الثلاثاء، 29 ديسمبر 2020

قضية إدخال التربية الجنسية في مناهجنا .. وجهة نظر!

كنت أشعر بحزن عميق، وأنا استمع إلى تقرير أحد المسؤولين النقابيين عن ورشة نظمتها المنظمة الدولية يونيسكو في سالي في شهر ديسمبر الجاري حول إدخال التربية الجنسية والإنجابية في المناهج التربوية السنغالية.

ركّز المسؤول في تقريره على خطورة هذا المشروع على مستقبل أبنائنا ومجتمعنا بشكل عام؛ ففيه هدف خبيث يتمثل في تغيير نمط التفكير والميول والسلوك لدى أبناءنا. وهذا التغيير يفتح المجال لتقبُّل جميع السلوكيات الجنسية المنحرفة التي أصبحت في الثقافة الغربية مقبولة أخلافيا ومشجعة اجتماعيا.
بصرف النظر عما ينطوي عليه هذا البرنامج من خطورة على مستقبل النشء، ومن مصادمة مع بعض الثوابت الدينية والثقافية، فإن ما يُقلقني أكثر هو سهولة الاختراق التي تتسم بها مناهجنا التربوية فيما يبدو. فهذه المناهج ليست محاطةً بسياج أمني مُحكمٍ يكفي لحمايتها من الخروقات الفكرية والثقافية المرغوبة عنها.
فنادراً ما تمرُّ سنة كاملة دون أن تسمع عن برنامج أو مشروع جديد يُنفذ في مدارسنا بمبادرة من منظمة دولية، أومنظمة غير حكومية محلية، بتمويل من جهات أجنبية، سواء تعلق الأمر بالمجال الصحي، أو الحقوقي، أو الاجتماعي، أو اللغوي، أو العلمي.
فهذه القابلية للاختراق شيء مقلق للغاية، فلديَّ انطباع قوي بأنه يكفي لصاحب أي مبادرة أن يصوغ مشروعا براقا ويضع على الطاولة مبالغ طائلة لتنفتح أمامه جميع الأبواب ويُرحب به، دون تعميق البحث والتحرّي عما وراءه من الأغراض الخفية والمنظمات المشبوهة.
وهذه الحقيقة تضع استقلاليتَنا موضع تساؤل، وتكشف عن عقدة الشعور بالنقص لدى كثير من حكامنا المنوطة على عواتقهم مسؤولية حماية المجتمع وأبنائه. فهل نتصور أن تقترح دول الجنوب على دول الشمال تغييرَ أو إدراجَ فاصلة في مناهجها تحت أي مسوغ من المسوغات؟!
فلست، في الواقع،  من دعاة التزمُّت أوالتقوقع على الذات دون محاولة الاستفادة من الخبرات العالمية والعلوم النافعة ولكن، ينبغي أن يصدر ذلك عن إرادة حرة واختيار واع من غير إكراه ولا فرض.
إن قضية المناهج قضية استراتيجية، لا يمكن التساهل فيها، ولا ينبغي أن تكون مسرحا لكل من هبَّ ودبَّ، فما نسمعه عن دولة الهند من أنها لا تقبل التمويل الأجنبي في بعض القطاعات الاستراتيجية لنظامها التربوي نموذج رائع للوعي الكامل بالمسؤولية وبخطور الاختراق في الحقل التربوي لبعد آثاره وعمقها.
على العموم، يجب أن نعيد النظر في كيفية التعامل مع الجهات الأجنبية والمنظمات الدولية، فيما يتعلق بنظامنا التربوي، فهو رمز استقلالنا وسيادتنا ومفتاح نجاحنا ومنارة مستقبل أبناءنا. فلننظر إلى المسألة بمنظار إستراتيجي أوسع، لتصحيح هذا المسار الخاطئ في التعامل مع مناهجنا، بدل التسارع إلى تنظيم مظاهرات أومسيرات لا تغير من الواقع شئيا كثيرا.
فلنكن استراتيجيين في مقاومتنا، وفي سعينا لحماية هويتنا وثقافتنا ومعتقداتنا وعاداتنا الإيجابية. فأمامنا أناس يخططون لعقود من السنين ويتابعون مخططاتهم بمثابرة وطول نفس، ويتوارثونها جيلا عن جيل، حتى يحققوا أهدافهم. فمهمة التصدي لهذه المخططات غير سهلة ولكنها ليست مستحيلة، تحتاج فقط إلى استراتيجية مدروسة وإرادة صلبة.

مقالات ذات صلة 

الاثنين، 30 نوفمبر 2020

اللجنة التوجيهية لمجمع الشيخ أحمد الخديم للتربية والتكوين تسلم تقريرها العام إلى فضيلة الشيخ محمد المنتقى حفظه الله

كان يوم السبت ٢١ نوفمبر 2020م يوما متميزا في مسيرة "مجمع الشيخ أحمد الخديم للتربية والتكوين" بطوبى المحروسة، وهو المشروع التربوي الذي بدأ العمل فيه منذ يناير 2018م، بمبادرة من الشيخ محمد المنتقى الخليفة العم للطريقة المريدية. 

في هذا اليوم التقى الشيخ محمد المنتقى حفظه الله تعالى ورعاه في قاعة المحاضرات بدار المنان بأعضاء اللجان الفنية التي كانت تعمل في إعداد المناهج والنصوص التنظيمية للمجمع، تحت قيادة الشيخ أحمد البدوي ابن الشيخ محمد الفاضل. واللجان هي: 

أ- لجنة التعليم القرآني برئاسة الشيخ محمد المصطفى جوب اندر والشيخ فاضل امباكي الإمام، لجنة التعليم المجلسي برئاسة الشيخ سرين امباكي عبد الرحمن، 
ب- لجنة المدارس الحديثة برئاسة الشيخ شيخنا عبد الودود، 
ج- لجنة المدارس الخاصة بحملة القرآن الكريم برئاسة الشيخ الحاج فاضل انجاي 
د- لجنة التعليم العالي بشقيه : كلية الدراسات الاسلامية واللغة العربية، برئاسة الدكتور عبد الأحد لوح وكلية العلوم الزراعية وكلية التكنولوجيا والحرف برئاسة البرفسور مور فاي. 

