السبت، 30 نوفمبر 2024

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024 حول موضوع "دمج المدارس القرآنية في النظام التربوي: العوائق والتحديات والآفاق المستقبلية، وكنتُ مكلفا بتناول التحديات. وفيما يلي خلاصة مداخلتي.

التمهيد
في  واقع الأمر، لم تعد هناك حاجةٌ إلى التذكير بكون المدرسة القرآنية جزءاً من تراث السنغال الثقافي ومكوِّناً أساسيا من هويته. وإدماج هذه المؤسسات التعليمية في النظام التربوي الرسمي يلبي حاجةً ملحة لشريحة واسعة في المجتمع السنغالي، تكرر التعبير عنها في مناسبات مختلفة، منها الجلسات الوطنية حول التربية والتكوين لسنة 1981 ولسنة 2014م. ويهدف هذا الإدمج إلى الحفاظ على القيم الأصيلة والتراث العريق للمجتمع السنغالي مع الاستجابة لمقتضيات التنمية الوطنية.
ومنذ حوالي عقدين من الزمن بدأت السلطات التربوية في السنغال تنتبه إلى ضرورة الاهتمام بالمدارس القرآنية، وتُرجم هذا الاهتمام بالعديد من المشاريع التي تخصها. وقد أبدى النظام السياسي الجديد بدوره اهتماما بالغا بالتعليم القرآني يتجلى من خلال رؤيته وسياسته التربوي.

المدرسة القرآنية في الرؤية التنموية والتربوية الجديدة للسلطات الجديدة
في الحقيقة، نلاحظ أن السلطات الجديدة تحمل رؤية تنموية شمولية تولي اهتماما بالغا للعدالة والإنصاف في المجتمع، لأن من بين المحاور الأربعة التي تقوم عليها رؤية "السنغال 2050" محور رأس المال البشري والإنصاف الاجتماعي، والمدرسة القرآنية من هذا المنظور تعدُّ فاعلا أساسيا في هذا المحور.

وتجسد السياسة التربوية الجديدة للوزارة هذه الرؤية التنموية، فهي سياسة ترمي "إلى ترسيخ مجتمع تربوي منفتح، من أجل تكوين مواطن متسلح بالقيم الإفريقية والروحية قادر على رفع تحديات التنمية المستدامة والعلوم والتكنولوجيات الرقمية والذكاء الاصطناعي".

ومن أجل ترجمة هذه الرؤية تؤكد السلطات الجديدة عزمها على إدماج الدارات في النظام التربوي الرسمي. وهذا السياق الجديد يبرر عقد مثل هذا اللقاء لمدارسة قضية الإدماج من جوانبها المختلفة، ومن بينها آفاقها المستقبلية.

الآفاق المستقبلية
إن إدماج التعليم القرآني في النظام الرسمي بصورة كاملة مدروسة ستفتح آفاقا مستقبلية مشرقة تمس جوانب مختلفة من التعليم القرآني: المدرسة القرآنية والعاملين فيها وخرجيها والنظام التربوي والمجتمع ككل. ويمكن الإشارة هنا إلى بعض تلك الآفاق، وهي:

1. الوصول إلى وضع نظام تربوي متكامل يتناغم مع الرؤية الجديدة للسلطات التربوية ومتوافقا مع طموحات أهل القرآن والمجتمع السنغالي عموما.

2. القضاء على الازدواجية التي من شأنها أن تولِّد حواجز ثقافية بين شرائح المجتمع (شريحة تتبنى التعليم الفرنسي وشريحة أخرى تعتمد على التعليم العربي الإسلامي)، وقد تشكل هذه الحواجز خطرا على تماسك المجتمع واستقراره على المدى البعيد.

3. تمكين شريحة واسعة في المجتمع تملك كفاءات مختلفة من الإسهام بصورة أكثر فعالية في بناء هذا الوطن ومن الانخراط في سوق العمل بسهولة ويسر.

4. تمتُّع المدرسة القرآنية بوضعية قانونية موائمة تؤطر عملَ مؤسسات التعليم القرآني، وتحفظ خصوصيتها وتضمن لها الاعتراف الوطني والدولي. وهذا الاعتراف مدخل لبعض الإجراءات المهمة مثل:

o تطوير المناهج في المدارس القرآنية حتى تتقلص المدة الزمنية المكرسة في حفظ القرآن الكريم وتتمكن المتعلمين من تملك كفاءات أخرى تسهل لهم مواصلة دراساتهم في تخصصات مختلفة.
o تحسين ظروف المعيشة والدراسة في المدرسة القرآنية بحيث تحترم معايير الجودة المطلوبة في المؤسسات التربوية.
o تسهيل عملية تمويل المدارس القرآنية من ميزانية الدولة، ومن مصادر تمويل أخرى مثل الأوقاف والاستثمارات والهبات ونحوهما.
o تمكين المدارس القرآنية من الاستفادة من اتفاقيات التعاون مع المؤسسات الدولية.
o تمكين المدارس القرآنية من الاستفادة من ثورة التكنولوجيات الجديدة وخاصة الذكاء الاصطناعي.
o الأخذ في الاعتبار للسنوات التي يمضيها الطفل في حفظ القرآن، حين يريد الانخراط في المؤسسات التربوية الأخرى، ولا يكون تقَدُّمه في السن عائقا أمام مواصلة دراسته، كما يحدث في الوقت الراهن.
o تحقيق السنغال للهدف الأممي في الوصول إلى التمدرس العالمي وفقا الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة ODD.
o تحسين وضعية السنغال فيما يخص مراعاة حقوق الطفل وفقاً للاتفاقية 182 لمنظمة العمل الدولية OIT بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال.

الخاتمة
إن إدماج المدرسة القرآنية في النظام التربوي الرسمي يفتح آفاقا لها وللعاملين فيها، ولخريجيها وللنظام التربوي، وللمجتمع بشكل عام، وهذا ما يدعو إلى التعاون البناء من جميع الأطراف لتحقيق هذا الهدف السامي؛ فلا يمكن للحكومة أن تنجح نجاحا كاملا وميسورا بدون هذا التكاتف والتعاون.

د. سام بوسو عبد الرحمن

الخميس، 31 أكتوبر 2024

الشيخ محمد المنتقى امباكي صاحب المواقف المثالية

مرة أخرى، كشفت الفضيانات التي ضربت مدينة طوبى عن ذلك البعد الإنساني الرائع المتجذر في مواقف سماحة الخليفة العام للطريقة المريدية شيخنا محمد المنتقى الذي ينظر بعين الشفقة والرحمة، والتضامن، وحب الخير للجنس البشري عموما؛ فتراه يهبُّ لإغاثة الملهوف وتنفيس المكروب، ولا يميز في عطائه بين القاصي والداني، ويقف دائما في جنب ضحايا الكوارث، مهما بعدت المسافة بينه وبينهم، سواء حلت في المغرب أو في المشرق، ويتعاطف مع المستضعفين والمضطهدين في كل مكان.

