**************** الحق ثابتٌ وأما الباطلُ ******** وإن علا فزاهقٌ وسافلُ ****************
الخميس، 21 ديسمبر 2023
وأقيموا الشهادة لله!
الأربعاء، 20 ديسمبر 2023
وداعا أيها الصديق الوفي!
الخميس، 7 ديسمبر 2023
مقصد الترك أومفهوم البدعة في نظر العلامة الشيخ عبد الله بن بيه
[1] الشيخ عبد الله بن الشيخ محفوظ بن بيه، مشاهد من المقاصد، مركز الموظأ، ط 5، 2018 ص 183-210. وهذا الكتاب هو مرجع هذه المقالة.
مقالات ذات صلة
البُعد المقاصدي في فكر العلامة الشيخ عبد الله بن بيه
منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة . ... دور ريادي في نشر ثقافة السلم
الأحد، 12 نوفمبر 2023
11 نوفمبر 1902م : دروس من عودة الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه من غيبته البحرية
دراسة حول الأبعاد الدينية والاجتماعية للمغال
الثلاثاء، 3 أكتوبر 2023
لنضع خطاب الشيخ محمد المنتقى – حفظه الله - في سياقه!
في الحقيقة، يتوهم بعض الناس أن مشكلة ما قد طرأت، ويأتي بيان
الشيخ الخليفة بمثابة رد فعل أو استجابة لهذه المشكلة الطارئة، وربما أدى عدم إدراك
سياق الحديث إلى سوء فهم مدلوله لدى هؤلاء.
ونود هنا أن نوضح أن هناك، في واقع الأمر، لجنةً شُكلت منذ خمس
سنوات (في إطار المشروع التربوي الكبير الذي رفعه الشيخ محمد المنتقى في فبراير
2018) وكُلفت بإصلاح البرامج التعليمة المعمول بها في طوبى بهدف تنظيم العملية التربوية
فيها، وحل مشكلة الفوضى السائدة في قطاعها التربوي.
وكان عمل هذه اللجنة جماعيا، شارك فيه أهمُّ المؤسسات التربوية في
طوبى، وعدد كبير من المفتشين التربويين، وكذلك ممثلون للسلطات التربوية الجهوية، وتمَّت
المصادقة على نتائج أعمالها مصادقةً تقنيةً ومؤسساتية بمشاركة وزارة التربية الوطنية.
1- برنامج المدارس العربية الإسلامية المشتركة بين المؤسسات
الإسلامية الكبرى المعدَّة في إطار ما يسمى بـ"لجنة السهر"؛
2- برنامج المدارس الفرنسية العربية الحكومية؛
3- برنامج التعليم العربي والديني في المدارس الفرنسية
الكلاسيكية.
وبعد انتهاء اللجنة من عملها أنشئت إدارةٌ خاصة داخل مجمع الشيخ
أحمد الخديم بطوبى للسهر على هذه الإصلاحات، وعلى تطبيقها من قبل المدارس العاملة في
طوبى، بالتعاون مع المفتشية الجهوية من جهة، ولمساعدة أصحاب هذه المدارس وتأطيرهم
من جهة أخرى.
واجْعلْ
بنائيَ بناء عِلمِ وعمل بسنـــة
وحلـــم
واجعله
دأبا مسكنا التعلم وموضع الفكرة
والتفهم
وموضع
الإرشاد والتعليم وموضع التصويب
والتفهيم
فطوبى تظل متقيدة بمنهج الشيخ الخديم رضي الله تعالى عنه الداعي إلى توطيد الأخوَّة الإسلامية
ووحدة المسلمين، كما يتجلى في قوله رضي الله تعالى عنه:
والمؤمنون إخوةٌ والمؤمنات لي أخواتٌ وحياتي حسنات
وفي قوله:
ولا تعادوا من رأيتم فاه يخرج
لا إله إلا الله
وستبقى طوبى إن شاء الله تعالى - تحت قيادة سماحة الخليفة الشيخ محمد المنتقى الحكيمة - حريصة على تماسك المجتمع وانسجامه وتقدمه وازدهاره، وستظل تعمل جاهدة لضمان الاستقرار والتفاهم والاحترام المتبادل، مع الحفاظ على منهج الشيخ أحمد الخديم رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
د. سام بوسو عبد الرحمن
الاثنين، 18 سبتمبر 2023
"طوبى : مصير مدينة-عالَم" ... كتابٌ قرأته
أولا- محتوى الكتاب
يتناول الكتاب الموضوعات الآتية:
-
اللامركزية
تناول الكاتب في بداية كتابه موضوع اللامركزية décentralisation فتحدث عن
أسسها وتاريخها في السنغال، وأهدافها، كما تعرض لصعوباتها التطبيقية.
