الاثنين، 19 أغسطس 2013

خواطر: الواقع التربوي في الأوساط المريدية.


مكتبة الشيخ الخديم في طوبى
أفكر كثيرا في الواقع التربوي في الأوساط المريدية ولا أهتدي إلى حلٍّ لما عتبره لُغزاً؛ ألا وهو رفض هذه الأوساط للمنظومات التربوية الموروثة من الاستعمار أو المستوردة من الغرب مع العجز عن تأسيس منظومة تربوية أصيلة فعالة تتواءم مع رؤيتنا وتواجهاتنا وتلبي احتياجاتنا وطموحاتنا.
في الواقع، لا أجد حلا مُرضيا، ولكن في بعض الأحيان تراودني أفكارٌ توحي إليَّ ببعض الأجوبة.
فربما يكون الرفض  راجعا لسبب خفيٍّ لم يُشخَّص بشكل صائبوهذا السببفي نظري يتمثل في أن هناك منظومةً تربويةً ضمنيةً رسم خطوطها الشيخُ أحمد بمب رضي الله عنه وما زال أثرُها حاضرا في حياة المجتمع المريدي ولم توجد جهودٌ علمية منسقة رامية إلى بلورة هذه المنظومة وإبراز ملامحها وتفعيلها عبر مؤسسات تربوية أصيلة ذات كفاءة عالية.
وهذه المنظومة التربوية الخديمية تتميز بمواصفات تفقِدها كثيرٌ من المنظومات التي تتواجد في الساحة، ومن تلك المواصفات:
ـ الواقعية :
كان المنهج التربوي الخديمي مرتبطا بواقع احتياجات الناس الروحية والعقلية والاجتماعية والاقتصادية، فلم يُضيِّع الشيخ أوقاته ولم يهدر طاقاته في تناول مسائلَ افتراضيةٍ أو نظرياتٍ بعيدةٍ لا توثر في سلوك المسلم؛ والمتأمل يرى أن مؤلفاتِه التعليميةَ فيما يخص التوحيد تركز علي صفات الباري سبحانه وتعالى وعلى أثر الإيمان بها في حياة الإنسان، ولم تتطرق إلى المجادلات العقيمة، وفيما يتعلق بالفقه تتناول العبادات والشعائر دون الخوض في المسائل البعيدة عن بيئته، وفي مجال التصوف تهتم بالفضائل والرزائل وأمراض القلوب وأدواتها دون اقتحام متاهات الفلسفات والشطحات. ومن المفارقات الغريبة أن المناهج السائدة ـ الموسومة بالحداثة - تعيد إلى السطح مسائل وقضايا عفى عليها الزمن فتثقل بها كاهل المتعلم ولا تغني من جوعه شيئا وقد تعكر صفو علاقاته الاجتماعية والمهنية.
ـ الفعالية :
من أهم مميزات تربية الشيخ فعاليتُها وقدرتها على التأثير وعلى تغيير السلوكيات في فترة قياسية؛ ففي منهج الشيخ لا يتقيد الشخص بفترات زمنية محددة وجامدة يخضع خلالها للتكوين ولا ينصرف إلى شيء آخر إلا بعد انقضائها، نجده يُخرِّج أجيالا في مساحة زمنية قصيرة، بينما المناهج السائدة تُخضع المتكونين لمسيرة واحدة وأساليب متماثلة، مهما اختلفت قدراتهم واستعداداتهم وذكاءاتهم، وفي الآونة الأخيرة بدأ الخبراء التربويون يسعون إلى تحقيق ما يسمونه "بيداغوجية التفريد" أو البيداغوجية الفارقية وهي التي تراعي استعداداتِ المتعلمين ووتيرةَ كل واحد منهم في العملية التربوية.
ـ الشمولية :
فمنهج الشيخ يتسم بشموليته لجوانب شخصية الفرد المعرفية والوجدانية والجسمية، فهو يسمح الشخص باكتساب معارف عملية مفيدة وكفاءات حياتية ضرورية وأخلاق وءاداب سلوكية. وهذه السمة هي ما تفتقر إليه أغلب المناهج، فبعضها يركز على شحن أذهان المتعلم بالمعارف النظرية مع إهمال الكفاءات الحياتية التي تعينه على الاندماج في الحياة الاقتصادية لبيئته، والبعض الآخر يركز على الكفاءات العملية ويهمش الجوانب الأخلاقية والروحية.
فالمجتمع المريدي الذي تأثر بهذا المنهج التربوي الأصيل لا يرتاح للمناهج المختلفة السائدة وإن كان يخضع لها، ومن هنا يتولد فقدان الحماسة تجاه التعليم الحديث الذي يغلب فيه الطابع النظري والثقافي بدلا من الطابع العلمي والتكنولوجي.
والغريب المقلق ـ عندي ـ أن المقاومةَ ضد المنظومة التربوية السائدة مقاومةٌ سلبية وذلك لغياب أي جهد علمي معتبر يُبذل لبلورة منظومة تربوية أصيلة تستوعبُ رؤيةَ المنهج الخديمي ومميزاته وتنفتح على إيجابيات المناهج السائدة وتتخلص قدر الإمكان من عيوبها.
وأكبر الظن أن الوضع لا يختلف كثيرا في الأوساط الدينية الأخرى التي لا تتحمس للمدرسة الفرنسية في بلادنا لمجانبتها لمرجعياتها الثقافية، ولكننا نعترف بأن المقاومة لم تعد كما كانت من قبل لعوامل عدة لعلها تكون موضوعا لمقالة أخري.
هذه خواطر راودتني خلال تأملاتي فدونتها، ولستُ متأكدا من وجاهتها وإصابتها وأملي هو أن تثير مزيدا من الاهتمام بالقضية.
                                      سام بوسو عبد الرحمن

