السبت، 18 مايو 2013

قضية المستعربين .. التوجيه قبل التوظيف


تُثارُ قضيةُ المستعربين في السنغال بصورة ملفتة للنظر في الآونة الأخيرة، تارةً بشأن الاعتراف بشهادتهم العلمية، وتارة بشان دعم مؤسساتهم التربوية وتارة أخرى حول توظيفهم، ونادرا ما يدور النقاشُ حول القضية الجوهرية، وهي إيجاد سياسة شاملة تجاه هذه الشريحة الواسعة، في جميع المراحل التعليمية وفيما بعد التخرج
إن التعليم العربي جزء لا يتجزأ من المنظومة الثقافية السنغالية لأسباب عديدة، دينية وتاريخية واجتماعية؛ فمؤسسات التعليم العربي لم تزرع في تراب السنغال زرعا من أي جهة خارجية، بل هي امتداد طبيعي لمدارس تحفيظ القرءان وتدريس العلوم الشرعية التي كان الأجداد يشرفون عليها في أفنية دورهم، منذ قرون، ثم هبت عليها رياحُ التحديث في منتصف القرن الماضي فظهرت معاهد تربوية حديثة تطبق مناهج َتربويةً مستوحاةً من النظم التربوية الحديثة السائدة في بعض الدول العربية كالجمهورية الإسلامية الموريتانية والمملكة المغربية وجمهورية مصر والمملكة العربية السعودية... ثم انتشرت المدارس العربية في طول البلاد وعرضها، في المدن والقرى بدون رقابة ولا إشراف من قبل الحكومة السنغالية، حتى تحولت قضية الشهادات التي تصدرها إلى شبه أزمة، تعمل جاهدة على حلها أطرافٌ متعددة في الوقت الراهن. (ويوجد تطور ملموس في هذا الشان في الآونة الاخيرة). 


ولسوء أحوال المدارس العربية وضعفِ إمكانياتها وشدةِ الإقبال إليها أصبحت العملية التعليمية في كثير منها متعثرة وصار تمويلُها مشكلة شائكة، واتخذها البعض ذريعة لجوب آفاق البلاد العربية ملتمسين مساعدات مالية، واكتفى الآخرون بتسيير مؤسساتهم كيفما اتفق أو حسب إمكاناتهم الضعيفة، و يُنذر هذا الوضعُ بتحوُّل ساحتنا التربوية إلى مصيدة خصبة للأيديولوجيات المتصارعة، والتيارات المتنافسة والقوميات المختلفة. وهنا طرحت نفسها قضيةُ دعم المدارس العربية من قبل الحكومة، ولكن العوائق الإداريةَ تمثل حجرَ عثرة أمام استفادة كثير من المؤسسات من ذاك الدعم الحكومي المنشود


وحين يواجه المستعرب صعوباتٍ جمةً ويجتاز بمشقة لا توصف صحاريَ واسعة ًمن المراحل الدراسية ويحظى بشهادة ثانوية أو جامعية ينبري أمامه غولُ البحث عن العمل، ولأسباب موضوعية عدة لا يجد فرصا كبيرة في سوق العمل أو في الوظيفة العمومية، فالتخصص أحيانا لا يتكيف مع مطلبات هذا السوق، فيبقى مجال التعليم أو الدعوة المنفَذ الوحيد تقريبا أمام حملة الشهادة العربية للحصول على عمل يسد الرمق. وهنا تثار قضية العدالة الاجتماعية التي تحتم على السلطات العامة توفيرَ فرص عمل محترم لجميع المواطنين


وهذه القضايا والمشكلات كلها تنبثق - في رأيي - من غياب سياسة حكومية شاملة مرسومة تجاه المستعربين باعتبارهم مواطنين لهم جميع حقوق المواطنة. فما تنجزه الحكومة السنغالية لصالح التعليم العربي والمستعربين يشبه أحيانا تنازلا أمام ضغط شعبي أو إرضاءً لذوي نفوذ ما، ولا يتم في إطار استراتجية أو خطة تنموية تأخذ في عين الاعتبار هذه الشريحة المهمة. ولذا لا تظهر جليةً قيمة الجهود التي يبذلها بعض المستعربين في داخل النظام الرسمي


فكيف يُفهم - لو وجدت تلك الرؤية الشاملة - إهدارُ الدولة السنغالية لأموال طائلة في تكوين أعداد غفيرة لا تكترث بمصيرها فيما بعدُ؟ وكيف يُتصور تفويتُ فرص التعاون مع الدل العربية لتكوين كوادر سنغالية في مجالات متعددة تحتاج إليها المسيرة التنموية في البلاد في إطار اتفاقيات رسمية؟ فلم لا تفكر الحكومة في إعداد وتوجيه أبنائها الدارسين إلى تخصصات فنية ومهنية وتكنولوجية تتوفر في بعض البلاد العربية وقد لا يكلفها التكوين الشيء الكثير؟ فاللغة في القرن الواحد والعشرين لا ينبغي أن تشكل عقبة أمام المشاركة الفعالة في العملية التنموية؛ نرى دولا كبيرة مثل الولايات المتحدة تقوم بتنظيم قرعة سنوية لاختيار شباب ذوي كفاءة أو مستوى تعليمي معين من مختلف الجنسيات والثقافات لمنحهم إقامة دائمة في أراضيها. 


