الثلاثاء، 28 ديسمبر 2021

مفهوم المواطنة الشاملة عند معالى العلامة الشيخ عبد الله بن بيه، حفظه الله تعالى

بمناسبة انطلاق فعاليات الملتقى الثامن عالج معالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيَّه – حفظه الله تعالى - في كلمته التأطيرية قضايا محورية تتعلق بمفهوم المواطنة الشاملة، وقد تجلت من خلال معالجته العميقة رؤيته الأصيلة حول ضرورة تحقيق السلم والعيش المشترك والتنمية المستدامة من خلال نقلةٍ تتجاوز بها "المواطنة الشاملة من الوجود المشترك إلى الوجدان المتشارك"[1]. وكان للشيخ وقفة تحليلية مهمة حول مفهوم المواطنة الشاملة. 


في البداية، تعرض معالي الشيخ لأصل كلمة "المواطنة" في اللغة العربية ومقابلها اللاتيني" بوصفها المنتظم السياسي للوجود الإنساني في المجتمع"، مبينا أن المواطنة من جهة مضمونها الحقوقي تحمل بعداً فصليا " يميّز بين المستأهل لحقوقها وغير المستأهل"، وأنها تقوم في المفهوم التاريخي على " العرق، أو الدين، أو الذاكرة المشتركة، أو عنصر نقاء النسب".


وقد شهدت بعض البيئات ذات الطبيعة التعددية تطوُّر صيغةٍ تنحو منحى تعاقدياً في شكل دستور وقوانين تحدد الواجبات والحقوق، وأصبحت المواطنة "رابطة اختيارية معقودة في أفق وطنيّ يحكمُه الدستور" وتتسامى عن القومية والقبلية، وإن كانت لا تلغيها بالضرورة.


ومن ناحية أخرى، ألمح الشيخ إلى تطور آخر في مفهوم المواطنة، حيث اكتسبت إلى جانب بُعدها السياسي بُعداً اقتصاديا وثقافيا، ثم توسَّعت، في ظل العولمة، لتتخذ صبغةً عالميَّة، وتعني بهذا المفهوم الواسع" الشعور بالانتماء للبشرية كعائلة كبرى وللأرض كوطن أشمل"، وتتحقق هذه المواطنة من خلال "تجسيد روح ركّاب السفينة الذين يؤمنون بالمسؤولية المشتركة وبالحرية المسؤولة وبواجب التضامن والتعاون". وهنا يُبرز الشيخ أهميةَ المضامين القيمية للتضامن وضرورة إعادة ربطه بها، وهي "قيمُ الرحمة والغوث ومعاني التعاون والإحسان"، وهذه القيم تمثل سنداً للحقوق وأرضيةً مشتركة تقوم عليها، كما تضمن لها الفاعلية والنجاعة.


وأخيراً، بيَّن العلامة عبد الله دور التقنيات الجديدة في تعزيز الشعور بالانتماء إلى الوطن، والمشاركة الإيجابية، ومكافحة التمييز والإقصاء، وبالتالي دورها في توسيع دائرة المواطنة " لتشمل البُعد الرقمي بوصفه حقوقاً أو وسائل لنيل الحقوق". ولكنه لم يغفل عن التحديات التي تثيرها هذه التقنيات، لأنها "يمكن أن تسلب الإنسانَ ذاتَه وتنتزعه من شؤونه وشجونه المحلية، لترمي به في أتون الهموم المصطنعة والوجود المستعار"، وهذا واقعٌ يقتضي من الدُّول والمنظَّمات الدوليّة سنَّ قوانينَ تُنظم هذه المواطنة الجديدة.



هكذا، كان لتأصيل مفهوم المواطنة الشاملة وبيان تطوره وأبعاده مساحة واسعة في الكلمة التأطيرية لمعالي لشيخ عبد الله بين بيّه – حفظه الله تعالى ونفع به البلاد والعباد - في افتتاح الدورة الثامنة لملتقى أبو ظبي للسلام، تحت عنوان " المواطنة الشاملة من الوجود المشترك إلى الوجدان المتشارك"، وفي الكلمة جوانب أخرى مهمة قد نعود إليها في مقالات أخرى.

 

 



[1]  جميع الاقتباسات في هذه المقالة مأخوذة من الكلمة التأطيرية للعلامة الشيخ عبد الله بن بيه

الاثنين، 29 نوفمبر 2021

"طوبى تيَاكَنَمْ" تعلن انطلاق "كَرْ أَسَكَيِ" أو بيت الزكاة بإذن من الشيخ محمد المنتقى حفظه الله تعالى ورعاه.

في يوم السبت العشرين من شهر نوفمبر ٢٠٢١م نظمت  جمعية طوبى تياكنم touba ca kanam حفلة بمناسبة انطلاق "كَرْ أَسَكَيِ 
kër assaka yi" أو بيت الزكاة الذي أمر صاحب الفضيلة والبصيرة الشيخ محمد المنتقى الخليفة العام للطريقة المريدية بتأسيسه، وعَهِد شأنَ تسييرِه لطوبى تيَِاكَنَمْ، المعروفة بإنجازاتها الملموسة، في مجال الخدمات الاجتماعية. ومن المتوقع، في حقيقة الأمر، أن تسد هذه المؤسسة فراغا كبيراً في فضاء التضامن الإسلامي.


سياق تأسيس "كر أسكي"[1]


الزكاة ركن عظيم من أركان الإسلام، وقد فرضها الله تعالى على أصحاب الأموال فقال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (التوبة: 104). وحدَّد مصارفها في كتابه العزيز. وفي مقدمة هذه المصارف الفقراء والمساكين، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} [التوبة:60].


