الاثنين، 7 يوليو 2014

متى نحقق الاستقلال الفكري؟

من المعروف أن من طبيعة الانسان أن يكون قابلا للتأثر والتأثير في إطار بيئته الاجتماعية، بما فيها من أفكار ورؤى وتوجهات، ولكنه في الوقت نفسه مطالب حين يبلغ النضج الفكري أن يعرف نوعا من الاستقلال بحيث لا يظل في تبعية عمياء لاتجاه فكري معين دون وضعه في محك الواقع؛ وما نشاهده في الساحة الفكرية  يدعونا إلى التساؤل عن مدى قدرة مفكرينا على التحرر من التبعية الفكرية مع الاحتفاظ بانتماءاتهم.
كان للاستعمار الغربي، في حقيقة الأمر، تأثير كبير في التوجهات الفكرية لكثير من المثقفين بالثقافة الغربية لدى الدول التي تعرضت للاستعمار. وقد ظهر ذلك جليا في المفكرين والصحفيين والاقتصاديين والسياسيين السنغاليين، فغالبا ما تكون مواقفهم وتحليلاتهم نسخة طبق الأصل لمواقف نظرائهم الغربيين وتحليلاتهم في جل القضايا الفكرية والتاريخية والدينية، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى تأثرهم بمناهج الغرب التي تربوا من خلالها.  فجل هؤلاء المثقفين ينظرون إلى تاريخنا وآدابنا وتقاليدنا بعيون الغرب ويقيِّمونها بمعاييره،  ومن نتائج ذلك أن  تاريخنا المكتوب ومؤسساتنا التربوية  والسياسية والاقتصادية في الغالب لا تعكس حقائق البلاد. وهذا ما أدى إلى الشعور العام بضرورة القيام بإصلاحات  جذرية في مجالات مختلفة: في كتابة تاريخنا وصياغة منظومتنا التربوية ومؤسساتنا الحكومية.
وفي المقابل، لم يكن المثقف بالثقافة العربية أحسن حالا من نظرائه "المتفرنسين"،  فغالبية المفكرين المستعربين في بلادنا لا يتمكنون من التحرر من رؤى زملائهم من العرب فهم ينظرون إلى واقعنا بمنظار مرجعياتهم من الدول العربية بصرف النظر عما يعيشونه في واقعهم ويشهدونه بأم أعينهم . فخير مثال لذلك هو ما يُكتب على الإسلام والمسلمين في السنغال.
إن أكثر الذين يكتبون باللغة العربية من السنغاليين يرددون ما يُطلقه الكتاب الأجانب عن مسلمي السنغال، وإن كان الواقع أحيانا يكذب تلك المزاعم. فعلى سبيل المثال كثيرا ما نقرأ أن هناك اتجاهين تقليدي وإصلاحي؛ فالإسلام التقليدي يتجسد في الطرق الصوفية ويتسم بالرجعية والجمود وتشوبه الشعوذة والخرافة بل والوثنية..  إلى ما هنالك من أوصاف سلبية وأما الاسلام الإصلاحي  فهو ما تمثله الحركات الاسلامية المعاصرة التي حمل لواءَها الرواد الخريجون في الجامعات العربية في النصف الأول من القرن الماضي، وتوصف هذه الحركات بالفعالية في نشر الثقافة الإسلامية وبالتميز في مجال التربية والتعليم والخدمات الاجتماعية، فالاتجاه الأول يشهد التدهور والانحطاط بحيث أصبحت الساحة خالية للاتجاه الثاني لحمل الدعوة الإسلامية!  فهذه النظرة  الاختزالية القديمة التي تحمل كليشيهات وقوالب جامدة لا تعرف التطور ولا التغير ظلت تتردد إلى الآن في ثنايا المقالات والأبحاث وعبر المواقع الالكترونية والمجلات[1]  ولا يتخلص منها إلا من رحم ربك، في ظل غياب شبه تام لأي دراسة علمية موضوعية تتخلى عن الأفكار المسبقة وتستند إلى معطيات واقعية.  فالعمل الإسلامي في هذا المنظور يبقى محصورا على الحركات والمنظمات، وأما ما يقوم به أتباع الطرق الصوفية من إنجازات في مجال تحفيظ القرءان وتربية النشء و توعية المسلمين وفي مجال الخدمات الاجتماعية فلا وجود لها في رؤوس هؤلاء الكتاب وإن كانت أعينهم لا تخطئها، فكأنهم يصدقون الفلسفة التي ترى بأن الحقائق توجد في الأذهان وفي عالم الأفكار فقط لا في العالم المادي المحسوس! وأحيانا يُخيَّل للمرء أن مثل هذه الكتابات يُعد للاستهلاك الخارجي ولا يهدف إلى تقديم صورة حقيقية عن الأوضاع في السنغال.
فهذه التبعية التي لا ينجو منها ـ فيما أرى ـ سوى عدد قليل من المثقفين السنغاليين[2]  هي ما دفعني إلى التساؤل عن مدى قدرتنا على الالتزام  بالاستقلال الفكري وعلى التحلي بالروح النقدية. وكم أتمنى أن أرى كُتابا ـ وخاصة من شباب ـ  جادين في البحث موضوعيين في المواقف متحلين بروح النقد وإن كنا مختلفين في الرؤى، فبوجود هؤلاء يمكن أن يسود نوعٌ من الإنصاف وتوجد سبل الالتقاء والتفاهم والتعاون لصالح الإسلام والمسلمين في البلاد.  
                                                                       سام بوسو عبد الرحمن



[1] - آثرت عدم ذكر أمثلة محددة حتى لا تحول القضية إلى مسألة أشخاص لأنه مع الأسف لم نتعود مناقشة الأفكار بصرف النظر عن أصحابها.
[2] - ومن الإنصاف أن نعد من هذه القلة أمثال الدكتور عبد القادر سيلا الذي صحح بعض آرائه في كتابه الأخير الصادر في نهاية التسعينات من القرن الماضي حول الثقافة الإسلامية في السنغال وكذلك الكتور خديم امباكي الذي نلمس كثيرا من الموضوعية فيما بكتبه سواء بالعربية  أم بالفرنسية

مقالات ذات صلة

هناك تعليقان (2):

  1. ماشاء الله بارك الله فيك ياشيخ .ماقلته يؤيده الواقع الملموس .فلوكان الإنصاف خروفا لقلت قد ذبح من هؤلاء المثقفين بالفرنسية أو بالعربية .فهولاء يوالون الغرب وأولائك يوالون الشرق إلاالقلة منهم .

    ردحذف
  2. جزاكم الله خير فضيلة الشيخ على هذه الإفادة القيمة
    حسب ظني أعتقد ان الأمور ترجع إلى عدم فعرفت طرق البحث او مراعتها وعدم انصاف النية في اصدار هذه البحوثات لان كثرا منها لا لخدمة العلم ولكن لخدمة مصلحتهم الخاصة (مذاهب جمعيات الخ ) وما تنتج منها من المصالح المادية وكثرا من هذه البحوث لو امعنت النظر فيها ستجدها ليست بحوثا علميا ولا موضوعيا بل شخصيا حيث يغلب فيها العاطفة والانطباعات والانتماءات

    ردحذف

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...