بقلم
سام بوسو عبد الرحمن
(تنبيه !: كتبت هذه المقالة في يونيو ٢٠١١ م قبل قبل خروج عبد الله واد من السلطة وآثرتُ عدم نشرها في ذلك الوقت بسبب جو الانتخابات)
توجَّه
عبد الله وادْ إلى طوبي غداةَ فوزه التاريخي
في الانتخابات الرئاسية في شهر مارس ٢٠٠٠
لزيارة شيخه الخليفة العام للطريقة
المريدية ولتلقى دعواته، كما وعد بذلك
أثناء الحملة الانتخابية، فأثار هذا
الحدث ضجة إعلامية كبيرة ونقاشا واسعا
بين المريدين أنفسهم والعلمانيين والمحللين
السياسيين على حد سواء؛ ولأول مرة في
التاريخ السياسي السنغالي يعلن رئيس
جمهوري على الملأ انتماءه إلى طريقة
من الطرق الصوفية ويتجاهر بهذا الانتماء ويُقبل يدَ الخليفة كما يفعل عامة المريدين.
من الطرق الصوفية ويتجاهر بهذا الانتماء ويُقبل يدَ الخليفة كما يفعل عامة المريدين.
في
حقيقة الأمر، رأى عدد كبير من عوام المريدين
في هذا السلوك من الرئيس نقطةَ تحول جذري
في موقف السلطة تجاه الطريقة المريدية،
حيث كانوا، من قبل، يشعُرون في قرارة
أنفسهم أن السلطة الساسية في السنغال منذ
عهد الاستعمار كانت تضيق ذرعا بطريقتهم
وتعمل جاهدة لتهميشها وإقصائها من موضع
اتخاذ القرارات، وكان كل من يتظاهر
بانتمائه من أصحاب المناصب السياسية يدفع
ثمنا باهظا لذلك.
ومن
هنا تفاءل كثير من أتباع الطريقة بأن ذلك
العهد قد ولَّى بلا رجعة بوصول عبد الله
واد إلى السلطة، وأن الفرص ستتاح لهم
للمشاركة في صنع القرارات المهمة واتخاذها
وأن الحواجز المفروضة بينهم وبين المناصب
الحساسة ستنكسر.
و
من ناحية أخرى قد أثار هذا الحدث مخاوف
كبيرة لدى بعض أتباع الطرق الأخرى لاحتمال
كون انتماء الرئيس إلى المريدية سببا في
تفضيلها على الطرق الأخرى في المعاملة
من قبل السلطة، وقد وردت تصريحات عديدة
في هذا الصدد عبر وسائل الإعلام.
أما
بعض السياسيين والمحللين فقد نقدوا بشدة
تصرف الرئيس واد باعتباره منافيا لمبادئ
الجمهورية التي تقتضي الفصل التام بين
الشأن الساسي والشأن الديني، فقد رأوا
في سلوك الرئيس تهديدا لعلمانية الدولة
ولحالة التوازن أو التعايش السلمي بين
الطرق الصوفية في السنغال، فعبد الله واد
في حياته الشخصية حر في انتماءاته ولكنه
بصفته مؤسسة سياسية فلا حق له في إظهار
أي "انتماء
طرقي"
على
مرأى ومسمع العالم حسب رأيهم.
واليوم
بعد مضي عقد من الزمن من تولي وادْ رئاسة
الدولة، وبعد انجلاء كثير من الغبار
الثائر في ٢٠٠٠
أرى أن من الضروري أن نقف وقفة تأمل لدراسة
علاقة الطريقة بالسلطة السياسية في هذه
الفترة لاستكشاف آثارها بالنسبة للمريدية،
لأني لم أر ولم أسمع حتى الآن من عُني في
تحليلاته بهذا الجانب المهم.
يبدو،
في حقيقة الامر، أن التغيير السياسي الذي
حدث في سنة ٢٠٠٠
ساهم في كسر بعض الحواجز المعنوية التي
كانت تحول بين كوادر الطريقة وبين المناصب
الحساسة في الدولة وفي إزالة الاعتقاد
بعدم إمكانية الجمع بين الانتماء المريدي
وإدارة منصب رسمي عال بصفة محايدة ومستقلة،
وفتح الباب أيضا للمريدين للمشاركة في
مجالات لم يَسبق إشراكهم فيها كالمفوضية
العليا لشؤون الجح، كما أن الدولة أظهرت
استعدادا للمساهمة في مشروع تحديث البنية
التحتية لعاصمة المريدين طوبى عندما
أبدى الخليفة الراحل الشيخ صالح (رضي
الله عنه)
عزمه
على تنفيذ المشروع، بعد أن كان يُنظر إلى
المدينة على أنها ملكية خاصة، لا يدَ
للدولة في تنميتها والاستثمار فيها،
وأخيرا أعطى الانتفاح الديموقراطي مزيدا
من الوزن السياسي للطريقة.