-
الطريقة
المريدية والشيخ المؤسس والتصور الإسلامي للمكان
ثم تناول المريدية
باعتبارها طريقة الاتباع للسنة النبوية الشريفة ومشروعا مجتمعيا يقترح نموذجا في
استخدام المساحة يهدف إلى خلق التنمية المتناسقة للمريد.
-
طوبى
بصفتها مدينة مثالية
وفيما يخص التصور
الإسلامي للمساحة عند الشيخ الخديم، تناول الكاتب مدينةَ طوبى بصفتها مدينة مثالية
أو نموذجا للجنة فوق الأرض، ونظرةَ الشيخ حول وظيفة هذه المدينة الروحية، ويقول
بخصوص طوبى:" إن مدينة مثل طوبى أسست لعبادة الله تعالى وليست لها مهمة
سواها، وهذه الهوية الأولى يجب أن تكون مبدأ أساسيا في جميع الجوانب لإدارة
المدينة، وعليها أن تحتفظ بهويتها وإلا ستصبح مدينة عادية أخرى مع جميع المشكلات
الملازمة التي تكدر صفو الحياة فيها (قلة الأدب ، الفساد، المخدرات ...)
في المساعي الرامية إلى مساعدة طوبى لتحتل مكانتها في التوزيع
الإداري السنغالي، لا ينبغي إغفال أن المريدية مدرسة روحية، وطوبى أكبر مراكزها؛
فهي مدرسة مهمتها إنتاج مواطن مثالي، مصدر للسلام والاستقرار، وقلعة أمام قلة
الأدب والسرقة والعنف والمخدرات .
-
طوبى في
سياسة اللامركزية في السنغال
وفي هذا الموضوع تناول المؤلف الوضعية الحالية غير الملائمة
لطوبى وكيفية إدارة المناطق في الوسط المريدي، كما شرح المبررات التي تظهر أهمية
مشروع الوضعية الخاصة (statut spécial) لطوبى كما
بين ضرورة إضفاء طابع إقليمي على أسلوب الإدارة.
وهنا يتناول ملامح الوضعية الخاصة لطوبى ويقترح هيكلا تنظيما ومجلسا للشورى
-
آليات
تحسين التنمية الإقليمية لمدينة طوبى المحروسة
هنا يعالج المؤلف العوامل التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق
التنمية في المدينة؛ وفي هذا الإطار يعرض عددا من الحقائق التي يجب أخذها في
الاعتبار:
§ أن الأتباع المريدين أنفسهم يُمثلون رأس المال الأول
لمدينة طوبى، لما يتمتعون به من روح التضحية والتفاني والخدمة، ولوجود نخبة مثقفة
وذات كفاءات متعددة ومستعدة لخدمة الوضعية الخاصة للمدينة، ولرسوخ روح البذل
وتقديم الهدايا التي تعتبر محركا للطريقة المريدية ومؤثرا في خدمة التنمية.
§ أن جاذبية مدينة طوبى (بنظافتها وجمالها وأمنها ...) يمكن
أن تسهم في نشر تعاليم الشيخ الخديم في العالم.
§ أن للتكنولوجيات الجديدة دورا فعالا في تسيير وإدارة
المدن، ويمكن أن تُمكن طوبى من إدارة
أماكنها العامة .
§ طوبى تُعد مدينة إشعاع علمي وملتقى ثقافي انطلاقا من
تعاليم الشيخ في مجال العلم، ويـأتي مشروع مجمع الشيخ الخديم ليكون مركزا مرجعيا
ورائدا في التكوين الجامع بين الأصالة والمعاصرة.
§ أن الشيخ الخديم أراد أن تكون طوبى مدينة سلام وأمن،
وهنا تكمن ضرورة توفير شرطة محترفة
وأدوات مراقبة.
§ من الضروري أن تكون طوبى مدينة أنوار بجود خطة للإضاءة في المناسبات الدينية،
ولإنارة الشوارع الكبرى.