وتؤازر هذه النظرةَ الرحيمةَ الموروثة من المبعوث رحمة للعالمين، عليه صلوات الله وسلامه، ومن خديمه المقتفي لآثاره رضوان الله تعالى عليه أريحيةٌ نادرة لمدِّ يد العون إلى كل محتاج.

والأعجب في ذلك كله سدادُ رؤيته في خطوة يخطوها ومبادرة يتخذها في قضايا مجتمعه، حيث تكون دائما نموذجا يحتذى به، لما تتضمنه من دلالاتٍ ودروسٍ يمكن لأصحاب المسؤوليات والقرارات أن تستهدي بها في سياستها وإدارتها للأزمات؛ فمواقفه - حفظه الله - في أزمة الكورونا وفي الأزمات السياسية العنيفة بعدها ليست عنا ببعيدة.

وقراره – حفظه الله – ببناء مساكين للمتضررين من الفيضانات في طوبى بعد مساندتهم بشكل عاجل بمبالغ طائلة لتخفيف وطأتها، يحمل في طياته الكثير من الدلالات: الشعور بالمسؤولية، السعي إلى حلول جذرية للمشكلات، والنظر إلى المآلات دون الاكتفاء بالحلول الجزئية الآنية.

إن في هذا القرار الأخير، كغيرها من قرارات الشيخ، لدرساً بليغا لكل صاحب سلطة – ولو محدودة – على الناس في وقت الأزمات: الوعي بالمسؤولية، والوقوف إلى جانب المحتاجين، واتخاذ الإجراءات الفعالة اللازمة، وإشراك الأطراف المعنية في تسيير جماعي شفاف. 
يا ليت قومي يعلمون!
                                                        د. سام بوسو عبد الرحمن

الأحد، 29 سبتمبر 2024

الندوة العلمية حول "جهود علماء الغرب الإسلامي في خدمة التراث الإسلامي": الفعاليات والتوصيات

نظمت جامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى بالتعاون مع كلية الدعوة الإسلامية بطرابلس ندوة علمية دولية تحت عنوان "جهود علماء الغرب الإسلامي في خدمة التراث الإسلامي" بالعاصمة السنغالية دكار، يومي ٢٥و ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٤م، وجاء هذا التنظيم في إطار العلاقات التعاونية التي تربط بين المؤسستين.
وعلى مدار اليومين أتحفنا ثلة من الباحثين بورقات علمية قيمة في محاور الندوة الثلاثة، وهي:
‌أ. جهود العلماء في خدمة علوم الشريعة الإسلامية؛
‌ب. جهودهم في خدمة علوم اللغة العربية وآدابها
‌ج. جهودهم في خدمة الحضارة الإسلامية

وقد شارك في الندوة باحثون كبار من السنغال، وليبيا، والمغرب، وغينيا، وغامبيا، وموريتانيا، وبنين، ونيجيريا، ، وطافوا بنا، خلال الجلسات العلمية الست، في أجواء الغرب الإسلامي من فوت جالو، وكاسمانس، وجامبور، وباوول، بالإضافة إلى نيجيريا والمغرب وليبيا، واستخرجوا منها كنوزا ثمينة كانت خفية خلَّفها العلماء في مجال اللغة العربية وعلومها والعلوم الإسلامية والتطبيقية، وقدموا أمثلة حية لإسهاماتهم المتميزة في هذه المجالات.
وكانت المناقشات في أعقاب المحاضرات ثريةً وعميقةً أماطت اللثام عن تمكن هؤلاء الباحثين وسيطرتهم على الموضوعات التي عالجوها في ورقاتهم البحثية، وأبرزت أيضا الحاجة الماسة إلى توسيع الأبحاث في التراث الإسلامي في الغرب الإسلامي وضرورة العناية بالمخطوطات الثمينة المتناثرة في مكتباته الأهلية ووضعها في متناول الباحثين.
وأخيرا، تمخَّضت الندوة عن توصيات مهمة، وهي:
1. إزجاء الشكر لجميع المشاركين في الندوة بأبحاثهم وتجاربهم واقتراحاتهم، وللمحاضرين الذين أثروا جلسات الندوة بحواراتهم الجادة.
2. إسداء الشكر إلى كل المسؤولين والجهات الرسمية في دولتي السنغال وليبيا على تعاونهم وتيسيرهم سبل انعقاد الندوة
3. الإشادة بمن أسهموا في إقامة الندوة وإنجاح أعمالها: إعداداً وتجهيزاً وتنظيما وتنفيذاً.
4. محاولة إيجاد مشروع بحث بين المؤسسات العلمية والأكاديمية حول مراحل انتشار الإسلام في الغرب الإسلامي وخصائصه.
5. إتباع هذه الندوة بسلسلة من الندوات المشتركة بين المؤسستين المنظمتين لها مرة كل سنة.
6. دعوة المؤسسات والمنظمات المعنية بخدمة التراث الإسلامي إلى المشاركة في هذه الندوات، والتوسع في أمكنة انعقادها لتشمل عددا من أقطار الغرب الإسلامي، على أرض الواقع أو عبر وسائل التواصل التقنية بحسب الظروف المتاحة..
7. توسيع مجالات التعاون وآفاقه بين المؤسستين من خلال تبادل الأساتذة وإقامة المحاضرات والبرامج العلمية المشتركة، وتبادل الرحلات العلمية بين الطلاب وتبادل الكتب والمطبوعات.
8. دعوة الباحثين إلى محاولة الوقوف على الدواوين الشعرية والمؤلفات العلمية المخطوطة لتحقيقها ودراستها ونشرها لتكون في متناول الباحثين.
9. إنشاء مجمع أو مركز لغوي يعني بدراسة الجهود المبذولة وتحقيق الكتب المؤلفة في خدمة اللغة العربية وعلومها داخل السنغال: تعليما وتأليفا بالتعاون مع إحدى الدول العربية الرائدة في هذا المجال.
10. تنظيم ندوة علمية حول جهود الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه في خدمة العلوم الشرعية واللغوية.
11. اعداد مشروع لجمع التراث الإسلامي لدول الغرب الإسلامي وتوجيه الفاعلين والأكاديميين إلى تبني سياسات تستهدف العناية بهذا التراث وترجمته ونشره
12. الدفاع عن العقيدة الإسلامية ضد التيارات الاستشرافية والمذاهب الإلحادية
13. إيلاء عناية أكاديمية بحركة التأليف في التراث الإسلامي المدون باللغات الأفريقية المحلية بوصفه من أهم الوسائل المثالية لنشر القيم الإسلامية والتمكين لها في المجتمعات الافريقية.
14. الاستفادة من الدراسات الأكاديمية، وهي مجموعة من رسائل الماجستير والدكتوراه التي تعلق كثير منها بالبحث في التراث الإفريقي وأعلامه، وكذلك من تجاربها في إقامة عدة ندوات للتواصل الثقافي بين أقطار الغرب الإفريقي.
15. العمل على نشر أعمال الندوة باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية وطباعتها، في نس خة خاصة بمجلة كلية الدعوة الإسلامية.
 