هناك 7 تعليقات:

  1. محمد المصطفى لى19 أغسطس 2013 في 12:47 م

    ماشاء الله جزاكم الله خيرا إنه كذالك مشكلتنا نحن المريدية لم نأخذ مالدى الأخرين ولم ننم مالدينا من الثورة العلمية الضخمة بسبب قصور الرأية لدى بعض القيادات فى الطريقة .من يملك المال يستطيع أن يملك كل شىء فى الدنيا .بسبب الجمود الفكرى وعدم اهتمام بمستقبل الشباب الطريقة انعكس سلبا فى عقيدة بعض المتعلمين ..لماذالانخدم الشيخ فى بناء مؤسسات التعليمية القوية كمايفعله الأخرون ..بل نبنى المساجد ولانبنى المصلين .آن الأوان إلى مراجعة كثير من القضاياالمهمة الراكدة فى أدراج المكاتب .والمريديون يتخصصون فى جميع أنواع التخصصات والطريقةتمتلك الأموال الوفيرة فماينقصنا إذن ؟التعليم ثم التعليم ثم النعليم .ثم العمل الجماعى بإنشاء مصانع ضخمة .لكى نملك إرادتنا أكثر فأكثر

    ردحذف
  2. إن التفكير الأخلاقي المسئول حول مستقبل التعليم لابد أن يواجه تلك المشكلات المستعصية للتعليم سواء على المستوى المريدى أو الوطني أو العالمي حتى . وتبدو صعوبة هذا التفكير في أن التعليم هو عملية إعادة إنتاج للمجتمع ذاته. فلا يمكن لمجتمع أن يعلم أولاده سوى ما يعلمه أو يؤمن به

    ردحذف
  3. Serigne Souhaybou Kebe19 أغسطس 2013 في 2:10 م

    اراء وجيهة ومقنعة ما شاء الله ، ولعل الله يساعدنا على تخطي المرحلة الراهنة باسرع ما يمكن ، والعمل بجدواجتهاد " لتأسيس منظومة تربوية أصيلة فعالة تتواءم مع رؤيتنا وتواجهاتنا وتلبي احتياجاتنا وطموحاتنا " ، وهي فعلا موجودة ، ولكن يبقى علينا العمل على تحديثها وتطويرها " التجديد"بدون انقطاع .

    ردحذف
  4. Serigne Cheikhouna LO19 أغسطس 2013 في 2:30 م

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته زرت المدونة ووجدت فيها مافيها وأدعو الله لكم التوفيق ، وأرى أن هذالموضوع يليق به عقد اجتماع طارئ للمناقشة في وضع برنامج موحد وانشاء مدرسة قرآنية و ثانويات وكليات تابعة لبيت الخلافة مستجابة لمتطلبات المريدين. وجزاك الله خير الخيور خطاب جاء في وقته وأرى أن الأمر لم يقتصر فقط في تشخيص الخلل ولكن أيضا في إيجاد الحلول وفي أسرع وقت ممكن نظرا لجسيمة السلبيات وتضاعفها في حين التأخر من ردود الأفعال وشكرا!!!