§ من الضروري أن تكون طوبى مدينة خضراء بوجود حدائق
ومساحات خضراء ومياه جارية
§ ضرورة حل إشكالية الماء في طوبى، وهناك استراتيجيات
قادرة على تحقيق ذلك .
§ لطوبى إمكانيات في أن تكون مدينة الندوات الكبرى، لما
تجمعه من عدد كبير من الزوار سنويا ولموقعها الاستراتيجي القريب من المدار الدولي
ووجود الطريق السريع.
§ ضرورة توفير مرافق صحية عالية الجودة متخصصة في الأمراض المزمنة لتكون طوبى قبلة تقصد لشفاء أمراض الأبدان كما تقصد لشفاء أمراض القلوب.
-
طوبى مدينة
صامدة
تناول المؤلف هنا ضرورة كون طوبى – كما أراده المؤسس- مدينة صامدة وبيئة صافية يتوافر فيها السلام والأمان، وذلك بوجود إدارة للمخاطر، وخطة للطوارئ وللحماية المدنية ، وإدارة للنفايات، وإدارة للصرف الصحي.
-
التمويل
المحلي وجباية الأموال من قبل السلطات المحلية
وفيما يخص التمويل يرى المؤلف ضرورة وجود مصلحة خاصة بالجباية
وبجمع المعلومات والاحصائيات المتعلقة بالوضع المالي، ويقترح ما يلي:
§ إعادة تحديد الوعاء المالي
§ إيجاد مرصد للوعاء المالي
§ الاعتماد على الذات في تمويل تنمية المدينة لوجود
الإمكانيات
§ إيجاد صندوق استثمار في خدمة المريدية
ثانياً - خلاصة الأفكار الرئيسية الواردة في الكتاب:
قدم المؤلف نبذة تاريخية عن اللامركزية (التقسيم الإداري
للمناطق) ابتداء من عهد الصحابة إلى عهد الاستعمار مرورا بالإمبراطوريات.
وجه انتقادات إلى السياسة العامة في مجال تخطيط، وأكد ضرورة مراعاة الجوانب الروحية والثقافية في تخطيط الأراضي (ص١٦)
قدم المريدية "باعتبارها مشروعا مجتمعيا هدفُه بناءُ
شخصية مستقلة وخلقُ بيئة واقتراح نموذج تربوي يرافق الإنسان من المهد إلى اللحد "
وطوبى هي المكان المناسب لتحقيق هذا الهدف (ص ٢٤)
وسبب بناء طوبى هو تمكين المريد من القيام بواجباته تجاه نفسه
وتجاه خالقه وتجاه المجتمع، وهي واجهة الطريقة المريدية ولذلك يجب دراسة جميع
التفاصيل المتعلقة بها بالخبرة اللازمة.
يجب مراعاة "الاحتياجات الروحية للسكان خلال التخطيط
العمراني وإدارة المخاطر، وجودة الحياة ...."
يجب الجمع بين الإجراءات والعملية الحكومية والقواعد الإدارية
من جهة وبين آداب وطاقة العمل المريدي والحماسة والالتزام من جهة ثانية من أجل
ضمان إشعاع لمدينة طوبى
فيما يخص وضع طوبى في سياسة اللامركزية لا حظ المؤلف المشكلات
الآتية
- التزايد السريع في عدد السكان بدون مسايرته بالمرافق والتجهيزات اللازمة
- التأخر في الاستثمارات حول المرافق العامة
- عدم كفاية المياه
- صعوبة إدارة المدينة
- الهوة بين ضخامة الأولويات وبين الوسائل البشرية والمالية
إن وضعية طوبى الحالية غير ملائمة:
- توجد مفارقة في قلة ميزانية البلدية مع استعداد المريدين للمساهمة في تنمية المدينة، ومن هنا ضرورة تكييف إدارة المدينة مع واقعها الاجتماعي والديني
- هناك غموض في تقاسم الأدوار بين الخلافة والدولة (ص ٣٤)
-
اقتراح
وضعية خاصة لطوبى Statut spécial
يرى المؤلف بعد هذا التشخيص ضرورة التغيير في كيفية إدارة
منطقة مريدية مثل طوبى وذلك "بوضع الخليفة في قلب المنظومة الإدارية مع إعطاء
الدولة حضورا يمكنها من الحفاظ على صلاحياتها"
فالأسلوب التقليدي لإدارة المناطق غير ملائم لطوبى فالسلطة
الدينية لا غنى عنها فيها، ويجب ابتكار أسلوب إدارة مختلط يجمع بين السلطة الروحية
والسلطة الزمنية في ديناميكية واحدة للتنمية
ويمكن لمفوضية خاصة Délégation Spéciale أن تصحح المسار : فلا توجد سوى سلطة واحدة : الخليفة الذي يساعده المفوض الخاص على رأس خدمات (مصالح ) البلدية. وقد اقترح هيكلا تنظيميا للمفوضية الخاصة ومجلسا للشورى.