 وفي الزكاة فوائد جمة للفرد وللمجتمع، وتعتبر من أفضل الوسائل لمحاربة الفقر وللتضامن مع الضعفاء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل رضي الله عنه -حين بعثه إلى اليمن-: «أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم» (أخرجه البخاري ومسلم).


وكان الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه مؤسس الطريقة المريدية حريصاً على تطبيق أوامر الله تعالى في جميع المجالات، مما أدى بالمريدين إلى الاهتمام بالتكافل الاجتماعي ،والتعاون، والإسهام في تحقيق التنمية المستدامة.

ويحرص كثير من المسلمين في السنغال على إخراج الزكاة وتوزيعها. ولكن المقاصد والحكم الشرعية لهذه الفريضة لا تتحقق غالبا لغياب جهاز منظِّم لعملية جمع الزكاة وتوزيعها، مع أن المجتمع في حاجة ماسة إلى استغلال هذا المصدر المالي الإسلامي المُهم لسدّ احتياجات الفقراء والمساكين وإخراجهم من حالة الفقر والبؤس إلى حال الغنى واليسر . 

وفي هذا السياق أعطى الشيخ محمد المنتقى الخليفة العام للطريقة المريدية لمنظمة «طوبى جكنم» إذنه بإنشاء صندوق للزكاة وإدارته.


وقد كانت من الأهداف الأساسية لـ «طوبى جكنم» محاربة الفقر والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة في «طوبى» وفي رفع المستوى الثقافي، والوعي الديني في أوساط المريدين، ولذلك كان إنشاء صندوق للزكاة والوقف تحت إشرافها منسجما مع أهدافها وغاياتها. 


الغايات المرسومة

يسعى «كَرْ أَسَكَيِ» إلى تحقيق غايات سامية، من شأنها تحقيق المقاصد الشرعية لهذا الركن العظيم ومن أهمها:

    الإسهام في تحقيق المقاصد الشرعية من الزكاة.

    تسهيل عملية إخراج الزكاة للمسلمين.

    تسهيل توزيع الزكاة على مصارفه.

    بث روح التضامن والتراحم في المجتمع.

    ضمان الشفافية في تدبير أموال الزكاة. 


أبرز مهام  كر أسكي

o    توعية المسلمين بأهمية إخراج الزكاة بالطريقة التي تحقق مقاصدها الشرعية.

o    مساعدة المسلمين على إخراج الزكاة وقفا للشروط والضوابط التي حددها الشرع

o    جمع الزكوات وتدبيرها بشفافية.  

o    تنظيم عملية توزيع الزكوات على مصارفها الشرعية بشفافية.


الهيئة الشرعية

ولضمان الشفافية والتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها في جميع  أنشطة "كَرْ أسَكَيِ ومعاملاته، تم تشكيل هيئة شرعية تتمثل مهمتها في: 

o    السهر على احترام الأحكام الشرعية في جميع أنشطة ومعاملات «كَرْ أَسَكَيِ»

o    إبداء الحكم الشرعي في المسائل والقضايا التي تعرض عليها. 

o    وضع برامج التوعية والتعليم لـ«كَرْ أَسَكَيِ». 

وتضم الهيئة الشرعية شخصيات معروفة بكفاءاتها العلمية ومؤهلة للتواصل مع المواطنين في التوعية والإرشاد والتوجيه بكل ما يتعلق بفريضة الزكاة والصدقات والكفارات والنذور والأوقاف وما يتصل بها من المسائل الفقهية. ويرأس هذه الهيئة الشيخ صالح امباكي بن المجاهد الشيخ محمد المرتضى رضي الله تعالى عنه .


وفي الختام، يمكن القول بأن الأمل في نجاح هذه مؤسسة "كَرْ أَسَكَيِ" يكون مشروعاً إذا نظرنا إلى ما تستند إليه من إذن الخليفة ومشاركة العلماء المعتبرين وخبرات طوبى تياكم في التدبير المالي والعمل الاجتماعي والتنموي وفي مساندة الفقراء والمحتاجين.




[1]  راجع الوثيقة المرجعية لصندوق الزكاة والوقف «كَرْ أَسَكَيِ» تحت إشرافمنظمة طوبى جكنم  طوبى المحروسة محرم 1443هـ/ أغسطس 2021م

الأحد، 26 سبتمبر 2021

مغال ١٤٤٣هـ : الندوة العلمية حول "المذهب المالكي ودوره في تحقيق الانسجام في المجتمعات الأفريقية" : البيان الختامي

في إطار مراجعة ثوابت الشعب السنغالي المسلم في العقيدة والفقه والتصوف التي بدأتها دائرة روض الرياحين بمناسبة المغال العام الماضي انعقدت اليوم الخميس 15 من صفر 1443هـ (23 من سبتمبر 2021مـ) ندوة علمية بعنوان "المذهب المالكي ودوره في تحقيق الانسجام في المجتمعات الأفريقية".

وقد افتُتحت الندوة في الصباح بتلاوة السيد شيخنا امباكّي محمد الأمين بار فاضل آياتٍ من الذكر الحكيم تلتها كلمة ترحيب من السيد أحمد البدوي امباكّي المنسق العام لدائرة روض الرياحين وكلمة شكر من السيد عبد الأحد امباكّي غايندي فاطمة رئيس لجنة الإعلام والثقافة ضمن اللجنة المنظمة للمغال.