وفي الفترة الصباحية، عقدت كل لجنة اجتماعها الخاص للمصادقة على تقريرها النهائي. وبعد صلاة الظهر نُظمت جلسة عامة في قاعة المحاضرات، فعرضت كل لجنة ملخصا لتقريرها، وبذلك تمت المصادقة على التقرير العام للجان الفنية. 

وهذا التقرير العام ثمرة جهود كبيرة بذلها بإخلاص وتفانٍ متخصصون في ميدان التربية والإدارة التكنولوجيا والقانون طيلة سنة وثمانية أشهر. 

وبعد صلاة العصر، حضر فضيلة الشيخ محمد المنتقى، وبعد افتتاح الجلسة بآيات من الذكر الحكيم تلاها الشيخ حبيب جتر، تناول سام بوسو عبد الرحمن الكلمةَ باسم اللجنة التوجيهية لشرح الطريقة التي تم بها العمل ولتقديم كل لجنة بين يدي الخليفة، ثم تناول الكلمة الشيخ أحمد البدوي المنسق العام للمشروع لتقديم الشكر إلى الشيخ والدعاء له والتنويه بأهمية المشروع وبالتفاني الذي أبداه جميع المشاركين في هذه الخدمة الجليلة، والتعبير عن استعدادهم التام لمضاعفة الجهود في سبيل خدمة المشروع، ثم سلَّم إلى سماحة الشيخ الخليفة التقرير العام عن أعمال اللجان الفنية. 

وفي الختام شكر الشيخ محمد المنتقى جميع من شاركوا في هذا الإنجاز وشجعهم ودعا لهم بالتوفيق والقبول والرضى. ورفعت هذه الجلسة المباركة قبيل صلاة المغرب فأم الشيخ المصلين في جو مفعم بالروحانية، قبل أن يغادر المكان. هكذا جرت فعالية هذا اليوم الاستثنائي الذي يمثل نهاية مرحلة التصور والإنتاج والتخطيط وانطلاق مرحلة التنفيذ والتطبيق مع مواصلة عملية التصحيح والتحسين، وهذه مرحلة تتطلب مزيدا من التضحية في خدمة هذا المشروع الكبير. والله تعالى ولي التوفيق

السبت، 10 أكتوبر 2020

البُعد المقاصدي في فكر العلامة الشيخ عبد الله بن بيه

عُرف الفقيه الأصولي الشيخ العلامة عبد الله بن بيه باتجاهه التجديدي في الفكر الإسلامي، ويتميز هذا الاتجاه بالأصالة والواقعية في الوقت نفسه؛ فإنه ينطلق من معرفة عميقة وإلمام واسع بالتراث الفكري الإسلامي خاصة في مجال الفقه وأصوله ويتغذى من هاجس قوي ووعي كامل برهانات العصر وإشكالاته.

يتابع الشيخُ أزماتِ المجتمعات المسلمة، ويشخِّص مشكلاتها، ويسعى لإيجاد حلول لهذه المشكلات. وفي هذا الصدد عُني بالجانب الفكري المنهجي الذي تتأسس عليه جل الممارسات الخاطئة نتيجة للخلل المنهجي الذي يعتري عمليةَ التفكير. وقد بذل جهداً كبيراً في البحث عن "أرضية تجديدية لفقه واقع المرحلة"

ويرى المتابع لكتاباته تركيزَه على إبراز صور الخلل المنهجي، ومنها على سبيل المثال اجتزاء النصوص، والإعراض عن الكليّات، وتغليب الجزئيات، وفكِّ الارتباط بين خطاب التكليف وخطاب الوضع، وكذلك الفصل بين منظومة الأوامر والنواهي ومنظومة المصالح والمفاسد إلى جانب إغفال السياقات.

فجميع هذه الصور كانت موضوع الاهتمام والمعالجة من قبل العلامة الأصولي، إلا أن قضية الفصل بين منظومة الأوامر والنواهي ومنظومة المصالح والمفاسد كانت بارزة في مقاربته للخلل الفكري المنطوي في كثير من الفتاوى المعاصرة، وفي النوازل المستجدة؛ وفي هذا المنظور كانت عنايته بالمقاصد تُمثل بُعداً متميزاً في فكره الأصولي لما لهذه الفتاوى من آثار مدمرة في حياة المجتمعات المسلمة وفي سمعة الإسلام وصورة المسلمين.

تتبوأ نظرية المقاصد مكانةً بارزةً في تعامل الشيخ مع القضايا المعاصرة، فغالبا ما كانت الروحُ المقاصديّة عنده "معتمداً للترجيح وسنداً للتمريض والتصحيح وذلك باعتبار المقاصد مرجعاً أعلى ومعياراً أسمى من جزئيات الأدلة في مواقع الاجتهاد ومجاري الظنون التي تغلب على جل القضايا المعاصرة"1.

