"عُرف الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه بكراماته الكثيرة التي تناقلتها الركبان، ورواها ثقات عن ثقات في سياقات مختلفة من حياته، ولكن أبرز هذه الكرامات شدة استقامته رضي الله تعالى عنه على الصراط المستقيم، وتحمله في العبادات ما لا يطيقه إنسان عادي. والشيخ ينبه في كتاباته على أن نهاية الكرامة هي الاستقامة، كما قال في مسالك الجنان
قد أخبروا بأن الاستقامه نهاية الصلاح والكرامة
والاستقامة هي الجمع بين أداء الطاعات واجتناب المعاصي، وهي كما قال يحيى بن معاذ “على ثلاثة أضرب: استقامة اللسان على كلمة الشهادة، واستقامة الجنان على صدق الإرادة، واستقامة الأركان على الجهد في العبادة” وقد قيل :حقيقة الاستقامة لا يطيقها إلا الأنبياء وأكابر الأولياء؛ لأن الاستقامة هي الخروج عن المعهودات، ومفارقة الرسوم والعادات، والقيام في أمر الله بالنوافل والمكتوبات”. ويقول الشيخ محمد البشير صاحب “المنن” : “وللاستقامة كمالُها لأنها هي القيام بالواجب كما يجب فيما يجب على الدوام “.
وقد كان الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه يتحمَّل من الطاعات ما لا يتصوره عقل بشر من حيث الكثرة والنوعية. يقول العلامة الدكتور محمد بن أحمد مسكه :” أما عبادته فكان منقطعا لها طول دهره، وقد عاهد ربه تعالى أن لا ينتقض وضوءه إلا توضأ وصلى نافلة، ولم يكن ينام إلا غرارا، ولم يعرف له قط موضع للنوم (...) وكان ليله ونهاره في الذكر والقراءة وخدمة الأضياف والمريدين، وكان ملازما للوضوء وقد تكون به الجراحات والأمراض الشديدة، فكان يصبر على الوضوء”. ويقول : “ وأول كرامة أذكرها هنا هي ما حمل عليه نفسه من العبادة الشاقة التي لازمها طيلة حياته، والتي تصدق فيها الكلمة “إن مَن خرق العادة في نفسه خرق الله له العوائد”، فقد أعان الله تعالى هذا الشيخ على تحمل نمط من العبادة يبدو مستحيلا لأول وهلة”، وذكر من ذلك “أنه كان ملازما للطهارة (...) ولا يصلي فريضتين بوضوء واحد، بل يجدد وضوءه لكل فرض، وكان لا يصلي صلاة فريضة إلا في الجماعة، وكان لا يفطر من أيام الدهر إلا الفطر والعيد”
والشيخ رضي الله تعالى عنه يقر بنفسه أن من أكبر كراماته ما خصصه الله به من القوة في أداء العبادة في جميع الظروف والأحوال، يقول الشيخ محمد البشير إنه سمع الشيخ يقول ُ: "إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَرَامَاتِ الَّتِي خُصِّصْتُ بِهَا تَقْوِيَةَ اللَّهِ لِي عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي صِحَّتِي وَسَقَمِي، حَتَّى إِنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِيَّ مَا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْقِيَامُ وَيَثْقُلُ مِنْهُ النُّهُوضُ ثُمَّ إِذَا سَمِعْتُ الْأَذَانَ يُخَفِّفُهُ اللَّهُ حَتَّى أُقِيمَ صَلَاتِي فِي الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ إِذَا فَرَغْتُ يُعَاوِدُنِي إِلَى أَنْ يُقَدَّرَ الْبُرْءُ"
وفي هذا السياق يورد في المنن قصة وقعت في سهوة الماء بموريتانيا ، وهي أن الشيخ رضي الله تعالى عنه”أَصَابَهُ مَرَضٌ شَدِيدٌ دَامَ مَعَهُ أَيَّامًا كَثِيرَةً نَحْوَ شَهْرٍ، وَلَمْ يَحْبِسْهُ يَوْمًا عَنِ الْإِمَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى أَنْ أَجْحَفَ بِهِ غَايَةً. فَجَمَعَ الْقَوْمَ خَارِجَ بَيْتِهِ تِلْمِيذُهُ الْفَاضِلُ الْمُحِبُّ لِأَهْلِ اللَّهِ النَّاصِحُ لَهُ وَلِمُرِيدِيهِ أَوَّلًا وَآخِرًا مُخْتَارْ بِنْدَ جِنْكْ MAKHTAR PENDA DIENG رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ رَحْمَةً وَاسِعَةً، فَقَالَ لَهُمْ: "إِنَّ الشَّيْخَ أَجْحَفَ بِهِ الْمَرَضُ وَإِنِّي صِرْتُ أَخَافُ عَلَيْهِ، وَمَعَ هَذَا الْإِجْحَافِ لَا يَصْبِرُ بَعْدَ سَمْعِ الْأَذَانِ عَنِ الْحُضُورِ. وَهُوَ كَمَا تَرَوْنَ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ. فَأُرِيدُ مِنَ الْمُؤَذِّنِ أَنْ يَخْفِضَ صَوْتَهُ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ سِيد بْن عَبْدِ اللَّهِ هَذَا. فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ الصَّلَاةِ يُخْبَرُ بِالْوَقْتِ وَبِأَنَّ الْجَمَاعَةَ صَلَّوْا لِئَلَّا يَتَكَلَّفَ الْحُضُورَ". فَصَارُوا إِلَى قَوْلِهِ وَرَأْيِه
وهكذا كانت أكبر الكرامات عند الشيخ رضي الله تعالى عنه بشهادة مريديه وشهادته هو دوامه على الاستقامة وتقوية الله تعالى له على العبادات في صحته وسقمه، ولذلك كان يقول لمن معه :” لا تُكلِّفوا أنفسكم بمثل ما أكلف به نفسي من ترك الرخص والتمسك بالعزائم”.
من كتاب "من كرامات الشيخ أحمد بمب رضي الله عنه

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق