame Madoune ، أما والدته فهي السيدة مر يم سيك وكانت تدعى بمرم Maram. وقد ترعرع في بيئتها الصافية حتى بلغ سن التعلم.
رحلته الدراسية :
كانت أسرة الشيخ مهتمة بالعلم ومشتغلة بالقرآن الكريم ولذا درس القرآن على يدي الشيخ مست جخاتي Massata Diakhaté جد الشيخ حمزة جخاتي حتى حفظه وكتب مصحفا بخط يده كما جرت العادة، ثم تعلم مبادئ علم القراءات في مدرسة بر الشهيرة. وبعد إتقانه القرآن حفظا وتجويدا ورسما شد رحاله للتزود بالعلم، فتوجه نحو بلدة انغيك لدى العالم الشيخ ماجينغ فالو صاحب المدرسة العريقة التي كانت محط رحال طلبة العلم في عصره، وهناك درس المطولات من النحو والفقه.
وتوجه إثر ذلك إلى بتار حيث كان الشيخ مومار أنتا سلMomar Anta Saly والد الشيخ الخد يم يقوم ويرأس مدرسة كبيرة ومكث هنالك ليكمل دراسته في بعض الفنون.وكان الشيخ الخد يم وقتئذ في منزل الوالد.
علاقته بالشيخ الخديم :
كان الشيخ يقارب الشيخ الخد يم في السن. وكان يدرس في مدرسة الشيخ الوالد في امباكي كجور بعد أن برع في علوم كثيرة، كما قرأ على الشيخ الخد يم بعضا من مؤلفاته.
وبعد وفاة الشيخ الوالد سافر الشيخ الخد يم لبضعة أشهر إلى موريتانيا، وفي هذه الفترة أناب الشيخ عبد الرحمن في مهمة التدريس لما توسم فيه من الإجادة والنبوغ.
وحين أعلن الشيخ الخد يم عن عزمه على بدء المهمة التربوية وعرض الأمر على التلاميذ الموجودين كبارهم وصغارهم، كان الشيخ عبد الرحمن من أوائل المبايعين، وأصبح هكذا من الرعيل الأول ممن عرفوا بالمريدين لصدق إرادتهم.
ولم يتردد، رغم ما بينهما من تقارب في السن في الانقياد إليه بل بايعه ولعب دورا هاما ومتميزا لصالح دعوة الشيخ، تلك الدعوة الإصلاحية التي لم ترفع إلا من أجل تجديد الدين وإعادة الناس إلى منهاج الله القويم.
دور الشيخ عبد الرحمن في دعوة الشيخ :
الدور الذي قام به الشيخ عبد الرحمن لصالح الدعوة دور بارز لا يخفى على من له أدنى اهتمام بتاريخ الحركة المريدية.
فالشيخ الخد يم بعد أن ربى ذلك الجيل الأول من أتباعه حتى تأهل كل واحد منهم لمهمة الدعوة والإرشاد وتربية المريدين اختص كلا منهم بمهام وعهد إليه بعدد من الأتباع. أما الشيخ عبد الرحمن فقد اختص بجانب من أهم الجوانب في دعوة الشيخ ألا وهو الاشتغال بتدريس القرآن إلى جانب التربية.
ولا تغيب عن البال المكانة التي يحتلها القرآن الكريم في جهاد الشيخ : فهو سلاحه الذي به قهر الأعداء وسلب به أسلحة الشيطان.
يقول رضي الله عنه :
ومدافعي اللاتي بها أنفى العدى** وبها يفارقني عنيد قاصد
ذكر حكيم أحكمت آياتـــــــــــه ** وبها يزحزح ما يريد المارد
ويقول أيضا :
سلبت بالكتاب و الحديث ** وبالتقى أسلحة الخبيث

والخدمة الجليلة التي قام بها المعلم في مجال القرآن أصبحت من الشهرة بحيث لا تحتاج إلى تطويل في البيان. إنه لم يفارق الشيخ الخد يم بعد المبايعة؛ انتقل معه من امباكي كجور إلى امباكي بول ثم إلى دار السلام ومن ثم إلى طوبى ........إلى أن أسكنه في دار العليم الخبير التي اشتهرت فيما بعد باندام. وطيلة هذه المدة لم يزل يخدم شيخه بهمة منقطعة النظير.
وفي دار العليم الخبير تولى مهمة تدريس القرآن لأهل الشيخ أثناء غيابه في منفاه.
فقام على هذه المهمة خير قيام، وقل من لم يحفظ القرآن على يديه من أبناء الشيخ الكبار وبناته وأبناء كبار تلاميذه. فجزاه الله عن القرآن خيرا.

منزلته عند الشيخ الخد يم رضي الله عنه
كان الشيخ عبد الرحمن لوح- بجديته وعلو همته وما يتحلى به من محبة وصدق- يحتل منزلة خاصة ورفيعة لدى شيخه ويكفينا دليلا أن شيخه كان يستشيره كثيرا في الأمور قبل البت فيها، وإنه ترك عياله في حجره ليعلمها القرآن.. وتوج ذلك كله بتزويجه اثنتين من كريماته : السيدة فاطمة امباكي ثم السيدة مسلمة، ثقة في خلقه وأمانته ودينه.