وهذه الروح المقاصدية تتعزز لدى العلامة بفضل نظرته إلى العقل البشري وحدوده، حيث يرى أنه لا يتعارض مع الوحي في نطاق الاستحالة العقلية والجواز والوجوب العقلي، " فما أحاله العقل لا يُجيزه الوحي وما يوجبه العقل يوجبه الوحي"2

وفي فضاء المعاملات الذي يرجع إلى مصالح البشر، يسير العقل البشري الخالص "إلى جانب الوحي في تكامل وانسجام (...) ويظل دليلا مستكشفا لا غنى عنه"3

وهذا التقدير للعقل عند الشيخ ينبثق من روح الإسلام الذي يُمَجِّده ويعطيه أسماء مختلفة "تشير إلى حقيقته الراشدة وعلاقاته الحكيمة، ويجعله مصدراً من مصادر المعرفة الأساسية بل المصدر الأول المنتج في العقائد والإيمان"4

ويمكن تفسير هذا الاهتمام بالمقاصد أيضاَ بقوة النزعة الإنسانية لدى الشيخ، وهي نزعة تتجلى من خلال حرصه على مصالح الناس، فنظرية المقاصد آلية فعّالة للمجتهد لتغليب جانب المصلحة في المسائل الاجتهادية، لأن "المقاصد الشرعية تُمثل منظومةً كاملة تردّ الشريعة إلى أصول معقولة تصون مصالح الناس"5. والشيخ في اختياراته يراعي دائما المقاصد، وهي مصالح العباد في العاجل والآجل حسب تعريف الإمام الشاطبي. وفي هذا الصدد يقول " لم آلُ جهداً في اعتماد الدليل مع مراعاة مقاصد الشريعة، وبخاصة مقصد التيسير والتسهيل"6 فهذه المراعاة المستمرة لجانب التيسير تنِمُّ عن هذه النزعة الإنسانية الحاضرة في فكر العلامة بن بيّه.

والمعتمد في هذا المنهج الاجتهادي هو القرآن الكريم، كما يقول، لأن " البحث عن المقاصد مطلب شرعي فُهم من القرآن الكريم في سياقين أولهما صريحٌ وثانيهما بالتلميح من خلال تضافر نصوص التعليل في مقامات الإيجاب والتحريم والتحليل"7

والتعامل مع المقاصد عند الشيخ لا يعني الجريَ وراء المصالح في جميع المناحي والسياقات بشكل غير منضبط، وليس "ترفا ذهنيا ولا ثقافة عامة يتعاطاها الصحفي والاجتماعي ولا موضوعا فلسفيا مجردا"8؛ ولذلك عُني بتسوير وتعداد المناحي التي تُوظَّف فيها آليةُ المقاصد حتى لا يتلاعب فيها من ليس بأهلها. وأبرز هذه المناحي أ) المسائل الاجتهادية التي لا نص بخصوصها أو لها نص لكن تطبيقه قد يخالف أصلا أو قاعدة معلومة من نصوص أخرى ب) الترجيح بين النصوص ج) المصالح المرسلة ج) سد الذرائع د) الجمع بين الأدلة والترجيح بينها عند التعارض.

ومن القضايا التي أبدع الشيخُ عبد الله في توظيف المقاصد الشرعية فيها وفي إبراز مدى أهميتها قضيةُ المعاملات المالية التي أصبحت من الإشكالات الكبرى في العالم الإسلامي بعد انفجار الأزمة المالية العالمية. ففي كتاب مقاصد المعاملات ومراصد الواقعات أوضح " أن البحث عن المقاصد في قضايا المعاملات المالية لا ينبغي أن يقتصر على مجرد جرد للمقاصد وكشف عن علل أحكام معروفة، بل عليه أن يرمي إلى توسعة الأوعية المقصدية لتشمل مجالات أخرى من القضايا المستجدة لاستنباط واستنبات أحكام في تربة المقاصد الخصبة"9.

وفي التعامل مع المقاصد لم يغفل الشيخ قطُّ عن ضرورة العناية بإحاطة عملية الاستنباط بسياج محكم من الضوابط، فقد عُنِيَ ببيان علاقة المقاصد بالأدلة الأصولية و" تفعيل العلاقة بين المقاصد وقواعد أصول الفقه لضبط عملية الاستنباط وتأمين سلامة نتائج صيرورتها" 10.

هكذا، نرى أن البُعد المقاصدي في فكر العلامة ابن بيه واضحُ المعالم وبارزُ الملامح من خلال جهوده الكبيرة في سبيل توضيح المقاصد وتوظيفها واستثمارها من أجل بثّ روح جديدة في الاجتهاد الفقهي المعاصر الذي يتيه، في أحيان كثيرة، في متاهات القضايا الشائكة، وأصبح يُسهم في تأزّم حياة المجتمعات المسلمة بدلَ أن يُقدم حلولا لأزماتها.

فقد صار الاجتهاد مسرحا لكل من هبّ ودبّ واعتلى منبرَه أحيانا من لا يُميز بين الخاص والعام ولا بين المطلق والمقيد ولا بين النص والظاهر، فيُصدر فتاوى تتحول إلى سموم قاتلةٍ تلوث صفاء الفضاء الفكري للعالم الإسلامي.

فالشيخ باهتمامه بالمقاصد يحاول أن يفك الاجتهادَ من أسر الفهم القاصر للنصوص وأن يعالج خلَلا منهجيا يُهدّد سلامةَ المجتمعات المسلمة وتماسكَها وتعايشَها مع المجتمعات الأخرى

ويمكن القول في النهاية بأن اهتمام الشيخ بمقاصد الشريعة جزءٌ لا يتجزأ من مشروع فكري واسع يسعى إلى تحقيق وحدة الأمة الإسلامية من خلال معالجة الجذور الفكرية لمشكلاتها وأزماتها، ووراء هذا المشرع همٌّ أكبر وهو سلامة الحياة البشرية؛ ونتلمس ذلك الهمَّ من خلال إشارته إلى " أن مقاصد المعاملات المالية تندرج في منظومة الشريعة التي تتمثل في توفير السعادة في الدارين وحصول السعادتين"11