    ردحذف
  5. عبدالأحد عبدالباقي امبكي23 أغسطس 2013 في 5:44 م

    أرى إن هذه الثلاث المذكورة محاوررئيسة ينبغي لكل من يسعى إلى بلورة وتجديد المنظومة التربوية الحالية التركيز عليها
    ثم استوقفني قولكم :
    " ما زال أثرُها حاضرا في حياة المجتمع المريدي ولم توجد جهودٌ علمية منسقة رامية إلى بلورة هذه المنظومة وإبراز ملامحها وتفعيلها عبر مؤسسات تربوية أصيلة ذات كفاءة عالية."

    وقولكم :

    " والغريب المقلق ـ عندي ـ أن المقاومةَ ضد المنظومة التربوية السائدة مقاومةٌ سلبية وذلك لغياب أي جهد علمي معتبر يُبذل لبلورة منظومة تربوية أصيلة تستوعبُ رؤيةَ المنهج الخديمي ومميزاته وتنفتح على إيجابيات المناهج السائدة وتتخلص قدر الإمكان من عيوبها."
    وانطلاقا من الفقرتين المذكورتين أسطر بعض أفكار لم تزل تراودني منذ مدة
    فمنها : أن المشكلة الأساس التي تواجه مجتمعنا هي مشكلة تربوية ؛ وإن كان كثير من السنغاليين والمريدين يرتاحون لما بين أيديهم من المناهج غير آبهين بتوقع مستقبل الجيل القادم تجاه المجتمع والطريقة المرضية التي يتنافسون ظاهرا في التفاني في خدمتها والدفاع عن مصالحها ؛ فهؤلا ء الناس غالبا مع اختلاف مستوياتهم ـ في رأيي ـ بين اثنين : أحدهما من يرأى الاكتفاء بالتعليم الديني الصرف المهلهل المنهج والضعيف الناتج لا لعيب في ذات المنهج ؛ ذلك أن هذا المنهج المبارك خرج الشيخ الخديم والرعيل الأول والثاني والثالث من أتباعه فطاحل العلماء الأجلاء الربانيين الموسوعيين رضي الله تعالى عنهم أجمعين ولم نزل نجد بركات ذلك المنهج التربوي المحضري ( المجلسي ) المتكامل في العلوم اللغوية والشرعية يخرج حتى الأمس القريب في مورتانيا المجاور جلة من العلماء الذين جابوا بقاع العالم وتكلموا في أكثر من نيف وعشرين أوأربعين فنا من العلوم
    ولكن الخلل في مجالسنا العلمية تعقيمنا إيا ها وتجريدها من كثير من برامجمها الرائعة المتكاملة التي برعت في تكوين علماء عصاميين في فترات زمنية قياسية ؛ حتى خيل بما ءال إليه الأمرفيها للوهابين وكثير من الباحثين الأحداث ذوي النيات الحسنة المغررين بهم ما يجلعهم يكيلون التهم لعلم سلفنا بالتقصير وادعاء عدم وصول كتب فنون معينة إليهم إلخ ؛ وكم سمع منهم في ذلك من كلام كثير متناقض ... فالسلف الصالح بري ء من هذه التهم الجزافية السخيفة براءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهما السلام
    فما كان السلف عليه منهاج تربوي متاكمل قديم اختاروه لأنفسهم ليس لقلة الكتب ولالغيرها مما يقول المتناقضون .
    أما حملة الثقافة الغربية فقد زادهم مئال المنظومة التربوية المجلسية الاقتناع بتصنيف خريجيها أمميين مهمشمين لايصلح منهم إلا للزارعة ؛ فلذلك أرفض السماح لرجال السلطة وإعانتهم على دعوة الناس للعودة إلى الأرياف ؛لأن هذه العودة غير المدروسة والموضوعة لها سياسات بعيدة المدى ليست مبنية في رأيي على حسن طوية ؛ لكنها نتيجة لتصورنقائص الوطنية والقابلية والأهلية للمشاركة في مختلف مجال التنمية ...ونحوذلك من متعلقات كثيرة .
    وثانيهما من ولى عن التعليم الديني ورغب عنه بالكلية فيبدوأنه ليس لبعض هذا الصنف من الناس إلا المشاركة في الحياة من أجل الحياة ولاأي هم لهم برسالة الإخلاف ولاقضية المحافظة على الهوية المريدية الموروثة إلافي الأشكال البارزة فبعض هؤلاء يولي شطره نحوالتعليم المستورد المملى على المجتمع ولايبالي مايترتب على ذلك من التكاليف والنتائج على المستوى البعيد .
    وبعضهم مبتلى باستعجال إنجازكل شي ء من مقومات العيش الكريم اللائق بالإنسان في هذا الزمان لنفسه ولذويه بسلوك كل طريق غير سبيل العلم مهمى كلفه الأمر من الحيل والمكائد إلخ
    والعجب العجب من كرامات الشيخ الخديم رضي الله عنه أن الناظر يجد أينما ذهب في أوساط كل هذه الطوائف المذكورة خيرة نجباء لاتعد ولاتحصى من الرجال والنساء ؛ فعلى سبيل المثال تجد من تآكلت في البيئة التي كوننت شخصيته المذاهب الإلحادية والماركسية والاشتراكية ثم الفرق والمذاهب المختلفة ...ولايزيده ذلك ـ رغم كثرة هذه المخاطر المحدقة وقلة المعارف الشرعية ـ إلاإيمانا بالله وتسليما له واعتزازا بالقيم الدينية والتربية المريدية التي يحاكي فيها أناسا لم يعايشهم قط وترهم عينه إلاقليلا
    وهذا النوع ممن بقيت فيه تلك الآثار كما قلت " ما زال أثرُها حاضرا في حياة المجتمع المريدي ولم توجد جهودٌ علمية منسقة رامية إلى بلورة هذه المنظومة وإبراز ملامحها وتفعيلها عبر مؤسسات تربوية أصيلة ذات كفاءة عالية."
    موجود بأشكال مختلفة وكثيركما أشرت في هذه الفقرة
    لكن المسئولية المشتركة علينا جميعا تجاه كل هذا جسيمة جسيمة جسيمة فالله أسأل أن يعيننا وإياكم على تحملها وأداءها أحسن أداء ؛ فبذلك إن شاء الله يذهب عنكم القلق من المقاومة السلبية للمنظومة التربوية المنتشرة في المجتمع