يقترح المؤلف هنا إيجاد وضعية خاصة لطوبى، ويبرر هذا الاقتراح
بالآتي:
§ ضرورة تكييف أسلوب الإدارة مع إدارة المنطقة المعنية.
§ جعل حكم الأراضي مترسخا في حقائق المجتمع وذلك باستلهام
قيمنا وهويتنا بالاعتماد على الديناميكية والشرعيات المحلية (ص ٥٢)
§ ضرورة التخلي عن النموذج الغربي وتبني نموذج محلي صارم
ومرتبط بواقعنا المعاش (مثل نموذج الشيخ الخديم)
§ ضرورة مواصلة التفكير الذي بدأ في ٢٠١٥ حول وضعية طوبى الخاصة
اختتم المؤلف كتابه بالأمور التي يمكن أن تسهم في تحقيق التنمية لطوبى والاستراتيجيات الملائمة لتوفير هذه الأمور.
الخاتمة
هذا الكتاب يتمحور حول كيفية إدارة مدينة طوبى إدارةً ملائمة
لخصوصيتها الدينية ومحققة لتنميتها الشاملة وذلك بالتخلي عن الأسلوب التقليدي وابتكار
أسلوب جديد يجمع بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية في إدارتها. ويقترح لهذا
الغرض أمرين:
§ إيجاد مفوضية خاصة لتسيير البلدية تكون تحت سلطة الشيخ
الخليفة
§ إعطاء وضعية خاصة لمدينة طوبى
وبالجملة يطرح هذا الكتاب قضايا مهمةً حول تسيير المناطق،
ويقدم أفكارا واقتراحات قيمة حول مدينة طوبى قد تفيد المدينة وتفيد الدولة معا. والمؤلف
بصفته خبيراً في هذا المجال (اللامركزية وإدارة الأراضي) ومريداً مهتمّاً حريصاً
على مصلحةِ مدينة طوبى وسُكَّانها يدعو إلى مواصلة التفكير حول إيجاد وضعيةٍ
مناسبة لِطوبى. وهذه الخطوةُ من المؤلف نموذجٌ يحتذى به بالنسبة للخبراء المريدين
والمتخصصين في مجالات أخرى.
د. سام بوسو عبد الرحمن
الخميس، 31 أغسطس 2023
الشيخ محمد المنتقى ورؤيته التربوية
التربية والتعليم في الإسلام وفي المريدية
تحتل التربية والتعليم مكانة بارزة في سائر الأديان السماوية عموما، وفي الإسلام خصوصا، فقد بين القرآن الكريم أن التزكية والتعليم يأتيان في مقدمة مهام الأنبياء والمرسلين يقول تعالى :"هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين"[الجمعة، ٢]
وفي الآيات الأولى المنزلة من الذكر الحكيم إشارة جلية إلى وسائل التربية والتعليم من قراءة وكتابة ودعوة إلى استخدامها؛ يقول تعالى "اقرأ باسم ربّكَ الذي خلق *خلقَ الإنسان من علق* اقرأ وربّك الأكرم *الذي علَّمَ بالقلم*علَّمَ الإنسان مالم يعلم".[العلق ١-٤]
وكان النبي صلى الله عليه وسلم المربي والمعلم الأول، ربّى أصحابه بسلوكه وأقواله على القيم الإسلامية السامية، وهداهم على الصراط المستقيم، فنشروا الإسلام، وسيطروا على مناطق شاسعة، وبنوا حضارة عظيمة في فترة قياسية.