صفاته :
يقول الشاعر :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا كان من شيمة الإنسان أنه يتأثر برفيقه وخليله ويتخلق بخلقه فما بالك بمن رافق الشيخ الخد يم، وتربى على يديه، وقام بدور عظيم في دعوته؟ فلا غرو أن يتحلى مثل هذا الشخص بأخلاق حميدة وصفات متميزة.
هكذا كان الشيخ عبد الرحمن لوح متسما بالأخلاق والجدية في عمله لا يعرف الهزل والفتور إليه سبيلا فقيامه برعاية أهل الشيخ وتحفيظهم القرآن لخير دليل على علو همته وعزمه وإخلاصه.
وكان تفانيه في محبة شيخه وفي خدمته حائلا بينه وبين الالتفات إلى حطام الدنيا.
وكان رضي الله عنه شجاعا يصدع بالحق ولا يخاف فيه لومة لائم، ويعد أيضا من القوامين الصوامين، وكان لا يلفي إلا ولسانه لهج بترتيل آيات الذكر الحكيم.

انتقاله إلى جوار ربه :

استمر الشيخ المعلم في خدمته الجليلة حتى رزقه الله بأبناء قاموا بأعباء المهمة خير قيام، وظلت دار العليم الخبير مركز إشعاع لم يخب نوره، وظل يشرف على المدرسة إلى أن دعاه ربه في شهر شعبان 1363هـ (1943م) ورثاه كثير من شعراء عصره، فجزاه الله عن الإسلام خيرا.

لتحميل النص بصيقة PDF اضغط هنا

*****************************************

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ مام مور جاره "بروم شام*
 بقلم / سام بوسو عبد الرحمن
من المعروف أن الشيخ الخديم – رضي الله عنه – لما أعلن بدعوته إلى الحركة الإصلاحية المعروفة فيما بعد بـ "المريدية" استجابت لدعوته فئات متعددة ذات انتماءات مختلفة وأعمار متفاوتة، من عشيرته الأٌقربين ومن البيوت الملكية ومن أوساط رجال العلم والدين، كل هذه الفئات على اختلاف أنواعها، انصهرت في بوتقة واحدة وحملت الدعوة بفعالية وانسجام تام، وذلك بفضل تربية الشيخ الفعالة، وبفضل ما منَّ الله عليه من العناية الإلهية.
ومن أكبر امتيازات الدعوة الخديمية – بخلاف ما تعودنا عليه في تاريخ الدعوة الإسلامية – استجابة أقرباء الشيخ السريعة له والتفافهم حوله كأبناء أعمامه وأبناء أخواله وإخوانه أنفسهم.
ومن هؤلاء الإخوة المخلصين شقيقه الأكبر الشيخ ممر جاره الذي نحاول تقديم نبذة وجيزة عن حياته الحافلة.
                ميلاده ونشأته:
ولدالشيخ مام مور جاره {بروم شام} في قرية "امباكي بول" التي أسسها الجد الكبير مهرم امباكي حوالي 1194ه الموافق 1789م ولد الشيخ محمد جاره فيما بين {1850 – و 1851} من أسرة طيبة متدينة مشهورة بالعلم والصلاح :
 فوالدته كانت يضرب بها المثل في التقوى والعبادة حتى أطلق عليها لقب {جارة الله}مريم بوسو إشعارا برفعة مقامها. وأما والده مام مور أنت سالي فقد كان ممن يشار إليهم في العلم، وكان يشرف على مدرسة عريقة شهيرة يؤمها طلبة العلم من جميع أرجاء البلاد، وفي حجر هذه الأسرة الكريمة نشأ وترعرع حتى بلغ سن التعلم، فشرع في دراسة كتاب الله العزيز على يدي والده حتى أتقنه حفظا وتجويدا ورسما، ثم درس العلوم الإسلامية على يدي خاله العلامة الشيخ محمد البسوبي.
 وفي أيام المجاهد {مبه جاخوبه} هاجرت الأسرة معه إلى "سالوم" شأنهم في ذلك شأن علماء "كاجور" "وباول". ولما استشهد المجاهد عاد الشيخ الوالد مع الملك لتجور جوب إلى كجور وعاد الشيخ محمد جارة إلى ضواحي امباكي بول، حيث أسكنه والده وأبقى معه عددا من تلاميذه يقوم بتربيتهم وتعليمهم وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، بعد ما تلمس فيه الأهلية الكاملة لذلك.