فهذه
الأمور يمكن اعتبارها آثارا إيجابية
مترتبة على التغيير السياسي في السنغال
وعلى نوعية العلاقة الجديدة بين الطريقة
والسلطة السياسية، ولكني أرى أن خطورة
هذه العلاقة بشكلها الحالي كبيرة على
المريدية وأن ما تخسره بسببها أعظم بكثير
مما تكسبه، إن كانت لها مكاسب منها.
بصرف
النظر عن حسن نية عبد الله واد أو سوء
نيته، فإن لتصريحاته وتصرفاته تجاه
الطريقة المريدية انعكاسا سلبيا على
صورتها وعلى سلوك بعض زعمائها وعلى أسلوب
سيرها.
فقد
كان الكثير من الناس، في الواقع، ينظرون
إلى المريدية باعتبارها قوة محايدة
أوجماعة ضغط تلجأ إليها أفراد الشعب حينما
تكون مصالحهم مهددة أو يتعرضون للظلم،
ولكن الرئيس عبد الله واد بإظهاره الانتماء
إلى الطريقة، نجح -
على
ما يبدو -
في
امتصاص هذه القوة وجعلها محالفة للسلطة
في أعين الناس، وقد كان للتلفيزيون الوطني
دور مهم في تأكيد هذا الانطباع لدى العوام
من خلال عرضه مشاهد بعض الزعماء يتوافدون
إلى القصر الرئاسي أو يرافقون الرئيس في
بعض رحلاته أو يمجدون أعماله في مناسباتهم
الدينية، الامر الذي أثر في صورة الطريقة
بشكل عام.
ومن
جهة أخرى، كان التقارب بين بعض الزعماء
وبين أصحاب السلطة وما ينتج من ذلك من
ثمرات مادية قد أدى بهؤلاء إلى اتخاذ نمط
حياة جديد أبعدهم عن كثير من أتباعهم وعن
اهتماماتهم، فأصبحوا بسبب الحاشية المحيطة
بهم يعيشون في أبراج عاجية بعيدين عن
أتراح المريدين وأفراحهم، مما أحدث فراغا
خطيرا يستغله من وجد إلى استغلاله سبيلا.
وأخيرا،
كان من أبرز مميزات الطريقة المريدية
قدرتها على الاعتماد على نفسها في إنجاز
مشاريعها الكبرى بدون مساعدة من السلطات
السياسية أو من الجهات الخارجية الأخرى،
واكتفاء زعمائها الذاتي في إدارة أعمالهم،
وما يرافق ذلك من حرية واستقلالية في
اتخاذ المواقف.
وقد
تضررت المريدية في هذا المجال بسبب مواقف
الرئيس، سواء قصد ذلك أو لم يقصده؛ فعلى
سبيل المثال، حينما رفع الشيخ صالح مشروعه
في تشييد البنية التحتية لمدينة طوبى
عاصمة المريدية وخصص للمشروع ما يناهز
عشرة مليارات من الفرنكات ودعا المريدين
إلي المساهمة وتسابقوا إلى الاستجابة،
تدخل الرئيس معلنا عزمه على تنفيذ مراد
الشيخ الخليفة من ميزانية الدولة، فأحدث
ذلك فتورا لدى الأتباع، ولم نعد نسمع فيما
بعد كثيرا عن المشروع:
هل
أنجز كل ما وعد أولم ينجز، وعلى كل فقد
كان لتصرفه تأثير سلبي في حماسة المريدين
واستعداداهم لبذل النفس والنفيس في تحقيق
المشروع.
وقد
تكرر نفس الأمر مع مشروع بناء المسجد
الجامع في داكار في مصلى المريدين "مسالك
الجنان"،
فقد كان الحاضرون لحفلة وضع الحجر الأساس
جاهزين لتقديم مبالغ طائلة ثم أعلن عبد
الله واد التزاما كبيرا في بناء الجامع
فتراجعوا...
وبالإضافة
إلى ذلك لم يؤثر الانتماء إلى المريدية
تأثيرا كبيرا في الممارسات السياسية
التي لا تتفق مع القيم الإسلامية التي
تزخر بها تعاليم مؤسس الطريقة، كالزهد
والقناعة والتواضع والاستقامة والعدل
والتعاون...،
فلا تزال ظاهرة الفساد والتبذير للمال
العام حاضرة حسب ما يقوله بعض المراقبين
للحياة السياسية.
فإذن،
رأينا كيف أثرت بشكل سلبي علاقةُ الطريقة
بالسلطات السياسة في عهد الرئيس واد في
صورتها العامة وفي سلوك بعض زعمائها وفي
طريقة تعاملها مع مشاريعها، ولم تُفد
كثيرافي إصلاح الممارسات السياسية،.
