الأحد، 28 ديسمبر 2014

مشروع القانون حول المدارس القرءانية : وقفة تأمل !


قبل بضعة أسابيع قام وزير التربية بجولة على عدد من زعماء الطرق الصوفية في السنغال  ومعه رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات مدرسي القرآن ليعرض عليهم مشروع قانون أعدته الحكومة السنغالية حول وضعية المدرسة القرءانية في النظام التربوي. ولقي الشروع - حسب الرواية الرسمية - ترحيبا لدى هؤلاء الزعماء باعتباره خطوة مهمة في سبيل دعم هذه المدارس على غرار الدعم الذي تتلقاه المدارس الفرنسية العمومية. وفي هذه الأيام عقد مسئولو "رابطة المدارس القرءانية" مؤتمرا صحفيا لإدانة المشروع لأن فيه - على حد تعبيرهم – محاولةً سافرة لإضعاف التعليم القرءاني وإطفاء شعاعه، وأعلنوا استعدادهم لمحاربته بكل الوسائل المتاحة.
وهذه القضية تحتاج في نظري إلى وقفة تأمل لدراسة الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع؛ فكيف تحولت قضيةٌ تُفترض أن تحظى بقبول مدرسي القرءان وترحيبهم وتفتحَ أبواب التفاهم والتعاون بينهم وبين الحكومة إلى قضية قد تؤدي إلى مواجهة بين الطرفين؟ فما هي الأخطاء المرتكبة من هنا وهناك؟ وما هي الاستراتجية المثلى لتفادي المواجهة المحتملة ولجعل المشروع في خدمة القرءان ومدارسه وأهله ؟
إن قضية المدرسة القرءانية في السنغال قضية دينية وتاريخية تكتسي بالأهمية والحساسية في آن واحد؛ فمنذ دخول الإسلام إلى السنغال لعبت المدرسة القرءانية دورا أساسيا في تحفيظ القرءان لأبناء المسلمين وتربية الأجيال المتعاقبة وحماية التراث الإسلامي ونشر ثقافته. ومع توسع الطرق الصوفية انتشرت المدارس القرءانية في المدن والقرى وعرفت تطورا كبيرا في العقود الأخيرة مع ظهور المدارس الداخلية internats واهتمام الجمعيات والمنظمات الإسلامية بفتح دور للتحفيظ. ومن جهة أخرى اتجه مسؤولو المدارس نحو تنظيم صفوفهم، فتشكلت جمعيات عديدة لمدرسي القرءان وأخيرا تكون اتحاد وطني لهذه الجمعيات.

وعلى الرغم من هذا التطور والجهود المبذولة من هنا وهناك لم تخل المدرسة القرءانية من مشاكل يعترف بها أهلها أنفسهم من النواحي التنظيمية والمالية والمهنية.

كانت المدارس القرءانية - وما زالت - تمثل إشكاليةً معقدة أمام السلطات السياسية المتعاقبة منذ عهد الاستقلال إلى الآن؛ فقد حاولت حينا تجاهلها دون اعتبارها مؤسسات تربوية تستحق الاهتمام والدعم والإشراف، وحينا آخر سعت بشكل حذِر لمعالجة بعض ظواهرها مثل ظاهرة التسول، كما ظل خريجوها غير معدودين في الإحصائيات التربوية الرسمية.
ومع مرور الزمن تأكدت هذه السلطات أن سياستها التربوية لا يمكن أن توتي أكلها وتحقق أهدافها إذا ظلت تتجاهل المدرسة القرءانية؛ فقد ازداد إقبال الناس إليها وأخفقت جميع المحاولات الحكومية لاستقطاب الأطفال نحو مدارسها النظاميةوظلت نسبة التمدرس في المدرسة الفرنسية العمومية منخفضة خاصة في بعض المناطق مثل لوغا (٧٦.١٪ ) وجوربل ( ٦١.٩ ٪ ) وكفرين (٥٣٪) حسب إحصائيات ٢٠١٣. ومن هنا اتجهت السلطات في العقدين الأخيرين بدوافع مختلفة نحو الاهتمام بالتعليم القرءاني والسعي لإدراجه في النظام التربوي الرسمي وذلك من خلال إنشاء إدارة خاصة بالمدارس القرءانية ووضع استراتجية شاملة لتحديثها.

وفي هذا الإطار جاء مشروع القانون حول وضعية المدرسة القرانية بهدف وضع نظام شامل لها لتصبح جزءا لا يتجزأ من المنظومة التربية الرسمية للبلاد وتتمتع بكل ما تتمتع بها المدرسة الفرنسية من حقوق وامتيازات على حد تعبير السلطة.