                 علاقته بأخيه الشيخ الخديم ودوره في الدعوة:
حينما شرع الشيخ الخديم "ض" في مباشرة مهمته التربوية الجليلة كان أخوه الشيخ محمد جارة قد تأهل بشكل كامل للقيام بدور هام وقيادي في حياة الحركة المريدية؛ فقد شارك إلى جانب الشيخ الخديم في إعداد الجيل الأول من الأتباع الذين حملوا فيما بعد مشعل التربية ونشروه في طول البلاد وعرضها.
في الواقع تعلم كثير منهم على يدي الشيخ محمد جارة أمثال الشيوخ: إبراهيم فاط، وسيدي المختار، ومصمب امباكي ومحمد الفاضل امباكي، وامباكي بوسو، وكثير غيرهم ومع ذلك فقد بايع الشيخ الخديم على سلوك طريق الإرادة فجدد له الشيخ  الورد القادري، وكانت ترقيته في مدة يسيرة قبل الغيبة البحرية.
كما كان الشيخ محمد جارة أثناء غيبة الشيخ البحرية يشرف على أمور الأسرة على أكمل وجه، وفي الرسائل التي كان يتبادلها مع الشيخ دلائل واضحة على متانة ثقة أخيه به، وعلى حسن قيامه برعاية الأهل {انظر المجموعة صفحة 94} وقد كتب الشيخ تيورو امباكي أحد إخوته عنه
فقَدْنا والدا من قبلُ لكن              نسيناه به كثرَ الخيور
وإلى جانب هذه المهام الكبيرة كان الشيخ محمد جارة قد أسس قرى كثيرة لتربية الأتباع على العبادة والعمل حتى تخرج على يديه عدد لا يحصى من المريدين ومن تلك القرى شام – مصر  في غرب وشمال المدينة المحروسة طوبى.

                  سيرته وصفاته
بفضل البيئة الصالحة التي نشأ فيها الشيخ محمد جارة والتربية الدينية التي تمتع بها منذ نعومة أظفاره، وارتباطه الوثيق بأخيه الشيخ الخديم – رضي الله عنه – بفضل ذلك كله كان الشيخ محمد جارة متحليا بأخلاق وصفات نبيلة جعلت معاصريه يكنون له كل المحبة والتقدير والاحترام.
فقد كان رضي الله عنه من فرسان العبادة والزهد، كان ورده مائة ركعة كل ليلة {منن الباقي القديم} يقول عنه الشيخ محمد دم:
               ذاك ابنُ بلَّ حبيبُ الله عابدُه               مُحيي الليالي بأورادٍ سنيَّات
كما كان – رضي الله عنه – في الإعطاء والإطعام لا يُشق له غبار، يقول الشيخ محمد المصطفى امباكي عن عمه :
غيثُ الأرامل والضعاف جميعِها                في عسر أو يسر لوجه الــــــــــرازق
 جمع المفاخر والعلى مذ هبَّ حتَّـ           ـــتى شاب منه بعدُ سودُ مفارق    
والمقام يضيق عن إيراد مزيد من الأقوال عنه وللتوسع راجع {تحفة الأنام في سيرة بروم شام}للسيد عبد الكريم مبكي

               انتقاله إلى جواره ربه
هكذا ظل الشيخ محمد جارة يكرس حياته كلها في عبادة ربه وخدمة المسلمين وتربية المريدين حتى انتقل إلى جوار ربه في شوال 1339هـ 1921م فبكاه جميع المسلمين وخاصة أهل الشيخ الخديم- رضي الله عنه – وقد رثوه بمراثي كثيرة تعبر عن مدى حزنهم ومدى تقديرهم لخدمته الجليلة لصالح الإسلام والمريدية يقول الشيخ محمد الفاضل في مرثيته :      وفاةُ الشيخ أحمدَ جار أمرٌ                 عظيم من مُلمَّات الدهور
                  ألا قد كان في اللأواء ركنا             مَشيدا باللطافة والحبـــــــــور
        وقد كان المعدَّ لكل خطب                جليلٍ في خفاء أو ظــــــهـــــور
إلى أن قال :
       وهل للقصر "بكةَ" إن ألمت           بهم شهباء مِن سندٍ مُجـــــير
وأما العلامة الغدوي الشيخ امباكي بوسو فقد أرخ وفاته بقوله :
       ثم الأغرُّ شيخنا ابنُ جاره          في طلسش صبحا قضى أوطاره
أي في عشر شوال 1339 هـ (يونيو 1921م ) جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير جزاءه وأيد خلفاءه.
 سام بوسو عبد الرحمن
تحميل المقال بصغة PDF


* - نشر هذا المقال ضمن كتاب "شخصيات من المدرسة الخديمية" الذي أصدرته الإدارة العامة لمؤسسة الأزهر الإسلامية سنة 2004

مقالات ذات صلة

هناك 5 تعليقات:

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  2. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  3. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  4. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  5. بعد التحية، عندنا حاجة في .الشيخ احمد بمبا --أسباب الغيبة البحرية الظاهرية والباطنية.ومايستفادمنها -- morfademba@yahoo.com. .فشكراً على حسن المعاملة. .

    ردحذف

جامعة الشيخ أحمد بمب UCAB تكرم خريجيها

نظمت اليوم (14 فبراير 2024م) جامعة الشيخ أحمد بمبUCAB برئاسة فضيلة الشيخ مام مور امباكي مرتضى حفلة لتكريم خرجيها في رحاب كلية العلوم الدينية...