ولا
أريد هنا أن أحكم على نوايا الرئيس أو
على طريقة إدارته للحكم في البلاد بشكل
عام ولا أقصد إنكار إيجابياته، ولكني
أريد فقط أن أساهم في تكوين تصور موضوعي
لهذه الفترة التاريخية من الحياة
الديموقراطية للسنغال لنخرج منها بدروس
نافعة في المستقبل، وأن ألفت نظر المريدين
أنفسهم إلي بعض الاعتبارات المهمة التي
يجب استحضارها في أي موقف يتخذونه في
الشأن السياسي حتي تتسنى فيه مراعاة
مصلحة المواطنين ومبادئ الطريقة على
المدى البعيد، ولا يكون مبنيا على العواطف
المجردة التي يمكن أن يستغلها الساسة
لمصالحهم الضيقة.
تياس ٢٨ يونيو ٢٠١١
لتحميل تعليق الأستاذ عبد السلام لوح انغابو انقر هنا
السلام علبكم ورحمة الله وبركاته
ردحذفشكرا على هذه التوضبحات المهمّة التي قمت بنشرها لابراز ما يكمن وراء نوايا الساسة من استغلال الطرق الصوفية والحركات الاسلامية لمصالحهم السياسية ولزيادة شعبيتهم ......ولكن للأسف الشديد جلّ الشعب في جهل تامّ تقريبا حول هذه القضايا الحسّاسة. فكثيرا ما نرى انتماءاتهم وانضمامهم الى الطرق الصوفبة. وفي الحقيقة ليست انتماءات خالصة بل من ورائها خطط واستراتيجيات دقيقة للوصول الى أهدافهم السياسية ......فيتصرفون باسم طريقة ما لكسب قلوب اتباعها ومريديها لأجل مصالحهم الخاصة.....
,اخيرا هناك فرق شاسع بين من تربّى في كنف شبخ صوفيّ حقيقيّ وبين من تمسخ حضاريا وثقافيا بسبب التربية الغربية... فلنراجع أنفسنا بدقّة لنتيقّن بأنّ ما عند شيوخنا المخلصبن خير وأبقى ممّا في قصور الملوك والرؤساء وممّا في بنوكهم.....
بعجالة شديدة تمّ ارسال هذه المساهمة البسيطة- مقارنة لما أتى به سيد المفتّش سام بوسو عبد الرحمن - فجزاه الله خيرا كثيرا وسدّد خطاه ووفّقه لما فيه خير السلم والمسلمينز
السلام علبكم ورحمة الله وبركاته
ردحذفشكرا على هذه التوضبحات المهمّة التي قمت بنشرها لابراز ما يكمن وراء نوايا الساسة من استغلال الطرق الصوفية والحركات الاسلامية لمصالحهم السياسية ولزيادة شعبيتهم ......ولكن للأسف الشديد جلّ الشعب في جهل تامّ تقريبا حول هذه القضايا الحسّاسة. فكثيرا ما نرى انتماءاتهم وانضمامهم الى الطرق الصوفبة. وفي الحقيقة ليست انتماءات خالصة بل من ورائها خطط واستراتيجيات دقيقة للوصول الى أهدافهم السياسية ......فيتصرفون باسم طريقة ما لكسب قلوب اتباعها ومريديها لأجل مصالحهم الخاصة.....
,اخيرا هناك فرق شاسع بين من تربّى في كنف شبخ صوفيّ حقيقيّ وبين من تمسخ حضاريا وثقافيا بسبب التربية الغربية... فلنراجع أنفسنا بدقّة لنتيقّن بأنّ ما عند شيوخنا المخلصبن خير وأبقى ممّا في قصور الملوك والرؤساء وممّا في بنوكهم.....
بعجالة شديدة تمّ ارسال هذه المساهمة البسيطة- مقارنة لما أتى به سيد المفتّش سام بوسو عبد الرحمن - فجزاه الله خيرا كثيرا وسدّد خطاه ووفّقه لما فيه خيرالاسلام والمسلمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردحذفنشكر السيد المفتش على هذه التوضيحات القيمة التي لامناص فيها أن يلفت أنظار المريدين وغير المريدين .لما يتوهمه البعض في مخالطة الإستغلال والخدمة فبينهما فرق كبير لايسمح لنا الوقت بتوضيحه . ولكن المهم المهم أن نعلم أن كل مريد له الحق في أن يقبل يد شيخه سواء كان رئيسا أوزيرا أو معلما أو.........
فالرئيس قبل أن يكون رئيسا هو مريد كباقي المريدين عيه حق الزيارة وتقبيل اليد ككل .......