وبعد الافتتاح ألقى السادة الدكتور عبد الأحد سانِي من السنغال والأستاذ الدكتور رضوان غنيمي من المغرب والقاضي الداه ولد سيدي ولد اعمر طالب من موريتانيا ثلاث محاضرات على التوالي حول المذهب المالكي ومنزلته في الإسلام وجهود المغاربة والشناقطة في خدمة المذهب المالكي. وقد عقّب على المحاضرات السيدان الدكتور عبد العزيز كيبي من تواون والأستاذ انجوغو امباكّي سامب من جماعة عباد الرحمن. وكان الدكتور بمبَ ولد سيار من موريتانيا هو مدير الجلسة.

وفي المساء انعقدت جلسة أخرى بإدارة الأستاذ شيخ أحمد بوسو من السنغال تناول خلالها على التوالي الأساتذة شيخنا سيك من انغُرانْ والطريقة القادرية وجابيلْ عبده فاط من جامَلْ والطريقة التجانية وعبد الله جوب المالكي من الطريقة المريدية جهودَ الطريقتين القادرية والتجانية في السنغال والطريقة المريدية في خدمة المذهب المالكي. وعقّب على المحاضرات السادة عبد الرحمن كونتا من انجاسان وبابكر سيسي من جامَلْ ومسامبا سامْبْ من انغُرانْ وإبراهيم سامْبْ من يوفْ.

هذا، وقد اتضح ما يلي من خلال العروض والتعقيبات:

1- أن المذهب المالكي بأصوله قادر على تلبية حاجات الناس في التشريع في مختلف الأزمنة والأمكنة.

2- أن الشعوب المسلمة في أفريقيا لا سيما في شمالها وفي غربها تبنّوا المذهب المالكي عن وعي واقتناع لما رأوا فيه من مزايا.

3- أن الشعوب المسلمة في أفريقيا خدموا هذا المذهب على مستوى الأفراد والمؤسسات تدريساً وتأليفاً وإفتاءً وتقنيناً.

4- أن المذهب المالكي من العوامل التي ساهمت في تحقيق الانسجام والاستقرار في أفريقيا.

5- أن الحفاظ على هذه الوحدة المذهبية من حاجات الوقت لترسيخ الانسجام والاستقرار.

6- أن مما يساعد على الحفاظ على هذه الوحدة المذهبية التقيدَ بها في البرامج الدراسية وفي الإفتاء.

والأمل كبير في أن تتضافر الجهود من قبل المؤسسات الدينية والسياسية ومن قبل الأفراد والجماعات للحفاظ على هذه الوحدة المذهبية وعلى ما يترتب عليه من الانسجام والاستقرار.



طوبى دار المنان، في 15 من صفر 1443هـ (23 من سبتمبر 2021).

المقرر

شَيخنا امباكّي عبد الودود

الأربعاء، 22 سبتمبر 2021

خواطر وتأملات صفرية

تثير ذكرى الغيبة البحرية للشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه في نفسي خواطر وتأملات كثيرة. وقد استوقفني اليوم قولُه رضي الله تعالى عنه  

شُغِلْتُ بالشُّكورِ عَنْ تَذَكُّرِ * مَا قَدْ جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ الْعَسْكَرِ

 

يعبر هذا البيت عن موقف إنساني رفيع في تعامل الشيخ مع أحداث الماضي وحكمة بالغة في رؤيته للعلاقة بين البشر وما يحكمها من قضاء الله وقدره.

 

فمن طبيعة الإنسان أن يختزن في ذاكرته التجارب والخبراتِ التي يمرّ بها سواء كانت سارة أو حزينة، ويكون لهذا المخزون من الذكريات تأثيرٌ قوي في سلوكه ومواقفه واتجاهاته، يمكن أن يكون إيجابيا أو سلبيا

 

والشيخ الخديم رضي الله عنه من منطلق نظرته إلى الكون باعتباره خاضعا للعناية الإلهية يتجاوز الأسباب إلى مسببها ويرى خالقَ الكونِ ومدبر الأمور سبحانه وتعالى في كل الأحداث.

 

فقد اعتبر رضي الله تعالى عنه كل ما جرى بينه وبين السلطات الاستعمارية في حقيقة الأمر "نعمة في طي نقمة" لأنه سبب في حظوته بالمراتب الرفيعة التي كان يرنو إليها بهمته العليا وبايع عليها الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بخدمته المباركة

 

فكان استحضار الشيخ للمواهب الإلهية وما يثيره فيه من مشاعر الشكر والامتنان لا يترك مجالا عنده ليتذكر الآلام والمعاناة التي عاشها بسبب اضطهاد المستعمر له. فمن هنا اشتغل بشكر نعم  الله تعالى بدلَ تذكُّر ما جرى بينه وبين  الجنود الفرنسيين أثناء غيبته البحرية. وقد عبَّر  عن هذا المعنى أيضا في قوله:

        كليتي استغنت عن اشتكاء * وكلّ ما يجرُّ للبكاء

    شَغَلَنَي شكرُ إلـهٍ قَبِلا* كليَّتِي عن ذكر ماضٍ  مِن بَلا

 

وفي هذا الموقف دلالة عميقة على تسامي الشيخ رضي الله تعالى عنه وعلى خلُوّه من المشاعر السلبية التي تُولد في صاحبه روح الشكاية والانتقام. فقد كان طيِّبَ القلب نقيَّ السريرة لرؤيته فضل الله تعالى وكرمه عليه كما قال: 

     قد طاب قلبيَ لمَّا اللهُ سلَّمني * من العدى وبحطِّ الذنب أكرمني

 

وقد تجلَّى هذا الصفاء القلبيُّ والنقاوة العاطفية في عفوه عن أعدائه الذين ساموه أنواعا وألوانا من الضيم لا توصف، حين قال " عفوت لوجه الله مع صفو كلكلي"... 