وسار على خطى صحابته الكرام العلماء الصالحون ورثة الأنبياء، ومنهم شيخنا أحمد الخديم رضي الله تعالى عنه، وقد عُرف بجهاده الشريف الذي جاهده لرفع راية الإسلام وإقامة مجتمع إسلامي حقيقي مستخدما فيه وسيلتي التربية والتعليم. وكانت مهمته الأساسية تجديد الدين وإحياء السنة النبوية الشريفة بالتعليم والتأليف والتربية على العمل وعلى الأخلاق السامية. وبفضل دعوة الشيخ الإصلاحية التي لقيت استجابة سريعة نشأت الطريقة المريدية منهجا للتربية والتزكية والخدمة.
وفي إطار هذه المهمة الجليلة، خلّف الشيخ رضي الله تعالى عنه تراثا علميا ضخما من مؤلفات ومراكز علميةٍ كان مريدوه يشرفون عليها، كما أطلع كبار مريديه على نيته إقامةَ صرح علمي كبير في طوبى، أعدَّ له العدة، من جمع الكتب والمراجع وإعداد المعلمين والمربين، قبيل انتقاله إلى جوار ربه، سنة ١٣٤٦هـ (١٩٢٧م).
وقد حرص خلفاء الشيخ رضوان الله تعالى عليهم وأبناؤه وكبار مريديه على النهوض بمهمة التربية والتعليم، فاهتموا ببناء المدارس لتحفيظ القرآن، وإنشاء مراكز لتربية المريدين. فانتشرت في طوبى وغيرها من قرى الطريقة المدارسُ والمجالسُ التعليميةُ، وظهرت فيها منذ الستينيات من القرن العشرين الميلادي معاهدُ إسلامية نظامية، أبرزها معاهد الشيخ أحمد امباكي غيدي فاطم ومعاهد الشيخ محمد المرتضى المعروفة باسم المعاهد الأزهرية. وفي هذه البيئة العلمية نشأ وترعرع الشيخ محمد المنتقى عالما مربيا ومحبا للعلم والعلماء.
الشيخ محمد المنتقى عالما ومربيا
عرف الشيخ محمد المنتقى، قبل أن يصل إلى سدة الخلافة، عالما مربيا محبا للعلم وداعيا إلى العناية بالتربية والتعليم. فقد كرّس جزءاً كبيراً من حياته لتحصيل العلم بالتعلُّم والاطلاع، وعانا في ذلك معاناة كبيرة، وفتح الله تعالى عليه، فحصل منه على حظ وافر. يتحدث الشيخ بنفسه عن مسيرته الدراسية فقال: وبدأتُ دراسة القرآن في السنة الخامسة من عمري، ثم نقلني منها شيخي ووالدي الشيخ محمد البشير إلى "طوبى امبل"، قرية من مؤسساته، ثم نقلني منها إلى "جربيل" العاصمة الأقليمية، وأكملت دراساتي القرآنية على يد الشيخ مور امبي سيسي معلم القرآن الصالح الشهير.
ثم عدت إلى قرية "طوبى امبُل" بإذن من الشيخ الوالد فبدأت دراسة العلوم الشرعية واللغة العربية على العلامة الإمام العادل الشهير الشيخ حبيب الله، وذلك في أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات.
وفي عام 1953م دفعتني نزعة علمية إلى الطلب من الشيخ الوالد إذنه بالخروج من البلد إلى مورتانيا فأذن لي، فتعلمت في مورتانيا اللغة العربية، وحينما أتقنت علمي النحو والصرف عدت إلى السنغال، وتابعتُ دراساتي - بإذن من الشيخ الوالد - على العالم العلامة الصالح الشيخ محمد دم في "جربيل" رحمه الله تعالى.
وبعد هذه الرحلة العلمية الثرية لم يشف غليل الشيخ من المعرفة، فعقد العزم على الرحيل مرة أخرى ولكن والده صرفه عن ذلك، وأرشده من جديد إلى العالم العلامة الشيخ حبيب الله امباكي، رحمه الله تعالى، وفي ذلك يقول : "وفي أواخر الخمسينيات شغفتني مرة أخرى تلك النزعة العلمية بصورة عجيبة، ولكن الشيخ الوالد نصح لي بالإقامة فقال لي: "إن الشيخ حبيب هذا عالم وهب له الله فهما متميزا عليك بالإقامة ومراجعة جميع ما درسته وتصحيحه وتكميله عنده"، ففعلت ذلك حتى درست عليه مختصر الشيخ خليل وعلم العروض.