سام بوسو عبد الرحمن

الهوامش
1 مقاصد المعاملات ومراصد الواقعات للشيخ عبد الله بن بيه ص 14
2 مشاهد من المقاصد ص 76
3 مشاهد ص 76
4 مشاهد ص 83
5 مشاهد ص 85
6 مقاصد المعاملات، ص 12
7 مشاهد ص 16
8 مشاهد ... ص 249
9 مقاصد المعاملات 439 ص
10 مقاصد المعاملات ص 439
11 مقاصد المعاملات ص 438

مقالات ذات صلة

منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة . ... دور ريادي في نشر ثقافة السلم

يوم دراسي حول "الأسس المنهجية لثقافة السلم عند معالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيه حاجة لتعزيز التعايش السلمي في السنغال"  

السبت، 3 أكتوبر 2020

البيان الختامي للملتقى الصوفي الدولي الرابع

في اليومين 13 و14 صفر 1442هـ (1 و2 أكتوبر 2020مـ) انعقد عبر المنصات الإلكترونية الملتقى الصوفي العالمي الرابع تحت عنوان "الخدمة والعمل الخيري آليتان لمواجهة تداعيات فيروس كورونا الجديد".
وقد افتُتح الملتقى ظهيرة يوم الخميس 13 صفر 1442هـ (أول أكتوبر 2020مـ)، وألقيت في الافتتاح الكلمتان الآتيتان:
- كلمة ترحيب ألقاها سرين أحمد البدوي امباكّي المنسق العام لروض الرياحين.

- كلمة تعريف بالملتقى ألقاها سرين الشيخ عبد الأحد امباكّي غايندي فاطمة رئيس لجنة الثقافة والإعلام التابعة للجنة المنظمة للمغال.
وبعد كلمتي الافتتاح ألقى الأستاذ عافية أحمد انيانغ المحاضرة الافتتاحية وتحدث فيها عن الشيخ الخديم رضي الله عنه ودعوته الإصلاحية التجديدية.

وقد امتدت أعمال المؤتمر على مدار يومين في خمس جلسات تم خلالها تقديم 18 عرضا حول خمسة محاور من قبل أساتذة جامعيين وباحثين من نيجيريا، والمغرب، وتونس، ومصر، ولبنان، والأردن، والعراق والإمارات العربية المتحدة، وإنجلترا، وفرنسا، وبلجيكا، والسنغال.

والمحاور هي الآتية:

1- الخدمة والعمل الخيري: مفاهيم ومظاهر.

2- العمل الخيري في ظل الوباء: مقاربات نظرية ونماذج.

3- الخدمة والعمل الخيري في مواجهة تداعيات الأزمة.

4- تعاليم الشيخ أحمد الخديم رضي الله عنه وتداعيات أزمة كورونا.

5- الخدمة في الطريقة المريدية: نظريات وممارسات.

وفي مساء هذا اليوم الجمعة 14 صفر 1442هـ (2 أكتوبر 2020مـ) أقيمت الحفلة الختامية بحضور الشيخ محمد البشير عبد القادر رئيس اللجنة المنظمة للمغال ممثلاً للشيخ محمد المنتقى امباكي الخليفة العام للطريقة المريدية.

وقد أسفرت أعمال الملتقى عن النتائج الآتية:

- اتفق المشاركون على أن الخدمة هي إيصال النفع إلى الخلق طلبا لمرضاة الله.
- اتفق المشاركون على أن الخدمة تشمل جميع مجالات الحياة.
- اتفق المشاركون على أن الخدمة والعمل الخيري ترجع جذورهما إلى القرآن الكريم والسنة النبوية وإلى سيرة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
- اتفق المشاركون على أن الخدمة والعمل الخيري متأصلان في الفكر الصوفي وفي تطبيقاته عند الصوفية.

- اتفق المشاركون على أن الخدمة من أبرز ما تتميز به الطريقة المريدية.

- وقف المشاركون على نماذج من المبادرات التي قامت بها الطرق الصوفية والجمعيات الإسلامية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا الجديد ممثَّلةً في الطريقة المريدية في السنغال، ومؤسسة الشيخ قريب الله في نيجيريا، وصوفية مصر والشام، وجماعة عباد الرحمن في السنغال.

- اتفق المشاركون على التوصيات الآتية:

1- زيادة الطرق الصوفية والجماعات الإسلامية اهتمامها بالخدمة في شتى صورها.
2- توعية الطرق الصوفية والجماعات الإسلامية أتباعها وأعضاءها لاسيما الشباب منهم بأهمية الخدمة وتوجيهها إياهم إلى ممارستها في شتى مجالات الحياة.
3- تشجيع الدول الإسلامية الخدمة والعمل الخيري من خلال تسهيلات ضريبية ونحوها.

هذا، ويعبر المشاركون عن خالص شكرهم للشيخ محمد المنتقى امباكّي الخليفة العام للطريقة المريدية وللجنة المنظمة للمغال واللجنة المنظمة للملتقى، ويدعون الله أن يكلل جميع مساعي الطريقة بالنجاح.

طوبى، في 14 صفر 1433هـ (2 أكتوبر 2020).

الأربعاء، 30 سبتمبر 2020

الملتقى الصوفي الدولي الرابع تحت عنوان "الخدمة والعمل الخيري آليتان لمواجهة تداعيات فيروس كورونا الجديد"

في إطار الفعاليات الثقافية الجارية بمناسبة «المَگَّلْ»، وهو يوم شكر تقيمه «الطريقة المريدية» في «السنغال» كل سنة في 18 من شهر صفر، بإذن من مؤسسها الشيخ أحمد بمب امباكي رضي الله عنه؛ شكرا لله تعالى على ما أنعم به عليه من منح في «غيبته البحرية» (تغريب الفرنسيين له إلى غابون) واحتفاء بذكراها، تنظم «اللجنة التنظيمية لمَگَّلْ طوبى» الدورة الرابعة لملتقاها الصوفي الدولي حول موضوع «
 
» في يومي 13و14 من شهر صفر 1442هـ (1و2 أكتوبر 2020 م) عبر المنصات الرقمية (en visioconférence).