 

وقد ورَّث الشيخُ رضي الله تعالى عنه أتباعه هذه المشاعر الإيجابية تجاه ما وقع له من المحتل الفرنسي، حين أمرهم بتخليد ذكرى تغييبه من خلال الشكر والابتهاج بما منَّ الله تعالى عليه من النعم والمزايا والمآثر

 

من يتصور ما كان سيحدث لو ترك الشيخ مريديه دون هذا التوجيه، ليقرروا بأنفسهم كيفية إحياء هذه الذكرى بعده؟! فقد كان بالإمكان أن يركزوا على الآلام والمعاناة  بدل النعم والمنن، ويدفعهم ذلك إلى الميل نحو الانتقام والتشفي لشيخهم فيؤدي كل سنة  إلى دوامة من العنف لا تتوقف.

 

ولكن بحمد الله تعالى ترى سفراء أعدائه ومضطهديه بالأمس وقادة جيشهم يتوافدون إلى طوبى، ويُقابَلون بالترحيب والتكريم، لأن المريدين "شُغِلُوا بالشكر عن التذكر". 

 

رضي الله تعالى عن شيخنا أحمد الخديم وجزاه عن الأمة الإسلامية خير الجزاء.

صفر مباركٌ

الثلاثاء، 31 أغسطس 2021

بيان الجمعة بمسجد طوبى الجامع حول الإيمان بالله تعالى وتوحيده

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.

نعود في بياننا اليوم إلى نقطة أساسية في الدين، وهي الإيمان بالله سبحانه وتعالي وتوحيده في ذاته وصفاته وأفعاله.

فترسيخ الإيمان والتوحيد في القلوب كان – وما زال-  مهمة الأنبياء والأولياء المجددين. وضعف الإيمان والتوحيد في القلوب سبب لكل ما يعينه الإنسان في حياته من كدرات ومتاعب، ولذلك ينبغي أن نتذاكر الإيمان والتوحيد في كل الأزمان. 

أيها الإخوة!

إن الإيمان له أركان أولها الإيمان بالله تعالى بجميع صفاته يقول الشيخ الخديم في تزود الشبان

       إيمانكم أن تومنوا بالله          وبالملائكة جند اللـــه

       وبجميع كتبه المنزلـة           ويومه الآخر يوم الزلزلة

       وبجميع رسله وبالقـدر           من خيره وشره حيث صدر

 إن الإيمان ليس مجرد نطق باللسان، بل لا بد من الاعتقاد بالجنان والعمل بالجوارح، فقد ورد في النصوص ربطُ الإيمان بقول الخير وصلة الرحم وإكرام الجار والضيف، ففي حديث رواه البخاري ومسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر،فليقل  خيرا أو ليصمت ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم ضيفه" رواه البخاري ومسلم .

وفي رواية للبخاري "من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه" رواه البخاري.

وفي شرح الحديث يقول الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه في المجموعة "(ومن آمن بالله) آمن بأن كل ما عمله أو نطق به علِمه ربُّه، و(من آمن باليوم الآخر) آمن بأن ربه يجزيه كل ما عمله في الدنيا والآخرة، ومن علم ذلك (فليقل خيرا أو ليصمت) عن الشر ".

 ومن هنا ندرك أن المخالفات والمعاصي الصادرة من الإنسان إنما تصدر منه نتيجة لضعف إيمانه، ففي الحديث لا يزني الزاني حين يزني وهو مومن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولايشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن. قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان.

وفوق هذا كله، إن الإيمان الصادق يورث الامتثال والاجتناب، ويوصل الإنسان إلى مرتبة الولاية والمحبَّة، فيكون آمنا ومستجاب الدعاء، يقول تعالى ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين ءامنوا وكانوا يتقون.

 وهكذا نرى سعة آثار الإيمان بالله وتجلياته في أخلاق الإنسان وسلوكه وأنه ليس مجرد أقوال ومشاعر مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم - كما سلف - "الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول:لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"

 فهذه الآثار في حياة الإنسان المومن تنعكس على حياة الجماعة المؤمنة، فإنها تتمتع بفضل إيمانها بما يلي:

        ·            التمكين في الأرض والأمن لقوله " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً(النور: من الآية55)"

        ·            والبركات " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض "

        ·            والنصرة " وكان حقا علينا نصر المؤمنين. "

 

أيها الإخوة

 ولأهمية التوحيد اعتبر شيخنا أحمد الخديم أن من أولويات المريد تحصيل زاده منه يقول  رضي  الله تعالى عنه:

أول واجب على المريد   تحصيل زاده من التوحيد

وأعلى مراتب الإيمان توحيده سبحانه وتعالى في ذاته، وصفاته، وأفعاله، ومن ذلك الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى هو المنفرد بالنفع والضر كما قال الشيخ الخديم رضي الله عنه.

الضر والنفع من الوهاب *** ليسا من الأعداء والأحباب

الضر والنفع من الجبار***  ليسا من الفجـار  والأبرار

الضر والنفع من الرحمن *** ليسا من البيضان والسودان

ويقول أيضا في تقرير  هذا المبدأ في المسالك

وكلما أصابنا لم يكن  يريد أن يخطئنا في الزمن

وكلما أخطأنا لم يكن  يريد أن يصيبنا من محن

وكل من تحلى بهذا التوحيد فلا ينسى الخالق في أي شيء، يأخذ بالأسباب، ويوقن بأن الآثار والنتائج منه سبحانه وتعالى، ويحسن في كسبه، ويتوكل على الله، ولا يحول بينه وبين عبادته حائل.

وهذه مرتبة صعبة الوصول، ولكن من وصل إليه استراح في الدنيا والاخرة، وهذا من معاني قول شيخنا رضي الله عنه

من ظنّ غير الله يُغني أو يضر *** فذاك في الدارين ذو كدّ وضر

 لا نعرف ما يتضمنه هذا البيت من الأسرار ولكن من واظب على استحضار معناه ولّد ذلك في قلبه توحيد الخالق عز وجل. فالشيخ محمد المنتقى، حفظه الله تعالى، حين يذكرنا بهذا البيت ويأمرنا بمواظبة قراءته يريد لنا راحة الدنيا والآخرة.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرسخ الإيمان والتوحيد وأن يطيل فينا عمر شيخنا محمد المنتقى امباكي

يوم الجمعة11 محرم 1443هـ / 20 أغسطس 2021م

 

الجمعة، 9 يوليو 2021

جديد المكتبة المريدية .. "مننُ الرحيم الرحمن في سيرة الشيخ بابكر انجاي تيارغان"

 إن التاريخ الإسلامي في إفريقيا جنوب الصحراء حافلٌ بشخصيات عظيمة خدمت الدعوةَ الإسلامة خدمةً جليلةً، وتركت بصماتِها على الحياة الروحية والاجتماعية لعددٍ كبيرٍ من المسلمين. ولكن سيَرَ هؤلاء الشيوخ مجهولةٌ لدى كثير من الدارسين لهذا التاريخ. ولا توجد خدمة للتراث الإسلامي في المنطقة أجلُّ من تخليد حياة هؤلاء العظماء، لما تنطوي عليه من قيم يحتاج إليها عالمُنا المعاصرُ الذي يتسمُ بماديته الطاغية. 

وهذه مهمةٌ نبيلةٌ حاول النهوضَ بها  الباحثُ الدكتور الحاج انجاي في هذه الدراسة التي خصصها لأحد مشايخ السنغال. وهو الشيخ بابكر انجاي تيارﮔان رضي الله عنه، أحدِ كبار المريدين الأوائل الذين بايعوا مولانا الشيخ أحمدَ الخديم رضي الله تعالى عنه مؤسسَ الطريقة الصوفية المعروفة بالمريدية، وتربَّوا على يديه، وجاهدوا في نشر دعوته وتعاليمه، وظهرت آثار تربيته المُبارَكةِ على حياتهم. 

وقد كان المؤلف موفقاً في اختياره لهذه الشخصية الفذة التي تحتاج الأجيال الحاضرة والقادمة إلى الوقوف على حياتها المليئة بالدروس، والتي تُجسد تعاليمَ شيخه في أدق تفاصيلها؛ فقد نهل وارتوى من مناهله الصافية، فصار عالماً عاملا بعلمه، و مُربياً، ومرقياً لأتباعه، وفق منهج شيخه وأسلوبه. وقد برع باحثنا في إبراز هذا الجانب المهم في كتابه من خلال إيراد شواهدَ كثيرةٍ من تعاليم الشيخ الخديم - رضي الله تعالى عنه -  التي تنعكس على سلوكيات  المرجَم له، وتصرفاته، ومعاملاته، وآرائه، وكشوفاته.  

والقارئ لصفحات الكتاب يلمَس في أول وهلة مدى حرص الكاتب على الالتزام بالموضوعية في تناوله، وبالتحقق من مصادره ومروياته الشفهية، كما يقف على سعة اطلاعه وتعمُّقه في تاريخ المريدية، وفي التراث الصوفي للشيخ الخديم  رضي الله تعالى عنه.  

وعلى الرغم من كثرة العراقيل التي تعترض الباحثَ في هذا المجال، والتي تعود في الغالب إلى ندرة المصادر وصعوبة استغلالها، فقد نجح المؤلف في تحقيق هذا الإنجاز العلمي الكبير؛ فأتحف المريدين،  والدارسين، والمهتمّين بالتراث الإسلامي في غرب إفريقيا بمرجع قيِّم حول حياة واحد من رجال الطريقة المريدية الذين بجهودهم التربوية وتعاليمهم أسهموا في نشر الإسلام، وتوسيع الدعوة المريدية في طول البلاد وعرضها.

فجزى الله خيراً الباحث الدكتور الحاج انجاي، ورضي عن الشيخ المترجم له، وعن شيخه المربي مولانا أحمد الخديم. 

سام بوسو عبد الرحمن

الأربعاء، 30 يونيو 2021

الشيخ مام مور امباكي فاضل فقيد أهل القرآن

 
عجّت مواقعُ الشبكة العنكبوتية مساء أمس الثلاثاء بخبر وفاة الشيخ مام مور امباكي بن الشيخ محمد الفاضل ابن الشيخ أحمد الخديم رضي الله تعالى عنهم. فقد أحدث هذا الغياب المفاجئ للشيخ مام مور ذهولاً كبيراً بين المريديين عموماً وأهل القرآن الكريم خصوصاً.

كان الشيخ مام مور رجلاً تقياً عالماً عابداً معروفاً بالكرم، واللطف، وصلة الرحم. وقد شهد له رفقاء دربه بالتواضع، ولين الجانب، وسلامة الصدر. كان محباً للقرآن وأهله، كان يختم القرآن في ثلاثة أيام، ولم يتخلف عنه طيلة ثلاثين سنة، ولم يتوقّف مجلسه التعليمي رغم كثرة مسؤولياته وشواغله.