اشتغل الشيخ محمد المنتقى بالتربية والتعليم بعد مرحلة التحصيل، فأنشأ عددا من المعاهد للتربية والتعليم، منها معهد الشيخ أحمد الخديم لتحفيظ القرآن الكريم وللدراسات الإسلامية، في طوبى (١٩٩٦) ومعهد توغار، ومعهد طيب النفس. وفي هذه المعاهد تقيم غالبية التلاميذ ويعيشون على نفقة الشيخ وتحت رعايته الشاملة.
وأما محبة الشيخ محمد المنتقى للعلم والعلماء فهي معروفة للجميع، ويشهد لها سلوكُه مع العلماء من إكرام وبذل وإعانة، ومع العلم من قراءة ونشر. فالشيخ يُقرب العلماء ويُكرمهم، ويساعدهم ويتبنى أعمالهم.
ومنذ عدة سنوات يخصص الشيخ محمد المنتقى نهارا كاملا يلتقي فيه بالمشتغلين بالعلم لتكريمهم وتشجيعهم، فيُعد لهم ما لذَّ وطاب من الأطعمة والأشربة، ثم يعقد معهم جلسة يستمع إليهم قبل إلقاء خطاب تشجيعي إليهم.
ولما وصل إلى الخلافة جعل التربية والتعليم في مقدمة أولوياته، وكان المشروع الأول الذي بادر بإقامته هو بناء صرح علمي كبير تنفيذا لرغبة جده مؤسس الطريقة المريدية.
وكان هدف الخليفة الجديدة توطيد مكانة العلم والتعليم في مدينة طوبى؛ وذلك لرفعها إلى صفوف المدن الإسلامية المعروفة في العلم؛ كالمدينة المنورة والكوفة والبصرة. فمن ثَم، طمح إلى إيجاد برنامج تربوي متكامل مَبني على أسس التربية الإسلامية، وجامع لجميع المجالات العلمية الضرورية في الحياة الدينية والدنيوية للإنسان. والمشروع يهدف كذلك إلى تحقيق أحد أهم مشاريع الشيخ الخديم الذي كان يريد أن يبني في طوبى مركزا علميا يستقبل الدراسين من جميع أنحاء العالم.
مجمع الشيخ أحمد الخديم للتربية والتكوين
وفي هذا الخطاب وضع الشيخ الخطوط العريضة للمشرع من أهداف وغايات بعيدة، وبرزت فيه رؤيته البعيدة في التربية، ومن أبرز النقاط الواردة فيه:
· أنه أقام المشروع من باب الخدمة،
• أنه طالما نذر إقامة مدرسة لصالح الأمة تكون امتدادا لتلك المدرسة التي ذكرها شيخنا الخديم،
• أنه لا يمكن إحياء تراث الشيخ إلا بالاعتماد على العلم،
• وأن العلم يمثل أولوية بين جميع مجالات الخدمة،
• وأن المشروع يشمل جميع مراحل الدراسة من البداية إلى القمة،
• وأنه يكرس حياته وجميع إمكانياته لإنجاز هذا المشروع.
ويمكن أن نستنتج من ذلك الخطاب حرصَ الشيخ منتقى على خدمة شيخه الشيخ الخديم في مجال التربية والتعليم وفقا لطبيعة العصر، وبعدَ نظر ه وعلوَّ همته، حيث يرتفع سقفُ طموحاتِه إلى فترة ثلاثة قرون، ويرنو إلى المدن العلمية العريقة (المدينة المنورة، البصرة، الكوفة)، ونلمس فيه أخيراً تقديرَه للكفاءات الذاتية بإناطة المسؤولية على عاتق علماء الطريقة بقيادة روض الرياحين.
واجعله دأبا مسكن التعلم ومـوضع الفكرة والتــفهم
وكان الشيخ المؤسس رضي الله تعالى، قد أعد العدة لإقامة صرح علمي يكون مقصد الطلاب من مخلف أرجاء المنطقة، فجاء هذا المشروع إسهاما في تحقيق رغبته.
د. سام بوسو عبد الرحمن
الآفاق المستقبلية لإدماج المدارس القرآنية في النظام التربوي الرسمي
بمناسبة الدورة الثالثة للاحتفال باليوم الوطني للدارات في السنغال، نظمت وزارة التربية الوطنية جلسات علمية قيمة في يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024...