    عبدالأحد عبدالباقي امبكي

    ردحذف
  6. المفتش هارون انيانغ26 أغسطس 2013 في 1:06 م

    للمريدية شخصية مرموقة لو امتد بها العمر لتوصلت بإذن الله تعالى إلى إنشاء هذه المنظومة التربوية التي وصفتها، لأنها كانت صاحبة رؤية مستقبلية واقعية ثاقبة: الشيخ غيندي فاتما، أدخله الله فسيح جناته. و للمريدية كذلك الشيخ مرتضى امباكي جزاه الله عن مسلمي سنغال عامة وعن مستعربيها خاصة خيرا كثيرا وأدخله الله فسيح جناته. فقد قطع شوطا بعيدا في إيجاد إطار لهذه المنظومة التربوية المأمولة وتوفير بعض "منشآتها" وتوسيع نطاقها على وجه يندر أن يماثله فيه سنغالي. ذكرنا هذين الشيخين لثلاثة أمور: 1- لكونهما نموذجين بارزين في هذا المضمار. 2- ولأن كل واحد منهما كان يفتقر إلى بعد يجده عند الآخر. والبعدان هما: البعد التصوري للمنظومة التربوية المأمولة، والبعد التنفيذي الواسع النطاق. ولكل منهما عذره في الافتقار إلى أحد البعدين نظرا لسياقيهما التكويني والتاريخي المختلفين. 3- وأخيرا لأننا نأمل من ورثتهما ومن النخبة المريدية المثقفة، لاسيما المتخصصة في التربية، أن يستوحوا هذين البطلين، كما استوحيا الشيخ الخديم، لإحراز التكامل بين البعدين السالفي الذكر وترجمة هذه المنظومة التربوية إلى واقع ملموس.

    ردحذف
  7. diakhate modou 77@ yaaho .fr17 سبتمبر 2014 في 7:28 م

    لعل الطبقة المثقفة امثالكم لو جنِّدوا بالوسائل المتاحة لتحقيق ذلك سوف يتحقق وللخلافة دور في ذلك

    ردحذف

جامعة الشيخ أحمد بمب UCAB تكرم خريجيها

نظمت اليوم (14 فبراير 2024م) جامعة الشيخ أحمد بمبUCAB برئاسة فضيلة الشيخ مام مور امباكي مرتضى حفلة لتكريم خرجيها في رحاب كلية العلوم الدينية...