الاثنين، 17 فبراير 2014

حرب المفاهيم !

إن المتأمل لما يجري في العالم الإسلامي من المناقشات والخلافات الحادة  قد يدرك أن أغلبها يرجع إلى عدم الاتفاق في تحديد المفاهيم وفي تحقيق مناطها؛ فعلى سبيل المثال، لا يختلف اثنان  في أن الإرهاب مذموم وأنه يجب محاربته، ولكن ليس هناك اتفاقٌ في تكييف مفهوم هذا الإرهاب وبيان مدلوله. وكثيرا ما يقع عملٌ ما من أعمال العنف فتختلف آراء الناس في وصفه بالإرهاب أو عدم وصفه به، كل حسب فهمه لمدلول هذه الكلمة. وهذه الملحوظة تنطبق أيضا على مفاهيم عديدة متداولة بشكل واسع، كالبدعة والشرك والتطرف والاعتدال والغلو ونحوها.

وفي أكثر الحالات يكون تغلبُّ فهمٍ ما على آخر في عصر من العصور راجعا لا إلى معايير موضوعية دقيقة، بل إلى عوامل  أخرى غير علمية كالسلطة السياسية أو الهيمنة الثقافية.

في واقع الأمر نجد  أن لمختلف  تيارات الفكر في العالم الإسلامي آلياتٍ معينةً لقراءة النصوص الدينية وفهمها وبناء نظريات حولها؛ ولكن ننسى  غالبا أن هذه الآليات ليست مقدسة ولا معصومة من الخطأ لأنها من وضع عقول بشرية. ومن المفارقة أن النظريات المبنية على أساس تلك الآليات تكتسي أحيانا ثوبا من القداسة لدى البعض وربما تؤدي  إلى صراع دامٍ بين أنصارها ومعارضيها
 وهذه القضية تخفى على كثير من المثقفين الذين يتجادلون حول بعض الأمور وليس لهم تصور مشترك تجاهها. ولا شك أن وعينا لهذه المسألة قد يساهم في وجود نقاش داخلي هادئ وبنَّاء وفي تخفيف حدة المعارك الأيديولوجية الدائرة حول كثير من المفاهيم.
                                           سام بوسو عبد الرحمن

مقالات ذات صلة:




هناك 3 تعليقات:

  1. شكرا على هذه الالتفاتة الدقيقة، فمعضلة عدم تحديد المفاهيم من كبريات المعضلات الموروثة في ثقافتنا الإسلامية، وقد بلغت بنا الحال أن الدعوة إلى إعادة الطرح لبعض المفاهيم تعد مروقا من الدين لتجذر هذه المشكلة في عقولنا. بل أذهب إلى أن كثيرا من الصراعات المتأصلة في ثقافتناوالتي نعاني من تبعاتها اليوم كانت نتاج هذه المعضلة، ولقد عقل غيرنا هذا الاضطراب الفكري فاتخذه ذريعة لإتياننا من فوقنا ومن أسفل منا

    ردحذف
  2. شكرًا باي سام على هذه الرؤية الصائبة

    ردحذف
  3. المفهوم هو ما يُفهم. ولكن مَنِ الفاهم؟ أنا، أنت، هي، هو، هم .... وهذا الذي يفهمه "مسمبا" ليس بالضرورة هو فكرة "مديمبا" عن الكلمة نفسها. لأن طبيعة كل مفهوم تتأسس على أبعاد مرتبطة بشخصية الفاهم ومكوّناتها من عقائد وتجارب حياتية وثقافية، أو انتماءات سياسية أو أيديولوجية، أو ارتباطات بيئية ... لذلك يحدث أن يكون عدد المفاهيم لكلمة واحدة مساويا لعدد المناقشين حولها على كثرتهم. فمن أوائل معايير النقاش البنّاء: الانطلاق من تحديد المفاهيم ومحاولة الاصطلاح على شيء بصددها، والاستعداد لقبول خطئية مفهومه الشخصي وصوابية مفهوم الآخر.

    ردحذف

الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي

بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...