هذه هي التوصيات المنبثقة من الندوة والتي تعكس اهتمام المشاركين واعتقادهم بضرورة العناية بالتراث الإسلامي الثري الذي يزخر به الغرب الإسلامي. وقد انتهت الندوة بحمد الله وتوفيقه مساء يوم الخميس السادس والعشرين من شهر سبتمبر سنة 2024م.
روابط الندوة
كلمة افتتاحية د. سام بوسو عبد الرحمن 
كلمة البرفوسور مور في منسق الجامعة باللغة الفرنسية 
كلمة الدكتور عبد الأحد لوح عمد الكلية ورئيس اللجنة العلمية للندوة
كلمة الأستاذ الدكتور أبو بكر بو سوير عميد كلية الدعوة الإسلامية 
كلمة الوفد الليبي في الجلسة الافتتاحية
























الجمعة، 30 أغسطس 2024

وقفة مع الأنشطة العلمية للمغال

من المعروف أن الاحتفال بذكرى غيبة الشيخ أحمد الخديم البحرية أصبح مناسبة دولية يشارك فيها نخبة من العلماء والمفكرين والشيوخ من مختلف مناطق العالم، ويُنظم خلاها عدد من اللقاءات والجلسات العلمية على شرف هؤلاء الضيوف.

وفي هذه السنة (١٤٤٦ه/ ٢٠٢٤م) تم تنظيم خمس جلسات خلال اليومين ١٧ و١٨ من شهر صفر. ففي صباح الخميس السابع عشر من صفر نُظم لقاء علمي في مقر السادة الضيوف الشناقطة بعنوان "المريدية وتراثها العلمي بعد مائة سنة من رحيل مؤسسها" ألقى فيه محاضرةً قيمة كلٌّ من الأستاذ الدكتور يحيى ولد البراء الأستاذ بجامعة نواكشوط، والدكتور عبد الاحد لوح عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى.

وفي مساء هذا اليوم أيضا، نَظمت دائرةُ روض الرياحين محاضرتَها العامة تحت عنوان "الشيخ الخديم ورجال السلطة قراءةٌ في رسالته إلى صمب لوب امير جولوف"، قدمها الشيخ أبو امباكي بشير بحضور جمع من ممثلي الطرق الصوفية والمنظمات الإسلامية في السنغال.

وفي الليل، استضافت الوفودَ القادمة من خارج السنغال في حفلة عشاء فاخرة دائرةُ حزب الترقية في معهدها فتح الفتاح (بيت القصائد) داخل مجمع الشيخ أحمد الخديم، وقُدمت خلالها مداخلاتٌ من قبل رؤساء الوفود بعد عرض موجز عن المجمع من كل هذه السطور، وكلمة افتتاحية من المرشد الروحي للدائرة السيد يوسف جوب وكلمة رئيس اللجنة الإعلامية والثقافية الشيخ عبد الاحد امباكي.

وفي صباح يوم الجمعة ١٨ صفر ١٤٤٦ نُظمت ندوةٌ علمية على شرف الضيوف الأجانب في دار الضيافة بدار المنان تحت عنوان " السلم والتسامح في الفكر الصوفي، المريدية نموذجا". شهدت هذه الندوة مداخلات قيمةً من كل من الشيخ الدكتور أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر سابقا، والدكتور عبد الفتاح بن صالح بن محمد اليافعي من اليمن، والدكتور خالد التوزاني من المملكة المغربية، وكاتب هذه السطور وغيرهم، بإدارة الدكتور عبد الفتاح الردادي من تونس.

وفي مساء هذا اليوم نظمت أخيراً جلسة علمية أخرى حول موضوع "دور علماء السنغال في خدمة السنة النبوية الشريفة، في دار الضيافة غربي المسجد الجامع، شارك فيها ممثل للطريقة المريدية وممثل للطريقة التجانية وممثل للطريقة القادرية.

وهكذا كانت فعاليات هذه السنة - كالعادة- ثرية بأنشطة علمية ذات قيمة عالية، وقد مكنت المشاركين الأجانب من الاطلاع أكثر على منهج الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه، وفكره والقيم التي كان يجسدها في حياته وسيرته.
                                                            سام بوسو عبد الرحمن 

الاثنين، 8 يوليو 2024

مقومات النهضة، دراسة في مشروع عملية النهوض الحضاري للأمة الإسلامية .. كتابٌ قرأتُه

أثناء زيارتي لبروكسيل في بداية شهر يوليو الجاري
(2024) أهدى إليَّ الإمام البروفسور محمد غلاي انجاي  نسخة من كتابه الجديد القيم " مقومات النهضة، دراسة في مشروع عملية النهوض الحضاري للأمة الإسلامية (إصدار 2024)" فقمتُ بقراءته بشغف في جلسة واحدة، وودتُّ أن أشارك قُرائي الأعزاء خلاصةَ ما اطلعتُ عليه في السطور الآتية.

فقد جال المؤلِّف في معالجة هذه القضية المهمة على محطات أربعة أردفها بكلمة أخيرة حول التنظيمات المتطرفة. كانت المحطة الأولى للكاتب في دراسته هي تقييمُ خطابات النهضة، ويرى أنه عمليةٌ ضرورية في هذه "اللحظة التاريخية التي نعيشها" باعتباره إحدى مقوماتِ النهضة المأمولة، وقد خلُص إلى أن الأنساق الفكرية والقوالب المنهجية المعهودة في عالمنا الإسلامي "لم تعد صالحةً للتطبيق في أغلبها لكونها غير ملائمة"؛ لأنها قد صيغت في "سياقات زمنية وتاريخية محدودة"، وهنا تكمنُ حتميةُ صياغةِ مشروع النهضة في إطار العولمة.

وفي هذه المحطة الثانية، يَعتبر المؤلف أن الخروجَ من النظرة الانغلاقيةِ والاستلهامَ من الآخر أمر ضروري لا مفرَّ منه في عملية النهوض الحضاري، وأن قضية الاستلهام تنتمي بحق إلى التراث الإسلامي العريق، وتندرج ضمن "مواعيد الأخذ والعطاء"؛ فالإسلام ينظر إلى العلم باعتباره إرثا إنسانياً، ولذلك أظهر المسلمون منذ فجر الإسلام "نوعاً نادراً من السخاء العلمي" أسهم في نهضة الغرب العلمية. ولكن الغرب بأنانيته المفرطة وإرادته للهيمنة يرفض اليوم، من جهته، ردَّ البضاعة، ويحُول دون " نجاح عملية النهوض الحضاري عند المسلمين في مجالات العلم والتكنولوجيا".

ويرى الكاتبُ أن الأمة بحاجة إلى "إحداث ثورة جذرية حقيقية مبنية على الفكر"، ويراهن في هذه الثورة اللاعنفية الذكية المنتظرة على الشعوب والمجتمعات المدنية، بشرط توفير ما يسميه بالعلم الجمعي، والوعي الجمعي، والالتزام الجمعي، بالإضافة إلى "بلورة نظرية متكاملة في عملية النقل الحضاري".

وفي المحطة الثالثة، وقف الكاتب بين تيارين متقابلين تجاه ركيزة النهوض الحضاري: تيار يعتقد "أن إرثنا الثقافي كله أو جله ظلام وعتمة ولا أمل في نهضة إلا بالتنصل منه والاتكاء بالكلية على الآخر"، وتيار آخر يرى أن النهضة المنشودة لا تتأتى للأمة إلا بالتشبث والعناية الفائقة بالثوابت، وأهمها الوحي. وإلى هذا التيار الأخير ينحاز الكاتب لأنَّ العدول عن الثوابت، في نظره، يؤدي حتماً إلى نتيجتين: الاغتراب في الذات (إحساس الفرد بعجزه عن تغيير واقعه) والاغتراب في الآخر (انبهار بالآخر يؤدي إلى الذوبان في هويته).

وفي المحطة الرابعة عرَّج الكاتبُ على منطق الثنائيات الهدامة الذي يرى ضرورة التحرر منه. فعملية النهضة في نظره تستوجب الخروج من براثن ثنائية الخطأ والصواب في نطاق الاجتهاد والفكر الإسلاميين، لما تؤدي إليه من إقصاء وتفريق وتبديع وتكفير في مسيرة النهوض.

وقد خصص الكاتب كلمته الأخيرة للتنظيمات الإسلامية الإرهابية التي يرى أنها "داءٌ عضالٌ أرهق الأمةَ في وقتنا الراهن، وفتنةٌ حاكها أعداء الإسلام بعناية فائقة" تحت قناع السلفية.

ويرصد الكاتب تطوُّراً في فهمه لظاهرة الحركات المتطرفة، فلم يكن في حسبانه من قبل أن وراء بعضها "عقولا مفكرة، أو نخبةً حاقدةً مثقفةً ثقافة دينية واسعةً تُنَظِّرُ لها ما ترتكب من أعمال وخراب". وقد أشار إلى ركائز هذه الجماعات وأصولها. وعلى أساس هذه النظرة يدعو إلى "محاربة هذه الجرثومة بوسائل علمية وبشكل منهجي تُفند مستندَ معتقدِهم وتُزيح اللثامَ عن منهجهم الحركي". وقد اختتم المؤلف هذه الكلمة برسم خارطة طريق نحو "استئصال شأفة هذا الورم الخبيث". وتتمثل الخارطة في تفكيك خطاباتها وإعادة بنائها، والتعامل مع النصوص التراثية على أنها غير معصومةٍ في ذاتها، لا سيما إذا وُجد فيها ما يتناقض مع أصول الدين ومقاصد الشريعة النبيلة.

وفي الختام تعرَّض الكاتب لقضية الهُويَّة التي يعتبرها خارج موضوع الدراسة في حقل النهوض الحضاري، لأن القضية الأساسية التي طرحها القرآن الكريم هي قضية الوحدة لأمة التوحيد، وليست قضية هوية وإن كانت تتضمنها.

وهذه هي خلاصة ما خرجنا به من قراءة هذا الكتاب للأستاذ محمد غلاي انجاي، وهو كتاب صغير في حجمه، ولكنه قيم في محتواه، ومهم في موضوعه، وسياقه، ومقاربته النقدية، وخاصة في مراجعته لأدبيات الفكر الإصلاحي في العالم الإسلامي؛ وإن كان الكاتب في بعض الأحيان يقع في ما ينتقده، وخاصة منطق ثنائية الصواب والخطاء في الفكر حينما يقول عن أمر يعتبره حقيقةً "لا ينكره إلا مكابر أو عديم الإنصاف أو مفرط في الجهل"، وقوله : " وهذه حقائق دامغةٌ لا يجادل اليوم حول صحتها إلا مكابر متآمر آثر الأولى على الآخرة"، أو حينما يسوق فكرةً لا يبرهن عليها أو لا يورد أدلة كافية لتقريرها، كقوله عن الحركات المتطرفة "وإن تمَّت فبركتها وهندسة قوالبها من الخارج"، فهو لم يأت بأدلة علمية أو دراسات تثبت هذه الحقيقة.

وعلى العموم، ينم الكتاب، بعمق تحليلاته، وجمال أسلوبه، ووضوح طرحه، عن سعة اطلاع مؤلفه، وتمكُّنه من لغة الضاد، وحسه المرهَف تجاه قضايا أمته.

                                                                                 د. سام بوسو عبد الرحمن

                                                                                   بروكسيل 6 يوليو 2024

السبت، 8 يونيو 2024

تحفيظ القرآن الكريم للصم البكم: تجربة فريدة في طوبى

شهد العالم على مر التايخ اكتشافات مهمةً وحاسمة أسهمت في تغيير نمط الحياة على ظهر البسيطة، وتركت أثراً لا يمحى في حياة البشر، وتظهر تلك الاكتشافات أحيانا بمثابة إلهام إلهي.
وما تشهده مدينة طوبى في مجال التعليم القرآني للصم البكم يمكن إدراجه في هذا الإطار باعتباره اكتشافا لم يسبق له مثيل على حد علمنا . إنه اكتشاف لا يقل قيمة عن ابتكار طريقة البراي التي تسمح للمكفوفين بالكتابة والقراءة.
فقد توصل أحد مدرسي القرآن في طوبى إلى ابتكار طريقة لتدريس الصم البكم القرآن الكريم حتى يحفظوه حفظا جيداً ويكتبوه عن ظهر القلب. فالمدرس هو الشيخ حمدي مصطفى جوب الذي أُصيب ولده حبيب جوب بهذا الإعاقة ولما بلغ سن التعلم 2003 بذل جهداً كبيراً في البحث عن طريقة تمكنه من تعلم القرآن وحفظه، حتى نجح في تحفيظه القرآن، وفي تدريبه على تدريس الاطفال الآخرين المصابين بالاعاقة نفسها.

وهكذا شرع الولد الحافظ للقرآن في تنفيذ الطريقة نفسها بشكل ناجح، وبدأ الاولياء يرسلون أطفالهم الذين أصيبو بالصمم والبكم إلى المدرسة، ليدرسوا القرآن الكريم ويحفظوها. وبحمد الله حفظ عدد منهم القرآن، ويبلغ عدد الاطفال المعاقين في المدرسة حاليا 43 منهم 10 من الذكور و33 من الإناث.

ويمكن القول إن هذا الاكتشاف إنجاز تاريخي في مجال البيداغوجيا والتربية الخاصة يستحق الدراسة والتوسيع على مستوى العالم الاسلامي. فإذا كان القسيس الفرنسي الاب دي لوبي Abée de l'Epee المتوفى سنة 1789م - صاحب الفضل في انتشار منهج تدريس الصم بلغة الإشارة- مشهوراً عالميا بطريقته، فإن نجاحه يعود إلى عدة عوامل من بينها اعتراف الدولة بطريقته وتمكينه من نشر مؤسساته في بعض المدن الفرنسية، ثم اعتماد منهجه من قبل دول أخرى. ولا شك أن طريقة الشيخ حمدي في تحفيظ القرآن للصم البكم ليست أقل قيمة بالنسبة للمسلمين من طريقة دي لوبي.

وفي نظري، يجب على السلطات التربوية لمدينة طوبى وللسنغال عموما (من خلال إدارة المدارس القرآنية) أن تعتني بهذه التجربة الفريدة وتحميها وترعاها لتكون تجربة سنغالية تُصدر إلى العالم أجمع ليستفيد منها المسلمون في كل مكان. وفي هذا الصدد، يتعين دارسة التجربة وتوثيقها حتى تكون طريقة بيداغوحية ديداكتيكية معترفا بها دوليا، من خلال دراستها دراسة علمية، ووضع إطار تنظيمي وقانوني لها، وإعداد دليل مفصل لها حتى يتسنى تكْوِينُ مدرسين آخرين عليها.

ومن المهم في هذه المرحلة الأولى مدُّ يد العون إلى صاحب التجربة ببناء معهد خاص لهؤلاء الأطفال وتزويده بكل ما يحتاجون إليه من أجهزة المراقبة والأدوات الصحية والوسائل البيدغوجية المعينة، مع بناء سكن مناسب لهم .

فهذه مسؤولية الدولة في المقام الأول ومسؤولية المسلمين أجمعين، فليس هناك ما هو أكثر أهمية من رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير فرص التعلم والاندماج في المجتمع، ودراسة كتاب الله تعالى للمسلم هي الأساس في تكوين شخصيته وجعله مواطنا صالحا.
                                        د. سام بوسو عبد الرحمن
تقرير تليفيزوني عن مدرسة الشيخ حبيب جوب


الجمعة، 10 مايو 2024

جامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى توقع اتفاقية الشراكة مع جامعة شيخ أنت جوب بدكار.

في يوم الاربعاء 24 ابريل 2024 استقبلت جامعة الشيخ أنت جوب وفدا رفيع المستوى من جامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى في حفلة كبيرة نظمت لتوقيع اتفاقية الشراكة بين الجامعتين بهدف توطيد العلاقات التعاونية ببنهما في مجالات البحث والتكوين وخدمة المجتمع.

وقد ترأس الجلسة الشيخ أحمد البدوي رئيس مجمع الشيخ أحمد الخديم للتربية والتكوين والبرفسور آمد آل امباي رئيس جامعة شيخ أنت جوب والبرفسور مور فاي منسق جامعة الشيخ أحمد الخديم

حضر الحفلة عدد كبير من المسؤولين وعمداء الكليات في الجامعتين، ومن الشخصيات الأكاديمية البارزة مثل الرئيس السابق لجامعة شيخ أنت جوب البروفسور ابراهيم تيوب وجمهور من أعضاء الدوائر المريدية في دكار العاصمة.

وقبل مباشرة التوقيع تناول الكلمة كل من رئيس الجامعة المضيفة ومنسق جامعة الشيخ أحمد الخديم والشيخ أحمد البدوي وعبر كل واحد منهم عن أهمية هذه الشراكة بين المؤسستين، كما تم التنويه بدور الأساتذة في حامعة شيخ أنت جوب وإسهامهم الفعال في بناء المشروع البيداغوي لجامعة الشيخ أحمد الخديم، وتم التطرق أيضا إلى الآفاق المستقبلية لهذه الشراكة، ولما يمكن أن يعود إلى المؤسستين من الثمرات من الناحية العلمية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية. وخاصة فيما يخص التبادل على مستوى الطلبة.

وتُعد هذه الشراكة إطارا فعالا للتعاون البناء، ويمكن أن تُسهم في تسهيل حركية الأساتذة والباحثين بين المؤسستين المعنيتين، وتفتح باب التأطير المشترك للطلبة في مرحلة الماجستير والدكتوراه.

وتغطي مثل هذه الاتفاقيات الكثير من المجالات: التكوين والبحث، والتنشيط العلمي، وتبادل الأساتذة والطلبة، والوثائق والتقنيات وغيرها. وهذه الاتفاقيات في نهاية الأمر مبادرات استراتيجية بالنسبة للمؤسسات الفتية للاستفادة من المؤسسات ذات الخبرات الطويلة.

 مقالات ذات صلة 

الخميس، 11 أبريل 2024

إشكاليات في بعض المفاهيم المريدية… إصدارٌ جديد للدكتور خادم سِيلا

تمثِّل المفاهيمُ أدواتٍ ضروريةً لبناء المعارف وتوجيهِ التفكير، ولذلك تؤثر تأثيراً بالغا في مواقف الناس وسلوكياتهم. وهي تتشكَّل ضمن سياقات معينة تعطيها مضامينَها وشحناتِها الفكرية. فعلى سبيل المثل تختلف النظرةُ إلى مفهوم "الهدية" باعتبارها وسيلة لجلب المحبة بين المتهادين
[1] عن النظرة إليه بصفته رشوة لجلب المصلحة أو لدفع المضرة[2].