أولا: إشكالية الملتقى

يشهد العالم أزمة صحية بسبب جائحة «كورونا»، وقد انعكست على الحياة الاقتصادية والاجتماعية لسائر الدول والمجتمعات. وما زالت تداعيات هذه الأزمة تكاد تكون مجهولة حتى الآن. ومن هنا نهض الباحثون والمفكرون لاستشراف مستقبل البشرية بعد «الكورونا».

والملتقى الصوفي الدولي الذي تنظمه «الطريقة المريدية» بمناسبة الاحتفال بذكرى «الغيبة البحرية» للشيخ أحمد بمب رضي الله تعالى عنه (المَگَّلْ) يمثل مناسبة علمية للتباحث حول هذه الأزمة وكيفية مواجهتها من خلال القيم التي يزخر بها الإسلام.

فمبدأ «الخدمة» المعروفة في «الطريقة المريدية» والتي تنبع من العمل الخيري المتجذر في تعاليم الإسلام، تحمل في طياتها إمكانات وآليات قادرة على الإسهام في تقديم إجابات فعالة للأوضاع الصعبة. فهي صورة من صور الجهاد في سبيل الله بالمال والفكر والقوة والوقت ابتغاء لمرضاة الله تعالى. وتُعد من المبادئ التي أسس عليها الشيخ أحمد الخديم ر ضي الله تعالى عنه منهجه التربوي حتى أصبحت من شعار المريدين. ومن خلالها حققت «الطريقة المريدية» إنجازات كب

يرة وعديدة في مجالات شتى: بناء المساجد والمدارس والمستشفيات وشق الطرق وإقامة مزارع جماعية

وينبثق مبدأ «الخدمة» من أصل العمل الخيري الذي دعا إليه الإسلام وحث عليه وطبقه الصحابة الكرام والتابعون ومن تبعهم من الصالحين، امتثالا لقوله تعالى يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون [الحج: 77].

وسياق الأزمة الذي يعيش فيه العالم يقتضي مراجعة هذه القيم الإسلامية ودراسة السبل الناجعة لتطبيقها وترجمتها إلى واقع عملي لاستئصال أو تخفيف وطأة الكارثة على الشرائح الضعيفة في المجتمعات المسلمة، ومن هنا اختارت اللجنة العلمية للمؤتمر الصوفي الدولي في دورته الرابعة موضوع «الخدمة والعمل الخيري آليتان لمواجهة تداعيات فيروس كورونا»، ليتمكن الخبراء والعلماء والمفكرون من الاستفادة من القيم الإسلامية في تقديم إجابات ملائمة للأزمة على مختلف أبعادها.

ثانيا: أهداف الملتقى

يهدف الملتقى إلى:

  • إتاحة الفرصة للباحثين لمراجعة قيمة العمل الخيري بشكل عام والخدمة (بالمفهوم المريدي) بشكل خاص.
  • دراسة قيمة العمل الخيري والخدمة وما تنطويان عليه من إمكانات.
  • دراسة سبل تفعيل العمل الخيري والخدمة لمواجهة آثار الأزمة.
  • إبراز نماذج من تطبيق مبدأ الخدمة والعمل الخيري في مواجهة الأزمة.

ثالثا: محاور الملتقى
  • الخدمة والعمل الخيري: مفاهيم ومظاهر.
  • تداعيات أزمة كورونا اقتصاديا واجتماعيا، ثقافيا ودينيا.
  • الخدمة والعمل الخيري في موجهة تداعيات الأزمة.
  • نماذج من توظيف الخدمة والعمل الخيري في مواجهة الأزمة.

رابعا: تنظيم الملتقى

يتم تنظيم الملتقى عبر المنصات الرقمية كما يبث في القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية. 
       
خامسا :برنامج الملتقى  
 
ويمكنكم مشاهدة البث المباشر عبر الروابط التالية:

الاثنين، 31 أغسطس 2020

كيف واجهت مؤسسة الأزهر في السنغال أزمة كورونا؟

بشكل غير متوقع ظهر وباءُ كرونا في السنغال، وأثَّر في جميع قطاعات الحياة : الصحية والاقت
صادية والتربوية. وفِي المجال التربوي كانت الأزمةُ مزدوجةً لتشابك الجانب التربوي والاقتصادي والاجتماعي فيه.

فقد قرَّرت الحكومةُ السنغالية منذ ظهور الحالات الأولى من الإصابة حظر جميع التجمعات وإغلاق المدارس والجامعات. فكان لهذا القرار وقعٌ حاد على المؤسسات التربوية الأهلية التي تعتمد أساسا في عملها على الرسوم الدراسية. فإيقاف الدراسة كان مُنذرا بتوقف مصدر مُهم من المصادر المالية للمدارس الخاصة. وهو أمر انعكس على قدرات هذه المدارس للوفاء بالتزاماتها المالية تجاه العاملين فيها.

ومؤسسة الأزهر بحكم حجمها وطبيعة عملها، عانت من هذه الأزمة التربوية والاقتصادية معاناة كبيرة. فعدد المدرسين في الأزهر يبلغ ١٩٠١ مدرسا بالإضافة الإداريين والحارسين والسائقين والخدم. ولَم تكن توفر مبالغ مالية على سبيل الاحتياط لأن رسوم التلاميذ التي تعتبر رمزية لا تكاد تكفي في الغالب لتغطية جميع مصارفها واحتياجاتها المالية.
 