فإذا كان المشروع قد أثار غضب شريحة مهمة من المعنييين بالمدرسة القرءانية بعد أن كانوا يشتكون من لامبالاة الحكومات المتعاقبة بشؤونهم ومن عدم جديتها في التعامل معهم فلا بد من التساؤل حول الأسباب الكامنة وراء هذا الاختلاف. ويمكننا أن نفترض أن هناك سوءَ تفاهم ما قد حدث أو أخطاء ما قد ارتكبت في تسيير هذا الملف الحساس.

إن إدارة ملف حساس يتعلق بالمدرسة القرءانية تتطلب في واقع الأمر إشراك جميع الأطراف المعنية في كافة مراحل المشروع من خلال مشاورات واسعة النطاق، وإذا كان من حق الحكومة أن تستعين بخبرائها وتتعاون مع الاتحاد الوطني لجمعيات مدرسي القرءان في تصور وإعداد المشروع فمن واجبها أيضا أن تتحق من أن الاتحاد قام بدوره في الاتصال بقاعدته واستشارتها وأخذ رأيها.
ومما يُفهم من رد فعل رابطة المدارس القرءانية، إحدى مكونات الاتحاد، في مؤتمرها الصحفي ( طوبى ٢٥ ديسمبر ٢٠١٤) أن المشروع لم يتم إنزاله في القاعدة، وهذا - إن وقع - يعتبر خطأ استراتجيا من الاتحاد في عدم إشراك قاعدته في العملية ومن الحكومة في عدم المتابعة والتحقق من أن المعنيين في المقام الأول تم إشراكهم.

ومن جانب  آخر، كان على الرابطة بصفتها عضوا أساسيا وفعالا في الاتحاد أن تسعى عبر هذا الأخير لاتخاذ موفق موحَّد بعد دراسة المشروع ووضع اقتراحات تصحح ما تراه متعارضا مع مصلحة المدرسة القرءانية، وذلك  لدفع الحكومة نحو تعديله قبل اللجوء إلى وسائل الإعلام. لأن شن حملة إعلامية بهذا الشكل كرد فعل أولي من شأنه أن يحدث ثغرة في صفوف الاتحاد الذي تنضوي تحته أغلب الجمعيات من جهة، و يُعرِّض مصيرَ المشروع برمته للخطر من جهة أخرى . فمن المعروف أنه يوجد تيار متطرف من العلمانيين لا يود أن يسمع أي تدخل إيجابي للحكومة في شأن المدرسة القرءانية والتعليم الديني بصفة عامة، .

ففي مثل هذه الأوضاع ينبغي التعامل مع القضية بمسؤولية وحكمة من قبل جميع الأطراف إذا كان الحرص على المصلحة العليا للمدرسة القرءانية هو المحرك الأساسي. فعلى الرابطة أن تقوم بدراسة المشروع لصياغة مقترحات بديلة تشاركها مع الجهات الأخرى المكونة للاتحاد ليكون هناك صوت واحد يخاطب الحكومة، كما أن على هذه الأخيرة ألا تستهين بهذه الأصوات المرتفعة بل عليها أن تكون مستعدة لتوسيع نطاق الحوار والتشاور من أجل التوصل إلى حل ناجع ومرض للجميع . فالظروف التي يمر بها النظام التربوي والتحديات المختلفة التي أمامه تتطلب من كافة الأطراف المعنية السعي الجاد للتفاهم والتعاون وبنا ء ثقة متبادلة لخدمة المصلحة العليا لأبناء البلاد، ولا سبيل إلى هذه الغاية السامية سوى الحوار والمشاورة بعد إخلاص النوايا.

سام بوسو عبد الرحمن
تياس ٢٨ ديسمبر ٢٠١٤

مقالات ذات صلة 


هناك 7 تعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. أنا كخريج في هذه المدارس عند ما سمعت الإشاعات كدت أوافق الرابطة على ما تدعي، لكن بعد مراجعة المشروع بلغة القانون وجدت أن هناك سوء التفاهم ما بين الرابطة والحكومة، أو ما بين الرابطة والاتحاد،لأن كثيرا مما رأيته في المشروع ليس إلا مصلحة للمدارس القرآنية. وأدعوهم -إن كانت همتهم خدمة القرآن-أن يعقدوا جلسة للنقاش كي يحلوا عقد عويصات هذه المشاكل.