وهذه النظرة التي يحددها سياق المفهوم توجِّه موقف صاحبها إزاء ذلك المفهوم، وهنا تكمن خطورة تحريف المفاهيم وسوء توظيفها، كما تكمن هنا بالمقابل أهميةُ تحرير المفاهيم وضبطها، وتوضيحها وتصحيحها.

والفكر المريدي يزخر، في حقيقة الأمر، بمفاهيم لم تتحدد بشكل واضح لدى كثير من متداوليها ومستخدميها، مما يؤدي إلى سوء الفهم وانحراف التفكير وتكريس الاختلاف تجاهها. وقد أصبحت هذه المفاهيم المضطربة أو الملتبسة تمثل إشكاليات عويصة تحتاج إلى دراسة عميقة، وصياغة واضحة، وتأصيل راسخ.

وبحمد الله تعالى، تصدَّى لهذه المهمة الفكرية الشاقة والضرورية أخونا وأستاذنا العلامة الدكتور خادم سِيلا المعروف بجديته في البحث والدراسة، وعمقِه في التحليل والتأصيل، وسعةِ اطلاعه وإلمامه بالقضايا التي تُثار حول الطريقة المريدية، وتاريخها، وتراثها، وطول مزاولته لهذه القضايا، ونجح في إصدار هذا الكتاب الصغير في حجمه والقيم في محتواه ومنهجيته "إشكاليات في بعض المفاهيم المريدية".

وسيجد القارئ في هذا المؤلَّف عصارةً دسمة وماتعة من أفكار الدكتور خادم التي طالما عالجها في محاضراتِه ومقالاتِه وبحوثِه. فقد أصَّل وأوضح العديدَ من المفاهيم الشائكة لدى كثير من القراء وحتى الباحثين، معتمدا على مصادر المريدية الأصلية، ووفِّق، إلى حد بعيد، لحل إشكالات مفاهيمية مركزية في الفكر المريدي؛ وهي : موقع التعليم في منهج الشيخ الخديم التربوي، والاستسلام مفهوما ومضمونا، والحد الفاصل بين الهدية والرشوة، وتباين الأقوال والمرويات فيما يخُص مدَّعي التعلُّق بالشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه، وظاهرة التصدُّر والتشيّخ، ودلالة لفظ النصارى في الكتابات الخديمية، ومسألة تلقي الشيخ الخديم إذن التعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم. فقد وقف مع كل من هذه الإشكاليات وقفة تحليلية غاص خلالها في لج الكتاب والسنة وكتابات الشيخ الخديم رضي الله عنه، وكتابات بعض العلماء المريدين واستفاد وأفاد من لآلئها المكنونة.

وهذا الإصدار سوف يُحدث  - في نظرنا - تحوّلا إبستمولوجيا حقيقيا في الفكر المريدي، ومنعطفا منهجيا في دراسة المريدية. ولا غرو أن يصدر مثل هذه التحفة العلمية من باحث متمرس يُعدّ قامة من القامات الفكرية التي أسهمت في إحداث نقلة نوعية في دراسة التراث الفكري الخديمي.

وفي الختام، نأمل أن يكون هذا الإصدار الجديد إلهاما للأجيال الصاعدة من الباحثين المهتمين بالفكر المريدي بصفة خاصة وبالفكر الإسلامي في أفريقيا جنوب الصحراء بصفة عامة.

الدكتور سام بوسو عبد الرحمن 
طوبى غرة شوال 1445هـ/ 10 أبريل 2024م



[1] كما نص على ذلك الحديث النبوي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: تَهَادُوا تَحَابُّوا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "الأَدَبِ الْمُفْرَدِ"، وأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
[2] كما ورد قوله صلى الله عليه وسلم: هدايا العمال غلول

مقالات ذات صلة 

الخميس، 4 أبريل 2024

وفد رفيع من الأزهر الشريف يزور جامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى

في إطار علاقات الشراكة بين الأزهر الشريف وجامعة الشيخ أحمد الخديم بطوبى، استقبل الشيخ أحمد البدوي رئيس مجمع الشيخ أحمد الخديم للتربية والتكوين وفداً رفيعا من البعثة الأزهرية في السنغال، صباح يوم الأحد 31 مارس 2024م، وجاءت هذه الزيارة في أعقاب زيارة سابقة لسعادة السفير السيد خالد عارف سفير جمهورية مصر العربية لطوبى، جرى خلالها التباحث حول جوانب الشراكة بين المؤسستين، وكان الوفد يتكون من الدكتور عبد الحميد محمد إبراهيم السنهوري، أستاذ البلاغة والنقد، والدكتور عصام مسعود عبد العظيم مبروك المتخصص في الحديث وعلومه، والدكتور محمد فراج طه علي المتخصص في التفسير وعلوم القرآن.

قام الوفد، فور وصوله بجولة تفقدية في المجمع للتعرف على وحداته، وزار كلية الدراسات الإسلامية والعربية، وقسم المجالس التعليمية، وكلية الطب، ثم عقد جلسة عمل مع هيئة التدريس بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بحضور الشيخ أحمد البدوي رئيس المجمع، من أجل التباحث حول سبل التعاون الأكاديمي بين الطرفين.

وفي بداية الجلسة رحَّب رئيس المجمع بأعضاء الوفد الأزهري مُنوِّها بالشراكة بين الأزهر الشريف وجامعة الشيخ الخديم، وبالدور الذي نهض به سعادة سفير جمهورية مصر في توطيد هذه العلاقات المتميزة، ومعبرا عن شكره لفضيلة شيخ الأزهر ومعالي وزير الأوقاف.

وتمهيدا للنقاش تمَّ تقديم عرض عن المجمع وعن كلية الدراسات الإسلامية والعربية، من حيث الرؤية، والأهداف، والمحتويات، والنظام، والتقويم الأكاديمي، الخ. وقد أبدى أعضاء الوفد إعجابهم برؤية للشيخ محمد المنتقى التربوية التي وراء إقامة هذا الصرح العلمي وبناء منظومته التعليمية، كما أعربوا عن استعدادهم للتعاون مع الجامعة بإلقاء محاضرات أسبوعية في كلية الدراسات الإسلامية والعربية، ابتداء من شهر شوال المقبل، في إطار تفعيل الشراكة العلمية بين الأزهر الشريف وجامعة الشيخ أحمد الخديم، وشكروا أخيرا، سماحة الشيخ محمد المنتقى الخليفة العام للطريقة المريدية وفضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف على اهتمامه بالبعثات الأزهرية وبالتعاون العلمي مع المؤسسات التربوية في جميع مناطق العالم.