فالشيخ محمد المرتضى رضي الله عنه مؤسس المعاهد الأزهرية كان
في البداية يتحمل جميعَ التكاليف اللازمة لسير المعاهد من رواتب المعلمين ومعيشة التلاميذ، وصار حملا ثقيلا ، ثم عرض عليه المسؤولون في ذلك الوقت أن يسمح لهم بطلب رسوم رمزية لتغطية بعض الاحتياجات. فدفعُ الرسوم الدراسية لم يكن في قصد الشيخ المؤسس أصلاً، ولذلك كانت قليلة ورمزية، وما زالت حتى الآن ضئيلة مقارنةً بما يُدفع في غيرها من المؤسسات . وبالإضافة إلى ذلك وصل عدد التلاميذ المعفو عنهم من دفع الرسوم الدراسية لأسباب اجتماعية إلى ٥٤٥٧ تلميذاً (٦٪ من مجموع ٩٠٩٥٢)، وهذه الأوضاعُ جعلت مؤسسة الأزهر من أكثر المؤسسات التربوية تضرراً من جراء أزمة كورونا.

والجدير بالتأمل والدراسة هو كيف نجح الأزهر في التعامل مع هذه الأزمة وفي التخفيف من حدتها، فلم نسمع في أوساطه اضطراباتٍ ولا شكاوى ولا هلعاً بل ساد فيها الهدوء والثبات على الرغم من هول الموقف.

فمن يُمعن النظر فيما يجري يدرك أن هناك في واقع الأمر عدداً من العوامل ساهمت في نجاح المؤسسة في مواجهتها للاوضاع الصعبة، ومنها:

روح تضحية وجهاد
إن الشيخ محمد المرتضى رضي الله عنه رسّخ في قلب كل أزهري وعقليتِه روحَ الجهاد والتضحية، فكل عامل في المؤسسة يُؤْمِن بأنه يجاهد في سبيل الله قبل كل شيء، لأنه على يقين بأن المؤسِّس كان مجاهداً في ميدان التربية، ولم يكن يسعى وراء أي غرض مادي أو دنيوي، فقد قدم مثلا رائعا في التضحية والجهاد، ولم يخلد إلى الراحة يوما ما، ولم يدخر ثروة لنفسه ولا لأهله، بل كان ينفق كل ما لديه لمحاربة الجهل والفقر لصالح المسلمين عامة. وقد سرت هذه الروح الى الأسرة الأزهرية من قمَّتِها إلى قاعدتها. وقد عاش الأزهريون الأزمة بهذه الروح فأبدوا ثباتا مبهراً ورباطة جاش مذهلة" يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ".

قيادة رشيدة وحكيمة
أبدت قيادةُ المؤسسة ابتداء من رئيسها ومديرها العامة و مديري معاهدها إحساسا بالمسؤولية ووعيا بالظروف وحكمة بالغا في التعامل مع الوضع. فقد كان موقف الشيخ مام مور امباكي على قدر عال من المسؤولية، فتصريحاتُه في بداية الأزمة وما فيها من حسٍّ إنساني مُرهف ووعي كامل بمقتضى الوضع شكلت دعما معنويا وشحنة جديدة وتحفيزا إضافيا وبثت في القلوب شعورا بالطمأنينة والسكينة.

وأما السيد المدير العام الشيخ صالح امباكي مرتضى فقد كان منذ الوهلة الأولى في الصف الأمامي للمواجهة قائدا شجاعا نجح في إدارة الأزمة بحكمة وكفاءة وسداد نظر. فقد قاد حملة إعلامية ناجحة أعادت الأزهر في بؤرة الاهتمام، وحشد كافة الإمكانات البشرية للإدارة العامة لاحتلال الصف الأمامي في المعركة، فأحيت مساعيه روحَ التضامن في جميع أفراد الأسرة الأزهرية من أولياء وخريجين ومتعاطفين في جميع مناطق السنغال وخارجه.

روح تضامن قوية
أبدى عددٌ كبير من الناس تضامنَهم مع المؤسسة بعد وقوفهم على حقيقة أوضاعها وطبيعة عملها التي كانت مجهولة لدى الكثير ، حيث كان هؤلاء يرون في الأزهر مؤسسةً حرةً تكسب مبالغ مالية طائلة من خلال شبكتها الواسعة من المعاهد وعددها الكبير من التلاميذ.

ففي الأسابيع الأولى من الأزمة تشكلت بصورة تلقائيةٍ مجموعاتٌ لدعم المؤسسة، وظهرت مبادرات مختلفة من خريجها ومحبي مؤسسها الشيخ محمد المرتضى رضي الله تعالى عنه، فسرت في القلوب روحُ تضامن أسهمت في تقوية العزائم لدى الأزهرين.

فهكذا، تضافرت روحُ التضحة والجهاد لدى العاملين في المؤسسة وروحُ التضامن والتعاطف لدى الأحباب والمريدين فشكلتا طاقةً كافية لدفع السفينة الأزهرية لتجاوز أمواج الأزمنة بسلام وأمان، وذلك بقيادة رشيدة وحكيمة، من رئاستها وإدارتها العامة على الرغم من حدة الأزمة وتعقُّدها. ولله درُّ القائل "وعند الامتحان يكرم الرجل أو يُهان".

الجمعة، 17 يوليو 2020

الولي الزاهد سَرِينْ مُورْ سُغْنَ بُوسُو

الشيخ محمد بوسو المشهورُ بـ"سَرِينْ مُورْ سُغْنَ" Serigne Mor Sokhna واحدٌ من الرعيل الأول من أتباع الشيخ الخديم - رضي الله عنه- المقرَّبين إليه، ومن أبرز شيوخ الأسرة البسوبية المشهود لهم بالولاية، لشدة زهدهم وورعهم وتقواهم.