كان رحمه الله تعالى صادق الإرادة، محباً للشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه، عالي الهمة، قويّ العزيمة، لا يصرفه عن ورده ولا عن "وقفه" صارف. وقف بجانب الخليفة الشيخ سيدي المختار مساعداً مخلصاً وأمينا، وكان للشيخ منتقى سنداً متيناً في مهمة الخلافة . فقد ائتمنه الشيخ سيدي المختار - رحمه الله تعالى - على القطاع التربوي، وعهد إليه شؤون المؤسسات التربوية في طوبى، وجدّد له الشيخ المنتقى - حفظه الله تعالى - هذه الأمانة، وأبلى فيها بلاء حسنا، شهد بذلك القاصي والداني.

كان جريئاً على الحق لا يخاف عليه لومةَ لائم، كان حريصاً على حفظ قيم المريدية وآدابها. كان ذا رؤية بعيدة، حاملا هموم المسلمين مهتمّاً بقضاياهم.

ألحقه اللهُ تعالى بوالده الشيخ محمد الفاضل وجده الشيخ الخديم رضوان الله تعالى عليهما وجعل الفردوس الأعلى مثواه

الأربعاء، 5 مايو 2021

جديد المكتبة المريدية : كتاب " الشيخ مختار بنت لوح، حياته وتراثه العلمي"

تزخر 
الطريقة المريدية - والحمد لله - بعلماء صالحين وأدباء مخلصين، آثروا التواضع والزهد والخمولَ، فكرسوا أنفسَهم لتعليم المريدين ما علَّمهم الله تعالى، وفي العمل به بإخلاص وتفان، وقد خلف بعضهم تراثاً علمياَ قيما، ولكن هذا التراث يتعرض في أحيان كثيرة للإهمال والضياع، الأمر الذي أسهم نوعا في اختفاء جانب كبير من الإنتاج العلمي والأدبي لهؤلاء العلماء الصالحين.

ولذلك انتابني شعورٌ بالاعتزاز والارتياح، وأنا أتصفح هذا البحث القيم عن حياة العالم العابد المريد الصادق الشيخ مختار بنت لوح رضي الله تعالى عنه وعن تراثه العلمي. 
فالجهد العلمي المبارك الذي بُذل في هذا البحث يُمثل خطوةً مهمةً في سبيل إنقاذ وحفظ التراث العلمي للمسلمين في إفريقية جنوب الصحراء عامة، وللمجتمع المريدي بصفة خاصة.

إن ظهور هذا الكتاب، في حقيقة الأمر، حدثٌ تاريخيٌّ في الساحة الفكرية الإسلامية عامة، والمريدية خاصة لاعتبارات عدة؛ فمنزلة الشيخ المترجم له ودوره في تاريخ الطريقة وتراثه العلمي و الأدبي يرشحان هذا السفر العظيم عن حياته ليتبوأ بكل جدارة مكانة مرموقة في المكتبة الإسلامية، كما أن الجهد الفكري الذي بذلته هيئةُ إحياء تراث الشيخ مختار بنت لوح في جمع المادة العلمية للكتاب بمنهجية صارمة، وفي تذليل كثيرٍ من العقبات التي تعتري أمثال هذه المشروعات يمكنُ أن يفتح آفاقا واسعة لمعاقلَ علميةٍ كثيرة تزخر بكنوز تراثية نفيسة وتلعب بها أيدي الإهمال والضياع في الوقت الحاضر. فهذه المبادرة أنموذج رائع سوف تحتذي به - لا محالة- أسرٌ أخرى، لها تراث علمي وأدبي يستحق أن يُعتنى به في هذه المنطقة.

ومن ناحية أخرى يشكل الكتاب خدمة جليلة للاجيال الحاضرة والقادمة من المريدين خاصة والمسلمين عامة، لما يحويه بين دفتيه من قيم سامية تُجسدها سيرةُ العلامة الشيخ مختار رضي الله عنه في حياته، من إرادة صادقة، وإخلاص، واستقامة، وزهد، وورع، وتفانٍ، وجدية، وغيرها، ولما يكشفه من حرصه على نفع الخلق من خلال نشر منهج شيخنا أحمد الخديم رضي الله تعالى عنه وفكره.

إن هذا الكتاب بكل المقاييس تحفةٌ ثمينة للدارسين والباحثين الحريصين على الوقوف على منهج الشيخ الخديم التربوي، لكون الشيخ مختار من خيرة الشيوخ المريديين الذين لازموه، وتجلت آثار تربيته المباركة في زكاء نفوسهم، وصفاء قلوبهم، واستقامة سلوكهم، وصلاح أعمالهم، كما قال أحدهم، وهو العلامة الشيخ امباكي بوسو :

     هُوَ الْغَوْثُ والمِغْيَاثُ ربَّي قلوبَنا *** وأجسامَنا فالكلُّ صافٍ وناعمُ

فالشيخ مختار رضي الله تعالى عنه يمثل خير تمثيل ذلك الرعيل المبارك من أتباع العبد الخديم رضي الله تعالى عنه بسيرته وبإنتاجه الذي يعكس المنهج الخديمي القائم على العلم النافع والعمل الصالح والأدب المرضي.