وبعد جلسة عمل مثمرة تبادل فيها الضيوف مع أعضاء مجلس الكلية حول المناهج والمستجدات في ميدان الدراسات الإسلامية والأدبية، رجع الوفد إلى دكار على أمل العودة بعد شهر رمضان المبارك.

الأربعاء، 14 فبراير 2024

جامعة الشيخ أحمد بمب UCAB تكرم خريجيها

نظمت اليوم (14 فبراير 2024م) جامعة الشيخ أحمد بمبUCAB برئاسة فضيلة الشيخ مام مور امباكي مرتضى حفلة لتكريم خرجيها في رحاب كلية العلوم الدينية والإنسانية والحضارات بدار السلام اندام.
وقد حضر الحفلة شخصيات دينية مرموقة وقامات فكرية وأكاديمية بارزة، وسلطات سياسية وإدارية رفيعة، وسط أعداد كبيرة من أعضاء الإدارة العامة لمؤسسة الازهر الإسلامية والأساتذة، والإداريين وأولياء الطلبة. وتميزت الحفلة بمشاركة اثنين من مديري التعليم العالي إلى جانب المدير الحالي.

وكانت هذه الحفلة، في حقيقة الأمر، برهانا ساطعا على فعالية الجهود الجبارة الخالصة التي يبذلها مسؤولو الجامعة لتحقيق إنجازات متميزة، وعلى سداد النهج الناجع الذي سلكته منذ نشأتها، تحت القيادة الرشيدة للشيخ مام مور امباكي مرتضى الذي جعل من شعاره التزام الجودة في جميع النواحي.

وبشهادة مدير التعليم العالي، نجحت جامعة الشيخ أحمد بمب في الجمع بين التكوين الأكاديمي الجاد والتكوين الخلقي الراسخ، كما شكلت نموذجا رائعا في التعامل مع سلطات التعليم العالي ومع الطلبة المحوَّلين إليها من قبل الحكومة السنغالية.

وبالجملة، نوَّه جميع الأكاديميين الذين تناولوا الكلمة في الحفل، ومنهم عميد كلية العلوم وتكنولوجيا التربية والتكوين، بالنتائج المبهرة التي تحققها الجامعة، والتي بدأت آثارها تتجلى في سلوك خريجيها.

وقد ألقى الشيخ مام مور امباكي مؤسس الجامعة ورئيس مجلس إدارتها خطابا مهما ينِمُّ عن نظره البعيد ورؤيته الاستراتيجية، تضمَّنَ توجيهات قيمة حول السلوك المطلوب لطالب العلم من حيث الجدية والعزم والتحلي بالروح النقدية والجمع بين النظرية والتطبيق.
وبرؤية هذه النتائج التي بدأت آثارها تتراءى أمام الأعين، يمكن القول بأن خيار الشيخ مام مور بتوفير التكوين المهني لحملة الشهادة الثانوية العربية كان خياراً استراتيجيا وتاريخيا، لأنه يقدم حلا لإشكالية التعليم العربي الإسلامي في السنغال، ويخدم شريحةً كبيرة كانت – منذ استقلال البلاد – مهمشة ومحرومة من المشاركة الفعالة في عملية تنمية البلاد بسبب الحاجز اللغوي الذي نصب أمامها.

من المعروف أن الوصول إلى التعليم العالي يمثِّل مشكلةً حقيقية أمام حملة الشهادة الثانوية، سواء أكانت فرنسية أم عربية، ولكن أصحاب الشهادة العربية أقل حظا بكثير من حملة الشهادات الفرنسية بسبب هيمنة النظام الفرنكوفوني السائد في البلاد.
إن فتح جامعة الشيخ أحمد بمب الباب نحو التخصصات المهنية المختلفة أمام حملة الشهادات العربية مع اتخاذها تدابير ناجعة لرفع مستوياتهم في اللغة الفرنسية ينطوي – في نظري - على رهانات في غاية الأهمية؛ فهو يزيل الحاجز اللغوي الذي حرم الكثير من شبابنا العباقرة من استغلال إمكانياتهم العقلية، كما يسد ثغرة في النظام التعليمي السنغالي جعلته ينتج كوادر عالية المستوى، ولكنها مفتقرة إلى شحنة أخلاقية تهدي سلوكها.
وهذا الخيار هو الوسيلة الأمثل لبناء جيل واع ومسؤول يتحلى بالقيم الإسلامية الرفيعة ويمتلك الكفاءات العلمية والتقنية اللازمة لحماية الدين وبناء الوطن، وهذا الجيل هو ما تحتاج إليها السنغال.

نتمنى أن تحذو جامعاتنا الإسلامية جذو جامعة الشيخ أحمد بمب في هذا الخيار الاستراتيجي التاريخي الفعال.
حفظ الله الشيخ مام مور ورضي عن والده المجاهد الأكبر وسدد خطى جميع أفراد الأسرة الأزهرية.

الأربعاء، 31 يناير 2024

الشيخ عبد الله بن بيه يرسم طريقة للنهوض بالتعليم العتيق في إفريقيا

بمناسبة افتتاح الملتقى الرابع للمؤتمر الإفريقي لتعزيز السلم، المنعقد في العاصمة الموريتانية نواكشوط، في يناير 2024م، تحت عنوان "التعليم العتيق في إفريقيا العلم والسلم"، ألقى العلامة الشيخُ عبدُ الله بن بيَّه – حفظه الله – كلمةً وجيزة ومهمَّة انطوت على رؤيةٍ استراتيجيةٍ واضحةِ المعالم للنهوض بالتعليم العتيق، ويمكن اعتمادا عليها وضع برنامج متكامل لتنميته واستعادة دوره التاريخي في التربية والتزكية، وفي بناء مجتمعات يسودها الوئام والانسجام والسلام.

فقد استهلَّ الشيخ كلمته بتحديد السياق التاريخي لانتشار التعليم العتيق في القارة الإفريقية مع إماطة اللثام عن مزايا مؤسساتها مثل الحرية، والمجانية، والمساواة، والشمولية، واستيعاب القبائل والأعراق المختلفة، والتربية على الأخلاق والفضائل.

وبعد هذه اللفتة التاريخية تناول العلامةُ الشيخ عبد الله السياقَ الراهن للتعليم العتيق بتشخيص أوضاعه تشخيصا دقيقا بيَّن انحساره في ظل تغييرٍ بيئته الحاضنة، واختلالٍ في موارده الاقتصادية وعزوف نسبة من الطلبة عنه تجاوبا مع سوق العمل الذي يتطلب تكوينا متوجا بشهادات عصرية للانخراط فيه.