    ردحذف
  3. أرى أن حساسية مثل هذا الموضوع يرجع أساسا إلى أزمة ثقة بين سلطات هذه البلاد وقطاع عريض من حملة الثقافة العربية الإسلامية ممن لهم صلة بهذه المدارس القرآنية، والأمر في كل الأحوال يجب البت فيه بمنطق العقل لا بمنطق الانفعال والتسرع, وأزمة الثقة هذه إذا انتقلت إلى صفوف أهل هذه المدارس أنفسهم ، فذلك ينذر بخطر رهيب. وأظن أن المخرج هو العودة إلى الحوار بين الاتحاد والرابطة للم الشمل أولا، ثم بين الاتحاد والحكومة للوصول إلى حل يرضي الجميع. ولنتحل جميعا بروح الإيجابية والانفتاح فكل مشروع ربما يحوي إيجابيات وسلبيات، وعلى الجميع الاستفادة من الايجابيات والعمل الدؤوب على التخفيف من وطأة ما عسى أن يمثل سلبيات.

    ردحذف
  4. أستحسن كثيراماقاله ا لاخ الكريم المفتش سام بوصو،وأوافقه على وجوب الحواربين الطرفين(الحكومةوأهل القرآن)،إلاأن الامريحتاج إلى بعض السرعةحتى لايصل المشروع إلى نواب البرلمان ،المعهودين بسرعةقبولهم لأي مشروع قانون يصدرمن جهةحزبهم دون أدنى شيء من التأمل ،وبدون تقديم المصلحةالعامةعلى المصلحةالحزبيةالضيقة.فمحتوى المشروع جدخطيرعلى التعليم القرآني في هذاالبلدالمسلم ،فكل منصف أمعن النظرفي بنوده يرى بل يتأكدأن تطبيقهاكماهي تدميرتام للتعليم القرآني.فأناأستغرب كثيرامن بعض المسلمين الذين يوافقون على هذالمشروع الذي يستحيل على 95بالمئةمن مدرسي القرآن الكريم أن يطبقوها.

    ردحذف
  5. وإن كان لا بد من التعليق فأنا أرى أن يكون كلمة شكر ودعاء، لأنكم عالجتم هذا المأزق بكل دقة وموضوعية وتجرد فوضعتم النقاط على الحروف ببيان الطريق المؤدي إلى بر الأمان، فكرت وأطلت التفكير فلم أجد في مقالكم ما أزيد أو أنقص أو... أو... أو... بارك الله فيكم

    ردحذف
  6. أملنا الأول هو أن يطّلع على هذه التأملات الثاقبة كل من مسئولي الرابطةوالاتحادالوطني.وإذا كانت الرابطة قد أجطأت في شن حملة إعلامية ضد المشروع كرد فعل أولي، فإن اللائمة الكبرى نازلة على الاتحاد الوطني للأسباب التالية:
    1- عدم قيامه منذ أنشائه- على حد علمي - بإرساء آلية تواصلية بينه وبين قاعدته يغذيها بصفة منتظمة من خلال التبادل مع الأعضاء حول مختلف أنشطة الاتحاد.
    2- ثقة الاتحاد شبه العمياء في نوايا الحكومة وسياساتها إزاء المدارس القرءانية. لا نقول هذا عن سوء ظن نحو مواطنينا السنغاليين المشكّلين للحكومة ولكن انطلاقا من علمنا بأن الحكومة ترضخ تحت وطأة ثقيلة صادرة من مجموعات ضغط ذوات نفوذ هائل تجسّد السياسة الاستعمارية الجديدة.
    3- إن مشروعا من هذا النوع يتطلب تشكيل لجنة أو لجان فنية مشتركة واسعة(تضم الجانب الحكومي وخبراء المدارس القرءانية)لمدارسة المشروع من كل جوانبه وعلى وجه عميق للوصول ألى اتفاق بين الأطراف المعنية. أما الانغلاق لإعداد المشروع ثم الاكتفاء بعرضه على الزعامة الدينية دون القاعدة فذلك أجسم الأخطاء....

    ردحذف

إشكاليات في بعض المفاهيم المريدية… إصدارٌ جديد للدكتور خادم سِيلا

تمثِّل المفاهيمُ أدواتٍ ضروريةً لبناء المعارف وتوجيهِ التفكير، ولذلك تؤثر تأثيراً بالغا في مواقف الناس وسلوكياتهم. وهي تتشكَّل ضمن سياقات مع...