وبالجملة يستحق هذا العمل التشجيعَ والتنويه، كما يستحق أصحابُه الشكرَ والتقديرَ، وفي مقدمتهم خليفة الشيخ مختار السائر على خطاه، العالم المتواضع الشيخ محمد فاضل لوح وجميع أعضاء الهيئة المباركة.

نسأل الله تعالى أن يبارك في هذه الجهود، وينفع بها ويكتبها في ميزان حسناتهم ويجازي الشيخ مختار خير جزائه.

الجمعة، 30 أبريل 2021

الشيخ محمد المنتقى والعلماء الشباب ... لقاء ذو دلالات!

التقى الشيخ محمد المنتقى حفظه الله تعالى بكوكبة 
من العلماء وطلبة العلم والباحثين الشباب، فاحتفى بهم وأكرمهم بحفلة إفطار بهية ليلة الثلاثاء الماضي في طوبى المحروسة.

وهذا اللقاء الرمزي بين قمة الطريقة وخليفتها والشباب المريديين المشتغلين بالعلم ينطوي، في الواقع، على مغزى ودلالات مهمة تتصل بمكانة العلم وقيمة الشباب ودورهم.

فلم تعد تخفى على أي منصف مكانة العلم في منهج الشيخ الخديم ودعوته، وسيرته العطرة. ومع ذلك ما زال الاعتقاد سائدا لدى بعضٍ من أتباع المريدية مفاده أن التعليم الحديث يؤثر سلبا في عقيدة المريد واحترامه لآداب الطريقة، فيشككون في صدق "إرادة" الكثير من أهل العلم، وربما يرجع هذا الموقف إلى غيرة هؤلاء على انتمائهم الروحي، واعتزازهم به، وخوفهم من التأثيرات الخارجية.

ولكن الجهود التي بذلها الشيخ محمد المرتضى رضي الله تعالى عنه غيرت من هذه النظرة بفضل المعاهد الحديثة التي أنشأها في مختلف ربوع البلاد، وتخرج فيها شباب وعلماء لا يشك أحد في صدقهم وإخلاصهم وتفانيهم في خدمة دعوة الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه.

وكان الشيخ محمد المنتقى منذ سنوات تقرب إليه المشتغلين بالعلم ويكرمهم ويحتفي بهم اعترافا بدورهم في خدمة الطريقة، وهو دور طالما تعرض للتنكر والاستخفاف في بعض الأوساط المريدية. وهذا اللقاء الأخير يرمز إلى شرعية دور العلماء والمثقفين حملة الشهادات الجامعية وأهميته في مسيرة الدعوة الخديمية.

ومن ناحية أخرى يحمل تخصيص هذه الجلسة المباركة للشباب خريجي الجامعات الإسلامية مغزى آخر؛ ففيه إشارة إلى أهمية دور الشباب في الطريقة منذ تأسيسها، فقد كان الشيخ رضي الله تعالى عنه محاطا بشباب ذوي همم عالية، جلُّهم في الثلاثينيات من العمر ، وقد تحملوا مسؤولياتهم على أكمل وجه في نشر الدعوة وتربية الأتباع وتعمير القرى، وحافظوا على منهج شيخهم في أصعب الظروف. فكأن الشيخ الخليفة يذكر شباب المريدية اليوم بمسؤوليتهم، وأهمية دورهم، ليقفوا بجانبه كما وقف سلفهم بجانب جده المؤسس للطريقة رضي الله تعالى عنه، وخاصة في سبيل إنجاز مشروعه التربوي الطموح.

ويمكن أن نقول: إن هذا اللقاء المعبر لَتشجيع لنهضة ثقافية تحمل شعلتها شباب من المريدين يتحلون بقوة الإرادة والعزيمة في خدمة التراث المريدي بإخراج كنوزه إلى العالم أجمع. 

فهو رسالة موجهة إلى هؤلاء الشباب أنفسهم وإلى عامة المريدين وإلى العالم، بضرورة زيادة الاهتمام بالعلم والعلماء، فكلمات الشيخ تنم، في حقيقة الأمر، عن إحساسه العميق بقيمة الشباب المتحلين بالعلم، وهي قيمة لا تقاس بالمليارات من الأموال، وخاصة إذا كان علو الهمة يحدوهم، ومن هنا دعاهم الشيخ إلى ان يقدروا لهذه الثروة الهائلة حق قدرها ويتحملوا مسؤولياتهم.

إن هذا المشهد الجميل يعزز أملنا ويدعونا إلى مزيد من التفاؤل بمستقبل واعد للإسلام عموما وللمريدية خصوصا في هذا القطر السعيد. يشعر المرء بالاعتزاز حين يتلمس في الجيل الصاعد همة عالية وطاقة متدفقة واستعدادا قويا لرفع التحديات ولتحقيق ما كان يراوده من طموحات.

حفظ الله شيخنا المنتقى، وأطال فينا بقاءه، وسدد خطى أبنائنا وبناتنا وإخوتنا 

وأخواتنا، وفقهم وإيانا لما فيه خير الأمة في الدنيا والآخرة.

 سام بوسو عبد الرحمن 

يوم الأربعاء 15 رمضان 1442ه / 28 أبريل 2021م

الثلاثاء، 30 مارس 2021

الاحتجاجات العنيفة في السنغال ... نظرة تأملية

في بداية شهر مارس الجاري حدثت في البلاد احتجاجات عنيفة لم يسبق لها مثيل منذ استقلالها، حسب كثير من المراقبين، وراح ضحيتَها عددٌ من المواطنين، وآذنت بأزمة خطيرة، تهدد أمن البلاد واستقراره. وقد اندلعت تلك الأحداث على خلفية اتهام شخصية بارزة من المعارضة السياسية باغتصاب فتاة كانت تعمل في صالون للتدليك.