وعلى هذا التشخيص الدقيق، بنى الشيخ نظرته المستقبلية للتعليم العتيق من خلال مقترحات عملية حول المورد البشري والمورد المالي والمأسسة والتوظيف؛ وهي دعائم ثلاثة يجب أن ترتكز علها أي سياسة ترمي إلى النهوض بالتعليم العتيق.

ففي المورد البشري أبرز الشيخ ضرورة التأهيل التربوي الحديث المبني على دراسة استقصائية تحدد الاحتياجات التطويرية والتدريبية للأساتذة في إطار التعاون مع الجامعات والجهات المختصة.

وفيما يخص المورد المالي، أشار الشيخ إلى موردين مهمين: الأوقاف التي تعتبر أهم دعامة للجامعات العريقة في العالم، والزكوات، باعتبار المؤسسات التعليمية داخلةً في سهم "في سبيل الله".

وفيما يتعلق بالإطار المؤسساتي وعملية التوظيف نبَّه الشيخُ إلى ضرورة التوصل إلى صيغ قانونية موائمة تؤطر عملَ مؤسسات التعليم العتيق، وتحفظ خصوصيتها، وتفتح لها فرص الاستفادة من تمويل الدولة، كما تيسر لخريجيه عملية الانخراط في سوق العمل.

فهذه بعض اللمحات البارزة من كلمة الشيخ عبد الله القيمة التي ترسم خارطة مهمة لوضع سياسة إصلاحية للتعليم العتيق، تستحق أن تدرسها بعمق الدوائرُ المعنية بالشؤون التربوية في العالم الإسلامي عموما وفي إفريقيا خصوصا.





الثلاثاء، 30 يناير 2024

الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه ...وكتاب السنن الكبرى

إن علاقة الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه بالكتب والمراجع العلمية واهتمامَه بها، تعلما وتعليما وقراءة وتأليفا، وتسخيرَها لإمكاناتٍ ضخمة في جمعها واقتنائها، بالشراء والاستنساخ، أصبحت حديثَ الركبان، ويشهد لذلك ما خلَّفه رضي الله عنه من كتب نفيسةٍ ونادرةٍ في فنون معرفية مختلفة.

ولكن القصة التي سمعتها البارحة (29 يناير 2024م) من سرين شيخ أست فاي Cheikh Astou Faye Mbacké ابن الشيخ محمد الحبيب بن الشيخ إبراهيم فاط، تثير الدهشة والإعجاب، وتَكشف مدى اعتناء الشيخ الخديم باقتناء الكتب، وبشكل خاص كتب الحديث النبوي الشريف، كما تُظهر مدى حرص الشيخ محمد الفاضل ابن الشيخ الخديم ومريده الصادق على تحقيق كل ما كان الشيخ الوالد يرغب في تحقيقه، كما تجلى في رحلته الحج وتكملته لبناء المسجد الجامع في طوبى، وتأسيسه المجلس التعليمي العريق "دار المعارف" بداخله.

فقد حكى سرين شيخ أست فاي Cheikh Astou Faye Mbacké أن الشيخ محمد الفاضل رضي الله عنه أرسله إلى مكة المكرمة سنة 1966م وتحمل تكاليف سفره، وقال له، لما تهيأ للسفر : "لا أُرسلكَ هذه المرة لأداء فريضة الحج، بل أرسلك خصيصا لكي تشتري لي كتاب "السنن الكبرى"[1] ، ودافعي في هذه المهمة أن الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه كان قد جهّز أحد مريديه الموريتانيين إلى مكة ليشتري له هذا الكتاب، ولكنه لم ينجح في العثور عليه، وعاد دون شرائه، وكنتُ على علم بذلك، فأردت تحقيق تلك الرغبة للشيخ الوالد !

ما استوقفني في هذه القصة هو أنها تدل على علو همة الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه المنقطع النظير في تحصيل المراجع العلمية وبشكل خاص كتب الأحاديث ، كما تشهد للعهد الذي قطعه على نفسه بتجديد السنة النبوية الشريفة ، وإحيائها، وبيانها ،كما في قوله رضي الله عنه:
للمصطفى نويت ما يجدد       -        سنته الغراء وإني أحمد
وفي قوله
نظافته كلي من اللغو طهَّرت    -     وسنتَه إن شاء ربي أُبين

وهذه القصة تؤيِّد أيضا قولَ مريد الشيخ العلامة محمد عبد الله العلوي الشنقيطي (ت 1954م): " ومن علو همته وفتوَّته أنه جمع كتب الأئمة الأربعة - عليهم رضوان الله تعالى - عنده، وهذه ما فعلها أحد قبله من علماء المغرب ولا من ملوكه، وما انتبه واحد منهم لهذه الخصلة الحميدة" (النفحات المسكية، ص 152). وقد أرسله الشيخ رضي الله تعالى عنه إلى مصر فرحل إليها وجلب له هذه الكتب، كما حكاه في كتابه النفحات.

وأخيراً يتجلى هذا الاهتمام بالكتب أن أول مبنى شيد بالإسمنت في طوبى كان مُعَدَّا ليكون مكتبة، بناه أحد مريدي الشيخ بأمر منه، وهو الشيخ محمد اندومبي امباكي Cheikh Mouhammdou Ndoumbé Mbacké . وما زال المبنى قائما في دار القدوس، يأوي مدرسة عريقة تخرج فيها العديد من العلماء الكبار.

وهكذا، لا غرو أن يوجد في الآن إحدى أهم المكتبات الإسلامية في إفريقية الغربية، وهي "مكتبة الشيخ الخديم"، ومكتبة فريدة من نوعها مخصصة لكتابات الشيخ الخديم (كَرْ قصيدي Keur Khassida yi) ومشروع لإحدى أكبر المكتبات الجامعية في إفريقية بجامعة الشيخ أحمد الخديم إلى جانب مكتبات خاصة أخرى.

وخلاصة القول أن هذا الاعتناء بالكتب والمراجع من قبل الشيخ الخديم رضي الله عنه يدعونا إلى مزيد من الاهتمام بالقراءة والدراسة والبحث والتأليف، وبالجملة، الاهتمام  بإحياء العلوم. 
                                                                 د. سام بوسو عبد الرحمن

[1] ظهر من كلام الشيخ أست فاي أن الكتاب هو السنن الكبرى للنساء، لأنه قال أثناء الكلام أن البائع وضعه في كيس وبلغ عدد مجلداته اثني عشر مجلدا.

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...