ألم يحنِ الأوان لوضع استراتجية واقعية تتأسس علي سياسة شاملة ورؤية مستقبلية تشمل الإعداد والتوجيه والتوظيف للدارسين باللغة العربية، في إطار الخطط التنموية الوطنية البعيدة المدى؟

هناك 4 تعليقات:

  1. جزاك الله خيرا يا المفتش الجليل
    فضية اللغة هذه جعلت الدول الافريقيا وخاصة السنغال في ستين داهية كما يقول باللهجة المصرية فالعالم الان لايتحتاج بالادباء فرنسية كانت أو عربية أو اكليزية بل يحتاج الى ذوي الخبرة يعني المهنيين فالنجار في ورشته وهو يستطيع صناعة كرسي واحد أحسن من حامل الدكتورة باي لغة كانت وخاصة الفرنسية
    أعطيك مثالا يا سيدي الكريم الكويت من الدول التي تحوي أكثر عدد من الوافدين يعني العمالة الوافدة وهؤلاء لا يعرفون اللغة العربية الفصحة بل حتى أصاحب البلد يضحكونك وأنت تتكلم الفصحة وهؤلاء الوافدين هم الذين مسكوا بكل الوظائف هنا حكومية كنت أو غير حكومي وين قضية اللغة فهذا الكلام غير معقول
    فشيء الوحيد الذي يجعل السنغال يدرك الركب هو اغلاق كلية الاداب في جامعة شيخ أنت جوب ومنع التحدث بالفرنسية في المناسبات التي تهم قضايا الاجتماعية فاللغة وسيلة وليست الغاية وشكرا
    وآخيرا وليس آخرا العالم الان لا يحتاج الى اللغة يحتاج الى المهنيين أي مهنة كانت وخاصة أفريقيا

    ردحذف
  2. المقالة جيدة،وتؤشر على رؤية غير سطحية لمشكلة التعليم العربي الإسلامي القديم والعتيق في هذه البلاد، بيد أني أرى. أن للمشرفين على هذا التعليم العربي الإسلامي نصيب لا يقل في حجمها من نصيب الحكومة المركزية في وجوب سعيها لوضع حل نهائي وجذري لها، وفي ضرورةا الخروج من القوقعة الفكرية التي تجعل من نظرتهم إلى التعليم الإسلامي العربي تعليما قاصرا وعاجزا عن تكوين وإعداد المواطن القادر على المساهمة الفعلية والمباشرة في إخراج بلاده من الحالة التي تجد نفسها فيه.
    لقد قبلنا لفترة طويلة أن. نكون ضحايا لهذا النظام الذي فضل إقصاء المستعريين عن الساحة السياسية والاقتصادية والإدارية ، ورضينا بأن نكون عالة على الحكومة وبما تجود بها على هذه الشريحة المتعلمة،من مناصب توظيفية لا تخرج عن نطاق التربية والتعليم ،أعطينا الخصم صورة مغلوطة وغير صحيحة عن قدرات وكفاءات المستعربة التي لا تتجاوز إحياء مناسبات دينية وتنشيط أنشطة دعوية وتبشيرية وأن اللغة العربية لا تستطيع أن تجعل من قارئها سوى شيخ خلوة أو زعيم دائرة أو مرشد جماعة.
    إن الجهود الآن ينبغي أن تتكاتف من أجل إعطاء وجهة جديدة للتعليم الإسلامي العربي، تحتل فيها الاعتبارات الخاصة باندماج هذا المتعلم في بيئته ومحيطه المركز الرئيسي. فكما نجحت المعاهد العليا في تقديم عرض تعليمي تتجاوب مع الوظائف الماسة التي تحتاج إليها مجتمعاتنا دون انتظار التدخل الحكومي يمكن للمدارس العربية سلوك هذا السبيل

    ردحذف
  3. المفتش شيخ تيجان فال22 مايو 2013 في 1:59 م

    بارك الله فيكم
    هذه القضية جوهرية وتبين من خلال تناولكم لها بأن الجدية تنقص الحكومات المتتالية على حكم البلاد منذ الاستققلال وإلى يومنا هذا، وإن تفاوتت درجات الجدية بينها وعلى كل حال أرى أن المشكلة ستجد حلا و لو بعد حين
    شيخ تيجان فال

    ردحذف
  4. السلام والبركة والتيسير عليكم،
    أعرف الأستاذ المفتش شام بص عبد الرحمن منذ عهد بعيد وتربطني به علاقات قد يفقدها الذكر متانتها. يعرف ذلك كل من ليس ببعيد عن بيئتنا الحركية والتعليمية. أعرف منه إخلاصه في العمل الدءوب من أجل رفع راية التعليم العربي الإسلامي في السنغال عالية خفّاقة. وسلسلة مقالاته الواردة إلينا عبر وسائل الاتصال تبرهن مواظبته على هذه الجهود المباركة واتساق أفكاره وآراءه حول قضية التعليم العربي الإسلامي في السنغال، هذا ما تأكد لنا هذه السطور البليغة التي بين أيدينا.
    إلاّ أنني أرى أن المسئولية مشتركة، فبقدر ما يتحتم على الحكومة أن تضع سياسة إستراتيجية واقعية واضحة تحل الإشكالية من جذورها إلى فروعها وتَدخل في إطار الخطط التنموية البعيدة المدى كما يقترح سيادة المفتش، يجب أيضا على مسئولي القطاع الخاص للتعليم العربي الإسلامي أن يضعوا خُططا وبرامجَ تعليمية وتكوينية تتناسب مع متطلبات الألفية الثالثة وتفتح للدارسين باللغة العربية فرص الانخراط في سوق العمل، كما تجعل منهم ذوي كفاءات وخبرات في مجالات شتى، علما بأن كثيرا من البرامج "الأدبية الدينية"أصبحت بعيدة كل البعد عن التوجهات الجديدة في مجال التعليم والتكوين العام.

    بارك الله في جهوجكم.

    ردحذف

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...