ترددت كثيراً في الكتابة عن الأحداث أيامها، ولكن بعد هدوء العاصفة، نحاول إلقاء نظرة تأملية على بعض جوانب الأحداث لعلنا نخرج منها بدروس مفيدة.

وبعيداً عن الشعلة التي أذكت الأزمة، أودّ أن أنظر إلى القضية من خلال زاويتين: وهما دور السلطة القضائية، وحضور السلطة الدينية في البلاد.

فالقضاء في كل مجتمع ركن ركين لاستقراره وأمنه، فهو المفزع والملجأ للمواطنين في خلافاتهم، يتقبلون قرارته وأحكامه، مهما كانت مرة، يسلبهم حرياتهم وممتلكاتهم، فيستسلمون لحكمه ويخضعون لسلطته، فهو صمام أمان في فض النزاعات. ومن هنا كانت المسؤولية على السلطة القضائية جسيمة. 

وحين تتضعضع ثقة شريحة واسعة من الشعب في هذه السلطة فإنها ترى فيها تهديدا للأمن، بدلا من أن تكون ضمانا له. وسواء كان فقدان الثقة مبنيا على أساس سليم أو على ظنون خاطئة.

والملاحظ أن مسألة العدالة كان لها حضور قوي في مسيرة الأحداث؛ فلو كان جميع أطراف القضية على ثقة كاملة بالمؤسسة القضائية، لما أثيرت كل هذه الضجة بمجرد استدعاء مواطن ليمثل أمام القضاء، مهما كانت صفته. ولكن مع الأسف الشديد، هناك سوابق شكَّكت الكثير في نزاهة القضاء وخاصة في القضايا التي تمس المعارضين للنظام. وخلاصة الكلام في هذه الزاوية أن العدالة النزيهة الشفافة هي الضامن الأساسي للاستقرار في المجتمع، وأن التلاعب بها أخطر عامل يهدد الأمن والسلام. 

وأما الزعامة الدينية فقد أظهرت الأحداث أن لها دوراً كبيراً ومسؤوليةً جسيمةً في سيادة الأمن في المجتمع. ففي السنوات الماضية كانت بعض الاصوات ترتفع بالفعل للتقليل من شأن الزعامة الدينية في البلاد والتنكر من دورها وتأثيرها في الحياة السياسية في البلاد، وتدعي بأن زعماء الدين لم يعد لهم نفوذ في الساحة السياسة، وخاصة في بداية الولاية الولي للرئيس الحالي.

وفي بداية هذه الأزمة لم يُسمع للشيوخ صوتٌ، وتساءل العديد عن سبب سكوتهم عما يحدث في البلد. وذهب آخرون إلى تفسير هذا السكوت بأنهم يشعرون بعدم اكتراث الحكام بهم، لأنه قد سبق أن رفض رئيس الجمهورية الحالي طلباتهم بشأن الإفراج عن سياسيين تمّ اعتقالهم وسجنُهم من قبلُ.

وعند ما تغيَّر مجرى الأمور، وتمَّ وضعُ المعارض رهن الاعتقال بتهمة أخرى، وهي الإخلال بالنظام العام، اصطبغت القضية بصبغةٍ سياسيةٍ أكثر بروزاً واندلعت في عدد من المدن الكبيرة مظاهراتٌ ضخمة تخلَّلتها عملياتُ سلب ونهب ومواجهاتٌ دامية بين المتظاهرين وقوات الأمن.

وهنا عزمت قوى المعارضة على تنظيم مظاهرات ومسيرات أخرى للمطالبة بالأفراج عن المعارض المحتجز وعن غيره من المعلقين في القضية، فأصبحت الأوضاع أكثر تأزُّما وتفاقُماً.  وفي هذه الظروف تدخلت الزعامةُ الدينية في البلد، وبعثت وفداً إلى رئيس الجمهورية ليلتمس من جانبه التهدئة، ثم يصدر بياناً لدعوة القوى الشعبية إلى التخلي عن قرارها بتنظيم مظاهرات أخرى، فبدأت بوادر الانفراج تلوح بعد الإفراج عن المعارض في اليوم التالي ووضعه تحت الرقابة القضائية. ولكن مع إصرار المعارضة على مواصلة احتجاجاتها، بادر الشيخ محمد المنتقى الخليفة العام للطريقة المريدية بوساطة أدت إلى تهدئة الأجواء وإلى الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين.

فكأنَّ هذه الأحداث جاءت لتبرهن للسنغاليين بأن دور الزعامة الدينية لا يمكن الاستغناء عنه لكونه عاملا من عوامل الاستقرار والسلام في المجتمع؛ فقد أنقذت وساطتُها موقفا كان منذراً بمواجهات لا قبل للأطراف المعنية بعواقبها وتداعياتها.

وعلى ضوء ما جرى، يمكن القول إن سلطة الدينية في البلاد لا ينبغي الاستهانة بها لسعة نفوذها في الشعب.

ومن الدروس التي يمكن أن نستخلصها في النهاية أن الشعب الذي يشعر بالظلم تصعب السيطرة عليه إذا ثارت، وأن العدالة لا تُتخذ أداةً لتصفية الحسابات السياسية، وأن القيادة الدينية الواعيةَ بمسؤولياتها دعامةٌ للأمن والاستقرار في البلد. فإذا لم يستوعب السياسيون هذه الدروس - لا قدر الله! - ستكون هذه الأحداث خسارة كبيرة.

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...