بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن
والاه.
نعود في بياننا اليوم إلى نقطة أساسية في الدين، وهي الإيمان
بالله سبحانه وتعالي وتوحيده في ذاته وصفاته وأفعاله.
فترسيخ الإيمان والتوحيد في القلوب كان – وما زال- مهمة الأنبياء والأولياء المجددين. وضعف الإيمان
والتوحيد في القلوب سبب لكل ما يعينه الإنسان في حياته من كدرات ومتاعب، ولذلك
ينبغي أن نتذاكر الإيمان والتوحيد في كل الأزمان.
أيها الإخوة!
إن الإيمان له أركان أولها الإيمان بالله تعالى بجميع صفاته يقول
الشيخ الخديم في تزود الشبان
إيمانكم أن
تومنوا بالله وبالملائكة جند
اللـــه
وبجميع كتبه
المنزلـة ويومه الآخر يوم الزلزلة
وبجميع رسله
وبالقـدر من خيره وشره حيث صدر
إن الإيمان ليس مجرد نطق باللسان، بل لا بد من الاعتقاد
بالجنان والعمل بالجوارح، فقد ورد في النصوص ربطُ الإيمان بقول الخير وصلة الرحم
وإكرام الجار والضيف، ففي حديث رواه البخاري ومسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر،فليقل خيرا أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم
الآخر ، فليكرم جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم ضيفه"
رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري "من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر
فليـكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه" رواه
البخاري.
وفي شرح الحديث يقول الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه في
المجموعة "(ومن آمن بالله) آمن بأن كل ما عمله أو نطق به علِمه ربُّه،
و(من آمن باليوم الآخر) آمن بأن ربه يجزيه كل ما عمله في الدنيا والآخرة،
ومن علم ذلك (فليقل خيرا أو ليصمت) عن الشر ".
ومن هنا ندرك أن المخالفات والمعاصي الصادرة من الإنسان إنما تصدر
منه نتيجة لضعف إيمانه، ففي الحديث لا يزني الزاني حين يزني وهو مومن ولا يسرق
السارق حين يسرق وهو مؤمن ولايشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن. قال النووي رحمه
الله في شرح هذا الحديث: فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: لا يفعل هذه
المعاصي وهو كامل الإيمان.
وفوق هذا كله، إن الإيمان الصادق يورث الامتثال والاجتناب،
ويوصل الإنسان إلى مرتبة الولاية والمحبَّة، فيكون آمنا ومستجاب الدعاء، يقول
تعالى ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين ءامنوا وكانوا
يتقون.
وهكذا نرى سعة آثار الإيمان بالله وتجلياته في أخلاق الإنسان
وسلوكه وأنه ليس مجرد أقوال ومشاعر مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم - كما سلف - "الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول:لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى
عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"
فهذه الآثار في حياة الإنسان المومن تنعكس على حياة الجماعة المؤمنة،
فإنها تتمتع بفضل إيمانها بما يلي:
·
التمكين في الأرض والأمن لقوله " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي
ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً(النور: من
الآية55)"
·
والبركات " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من
السماء والارض "
·
والنصرة " وكان حقا علينا نصر المؤمنين. "
أيها الإخوة
ولأهمية التوحيد اعتبر شيخنا أحمد الخديم أن من أولويات المريد تحصيل زاده منه يقول رضي
الله تعالى عنه:
أول واجب على المريد
تحصيل زاده من التوحيد
وأعلى مراتب الإيمان توحيده سبحانه وتعالى في ذاته، وصفاته،
وأفعاله، ومن ذلك الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى هو المنفرد بالنفع والضر كما قال
الشيخ الخديم رضي الله عنه.
الضر والنفع من الوهاب *** ليسا من الأعداء والأحباب
الضر والنفع من الجبار*** ليسا من الفجـار والأبرار
الضر والنفع من الرحمن *** ليسا من البيضان والسودان
ويقول أيضا في تقرير هذا
المبدأ في المسالك
وكلما أصابنا لم يكن يريد أن يخطئنا
في الزمن
وكلما أخطأنا لم يكن يريد أن يصيبنا من محن
وكل من تحلى بهذا التوحيد فلا ينسى الخالق في أي شيء،
يأخذ بالأسباب، ويوقن بأن الآثار والنتائج منه سبحانه وتعالى، ويحسن في كسبه،
ويتوكل على الله، ولا يحول بينه وبين عبادته حائل.
وهذه مرتبة صعبة الوصول، ولكن من وصل إليه استراح في الدنيا
والاخرة، وهذا من معاني قول شيخنا رضي الله عنه
من ظنّ غير الله يُغني
أو يضر *** فذاك في الدارين ذو كدّ وضر
لا نعرف ما يتضمنه هذا البيت من الأسرار ولكن من واظب على استحضار
معناه ولّد ذلك في قلبه توحيد الخالق عز وجل. فالشيخ محمد المنتقى، حفظه الله تعالى،
حين يذكرنا بهذا البيت ويأمرنا بمواظبة قراءته يريد لنا راحة الدنيا والآخرة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرسخ الإيمان والتوحيد وأن يطيل
فينا عمر شيخنا محمد المنتقى امباكي
يوم الجمعة11 محرم 1443هـ / 20 أغسطس 2021م