- نسبه وميلاده

وُلد الشيخ مور سغن رضي الله تعالى عنه سنة ١٢٨٢هـ/ ١٨٦٥م في قرية تسمى مبسوبي Mboussobe في جلف Jolof . ووالدُه هو الشيخ مصمب بوسو [ سرين سا بوسو] بن محمد بن مطبر ، وجده الثالث هو حماد بن علي أول من قَدِم من فوتا طور (Fouta toro) إلى أرض جُلُفْ التي كانت قبائل وُلوف (wolof( تسكنها.

كان والده رضي الله تعالى عنه - أخو السيدة مريم بوسو جارة الله لأبيها رضي الله تعالى عنهما - ممن هاجروا إلى سالم في عهد المجاهد مَبَهْ جَخُو با Maba Diakhou Ba رضي الله عنه، وقد توفي في قرية ناول Nawel ويوجد قبره على بُعد عشرات الأمتار من قبر السيدة مام أَسْتَ والو امباكي Mame Asta Walo.

وأما والدته فهي السيدة الفاضلة سُخْنَ امباكي المعروفة بـ"سُخْنَ خُجَ "Sokhna Khoudia " بنت الشيخ امباكي رَمَتَ بن الشيخ سَيَرْ سُخْنَ بوسو بن الجد الكبير الشيخ مهرم امباكي . وكانت حاضنة َشيخنا أحمدَ الخديم رضي الله تعالى عنه التي ذكرها الشيخُ محمد البشير في كتابه "منن الباقي القديم" حين قال " وحكت حاضنتُه أنه [الشيخ الخديم] لم يكن يعتريه شيء مما يعتري الصبيان من البكاء والتلهي ولو بلغ الحد من الجوع1"

نشأ سَرِينْ مُورْ سُخْنَ في حجر هذه الأسرة الطيبة المعروفة بالديانة والمروءة والعفَّة، وحفِظ القرءان في سنٍّ مبكرة ، ودرس العلوم اللغوية والشرعية، ثم تلقَّى تربيتَه الروحيةَ على يدي مجدد ِعصره الشيخ الخديم- رضي الله عنه- حتى صدَّره وأصبح من العلماء العابدين المعروفين بالصلاح والزهد في الدنيا وحسن الخلق. وكان مقرئا للقرآن يقضي أوقاته في تلاوته وتدريسه.

- علاقته بالشيخ الخديم رضي الله عنهما

كان الشيخ مُورْ سُخْنَ من المريدين المقرَّبين إلى الشيخ الخديم - رضي الله عنه -، فقد بايعه منذ بداية الدعوة ولازمه في امباكي بَوَلْ وفي دار السلام وشارك في بناء طوبى2. ويُعدُّ من الرجال الذين انعزل بهم الشيخ في هذا المكان الطاهر قبل غيبته البحرية لتربيتهم وترقيتهم . وكان مع الشيخ إبر فاط والشيخ محمد الأمين غاي والشيخ أحمد الصغير امبي في محل واحد، وقد كان الشيخ المربي رضي الله عنه وَزَّع أتباعه في طوبى على أربع مجموعة كل واحدة منها في دار.

كان سرين مُورْ مِن بين مَن التحقوا بالشيخ الخديم رضي الله عنه في موريتانيا ومكث برفقته فيها. وفي هذه الأثناء أظهر له الشيخُ كرامةً حيث أخبره بولادة بنتٍ له، وذلك قبل وصول حامل النبإ إلى مقر إقامتهما، وسماها خديجة ( وهي والدة سرين شيخ انجاي خر بوسو).

وفي جُربل كان يلازم الشيخَ لفتراتٍ طويلة؛ ويُروَى أنه كانَ أولَ من تلقَّى من الشيخ قصيدةَ " جاورت بالفرقان" بُعيدَ فراغه من تأليفها مباشرة، وقد أمره الشيخ بقراءتها مع الأتباع الموجودين معه؛ فسُرَّ الجميع ، إلا أن سَرين مور حَزن حزنا شديداً أثّر في ملامح وجهه، لشعوره بأن الشيخ يؤذن في هذه القصيدة بتأهُّبه للرحيل إلى جوار ربه، ولما سأله بعض الحاضرين عن سبب حزنه قال: ما ذا بعد التمام إلا النقص!”3

ولما رجع إلى غيدي Guédé من هذه الرحلة ، وقابله أخوه سرين مور كنه امباكيSerigne Mor Kouna Mbacké أراه القصيدةَ وهمس إليه" أن أمراً جللاً يوشك أن يقع، فالشيخ يتأهب للانتقال إلى جوار ربه ، فيما يبدو و مور سغن – يعني نفسه - لا حاجة له في دنيا قد خلت عن شيخنا". وتُوفيَ رضي الله عنه قبل شيخهِ بسنة.

كان سرين مور يحظى بثقة شيخه رضي الله عنه؛ ومن شواهد هذه الثقة أن الشيخ الخديم رضي الله عنه زوَّجه بكبرى بناته الشريفة سغن فاط جاه امباكيSokhna Faty Diaرحمة الله عليها- ثم زوَّجه مرة أخرى ببنت شقيقه سرين مور جارة Serigne Mor Diara وهي السيدة عائشة امباكي - رحمة الله عليها 4.


- علاقته بمعاصريه

كان سرين مور سخْن يتمتع بعلاقات طيبة مع معاصره من العلماء والشيوخ، ويحظى بمحبتهم وتقديرهم؛ وقد شهدوا له بالتقوى والصلاح، يقول عنه العلامة الثقة سرين محمد دم رضي الله عنه Serigne Mouhamdou Deme مور سغن الذي لا يختلف اثنان من أهل امبسوبي في ولايته".

أما علاقة سرين مور بابن عمه العلامة الشيخ امباكي "عالم البلد ومفتيه" رضي الله عنه فهي علاقة أخوية وروحية متميزة فكأنهما شقيقان، وقد وثَّق الشيخ الخديم رضي الله عنه هذه الرابطة بجمعهما في محل إقامة واحدة في قرية غيدي Guédé شمالي طوبى . وكان يتولى تدريس القرآن الكريم بينما كان ابن عمه الشيخ امباكي وأبناؤه يُدرسون العلوم الشرعية واللغوية.

ومن يعرف العلامةَ الغيدوي سرين امباكي يدرك أنه لم يكن يداهن في الحق أو يجامل فيه، وقلَّما مدح إنسانا آخر غير شيخه الخديم رضي الله ومع ذلك مدح سرين مور سغن ببيتين بليغين وهو يؤرخ لوفاته5 فقال :

أمَّا الذي انـقـادَ لرشدٍ بالرَّسَنْ *** أنيسُنا ابنُ العـمِّ ذو الخُلْقِ الْحَسَن ْ

مُحـــمدُ الندبُ فَـ"بـــــيْــــــنَ " عُمِّرَا *** ليــــلةَ "كَــــــــهْ" قِعدةَ دَمْسَشٍ سَــــــــرى6

وهذان البيتان على وجازتهما يصفان بشكل بليغ شخصيةَ سرين مور سغن؛ فالأول يُوضِّح التزامَه بالاستقامة على الصراط المستقيم والسداد في السلوك، كأنه لا يملك الفكاك عن هذا الالتزام ولا القدرة على الانحراف عنه لكونه منقاداً بالرسن، وهو الزمام. وفي البيت أيضا ذكر لتَحَلِّيه بحسن الخلق. وهاتان الصفتان، الاستقامةُ وحسنُ الخلق، ثمرتان من ثمار التربية الخديمية تَظهران على كل من تلقى بحقٍّ تربيتَه هذه. وكونُ الشيخ امباكي، على ورعه وشدة أمانته، هو الشاهدُ يكفى دليلا على مكانة سرين مور سخْن بين شيوخ عصره.

وفي البيتين أيضاً إشارة إلى طبيعة العلاقة التي تربط بين الشيخين؛ فقد اعتبر سرين امباكي ابنَ عمه أنيسَه في الوحشة وأخاه في القرابة ومساعده في المهام.

ونجد العلامة المريد الصادق الشيخ مختار بنت لوح، في قصيدته "تسهيل المطالب" بعد ذكر أبناء الشيخ محمد البسوبي المشهور بسرين امبسوبي Serigne Mboussobé، يذكر سرين مور سخْن ويصفه بأوصاف مشابهة لما وصفه به العلامة الغيدوي حيث يقول :

وبابنِ عَمِّ هؤلا ** ءِ الكُــرمـــــــاءِ الفُضَلا
مـُحَمَّدٍ بِشْر ِالْـمَلَا ** ذِي الْعَدْلِ وَالتَّأَدُّبِ

وهكذا كان شيوخ عصره يقدرونه ويشهدون له بالولاية والاستقامة وحسن الخلق والعدل والتأدب، وبفضل هذه الأوصاف استحق أن يكون "بِشْرَ الْـمَلاَ" كما قال الشيخ مختار بنتَ رضي الله عنهما.


- انتقاله إلى جوار ربه

ظل الشيخ مور سغن يعيش في غيدي Guédé يُدرس القرآن ويُربي المريدين، وكان بين الفينة والأخرى يمكث في البقعة المباركة في جربل Diourbel بإذن من الشيخ الخديم- رضي الله عنه- إلى أن انتقل رضي الله عنه إلى جوار ربه في الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة ١٣٤٤هـ الموافق للخامس من يونيو ١٩٢٦م، عن عمر يناهز اثنين وستين عاما. ونُقل جثمانه الطاهر إلى مقبرة طوبى. رحمه الله تعالى رحمة واسعة، ورضي عن شيخه أحمد الخديم.

                                                      بقلم /سام بوسو عبد الرحمن
                                                     ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
        يمكن تحميل المقالة بصيغة pdf من هنا    
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحق : أبناء الشيخ مور سغن وبناته
كان للشيخ أربعة من الأبناء وأربع من البنات
والأبناء هم :
١- سرين بوسو أشتُ Serigne Bousso Astou
٢- سرين اندام عبد الرحمن Serigne Ndame Abdourahmane Bousso
٣- سرين بوسو حوى صُو Serigne Bousso Awa Sow
٤- سرين بار بوسو Serigne Bara Bousso.
والبنات هن :
١- سغن خر بوسو Sokhna Khary Bousso
٢- سغن بوسو أشتُ Sokhna Bousso Astou
٣- سغن آمنة بوسو Sokhna Aminta Bousso
٤- سغن خج بوسو Sokhna Khoudia Bousso

1منن الباقي القديم بتحقيق د محمد شقرون ص ٣٣
2 أن الشيخ الخديم رضي الله عنه كان برفقة أربعة من مريديه في أول ليلة باتها في منزله بعد ما نصب له فيها خيمة ومن هؤلاء سرين مور سغن وسرين مصمب فاط بوسو .
3نقلته عن الأخ عبد الرحمن بوسو الذي سمعه من سرين مور سانغه Serigne Mor Sankhé أحد مريدي سرين مور سغن وكان يرافقه إلى البقعة المباركة عند الشيخ الخديم رضي الله عنه وقال بأنه كان شاهد عيان.
4وهي والدة سرين دام عبد الرحمن بوسو الإمام رحمه الله تعالى.
5من قصيجته التي أرَّخ فيها لوفيان بعض الأعيان في عصره ومطلعها
تُوُفي الوالد عام شب سي *** عن "عز" عمره وقيل "كنه" حي
6أي توفي ليلة الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة ١٣٤٤ وعمره اثنان وستون سنة.

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...